يجب تجنب المواقف الشخصية في مجال إقامة القسط

|| من هدي القرآن ||

{وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} (المائدة: 9) أليس هذا شبيه بتلك المسألة {كِفْلَيْنِ} مغفرة وأجر عظيم؟ هذه من الأشياء التي لا يستطيع أحد أن يصل إليها على الإطلاق من أي أنظمة أخرى، من أي ثقافات أخرى، أن يقدم تربية للإنسان على هذا النحو الذي يقدمه القرآن نهائيا، لا يستطيع على الإطلاق، يقدم لك تربية تكون قوياً شديداً، أعزة على الكافرين إلى الدرجة التي تجعل قوتك محط جاذبية للآخرين، أي ليست قوتك وشدة بأسك وفتكك بالشكل الذي يثير الآخر عليك، ما تحصل بهذا، قدمها بطريقة متكاملة عجيبة جداً، هنا يأتي وفاء، التزام بالمبادئ في الصراع مع الآخر، وشدة بأس.

 

فالأمة التي تكون على هذا النحو ستقدم بهذا الدين، وبهذا القسط الذي هو من عند الله شهادة للآخرين ينجذبون، حينئذ سيرى الطرف الآخر أمامه أمة وفية، ملتزمة، مبدئية، قوية جدًا، تشكل أملاً، هو لن يقول: أمة ليست شيئا، وضعيفة. لماذا الآن الكثير من العرب قد يكونون ينظرون إلى أمريكا كأمل تحررهم من حكومات عانوا منها، أليس هذا حاصل على ما كنا نسمع فعلاً داخل عراقيين أو سوريين أو سعوديين لماذا؟ لأنهم يعتبرون أمريكا قوية، يقول: فعلاً قوية تضرب ولو فيها عدوان لكن عندهم إذا قد هي ستخلصهم، أليسوا هنا قد صاروا يعتبرونها محط أمل لكونها قوية؟ إذًا هنا قوة، القوة في الإسلام قدمت لها جاذبيتها، القوة عند أمة ملتزمة وفية، قيم عالية، وفي نفس الوقت تشكل أملاً لتحرير الآخرين من الظلم، من الاضطهاد في أي بلد من البلدان، في الأخير سينجذبون إليها، سينجذبون إليها حتى ربما قد يكون من هم في الميدان، وهذا حصل عند العرب أنفسهم، ألم يحصل؟ في الأخير يراجع حساباته هو، لماذا هو يدخل في عناء كبير مع أمة هي على هذا النحو فتاكة جدًا.

 

 

لاحظ كيف في معركة بدر الله يقول لهم: {فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} (الأنفال من الآية: 12) وعندما أخذوا منهم أسرى ما كان ينبغي {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} (الأنفال من الآية: 67) الطرف الآخر في الأخير يراجع حساباته هو لماذا يدخل في مواجهة قوية شرسة مع ناس هم أمة ملتزمة، أمة وفية أمة هكذا يعرف عنها صورة جميلة جدًا، ويرجع إلى مجتمعه ويرجع إلى معتقداته وإذا هي كلها ليست بالشكل الذي تجعله يضحي من أجلها، في الأخير ينجذب إليهم.

 

هنا تكون قوة المسلمين بالشكل الذي تقدم أملاً للآخرين، وفي نفس الوقت حتى منهم في الميدان سيراجع حساباته، من هم الذين أسلموا بعد في الجزيرة؟ منهم؟ أليسوا هم الذين كانوا يصارعون في الميدان فعلا في بدر وفي أحد، هم الذين أسلموا في الأخير، هو يريد يقاتل، وهو يرى ناس أقوياء، لاحظ الروم أنفسهم ألم يتراجعوا في تبوك؟ حركة، حركة ناس يبدو شديدين، وعندهم قيادة عالية جدًا، وكان قد سبق في [مؤتة] قتال فيما بين الروم بين المسلمين ولم يكن المسلمون تقريبا إلا ثلاثة آلاف أو أقل، لكن هناك قيادة، عندهم جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وبعده عبد الله بن رواحة، حصل قتال قوي جداً، هنا راجع الروم حساباتهم، ألم يراجعوا حساباتهم؟ قرروا أن لا يدخلوا في مواجهة.

 

هكذا تجد بشكل عام تربية القرآن، كيف يقول للناس أن يكونوا قوامين بالقسط، ويربيهم كيف يكونون في مواجهة الآخرين وكل ما يقدم صورة عن الآخرين دائما يرجع إلى مسألة: لا تتأثر نفسيتك أنت، يكون لك مواقف شخصية، اترك عداءك لله؛ لأن هذه القضية خطيرة جدا، خطير جدا في مجال إقامة القسط، المواقف الشخصية، وستفقدك جاذبية تقيك الصراع، تقيك فعلاً، جاذبية عند الآخر تقيك أن يكون منشداً وقوياً في صراعك؛ ولهذا ربطها دائما في سبيل الله، في سبيل الله، ولله، شهداء لله، وهكذا، لو تنطلق بعنوان وطنية ألست ستفقد كل هذه العناوين الهامة؟ لأنك عندما تقول من منطلق قومية عربية مثلا، أو قومية يمنية، أو قومية مصرية، أو نحوها، هل يمكن أنك تشد الآخرين إلى أن يكونوا يمنيين؟ هل يمكن أن تدعوهم إلى أن يكونوا يمنيين؟ أو يكونوا مصريين؟ هنا يأتي في بعض الآيات، أليس هو يأتي ـ أيضاً ـ بدعوة، دعوة لهم أن يؤمنوا بالله وبرسوله، وبالكتاب الذي أنزل على رسوله، أليس هو يأتي أيضا بدعوة للآخرين أنفسهم؟ هل يمكن وأنت عنوانك وطنية معينة، قومية معينة أن تقدم أشياء من هذه؟ تفقد أشياء كثيرة جدا قد يكون في مقدمتها التأييد الإلهي بكله، الآخر يراك أنك قومية تواجه قومية، جنس يواجه جنس، لون يواجه لون، إقليم يواجه إقليم، هناك سينشد، سينشد هناك، ويقاتل باعتبار أنك يمكن تريد أن تحتله، لكن هنا القرآن يذوِّب هذه المسألة تماما، مسألة الإقليمية، مسألة القومية، مسألة وطنية، يجعلها كلها لله، والإسلام هو لله، وقابل للكل، وهو جذَّاب فعلا عند الكل فيما لو قدم، وحصل من يكونون فعلا شهداء لله، كما في الآية هذه، يقدمونه بجاذبية عالية.

 

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

 

دروس من هدي القرآن الكريم

 

[الدرس الحادي والعشرون]

 

ألقاها السيد / حسين بدر الدين الحوثي

بتاريخ 21 رمضان 1424هـ

الموافق 15/ 11/2003م

اليمن ـ صعدة.

قد يعجبك ايضا