بين شاطئ غزّة 2014 وحافلة صعدة 2018.. المشهد يتكرّر
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
5 أطفال يقتلون يومياً في العالم العربي، إحصائية كشفت عنها اليونيسف تبرز مدى الإجرام الذي يتعرّض له أطفالنا في المنطقة، فالطفل العربي يعيش في مجتمعات تمرّ بظروف سياسية واقتصادية غير مستقرة، الأمر الذي ينعكس على حياته ويجعله يمرّ بظروف أسوأ من تلك التي يعيش في ظلها نظراؤه في باقي دول العالم بما فيها دول العالم الثالث، ذلك أن هناك أكثر من 15 مليون طفل عربي يعيشون في ظروف إنسانية صعبة، ويواجهون أخطاراً عدة بسبب الحروب والكوارث، وسعت المنظمات الحقوقية في العالم إلى تكريس مبدأ الحفاظ على حياة المدنيين وخاصة الأطفال في مناطق الحروب والنزاع، وقد سنّت في سبيل ذلك الكثير من القوانين وعقدت المؤتمرات من أجل تحقيق التوعية اللازمة في هذا المجال، إلا أن كل جهودها الدولية في هذا الصدد لم تحقق الهدف المنشود منها، وكثيراً ما كان المدنيون الأبرياء أبرز ضحايا تلك الحروب في صورة قتلى وجرحى ومشوّهين ومشرّدين بالملايين، وخاصة الأطفال منهم الذين تحوّل قتلهم إلى عار مقيم على صدور البشرية جمعاء.
هذا المشهد رأيناه يوم الخميس الماضي، حينما قامت طائرات التحالف السعودي الأمريكي باستهداف حافلة أطفال كانت متجهة لمعسكر لتعلّم القرآن الكريم، استهدفتهم الصواريخ دون رحمة، أحرقت أجسادهم الطاهرة وتبعثرت أعضاؤهم على الأرض، أنهت رحلة الصغار في يوم دامٍ كان ختامه أكثر من خمسين شهيداً و77 جريحاً، هذه الصور أيقظت العالم من جديد، الذي صدم من هول الفاجعة، حيث دعا مجلس الأمن الدولي نهار الجمعة إلى تحقيق شفاف ذي مصداقية في غارة “التحالف العربي” بقيادة السعودية على محافظة صعدة اليمنية، إلا أن مصير هذه التحقيقات سيكون مثل سابقاتها ستنسى ولن تذكر بعد فترة لن تكون بطويلة.
مجزرة الأسبوع الماضي في محافظة صعدة، أعادت إلى الأذهان مجزرة شاطئ غزة في عام 2014، حينما قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بقتل أربعة أطفال فلسطينيين وإصابة ستة آخرين، كانوا يلعبون على شاطئ غزة بعد استهدافهم بصواريخ من طائرات مسيرة تزامناً مع العدوان الإسرائيلي على القطاع، وبين المجزرتين نقاط تشابه كثيرة نذكر منها:
1- إن الطرفين لا يتوانيان عن استهداف الأطفال دون أي رادع، حيث سجّل التاريخ بحقهم مجازر كثيرة، فالسعودية اليوم مسؤولة بحسب تقارير للأمم المتحدة عن قتل أكثر من 1200 طفل في حربها على اليمن خلال الأربع سنوات الماضية، أما الإسرائيلي يمكن اعتباره الخبير الأكبر في قتل الأطفال، فمن منّا ينسى مجازر صبرا وشاتيلا ومجازر قانا 1 و 2 وفي فلسطين من ينسى صورة الطفلة ذات 14 شهراً وأمها الحامل اللتين قتلتهما طائرات الاحتلال الإسرائيلي، أو مجزرة شاطئ غزة أو أو…كثيرة هي المجازر التي ارتكبها الطرفان في ظل صمت دولي يكتفي بالتنديد والشجب.
2- في صعدة قال التحالف على لسان الناطق باسمه “المالكي”: إن استهداف الحافلة كان هدفاً مشروعاً، وإن الأطفال كانوا متجهين إلى الجبهات للقتال إلى جانب حركة أنصار الله، وهي الحجة نفسها التي كانت بالنسبة للإسرائيلي، حيث قال الضباط الذي شاركوا في عملية الاغتيال، أنهم ظنوا للوهلة الأولى أن الأطفال، الذين كانوا من عائلة واحدة وأعمارهم بين 10 أعوام و11، هم عناصر من حركة “حماس”، رغم أنه جرى استهدافهم في وضح النهار.
3- كما أن الاعتداءين حصلا بأسلحة أمريكية، فالسعودية نفذت مجزرتها بصاروخ بـ “سيفين ونخلة” يحمل الجنسية الأمريكية حيث رصد الحافلة وهي تشق عباب النهار، وانتظر وصولها إلى وسط سوق شعبي مكتظ بزحام المدنيين ليفرغ حمولة الموت البشعة بكل صلف، وينهي الفصل الأخير من رحلة الصغار في يوم دامٍ، كما أن السعودية تحتل المرتبة الأولى لأكثر الدول استيراداً للسلاح من أمريكا، أما بالنسبة للإسرائيلي فكل ما لديه من عتاد وسلاح ومال هو من أمريكا.
4- بعد حصول الجرائم يسارع المجتمع الدولي للمطالبة بتحقيق دولي شفاف إلا أن التغطية السياسية الأمريكية لجرائم الطرفين في فلسطين واليمن تمنع حدوث ذلك وينتهي التحقيق في أدراج الأمم المتحدة.
5- في الشاطئ كان الأطفال يلعبون كرة القدم، وفي اليمن كانوا ذاهبين إلى دورة تدريبية ثقافية لتعليم قرآن.
6- كما أن أهداف الطرفين من هذه المجازر هي واحدة هي بث الخوف في نفوس المقاتلين، إلا أن هذه المجازر كانت حافزاً لآلاف اليمنيين والفلسطينيين الذين لم تقبَلْ كرامتُهم البقاءَ في المنازل وانتظار الصواريخ، فذهبوا إليها بأنفسهم، حملوا أسلحتَهم وتوافدوا إلى جبهات قتال، ففي اليمن ومنذُ 4 سنوات وإلى اليوم ينتزعون أرواحَ آلاف الجنود السعوديّين والإماراتيين والمرتزقة، ولا تزالُ تلك الجبهات تنتظرُ أن يحجّ إليها من ستوقظه ذكرى مجازر السعودية بحق الشعب اليمني، وفي فلسطين يقاوم الفلسطينيون كل يوم، يقاومون بالمقلاع والحجر، يتوافدون كل نهار جمعة إلى مخيمات العودة من أجل التأكيد على حق العودة.
كثيرة هي أوجه التشابه بين هاتين المجزرتين، ويقول محللون في الشأن الحقوقي من معهد إنتربرايز الأمريكي: إن المجازر التي ترتكبها السعودية في اليمن شبيهة بالمجازر التي ترتكبها “إسرائيل” بحق الشعبين اللبناني والفلسطيني، وهي تصبّ في الهدف نفسه، ويمكن القول إن المنفّذ واحد بالرغم من تعدد أشكاله.
ختاماً.. يمكن القول إن الكيان الإسرائيلي أحد أبرز المستفيدين مما حصل بالمشهدين، ففي المشهد الأوّل روّع الفلسطينيين، وأما المشهد الثاني الذي يتكرّر من 26 أذار مارس 2015 جعل وسائل الإعلام العالمية والعربية تسلّط الضوء على الإجرام السعودي بعد أن كان الإجرام الإسرائيلي عنواناً لها لسنوات، في الحقيقة قدّمت السعودية من خلال جرائمها خدمة كبيرة للكيان الصهيوني من خلال طريقين رئيسيين: الأول في قتل الآلاف من أشدّ المعادين للكيان الإسرائيلي، وثانياً في تربّع الرياض على عرش الإجرام، وحلول “إسرائيل” في الوصافة بعد أن كانت تحتل الصدارة لعقود من الزمن وهذه النقطة لا نبالغ إذا قلنا إنها أحد أهم ركائز صفقة القرن.