إعلام المقاومة ونقاط على الحروف
|| صحافة عربية ودولية || العهد
يكثر الحديث عن الإعلام ووظيفته وتقييم مهنيته ورصد اغراضه، ودوما يتطرق الحديث الى إعلام المقاومة.
وتنقسم الأراء حول اعلام المقاومة، ما بين راض ومدافع بعنف ورافض لأي انتقادات، وبين ناقم ومبالغ في النقد الذاتي لدرجة الجلد، وبين من يرى ان هناك دوما حاجة الى التطوير، خاصة مع تطور الإعلام ووسائله وتقنياته، وفي ظل شبه سيطرة لمعسكر العدوان وتوابعه على الساحة الاعلامية.
ونظرا لأهمية الاعلام ودوره كسلاح من اسلحة المقاومة، نرى من الواجب تحسس موقع قدم المقاومة في هذا المجال، وهو ما يقودنا أولا لمناقشة عدة امور عن طريق الاجابة عن التساؤلات الرئيسية التالية:
اولا: هل هناك بالفعل سيطرة اعلامية للمعسكر الاستعماري وذيوله؟
ثانيا: ما هي أسباب هذه السيطرة ان وجدت؟
ثالثا: هل يوجد قصور في إعلام المقاومة، وما هي سبل إصلاحه؟
وللاجابة عن هذه الاسئلة، ينبغي أولا لفت النظر الى عدة امور، منها ما يتعلق بطبيعة الإعلام، ومنها ما يتعلق بطبيعة المعسكرات، عبر مقدمات نظرية واجبة:
أـ ما يتعلق بطبيعة الاعلام:
ـ الاعلام من اكثر المصطلحات التي اتخذت دلالات متنوعة، ومن اكثر المجالات التي انحرفت ممارساتها لتحقق نتائج مناقضة للتعريف، فهو من السعة بما يسمح بالانتهاكات وحرف المسار، ومن الاهمية بما يحول ممارساته لساحات حرب ونزال.
ـ خطورة الاعلام ان تأثيراته تتخطى الحاضر لتؤثر وترسم ملامح المستقبل، كما انها تسهم في التوثيق وكتابة التاريخ، ومن هنا فإن للاعلام ابعادا زمنية مضافة للابعاد المكانية التي يؤثر فيها بشكل مباشر.
ـ الاعلام مصطلح شارح لذاته، فهو بالتعريف يتعلق بإيصال الخبر والموقف، الا ان انحرافاته وصلت به لعكس وظيفته، حيث ادت الى التضليل، والتعتيم وقلب الحقائق وتزييف الحاضر والتاريخ، بما جعل معظم وسائله تخرج من نطاق الاعلام الى نطاق الدعاية، والفارق هنا كبير.
نعم تلتصق كلمة الدعاية بكلمة الاعلام لتشكل مصطلح “الدعاية الاعلامية” الا انه يبقى شيئا مختلفا عن الاعلام ووظيفته الحقيقية السامية.
ـ كما ان الإعلام جهد وتكلفة وهو بالتالي يتطلب تمويلا، ومع تطور وسائله، اصبح التمويل فارقا في ايصال رسائله، وخاصة مع التغيرات التي اصابت الوعي الجمعي، والتي فرضت واقعا جديدا لاستقبال الرسائل الاعلامية.
ب ـ ما يتعلق بطبيعة المعسكرات:
ـ معسكر الاستعمار لا يتورع عن استخدام كافة الوسائل والاساليب التي تحقق اغراضه، مهما تنافت مع الحقائق والاخلاقيات، عملا بقاعدة ميكافيللية شهيرة وهي “الغاية تبرر الوسيلة”، فيما معسكر المقاومة ملزم بقواعد اخلاقية ملتزمة.
ـ ومعسكر الاستعمار اتخذ مبكرا من الاعلام سلاحا رئيسيا في حروبه، بل يكون هو السلاح المتقدم والبادئ للغزو والمواجهات، فيما اتخذ معسكر المقاومة من الإعلام سلاحا من ضمن عدة اسلحة، وكان في الغالب سلاحا تابعا ومكملا لمواجهاته.
ـ انتشرت مدارس اعلامية غربية متعددة، ولكنها حديثا منبثقة من مدرسة “جوبلز” وزير الدعاية النازية، والقائمة على التأطير، وهو باختصار، رسم لاطار محدد للمتلقي لا يستطيع الخروج عنه وبالتالي يظل محاصرا في فلك استعماري مرسوم بعناية، كما تعتمد على الكذب المتكرر ليصدقه الناس في نهاية المطاف، فيما تعتمد المقاومة على مدرسة اخبارية عمادها اعلام حربي، الى جانب اعلام توعوي وتعبوي.
من هذه المقدمات النظرية يمكن لنا ان نجتهد في الاجابة عن التساؤلات الموجودة بصدر المقال كما يلي:
اولا: هناك بالفعل سيطرة لمعسكر الاستعمار وتوابعه، ولكنها ليست في مجال الإعلام ولكن في مجال الدعاية، اي انها سيطرة دعائية وليست اعلامية، بالمعنى المهني للإعلام.
ثانيا: اسباب السيطرة هي ما يفرضه منطق الدعاية من اساليب لا تستطيع المقاومة مجاراتها، لاسباب اخلاقية، تارة، كما لا تستطيع تفنيد الكثير منها ومقاومتها بفعل التمويل، حيث المجال الاعلامي لا يتخذ اولوية متقدمة كما هو الحال لدى المعسكر الاخر، وبالتالي فان حجم ميزانياته تتوجه لميادين القتال كاولوية قصوى، ناهيك عن فارق الامكانيات المادية بين المعسكرين بفعل التراكم الرأسمالي الاستعماري، ناهيك عن الحصار الذي تتعرض له المقاومة.
ثالثا: لا بد من الاعتراف ببعض القصور في إعلام المقاومة المتقدم رغم الحصار ورغم القيود المادية والاخلاقية، لأن الاعتراف يقود الى مزيد من التطوير، وهذا القصور قد يتمثل في بعض التأخر عن الوصول لقطاعات كبيرة من الشباب المستهدف من قبل الإعلام المعادي بكل المغريات، ما يتطلب اجتهادا وابداعا في هذا الإطار، كما ان اعتماد مبدأ الوقوف مع الحق كواحدة من نقاط القوة، يتطلب جهدا في بيان الحق مراعاة للمستجدات التي طرأت على الوعي الجمعي، وحجم ما تلقاه من ضلالات وتشويش وبلبلة.
تبدع المقاومة في ميادين القتال واستطاعت فرض معادلة توازن الرعب مع العدو رغم فوارق الامكانيات والتمويلات، وتعمل لتولي الإعلام ذات الاهمية في الابداع.
قد يعيب البعض على المقاومة ابداء التسامح مع تيارات تخلت عن المقاومة وعملت ضد مصالحها، وهؤلاء نقول لهم، ان المقاومة تتصرف بمسؤولية تجبرها على ابطال الذرائع واقامة الحجة وفتح الباب دوما للم الشمل على خلفية المقاومة، ولكم ان تعيبوا عليها فقط عند التنازل عن مبادئها ارضاء لاي طرف.