لماذا يعتبر الأميركيون تحرير إدلب معركةَ حياة أو موت؟
|| مقالات || شارل أبي نادر
من السخافة بمكان اعتبار الضربة الأميركية – الأطلسية المرتقبة على سوريا، هي بسبب “الإقدام الأكيد” للجيش السوري، على إستهداف بعض مواقع الإرهابيين في إدلب بالأسلحة الكيمياوية، والتي ستؤدي الى إصابات مؤلمة بين المدنيين حسب ادعاء الغرب.
لأن الموضوع اصبح منتهياً لناحية استخدام الاسلحة الكيمياوية شماعة للإعتداء الغربي على سوريا، وعناصر فبركة المسرحية جاهزة وتعمل على تحضيراتها اللوجستية والفنية، وعلى “عينك يا تاجر”، لذلك من المفيد البحث عن الأسباب الحقيقة للضربة المرتقبة بعيدا عن استخدام الاسلحة الكيمياوية.
من هنا، وبمعزل عن حدوث أو عدم حدوث هذه الضربة الأميركية المزمعة على سوريا، حيث تذهب أغلب المعطيات العسكرية والديبلوماسية نحو حدوثها، مع وجود احتمال غير بسيط لعدم حدوثها، استنادا لما قد يطرأ من مضاعفات غير محسوبة، واضح ان الاميركيين يحتاطون لها هذه المرة، فان المعركة المرتقبة لتحرير ادلب “الحاصلة حتما” من قبل الجيش العربي السوري وحلفائه تعتبر بالنسبة للادارة الاميركية معركة حياة أو موت. فما أسباب ذلك؟ وما الذي تمثله هذه المواجهة الأخيرة في سوريا مع الارهابيين بالنسبة لرعاة هؤلاء وعلى رأسهم الأميركيون؟
عملياً، يمكن القول أن الشرق السوري قد خرج من دائرة التأثير والصراع والضياع، بعد أن سلكت المفاوضات غير المباشرة – الناشطة، او المباشرة – الخجولة، مع “قوات سوريا الديمقراطية” طريقاً جدياً، أبعدها عن الحل العسكري – بشكل غير نهائي طبعا – وسقفه بالنسبة للاكراد لن يتجاوز، وباقتناعهم كما يبدو، بعض الاصلاحات الادارية والثقافية، والتي ستبقى بعيدة عن الإنفصال أو الحكم الذاتي أو الإستقلال عن الدولة المركزية، لأن الدولة السورية ابلغت الجميع بأنها لن تتنازل عن سيادتها مهما كان الثمن، وبرهنت ذلك في اغلب المناطق السورية التي حررتها باللحم الحي، وايضا لان تركيا ساهمت – و لمصلحة خاصة طبعا – بوضع خط أحمر لأحلام الأكراد السوريين، حدوده القصوى بعيدة كثيراً عن الانفصال التي تعتبره تهديداً استراتيجياً لأمنها القومي، كانت مستعدة لأن تدفع ثمن مواجهته، الخروج النهائي من حلف شمال الاطلسي، على الأقل.
بالعودة الى ادلب ومعركة تحريرها، فإن الأخيرة تعتبر من الناحية الميدانية، الوثبة الأخيرة لعبور الدولة السورية الى كامل جغرافيتها الأساسية، ومع تحريرها، بغض النظر عن حدوث ذلك عسكريا بالكامل، أم من خلال مناورة مركبة بين الحسم والتفاوض، أو حتى مع احتمال حصول التحرير كاملاً بالتفاوض، نتيجة للوضع العسكري الضاغط على الإرهابيين طبعاً، يمكن القول حينها أن الحرب على سوريا انتهت مع إنتهاء أدواتها – تدميراً أو استيعاباً – وسلكت الدولة السورية في طريق إعادة الإعمار والبناء، بناء الحجر اولا، وثانيا بناء البشر الذين اخطأوا وضلّوا طريقهم، وثالثا البناء في العلاقات المناسبة، مع الاصدقاء الصادقين تُدَعَّم وتتوسع، ومع الاعداء الخائنين تتحدد كما يجب.
مع تحرير ادلب، وبالتالي انتهاء الحرب على سوريا، تكون روسيا قد نجحت في فرض استراتيجيتها المتشعبة: في محاربة الإرهاب، في تثبيت وفرض وجودها الإستراتيجي في المياه الدافئة، وفي حماية النظام في سوريا، طبعا ليس المقصود بالنظام هو الرئيس الاسد، بل المقصود بالنظام الذي استطاعت روسيا فرض حمايته هو: منظومة الدولة القوية القادرة على مواجهة الإستراتيجية الأميركية التقليدية في كل مكان وخاصة في الشرق. تلك الإستراتيجية التي تعمل من خلال تحريك المجتمعات اقتصاديا واجتماعيا وشعبيا ضد انظمتها، فقط ضد الانظمة المتماسكة التي تعجز الولايات المتحدة الاميركية في تطويعها او توجيهها او الهيمنة عليها، وليس طبعا تلك الأنظمة المسحوقة المرتهنة الهشة، والتي لا ضرورة لاضاعة الوقت عليها، والأمثلة عليها كثيرة في شرقنا الحبيب.
مع تحرير ادلب أيضاً، تكون ايران قد نجحت في تأكيد وفرض دعمها للدولة السورية نحو التحرير الكامل، في أصعب مواجهة وظروف ضاغطة تواجهها من قبل الاميركيين وازلامها في الخليج (الفارسي)، وبمواجهة أعلى منسوب من التوتر والاستنفار الاسرائيلي لإعاقة هذا التحرير، أو لإضعاف نفوذ طهران في الشرق وخاصة في سوريا.
مع تحرير إدلب ايضا، وتحرير كامل الجغرافيا السورية وحماية لبنان، يكون حزب الله قد أثبت شكلاً ومضموناً ماذا تعني معركة “الدفاع المقدس” وما قيمة ما قدمه شهداء “الدفاع المقدس”، وماذا تعني معادلة “نكون حيث يجب أن نكون”.
من هنا جاء الاستنفار الاميركي لإعاقة وعرقلة ومنع تحرير ادلب، حيث الدولة والنظام والجيش في سوريا سيثبّتون معادلة مهمة في الشرق والعالم، فرضوها بدماء شهدائهم السخية، عنوانها أو مضمونها أنه يمكن الوقوف بوجه الولايات المتحدة الأميركية والانتصار على أدواتها والصمود بوجه مخططاتها.
للأسباب المذكورة أعلاه، تُعتبر معركة تحرير الجيش العربي السوري لادلب بالنسبة للاميركيين، معركة حياة أو موت، يحاولون وسوف يحاولون إعاقتها، فهل ينجحون اليوم في إدلب حيث فشلت مناورتهم في أغلب المناطق السورية حتى الآن؟