التقصير في المسؤولية التي حملنا الله أيها يعرضنا لسخط الله
|| من هدي القرآن ||
[لكن اليهود] قد يصلون بالناس، قد يصل الناس إلى درجة أنهم ينطقون بالمبررات الوهمية، ويتشبثون بها، أليس هذا يدل على أن الأمة قد وصلت إلى ضلال رهيب جداً، حتى أصبحت تبحث عن مبررات ترددها على أفواهها، وعلى مسامع بعضها بعض؛ ليقتل الزعماء من يأمرون بالقسط من الناس، أو يشردونهم، أو يسجنونهم، تحت عنوان: إرهابي، سيضرب مصالحنا؛ لأنه قد أصبحت مصالحنا الوهمية، مصالح وهمية هي المقياس، هي المعيار الذي يجعلنا نقف مع هذا، أو مع هذا، والذي يجعلنا في الواقع – وهي مصالح وهمية، وكلها كلام – يجعلنا في الأخير لا نعدُّ أيَّ قائم بالقسط من الناس ذو قيمة إذا كان سيتعارض معها، ولو كان محمد بن عبد الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، أو علي بن أبي طالب، أو الأئمة من أهل البيت.
ونفس الشيء أن يكون واقع الناس على هذا النحو، وإن لم يكونوا يباشرون قتل نبي ماداموا متولين لمن قتل الأنبياء، هذا بالنسبة لبني إسرائيل، لما كانت نفس الروح السيئة الخبيثة ما تزال قائمة لديهم، ألم يتآمروا هم على قتل النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ يعني: كان ما زال حالة قتل الأنبياء قائمة في نفوسهم، فتآمروا، وحاولوا أن يقتلوا النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) بالحجر، وهو يتظلل قرب بيت من بيوتهم، وحاولوا أن يدسوا السم لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).
[هذه الحالة أليست عند العرب الآن؟ أليس زعماء العرب الآن] مستعدين أن يقتلوا من يأمر بالقسط من الناس، أليس كذلك؟ لو قام عالم من العلماء ماذا سيعملون؟ يعملون على أن يقتلوه، ألم يعملوا على أن يقتلوا بدر الدين، ويغتالوه في بيته وهو إنما حمل لقب نائب رئيس حزب الحق، وتحرك لإحياء هذا الحزب، ولجمع كلمة الناس تحته؟ حزب، من أجل أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويقوم بالقسط من الناس، ويتحرك أيضاً في إطار دستور وقانون كبقية الأحزاب، ألم ينطلقوا ليعملوا على اغتياله بصاروخ يوجهونه إلى نفس المكان الذي ينام فيه؟ وضربوا بيته أيضاً بالبوازيك فيما بعد؟.
إذاً هذه الحالة التي هي تجعلهم على ما كان عليه بنو إسرائيل لا تزال حالة قائمة لديهم جميعاً، لدى مختلف زعماء العرب، ولدى الشعوب نفسها التي ألفت أن تؤيد أيَّ زعيم لها، في أي موقف كان، ومن يقول لنا بكلمة من هذا التلفزيون، أو من هذه المحطة الإذاعية تصنع مبرراً وهمياً، فنحن سنردده، ونؤيد، ونبارك! ألم يباركوا قتل الحجاج؟ وهم كانوا إنما كانوا يتحركون بكلمات: [الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل] هي عمل بسيط في إطار إقامة القسط في هذه الأمة، وإعادة رفعتها، وشرفها، فقتلوهم، فانطلق علماء من هنا، وهناك يقولون: لم تعمل المملكة العربية السعودية إلا ما يجب عليها، وإن على بقية الحكومات العربية أن تقف معها! سمعنا هذياناً من هذا النوع، أليست هذه هي حالة قائمة؟.
إذاً هي نفسها، هي نفسها الحالة التي كانت عند بني إسرائيل، وما زالت، فجعلتهم جديرين بأن يبوءوا بغضب من الله، وأن يضرب عليهم الذلة، والمسكنة. أليست هذه ظاهرة في العرب الآن: الذلة والمسكنة؟ لأنهم كفروا بآيات الله، وقتلوا من يأمرون بالقسط من الناس، مَن هم بمنزلة أنبياء بني إسرائيل في هذه الأمة، بغير حق.
{ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}(البقرة: من الآية61) ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، فمن عصى، واعتدى على هذا النحو فسيكون جديراً بأن يضرب بالذلة، والمسكنة، ويبوء بغضب من الله.
إذاً وجدنا في مجموعة آيات من آيات الله، كم فيها من الهداية! كم فيها من التذكير! كم فيها من الحقائق! حقائق في إطار العلو، والرفعة لهذه الأمة، وحقائق في إطار الهبوط، والخسة، والذلة لهذه الأمة، وكيف رُسمت لها الطريق، وكيف أخبر الله بأنه هو سيتولى قيادة الموقف معها، {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}(آل عمران: من الآية109)، يذكر بأنه سيهيئ، سيهيئ، وهو من له ما في السموات، وما في الأرض، وله جنود السموات والأرض.
كأنه يشعر هذه الأمة بأنه سيحشد معها ما يملك، يحشد معها ملكه، وعالمه، يحشد معها تأييده ونصره؛ لنرى في الأخير كيف ضعف إيمان أولئك، كيف قلة وعيهم، كيف عدم ثقتهم بالله سبحانه وتعالى، عندما لا يلتفتون إلى القرآن الكريم؛ ليهتدوا به في مقام المواجهة مع إسرائيل، وأمريكا، مع اليهود والنصارى.
لنرى في الأخير كيف تكون مسؤولية كبرى على علماء الأمة، على علمائنا أيضاً، عندما لا ينطلقون أن يذكروا الناس، ويثقفوا الناس، ويرشدوهم، ويهدوهم بالقرآن الكريم، ويبينوا لهم حقائق القرآن الكريم. ما الذي يمنع؟ ما الذي يخيف؟ لا شيء إطلاقاً يشكل خطورة على الناس أعظم من خطورة العواقب التي رسمها الله أمامنا في آياته على التفريط، والتواني، والتقصير، وبعدم الثقة به، والرجوع إليه، إلا متى ما أحسينا بحاجة، متى ما أحس واحد [بجيبه فاضي]، وجاء قليل جدب [اللهم إنا نسألك، اللهم اسقنا، اللهم، اللهم..] نرجع إلى الله، فمتى ما سقانا الله، وأصبح لدينا نعمة، لا نعد نفكر في شيء آخر.
ثم يبين في هذه الآيات أن ما يقوله الله سبحانه وتعالى عن بني إسرائيل، أن ما يقوله عنهم هو كلام موضوعي، حقائق عادلة، هو لم يتجن على اليهود؛ ليقول لنا نحن: أن ننظر إلى قضية أهل الكتاب في القرآن بنظرة موضوعية، نظرة نأخذ منها الدرس، نأخذ منها العبرة، وليس فقط نأخذ من مجملها، ونخرج من أولها إلى آخرها، نخرج بمجرد اللعنة لليهود فقط، نقول: لاحظوا كيف لعنهم الله في القرآن، لاحظوا كيف كذا.. وبس، خذ عبرة؛ لأنه وهو يتحدث عن بني إسرائيل؛ هو ليضرب مثلاً لهذه الأمة، أنه يمكن أن يحكم عليها بما حكم على بني إسرائيل، وأن تذوق على يديه ما ذاقه بنوا إسرائيل، إذا ما سلكوا طريقة بني إسرائيل.
وليقول لأولئك الذين فضلهم الله واختارهم أيضاً، وأوجب على الأمة محبتهم، فأصبحوا يغضبون إذا ما قيل: هذا شخص لا يحبنا، إذا ما قيل هذا ناصبي، إذا ما قيل كذا.. اغضبوا على أنفسكم أولاً، أن تقصروا، أن تفرطوا، أنتم معرَّضون لما تعرض له بنوا إسرائيل، الذين قد اختارهم الله من قبلكم، وفضلهم على العالمين من قبلكم، فأصبحوا: ضربت عليهم الذلة، والمسكنة، وأصبحوا من باءوا بغضب من الله، وهم أبناء نبيه إبراهيم، أبناء خليله {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}(النساء: من الآية125) هم أبناؤه، هم صفوته {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ}(آل عمران: من الآية33- 34).
ألم يصطفيهم الله؟ لماذا ضرب عليهم الذلة والمسكنة؟ الله لا يتعامل مع أوليائه هكذا؛ لأنه قد أصبح لم يعد بحاجة إليهم، كما تتعامل أمريكا مع عملائها، وكما تتعامل إسرائيل مع عملائها، لم يعد بحاجة إليهم فيرفضهم، ويبحث عن عميل آخر، لا، سننه ثابتة، متى ما كنت تسير على سنته، وستتغير، وتدخل في سنة أخرى متى ما تغيرت أنت؛ لأنه قال هنا: {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}(آل عمران: من الآية112) عندما يحصل عصيان، عندما يحصل تفريط، وماذا حصل عصيان فيهم، حصل عصيان في الجانب الذي يتعارض مع مسؤوليتهم، أصبحت معصيتهم من النوع الذي يتنافى مع ما يراد منهم، كما قال سابقاً في هذه الآيات التي تلوناها سابقاً: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ}(آل عمران: من الآية99). ماذا يعني؟ أليس هذا مما يتنافى مع مسؤوليتكم، ومع ما يراد منكم؟ الصد عن سبيل الله من آمن به، وتبغونها عوجاً، وأنتم، أنتم شهداء على الناس، شهداء تدعون الناس إلى الإستقامة.
إن من واجبكم أن تكونوا أول من يؤمن بمحمد، أول من يؤمن بالقرآن، أول من ينطلق تحت راية نبي من أنبياء الله، فلله الحق أن يختار نبياً من هنا، أو من هنا، فتنطلقون تحت راية محمد، كما انطلقتم تحت راية موسى وعيسى، وغيرهم من أنبياء الله، من بني إسرائيل، فكيف تتحولون إلى هذا التحول الذي يتنافى مع مسؤوليتكم، ومع ما أنيط بكم {وَأَنْتُمْ شُهَدَاءَ} كذلك يقال للعرب، كذلك يقال لأهل البيت، كذلك يقال لشيعة أهل البيت، {لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ} لم تفرطون، لم تقصرون، لم تعملون الأعمال التي تتنافى مع ما أراد الله منكم، تتنافى مع ما أنيط بكم من مسؤولية بأن تكونوا أنتم الشهداء على الناس؟.
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} فيكون هو الهم الذي يريدونه من هذه الآية، وكل المعنى الذي يريدونه أن يقولوا: بأن هذه شهادة للصحابة بأنهم عدول؛ لأن كلمة وسط تأتي في اللغة العربية بمعنى: العدل، إذاً فهم عدول!.
هكذا تمسخ الآيات، إذا كنا نبحث عن فضيلة لشخص هنا، أو هناك، لا يهمنا أكثر من ذلك، لا يهمنا أكثر من مجرد أن نكون مهتمين بالصحابة، ونبحث عن فضائل للصحابة، ومتى رأينا [خطفة] آية حاولنا أن نحولها كلها للصحابة، ثم ننسى ما حولها من أشياء مهمة.
ليقول في الأخير: أن حديثه عن بني إسرائيل في القرآن الكريم هو حديث موضوعي، ومنطقي، هو للعبرة، لأخذ الدرس، وليس للتحامل عليهم، وليقول: أن ما جرى عليهم سيجري عليكم أنتم، فيتحدث بموضوعية، فيتحدث عن الجانب المشرق نحو فئة من بني إسرائيل {لَيْسُوا سَوَاءً}(آل عمران: من الآية113) هكذا يقول بعد هذه الآيات: {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} ثم يقول: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} (آل عمران:113-115).
يقول: ليس الكلام كلام تحامل عليهم، هو حقائق فيها دروس، فيها عبر لكم أنتم، ما الذي يحصل الآن؟ نخرج من مجمل الكلام حول الآيات هذه التي نسمعها دائماً في أوساط من يتحدثون عن اليهود، من مجمل الآيات: أن الله غضب على اليهود، وأن الله لعنهم، وحصل عليهم غضب، وحصل عليهم لعنة، لكن هذا هو مجمل ما أخذوه من الآيات، لم نعد إلى الآيات؛ لنعرف ما فيها، ما فيها من حقائق، ما فيها من دروس، وأنها كلام موضوعي، أن الله ليس بمعرض فقط التحامل على فئة من خلقه.
لو كانت المسألة مسألة تحامل، أو كانوا غير جديرين بأن يصطفيهم لما اصطفاهم من قبل، لكن ليقول: أن من يصطفيهم إنما يصطفيهم ليؤدوا مسؤولية، ويقوموا بمهمة، إذا لم يؤدوها سيكونون هم من يستحقون أن يغضب عليهم أكثر مما يغضب على غيرهم.
فنأخذ منها الدرس، والعبرة، ولو كنا ننظر إلى القرآن الكريم من منطلق الثقة بالله، وبأنه كتاب هدى للعالمين، في كل مجالات العمل، والحياة؛ لأخذنا العبرة والدروس من داخل هذه الآيات، وهذا هو واجبنا؛ لأنها تساعدنا في هذا الزمن الأحداث، تساعدنا الأحداث، والحقائق المتجلية على أن نفهم القرآن بشكل أكبر، فإذا أعرضنا عن آيات الله في كتابه، وهي تتحدث عن حقائق، ولم نهتد بهذه الحقائق التي تقع في هذا الكون هنا وهناك {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ}(الجاثـية: من الآية6). صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
سورة ال عمران الدرس الرابع نهاية الدرس.