إدلب.. حجر الشطرنج الأخير “كش ملك”
|| مقالات || علي إبراهيم مطر
المفاوضات التي تحصل حول الملف السوري هي أحد الأوجه للتداخل بين الحرب والدبلوماسية اللذين يكملان أي عملية سياسية تحصل عقب وقوع نزاع بين الأطراف السياسية إقليمية كانت أو دولية. ما يحصل اليوم من مفاوضات هو استكمال لمعركة تطهير سوريا من الإرهابيين وبسط سطيرتها على كامل اراضيها ليتبلور أهم فصول الانتصار السوري وسيطرة الدولة على كامل مناطق الحرب.
العالم – مقالات
وتشكل إدلب اليوم أرضا خصبة لإدارة العمليات السياسة وإنهاء الحرب السورية، حيث تحولت المدينة التي تأخذها الجماعات الإرهابية رهينة إلى ساحة إقليمية ودولية تتشابك فيها المصالح، وعليه فإن المراقب عندما يريد أن يقرأ السياسة الدولية وكيفية إدارتها، يتمكن من ذلك من خلال تتبعه للأزمة السورية كونها أزمة دولية تدخل فيها أطراف عدة.
فقد تحولت مدينة ادلب اليوم إلى رقعة الشطرنج التي تتحرك عليها هذه الأطراف، مع تقدم واضح لحلفاء سوريا، الذي يديرون اللعبة ولم يبق أمامهم إلا “كش ملك” كما تفيد لعبة الشطرنج. وهكذا تتحول إدلب إلى الضربة الأخيرة للمشروع الأميركي ـ الخليجي، وبالتالي فإن حسم ملفها سواء كان عسكريا أو من خلال تحييدها عن المعركة خرج من بين الأيادي الأميركية.
قد يقول البعض أن لروسيا مصالحها في سوريا، وهذا صحيح فلا شك أن لموسكو مصالح في منطقة الشرق الأوسط باكملها وهذه المصالح تمر عبر سوريا، وهي تنسج علاقاتها وخيوط استراتجيتها وفق ذلك، إلا أنها من الحلفاء البارزين للدولة السورية، وبالتالي هذا يدفعها إلى المحافظة على استقرار سوريا وتثبيت دعائم سيادتها.
مما تقدم يأتي التناسق السوري – الروسي – الإيراني، مع تقاطع وجهات النظر بين الطرفين الأخيرين وتركيا في إدارة الملف، ومع أن الاتفاق الذي أبرمه بوتين واردوغان فاجأ المحللين والمتابعين للملف السوري، إلا أنه استطاع أولاً أن يحقن الدماء وهذا أمر يتطلبه الجانب الإنساني الذي أكدت عليه السلطات السورية عبر وزارة خارجيتها، ومن ثم يمنع الدخول في معركة كبرى على الأقل حالياً إلى حين التوصل إلى اتفاق شامل ونهائي يخرج المسلحين من المدينة ويقطع دابر الإرهابيين وهذا ما أكدت عليه الرئاسة السورية ايضاً، فضلاً عن أنه يخرج واشنطن بشكل أو باخر من دائرة القرار في إدارة العملية السياسية، وخاصةً أنه قطع الطريق على أي حماقة أميركية كانت تحضر لها واشنطن من خلال مسرحيات الكيميائي التي ينفذها أصحاب الخوذ البيضاء.
صحيح أن هذا الاتفاق قد يلبي طموحات أردوغان الساعي وراء مصالحه على حساب من يدعمهم ومن خلال استغلاله للمعارضة من أجل تحصيل المكاسب التي يتطلع لها في سوريا في حين أنه يتمكن من تقويض الدور الكردي من خلال علاقاته مع موسكو وطهران، إلا أنه لا يؤثر على حلف الانتصار أي سوريا وحلفائها، فسيرة دمشق منذ بداية الأزمة كانت إعادة البلاد إلى كنف الدولة والمحافظة على دماء المدنيين، فضلاً عن أن تصريح وزير الخارجية الإيرانية يلاقي هذا الاتفاق من خلال تأكيده العمل على تجنب الحرب في إدلب والعمل الدائم من ناحية أخرى على طرد الإرهابيين.
وهكذا تنفس الأطراف الصعداء، ريثما يتم التوصل إلى صيغة نهائية لمسألة إدلب بشكل يحفظ السيادة السورية، ويبعد الإرهابيين عن المنطقة فيما تتم المحافظة على أرواح المدنيين المرتهنين لـ”جبهة النصرة” ومن معها، وقد ظهر هذا الاتفاق على أنه أفضل الممكن وفق ما أعلن عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلال التوصل إلى التالي:
أولاً: إنشاء منطقة “منزوعة السلاح” في إدلب بحلول 15 تشرين الأول/أكتوبر، على طول خط التماس بين القوات السورية والمعارضة المسلحة والفصائل يتراوح بين 15 و20 كيلومترا.
ثانيا: انسحاب الإرهابيين من تلك المنطقة، بما في ذلك “جبهة النصرة”.
ثالثا: تمتد هذه المنطقة على طول الحدود الإدارية لإدلب مع محافظات حلب (شمال) وحماة (وسط) واللاذقية (غرب).
رابعا: في مهلة أقصاها العاشر من الشهر المقبل، يترتب على “جميع فصائل المعارضة” إخلاء هذه المنطقة من السلاح الثقيل، على أن “تسيطر وحدات من الجيش التركي والشرطة العسكرية الروسية” عليها.
وقد أشارت مصادر سورية إلى أن هناك مرحلة ثالثة تنص على “دخول مؤسسات الدولة السورية لتسلم مهامها قبل نهاية العام”، فيبدو أن الاتفاق لم ينته هنا فلا بد أنه استكمال لما يحصل في سوتشي، وإن كان هناك بعض المشكلات التي قد تواجه الاتفاق خاصةً لجهة قدرة تركيا على الزام “جبهة النصرة” بهذا الاتفاق، إلا انه في المرحلة الحالية قد يكون الافضل لجهة محاصرة الإرهابيين وبدء دخول الدولة السورية إلى المنطقة وفتح آفاق جديدة لدفع الحوار السوري السوري للوصول إلى إنهاء ازمة إدلب في ظل التفاهم الثلاثي الإيراني الروسي التركي من أجل معظم الملفات العالقة حتى الان ومنها تحجيم الرقعة الجغرافية لـ”جبهة النصرة” في المنطقة المنتشرة فيها وصولاً إلى القضاء عليها كلياً، ما سيؤدي إلى وضع اللبنة النهائية في الانتصار السوري الكبير والقول لواشنطن “كش ملك”.
العهد