نهاية الحُلم الهزيل، بنهاية فيلم أميركي طويل
|| صحافة عربية ودولية || المنار
في العام 2014، قال الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما للرئيس الروسي فلادمير بوتين، على هامش لقائهما في مدينة سوشي الروسية: “نحن قررنا الإنسحاب من الشرق الأوسط، لكن أميركا ليست سيارة صغيرة بل هي شاحنة واستدارتها تستغرق وقتاً”، ورغم ذلك استمرَّت أميركا ومعها دول غربية وخليجية في العمل ضمن “غرفة عمَّان” لإدارة عمليات العدوان على الجنوب السوري، الى أن صُدَّت كل العمليات الإرهابية التي أدارها فريق من ضباط هذه الغرفة لخرق تعزيزات حماية العاصمة دمشق، وأُعلِن من طرف أميركا عن إقفال هذه الغرفة.
واليوم، ومع بشائر الحلّ القادمة من إدلب، ومع بدء أميركا تطبيق العقوبات بحق روسيا وإيران، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن “دول الشرق الأوسط لن تكون آمنة طويلاً بدوننا”، بحيث تبدو الخيبة الأميركية واضحة عند آخر استدارة للشاحنة الأميركية عن سوريا، ويبدو أيضاً الحقد الأميركي الذي تُترجمه أميركا تَشَفِّياً من المناطق التي تُهزَم فيها، وهذا ليس غريباً عن سياستها ونهجها منذ مستنقع فيتنام وانتهاء بوحُول الشام.
استدارة أميركا عن الشرق الأوسط الى حيث لديها أولويات في مناطق أخرى – كما اعترف أوباما لبوتين – لا تعني أن الشرّ الأميركي قد ابتعد، لأن “ملائكتها” حاضرة ولو عبر أنظمة شيطانية ومنظمات إرهابية، لا بل أن غيابها يعني استمرار نواياها بإشعال الفِتَن عبر الوكلاء، وتصريح ترامب الأخير أنه لا أمان بلا أميركا، أكبر دليل على ما زرعته خلفها من أدوات تفجير، وأن مبلغ النصف تريليون دولار الذي تقاضته من السعودية هو عن “خدماتها” السابقة في حماية الخليج من أخطار صوَّرتها للعروش الخليجية الحاكمة أنها قادمة من إيران، وهي تتأهَّب للرحيل الآن والعدو المشترك لها ولدول الخليج وإسرائيل تبقى إيران، لمجرَّد أن إيران تقول “لا” في منطقة تحكُمها “النعام العربية” واعتادت أن تقول “نَعَم” ورؤوسها في الرمال.
ومشكلة الأنظمة التي استخدمتها أميركا، خاصة منذ العام 2011، أنها تفاءلت بتطبيق عقوبات على إيران وصلت مؤخراً الى حدّ التهديد بمنع بعض الدول من استيراد النفط الإيراني، وتناست هذه الأنظمة أن مضيق هرمز الآمن، يبقى آمناً لكافة ناقلات النفط، لكنه لن يبقى أمناً للآخرين عندما يُحظر على الناقلات الإيرانية، ووصلت الرسالة للأنظمة الخليجية ولأميركا.
ولعل آخر البِدَع التي أطلّ بها ترامب، هي رغبته لقاء القيادة الإيرانية دون شروط مسبقة، فجاء الردّ الإيراني بوجوب العودة الأميركية الى الإتفاق النووي قبل البحث بأي أمرٍ آخر، فابتدع ترامب وسيلة جديدة وأعلن الرغبة بإعادة النظر بالإتفاق شرط أن يشمل الصواريخ الباليستية، وهنا بيت القصيد الخليجي – الإسرائيلي.
سبق لإيران أن رفضت فور وصول ترامب الى البيت الأبيض، إدراج أسلحتها الباليستية ضمن مُندرجات الإتفاق النووي الذي لم يُقاربها سابقاً لا من بعيدٍ ولا من قريب، لكن الصواريخ الباليستية الإيرانية تُرعِب الأنظمة الخليجية “المتأمركة” وإسرائيل أكثر من الملف النووي، لأن جيرة إيران مُتعِبة ومُزعجة لأدوات أميركا، وأي تصرُّف عسكري غير مسؤول من هذه الأدوات لا تضبطه سوى القدرات العسكرية، وتأتي الصواريخ الباليستية الإيرانية وسائر الأسلحة ذات الإنتاج المحلِّي الإيراني هي الرادع وهي “البُعبُع”، سيما وأن العقوبات الأميركية المُتعاقبة عبر السنوات لم تستطع لجم الطموح الإيراني للإكتفاء الذاتي بكافة مُستلزمات السيادة القومية والواجبات الإقليمية.
أمام هذا الواقع، يبدو ترامب هزيلاً في كلمات وداعه للأنظمة المُوالية له، بقوله أنها لن تكون آمنة طويلاً بغياب أميركا، وإذا كانت إيران العدو رقم واحد لهذه الأنظمة العميلة، فإن أهزأ ما في تصريحات ترامب، أنه يحلم بأن يُعِيد مع إيران النظر بالإتفاق النووي الأممي لإدراج القُدرات الباليستية الإيرانية ضمنه، وهذا حُلم أميركي هزيل في فيلم أميركي طويل، شاركت به أنظمة إقليمية على مدى سنوات وبدأت ملامح نهايته ترتسم مع رحيل البطل…