الإجماع.. في مسألة الدفاع
|| مقالات || حمود عبدالله الأهنومي
حالةُ الدفاع حالةٌ فطرية غرزها اللهُ في الإنسان، والحيوان، وفي مخلوقاتٍ أخرى، وهي قضيةٌ عقليةٌ مبتوتة، يُحسِّنُها العقل، ويأمُرُ بها، ويقبِّح خلافَها؛ باعتبار ملائمة ذلك للطبع؛ وهو أمرٌ يشترك فيه الحيوان مع الإنسان، ثم باعتبار مدح المدافع، والثناء عليه عاجلاً وآجلاً، وذمّ المتخاذل والخائن والتعييب عليه عاجلاً وآجلا، وتلك أهم اعتبارات التحسين والتقبيح العقليين لدى فلاسفة المعتزلة والزيدية وأهل العدل والتوحيد.
ونجدُ هذه المسألة اليوم مسألة مُجمَعًا عليها بين جميع عقلاء العالم، والأمم، والشعوب، في مختلف الأزمنة والأمكنة، وذلك علامة القضايا العقلية الفطرية؛ فهم يثنون ويفتخرون بأبطالهم المدافعين عن بلدانهم، ويعتبرونهم رموزا خالدة، يكنون لهم الاحترام، ويظهرون إياهم التبجيل، ويدرّسون تضحياتهم وبطولاتهم للأجيال، أما أولئك المقصرون في الدفاع عن أوطانهم ومبادئهم والمتخاذلون فهم مذمومون، ومعيبون، وخونة، ويشار إليهم ببنان النقص، وعبارات السُّخرية، وألفاظ الذم.
في حياة الحيوان.. تقاتِلُ الدجاجة بشراسةٍ منقطعةِ النظير في الذَّود عن كتاكيتها الصغار، والهِرُّ يتحوَّلُ إلى أسدٍ هَصُور حين يحاصَر بالهجوم، والقنفذ يحتمي بلباسٍ من الأشواك، ويتكوّر على نفسه ليحميَ أجزاءه السفلية، وبعض الحشرات والحيوانات تدافعُ عن نفسها بالتمويه وبتغيير الشكل واللون، وبعضُها تعمَد إلى إلقاء الرعب في الحيوانات المفترسة عن طريق نفخ نفسها، أَوْ بالصفير، وبعضُها يدافعُ بالقرون، وبعضُها بالأنياب والفكوك السامة، وبعضُها بالمناقير أَوْ المخالب أَوْ الأشواك، وبعضُها بالرفس، وبعضها بإفراز سائل غازي يتبخر بسهولة، ومنها ما يتمكّـن من إحداثِ صدماتٍ كهربائية لصعق العدو، وهناك أنواع كثيرة من الحيوانات وغيرها.. ولها وسائلُ دفاعية مختلفة ومتعددة.
إن سُنَّةُ التدافع سُنة قرآنية، وهي سنة فطرية فطر الله خليقتَه عليها؛ قال الله تعالى: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ) [البقرة:251]، وقال تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:40].
وبما أن حالة الصراع قائمة وحتمية ولا يمكن لأحدٍ أن ينجوَ منها فلا بد من اتخاذ وضعية الدفاع والجهوزية التامة؛ لكي يتحقّق التوازن في هذا الكون الذي به عماد استمرار الحياة. ولكي يُحْفَظَ دينُ الله، وتصانُ ملته. ولئلا تُهْدَم البيعُ والصلوات والمساجد، وأماكن العبادات التي ترمز إلى حق الإنسان في التوحيد لله تعالى، وأن الاعتداء على التوحيد وكل ما يمت إليه بصلة يوجب الاستنفار والتحَـرّك في الدفاع عن هذا الحق المقدس. ولكي لا تفسد الأرض بالقضاء على الإنسانية وأخلاقها الفاضلة وقيمها النبيلة. وحتى لا تفسد الأرض بالظلم والطغيان.
ولهذا شرع الله القتالَ؛ قتالَ المظلومين ضد الظالمين، وقتالَ المستضعفين ضد المستكبرين، وقتالَ الذين أُخرجوا من ديارهم ضد المعتدين؛ قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحج:39].
بل إنه في حالة الدفاع يجبُ وجوباً، ولا يجوزُ الاستسلامُ للعدو.
لا يجوزُ أن تستسلمَ للوحش أَوْ الأسد فيأكلك، بل عليك أن تقاتلَه.
ولا يجب ُعليك أن تهرُبَ حتى من الثور إذا صال عليك، وإذا أحسستَ بخطره فاقتله، وأنت في حِلٍّ من دمه.
وقد نَصّ علماءُ جميع المذاهب الإسلامية من شيعة وسنة، وزيدية وشافعية ومالكية وحنفية وحنبلية، وجعفرية، وإباضية، وغيرهم أنه يجبُ على المسلم الدفاعُ عن دِينه وعِرضه وأرضه، وأنه يجبُ النفيرُ العام على كُـلّ الأُمَّـة، وتجبُ المنازلةُ الفاصلةُ على جميعِ المسلمين، وأنه في ما سموه (جهاد الدفع) لا يُشترَطُ أيُّ شرط، فلا يشترَط وجودُ إمام ولا دولة عادلة، ولا يشترَط عمرٌ معين، ولا تكافؤ قوة، بل يجب الدفاع على الصغير والكبير، وعلى الرجل والمرأة، وعلى السيد والعبد، وعلى المريض والسليم، والسوي والأعرج، كُـلّ بما أمكنه، وبما حضره، من وسائل الدفاع.
بخلاف ما يسمى بـ(جهاد الطلب)، وهو بعث المقاتلين إلى بلدان الكفار، فإنه يشترط فيه شروط متعددة، ويجب أن تتوفر فيه اعتباراتٌ معينة.
هذه هي الحياة وهذه هي سننها، وهذا هو فقه الإنسان، والحيوان أيضاً.
ولهذا ففي حالة كونك فرداً.. وحين يهجُم عليك سارقٌ أَوْ معتدٍ فإنه يجب عليك أن تباشر الدفاع بما أمكنك، فإذا انتصرتَ فأنت محمود، وإذا غُلِبتَ فأنت معذور، (ومن قُتِل دون ماله فهو شهيد، ومَنْ قُتِل دون عرضه فهو شهيد،…).
أما في حالة الأُمَّـة.. وحين يهجُم على مجتمعك كله، أَوْ على أمتك كلها، عدوٌّ كافر، خبيث، ومتغطرس، ومتكبر، ومعتد، ولا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة.. فحين – لا سمح الله – ينتصر على الأُمَّـة فإنه سيسترقك، ويستعبدك، ويفتنك عن دينك الحق، إلى دينه الباطل، ويسيطر على حالك ومستقبلك ومستقبل عشرة أجيال من خلفك… ومثل ذلك بكل تلك الأُمَّـة..
لكنك لأنك تعلم أنه عدو لله، كافر بما أنزل الله، ضال عن هداه، وكتاب الله يأمرك بقتاله، ويعظك دائما بفضيلة الجهاد له، والتصدي لغطرسته…
ففي هذه الحالة إياك إياك، ثم إياك إياك أن تتراجع عن مواجهة هذا العدو؛ لأنك في مرحلة حاسمة وخطيرة، فإذا قصَّرْتَ فيما يجب عليك فإنك ستتحمل إثم حالتك، وحالاتِ كلِّ الأمم والأجيالِ القادمة التي تسبَّبْتَ في نكبتها وهزيمتها بخذلانك وتراجعك.
بالطبع أنت لا تقاتل ذلك المرتزِق من أبناء جلدتك لأنه يمشي في ركاب المعتدين.. لأنه ليس في العير ولا في النفير، فليس القرار قراره، ولا الخطة خطته، ولا التمويل ولا التسليح منه ولا له،…؛ لهذا يجب عليك أن تكون من أهل الدفاع الفاعل.
وبهذا يتبين أنك أيها اليمني المسلم في حالة الدفع لهذا الصائل المعتدي، وهو العدوان السعودي الأمريكي.. إذا لم تتحَـرّك مدافعا.. فإنك حينئذ أجبنُ من الدجاجة المستثارة، وأقل بأساً من الهر المحصور، وأهون عند الله وعند خلقِه من تلك الحشرة المدافِعة عن نفسها.
إنك في هذه الحالة ستكون خاسرا.. ليس خاسرا في الدنيا فقط، ولكن خاسرا في الآخرة أيضاً والعياذ بالله.
وكل ما أصابك من العدو حينئذ فإنه ليس إلا عقوبة، والعقوبة لا أجر فيها، ولا تعويض.
لقد عجل الله لك حينها ببعض العقوبة.
-(وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ).
-(وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى).
-(وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).
-(وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ).
-(وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).
اللهم اجعلنا من الناجين من عذابك، المسارعين إلى طاعتك،
ولا تجعلنا أهونَ من دجاجة.. ولا أقلَّ استبسالاً من هِر..