أميركا، لعب على الحبال ورهانات خائبة
|| صحافة عربية ودولية || المنار
ليس تصنيف ما يُعرَف بالإسلام السياسي بين مُتشدِّدٍ ومُعتدل، هو من المُسَلَّمات الثابتة عبر التاريخ، لأن الثابت بوقائع التأريخ، أن هناك استغلالا للسلطة عبر استخدام الهيمنة والظلم والعنف والقمع وسائلاً لتعزيز الجموح الشخصي للتسلُّط منذ يزيد بن معاوية وحتى اليوم، وأن غالبية الأنظمة السلطوية العائلية المُعاصرة في الخليج تنتهج سياسة “يزيد”، منذ ظهور محمد بن عبد الوهاب كأداة تكفيرية شاءتها بريطانيا لضرب الإسلام منذ العام 1732، وتحالُف سلالة آل سعود معه لممارسة القمع باسم مفاهيم “دينية” محوّرة، وانتهاء بكافة “المدارس” التي نشأت وتنشأ حالياً، خاصة تلك التي تنتهج التكفير، وتدَّعي أنها الوحيدة المُخوَّلة الدفاع عن الإسلام، حركات مُنغلقة بوجه الآخر الى درجة هدر دمه وتقويض وجوده، وهي إرث يزيد بن معاوية المُتناقَل عبر الأزمنة، والذي استوجب بالتالي قيام الثورة الحُسينية وانتقال سيف مواجهة الظلم عبر الأجيال الى يومنا هذا.
وإذا كان الدين هو المُنطلق، لتأسيس القوانين الوضعية بهدف إدارة المُجتمعات وضبطها ضمن مفهوم القِيَم الإنسانية، فإن تجربة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في استلهام الدين و”تشريعه” دستورياً للتطبيق المَدَني، بقدر ما أنها أسَّست لدولة ديموقراطية عادلة متطوِّرة تُحاكي مُستلزمات الثورات العلمية والتقنية المُعاصرة، بقدر ما أن نجاح هذه التجربة استفزَّ من يستخدمون الفهم الخاطئ للدين أداة قمعٍ لشعوبهم، وذريعة استجرار العصبية لتكفير كل من يُخالف المذاهب المُعَلَّبة على قياس العروش العائلية.
ولأن أميركا تختار “الإسلام” الذي يُناسبها، فهي واهمة أنها تستطيع الرقص على الحبال، بين خلق ودعم حركات تكفيرية مثل “داعش” كما ورد في كتاب “خيارات صعبة” لهيلاري كلينتون، وبين الأوهام التي عاشها ترامب في بحثه عن إسلام يعتبره “معتدلاً” بالمفهوم الأميركي لمواجهة حركات أطلقتها أميركا، لكن هذا “الإسلام” لم تجده أميركا سوى لدى مجموعة عروش، اختارت لنفسها أن تكون أدوات حفاظاً على المجد العائلي، لكنها أدوات صدئة حاول ترامب بعد انتخابه جعلها “ناتو إسلامي” لمحاربة إيران وخاب أمله، واستمر بسماع كلمة “لا” التي تفرَّدت بها إيران، وجعلت منها العدو رقم واحد لمجرَّد أنها ليست من جماعة “النَعَم” للطغيان الظالم والإستكبار الفارغ.
واليوم، ومن أجواء المجالس العاشورائية، التي تستحضر روح الحسين عليه السلام، ومع بدء تباشير النصر في سوريا على الإرهاب اليزيدي المُعاصر، ومع وجود نوع جديد من “الإسلام المُعتدل”، مُكوناته الإرتهان لأميركا والغرب، وأدواته أنظمة خليجية عائلية متواطئة مُرتهنة ذليلة خائنة لِدِينها وللقيَم الإنسانية، نتوقَّف عند الثقافة الأميركية الشمولية الغبيَّة التي تنظر لمن يواجهها أنه إسلاميٌ دَسِم لو كان من غير صناعتها، وإسلاميٌ “لايت” لمن يسهُل على أسنانها مضغه، وعلى معدتها اجتراره، كما تفعل حالياً بالأنظمة الخليجية، ولكن فات أميركا أن هناك إسلامٌ إسلام، يرفض الظلم له ولأي آخر غير مذنب، ويؤمِن بالعدل والمساواة بين الناس، وهذا الإسلام الأصيل المُنفتح على علاقات ندِّية مع الآخرين، لا تنطبق عليه صِفَة الدَّسِم ولا “اللايت” بالمفهوم الأميركي والغربي، وهو إسلام مؤمن بالحق ومقاومة الظُلم، ويمتدّ من بيروت الى طهران بالتحالف مع القوى المؤمنة بحقوق الشعوب، وهو سيكون دَسِماً على أميركا ومعها إسرائيل وأدوات الإستخدام الخليجية، وهو “لايت” أمام من يحترم كرامات الآخرين ويعترِف بحقوقهم، وفي مقدِّمة هذه الحقوق، استمرار رفض الظلم حتى القضاء على جراثيم “يزيد” في كل بقعةٍ من هذا العالم…