قرار سعودي ضد لاجئي فلسطين.. الرياض تتسارع لتنفيذ صفقة القرن؟
|| صحافة عربية ودولية ||
في خطوة تتقاطع مع المخططات الأمريكية والإسرائيلية الهادفة لتضييق الخناق على ملايين اللاجئين الفلسطينيين، والتمهيد لتصفية قضيتهم، قرّرت السعودية منع دخول حَمَلَة “الوثائق” منهم إلى أراضيها، ورفضت كذلك تجديد إقامات وقبول معاملات الموجودين منهم داخل المملكة.
خطوة الرياض المفاجئة، والتي لم تصدر بقرار رسمي من قبل السلطات السعودية حتى اللحظة، دخلت حيز التنفيذ الأسبوع الماضي، وكُشف عن تفاصيلها حين تعالت أصوات اللاجئين من حَمَلَة “الوثائق” داخل المملكة وخارجها برفض السفارات السعودية ووزاراتها قبول معاملاتهم.
الأمر لم يتوقّف على ذلك، بل إن الجهات المسؤولة في السعودية طالبت هؤلاء بأن يستبدلوا بالوثائق الممنوحة لهم من الدول المُضيفة جوازات سفر صادرة عن السلطة الفلسطينية.
والوثيقة الفلسطينية هي وثيقة سفر للاجئين تُصدرها الدول المُضيفة لهم؛ مثل مصر وسوريا والعراق ولبنان، من أجل إجراءات السفر، في حين منح الأردن هذه الفئة جواز سفر دون رقم وطني، إلا أن حاملي الوثيقة يُعانون بشكل كبير من صعوبات السفر، كما يظل التعامل معهم رهناً للأوضاع السياسية.
وعام 1955، أصدرت الجامعة العربية قراراً يمنع الدول العربية من السماح بالجمع بين جنسيتين عربيتين، وأنه لا تُمنح الجنسية العربية للاجئ الفلسطيني حفاظاً على هويته. لذا لم تعطِ سوريا ولبنان والعراق الجنسية لهم؛ لتلافي توطينهم وإغلاق ملفّ قضية اللاجئين.
وبحسب معلومات، فإن القرار السعودي يشمل جميع حَمَلَة الوثيقة في كافة الدول العربية، ولا يقتصر فقط على حَمَلَتها من لبنان والأردن.
أبعاد خطيرة
محمد الشولي، المسؤول في المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان “شاهد” في لبنان، ومدير الإعلام فيها، يقول: إن “خطوة السعودية كانت مفاجئة، وأثارت الكثير من القلق والريبة لدى ملايين اللاجئين الفلسطينيين حول العالم”.
وفي تصريحات لـ”الخليج أونلاين”، يؤكّد أن الأمر المُقلق من هذا القرار الذي وصفه بـ”المخيف”، هو تزامنه مع المشاريع الأمريكية والإسرائيلية التي تهدف لتشديد الخناق على اللاجئين الفلسطينيين، والسعي من خلال مبادراتهم ومخططاتهم إلى “تصفية قضية اللاجئين وإنهاء وجودها”.
وعن تفاصيل القرار السعودي، يوضح الشولي، أنه منذ أسبوع تقريباً وصلت إلى مؤسّسة “شاهد” الحقوقية العشرات من شكاوى اللاجئين الفلسطينيين داخل السعودية وخارجها، وخاصة الذين في لبنان ومخيماتها، مفاده أن السعودية ترفض “بشكل قاطع” التعامل مع معاملاتهم؛ لأنهم من حَمَلَة “الوثائق”.
ويضيف: “المؤسسات السعودية الرسمية أبلغت اللاجئين بأن عليهم الحصول على جواز سفر صادر من السلطة الفلسطينية مقابل التعامل مع معاملاتهم الرسمية، ودون ذلك فلن يُقبل منهم أي شيء”.
ويوضح الشولي أن المعاملات المتوقّفة الآن شملت كل شيء؛ حتى إخراج الأوراق وتسجيل الأولاد، ووصلت إلى منع تجديد الإقامات للاجئين.
ولفت إلى أن “شاهد”، بعد أن وصل إلى مكتبها هذا الكم الكبير من الشكاوى، بدأت باتصالاتها وتحرّكاتها مع الجهات الرسمية السعودية للاستعلام عن الأمر وإيجاد مبرّرات توضح سبب التعامل به، مؤكداً أنه حتى اللحظة لا يوجد ردّ رسمي، غير بعض الحديث الذي صدر بان أجهزة الحاسوب الخاصة بهم لا تقرأ تلك الوثائق.
واعتبر هذا المبرّر غير مُقنع وغير واقعي، مؤكّداً “وجود تعميم للسفارة السعودية بعدم استقبال أي لاجئ فلسطيني يحمل وثيقة”.
وحذر المسؤول الحقوقي من تعميم هذا القرار ليشمل باقي اللاجئين في الدول العربية الأخرى، بعد أن كان يستهدف فقط لاجئي لبنان والأردن، وأن تتعامل به باقي السفارات العربية والأجنبية، مؤكّداً أن توقيته وهدفه الخفي يثير الكثير من القلق والشك لدى اللاجئين وكافة المؤسسات الحقوقية والإنسانية.
وناشد الشولي السلطة ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين “أونروا”، والمؤسسات الدولية الراعية للاجئين وحقوق الإنسان، بالتدخّل العاجل لإلغاء القرار، ودعم اللاجئين والتكفّل بهم بدلاً من تشديد الخناق عليهم.
وأكّد فلسطينيون من حَمَلَة “الوثيقة”، والذين حاولوا خلال الفترة الماضية الحصول على تأشيرة للسعودية، أن الرياض رفضت منحهم تأشيرات عمرة أو حج أو حتى إقامة وزيارة. وأكّدت هذه الشكاوى تصريحات أدلى بها أصحاب شركات حج وعمرة عاملة في الأردن والضفة الغربية ولبنان.
وقال مدير المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان محمود حنفي أن لدى المؤسسة معلومات مؤكدة عن قرار المنع السعودي، وعن عدم تجديد إقامات اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في المملكة، وعدم قبول طلباتهم ما لم يحملوا جواز سفر بدل “وثيقة السفر”.
وتساءل “كيف سيُسوى وضعهم القانوني؟ وما مستقبلهم وظروفهم؟”، مجيبا: “حقيقة لا ندري. هذه مخاطر كبيرة جدا وتحتاج إلى تدخل عاجل لتعديل هذا القرار”.
ورأى أن “لهذا الأمر مخاطر عدة، خصوصا للمركز القانوني للاجئين الفلسطينيين في السعودية، فضلا عن عدم السماح لهؤلاء بممارسة شعائرهم الدينية”.
اضاف أن هذا القرار يحمل مخاطر جدية على ملايين الفلسطينيين. “ففي الأردن وحدها هناك أكثر من مليون فلسطيني من فئة حملة الوثائق، وفي لبنان وسورية ومصر والعراق معاً يكاد يقارب العدد المليون لاجئ من هذه الفئة. إذاً، فإننا نتحدث عن ملايين، وذلك ما يوجب التحرك السريع، ونحن نعمل على ذلك، من خلال اتصالاتنا مع جمعيات حقوقية ودولية عديدة”.
ويشير الحنفي إلى أن هناك ثلاثة آثار رئيسية مباشرة لهذا القرار، “أولها أنه سيُسبب ضرراً مباشراً للفلسطينيين من حملة الوثائق المقيمين على الأراضي السعودية. ويحدّ من حرية حركتهم، وربما يجعلهم عرضة للاستغلال من قبل كفلائهم، حين يجدون أن هناك إشكالية في وضعهم القانوني. ثانياً، هذا القرار ينتقص من حرية العبادة، من خلال منع حملة الوثائق من ممارسة حقهم في الحج والعمرة. ثالثاً، يستهدف القرار أيضاً اللاجئين الفلسطينيين الباحثين عن فرص عمل في السعودية”.
وعبّر الحنفي عن أسفه لأن الحلول المطروحة تبدو غير واقعية. و”هناك حلاّن مطروحان، فإما أن تُصدر السلطة الفلسطينية أو الدول المضيفة جوازات سفر خاصة، وفي الحالين إن ذلك يتطلّب توافقات بين الدول المضيفة والسلطة الفلسطينية والمملكة العربية السعودية. وهذا يستغرق وقتاً طويلاً، سيضيع من عمر ومستقبل اللاجئين الفلسطينيين حملة الوثائق”. وطالب مدير مؤسسة شاهد الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان بالتدخل العاجل لتعديل هذا القانون.
وحذر ممثل حركة حماس في لبنان علي بركة، في حديث إلى “المدن”، من دفع اللاجئين الفلسطينيين للحصول على جواز سفر السلطة الفلسطينية “لأن هذا الأمر، إن حصل، سيسقط صفة لاجئ عن حامل جواز السفر، ويحوّل اللاجئين الفلسطينيين إلى جاليات أجنبية، تخضع جوازات سفرها للتجديد، ما يُعفي الكيان الصهيوني من مسؤوليته المباشرة عن اللاجئين الفلسطينيين، ويريحه من ثقل هذا الملف على المستوى السياسي والحقوقي.
ويصبح القرار 194 بالنسبة إليه قراراً ساقطاً ولاغياً بحكم الواقع المستجد. والسلطة الفلسطينية هي سلطة في الضفة وغزة فحسب، ولا يُعتبر حاملو جوازات سفرها جزءاً ممن يحق لهم العودة إلى المناطق المحتلة، التي هُجّروا منها في العام 1948”.
وعبّر بركة عن خشيته من أن هذه الخطوة السعودية تأتي “في سياق التماهي مع صفقة القرن الأميركية، التي تعبّر عن نفسها بمحاولات الغاء الأونروا، وشطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، من خلال تقليص أعدادهم، وتوطين بعضهم، وتهجير آخرين إلى بلدان بعيدة”.
وطالب بركة السلطات السعودية بالتعامل مع حملة الوثائق لأن “هذه الوثائق تعني تثبيت صفة اللاجئ الفلسطيني لحاملها”. وطالب السلطات اللبنانية بالتدخل لدى السلطات السعودية لثنيها عن هذا القرار، “لأن ذلك سيحرم اللاجئين الفلسطينيين من حق العبادة وحق العمل”.
واكد سياسي فلسطيني نافذ في منظمة التحرير الفلسطينية أن السفارة الفلسطينية في الإمارات أبلغته أن السلطات هناك ستحذو حذوّ السعودية خلال أسابيع قليلة. ما يشير إلى أن الخطوة السعودية لها أبعادها الإقليمية، ولا تنحصر في إطار داخلي أو تقني. وما يعزز ذلك، أن السلطات العراقية هي الأخرى أسقطت قبل أشهر صفة اللاجئ عن الفلسطينيين الموجودين في العراق. يومها، قيل إن هذا الإجراء يأتي في سياق سياسة اضطهاد الفلسطينيين التي تتبعها الأحزاب الحاكمة منذ العام 2003، لكن بعد موافقة بعض الدول الغربية على استقبال عشرات العائلات الفلسطينية من العراق، والخطوة السعودية الأخيرة، تؤكّد، إلى حد كبير، أن كل ذلك يأتي في سياق تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين.
قرار عنصري
وخلال الشهور الأخيرة أصدرت السعودية عدّة قرارات واعتمدت سياسات جديدة في التعامل مع الفلسطينيين المُقيمين والوافدين؛ في مقدّمتها فرض “رسوم” جديدة على الإقامة، إضافة إلى مزيدٍ من التعقيد على الإجراءات والمعاملات الرسمية، وصولاً إلى القرار الأخير برفض التعامل مع حَمَلَة الوثيقة بشكل عام.
وهذا الأمر لا يُمكن فصله عن محاولات تصفية قضية اللاجئين التي تسعى السياسة الأمريكية الحالية إلى محوها؛ في إطار تنفيذ “صفقة القرن”.
واستنكرت الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين القرار، قائلة: “ليس من حق النظام السعودي منع أو حرمان أي مسلم من تأدية العبادات بناءً على هويته وجنسيته؛ لأن الحرمين ملك لجميع المسلمين في العالم وليس لفئة أو جنسية معيّنة”.
ووصفت الهيئة القرار بـ”العنصري”، مطالبة المجتمع الدولي ومؤسسات حقوق الإنسان “بالتدخّل فوراً لوقف تحكّم السعودية في العبادات وتقييد حريات الأفراد، وخاصة حقهم في ممارسة عبادتهم بحرية ودون قيود”.
“هذا القرار الخطير قد يكون مقدمة من قبل الدول العربية، وعلى رأسها السعودية، لتمرير مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين داخل الدول التي يُقيمون فيها”. والحديث هنا لرئيس دائرة شؤون اللاجئين في حركة “حماس”، عصام عدوان.
واضاف عدوان: “الدول العربية بدأت تستجيب فعلياً للمخطّطات الأمريكية الخبيثة التي تهدف لتوطين اللاجئين، والقرار السعودي هو جزء من السياسة الأمريكية في التضييق على اللاجئين، وسحبهم نحو مربّع التوطين الخطير”.
وتابع عدوان حديثه: “هذه الخطوة مخالفة تماماً للقرارات العربية التي تتعلّق بحقوق ومعاملة اللاجئين الفلسطينيين حَمَلَة الوثيقة، لكن ما يجري على الأرض من قبل بعض الدول العربية سيكون مقدّمة لخطر أكبر سيمسّ قضية اللاجئين، ويتقاطع تماماً مع المخطّطات الأمريكية والإسرائيلية في تضييق الخناق عليهم”.
واشار رئيس دائرة شؤون اللاجئين في “حماس” إلى وجود موقف عربي متخاذل ضد القضية الفلسطينية، وهو ما يعتمد عليه ترامب لتمرير صفقاته في تصفية القضايا الفلسطينية وعلى رأسها اللاجئون، مؤكّداً أن هناك مؤشرات خطيرة لاستهداف القضية والحقوق الفلسطينية، وسيُكشف عنها لاحقاً بتواطؤ مع الدول العربية.
الجدير ذكره أن القرار السعودي جاء بالتزامن مع الجهود التي تبذلها الإدارة الأمريكية لطرح “صفقة ترامب” التي تتبنّاها الرياض، وبدأت ملامحها في تصفية القضية الفلسطينية تتّضح؛ حين أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، نهاية العام الماضي، اعترافه بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وما لحقه من إغلاق مقر منظمة التحرير في واشنطن، ووقف مساعداته للسلطة الفلسطينية، ووقف كل أشكال الدعم المالي لـ”أونروا”.