الحسين.. بين الماضي والحاضر
|| مقالات || منذر المقطري
يحلُّ علينا يومُ العاشر من محرم ذكرى الفاجعة، وذكرى المصاب الأليم للأُمَّـة الإسْــلَامية في قائدها، ذكرى استشهَاد الإمام الحُسَيْن سبط رَسُــوْل الله صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ الطاهرين.
عاشوراء هذه الذكرى المؤلمة في تأريخ الأُمَّـة الإسْــلَامية، ذكرى الإيثار والتضحية، ذكرى الخروج الأول وَ”اللاء” الأولى في التأريخ الإسْــلَامي.
بينما يتحضر الناسُ لإحياء هذه الذكرى واستحضار الدروس والقِيَمِ واستخلاص العِبَرِ منها، قد يتبادر إلى أذهان البعض سؤالٌ: ما جدوى إحياء هذه الذكرى وَقد مر عليها قرابة الـ1400عام؟؟؟
ما علاقة الماضي بالحاضر وكيف نستطيعُ قراءة الماضي انطلاقاً من الحاضر؟؟؟
للإجابة عن هذا السؤال يجب أن ندركَ أن الحاضرَ هو الذي يمتلكُ مفتاحَ الماضي وليس العكس، على حَــدِّ تعبير كارل ماركس.
إنَّنا نخطئُ عندما ننظُرُ إلى حركة التأريخ على أنها حركةٌ يتولد فيها الحاضرُ من الماضي بحركة (استمرارية) بحركة تناسخ وتماثل دون النظر إلى التحولات البنيوية في تأريخِ سيرِها.
يقولُ المفكرُ اللبناني حُسَيْن مروة: “إنَّ النظرَ إلى التراث الإسْــلَامي يجبُ أن يكونَ نظرةً مشتقةً من اعْتبَارات الحاضر” أي باعْتبَارات التراكم الذي حدث بين الماضي والحاضر، نظرة مشتقة من احتياجات الحاضر وانطلاقاً من واقع اليوم.
إننا ننظرُ إلى ما وقع في كربلاء كعلامة فارقة في تأريخ المواجهة مع الطغاة والظالمين، هذه التضحية العظيمة هي التي كرّست ومهّدت الطريق أمام الثورات الإسْــلَامية حتى اليوم.
فلو لم يخرُجِ الإمامُ الحُسَيْن ثائراً لما أتى الإمامُ زيد يستلهمُ من مسيرة جَــدِّه، ومنطلقاً من الواقع المظلم الذي تعيشُه الأُمَّـة تحتَ حكم بني أُمَيـَّـة، واضعاً أيديولوجيةً ثوريةً نقيضةً لأيديولوجية السلطة آنذاك، فالمواجهة أَصْبَــحت فكريةً أَيـْـضًا إلى جانب المواجهة العسكرية، هذا المكسَبُ المتَمَثِّـلُ في مذهب (الخروج عن الحاكم الظالم) لم يكن ليتحقّـق إلّا بفعل التراكم التأريخي بين زمني الحُسَيْن والإمام زيد -عَلَيـْـهِما السَّــلَامُ-.
لذا فإِنَّ إحياءَ ذكرى عاشوراء ليس إحياءً لحدث جامد نأتي به من صفحات التأريخ كُـلّ عام لنسقطه على الحاضر وحسب، فلا غضب ولا ثورة من دون حزن وألم ومعاناة، هنا نستحضر القيمة التي قدّمها الإمام الحُسَيْن في “الطف” بكربلاء، ونقتبس من التضحية التي قدّمها -عَلَيـْـهِ السَّــلَامُ- شعلة متوهجة يسير خلفها الثائرين على الظلم في كُـلّ العصور والازمنة.
ونحن إذ نواجهُ هذا العدوان السعودي الأمريكي الغاشم اليوم نحن في أمسِّ الحاجةِ إلى استلهام معاني كربلاء ودروس كربلاء في الصبر والإيْمَــان بالقضية والتضحية في مواجهة (يزيد) هذا العصر.
وكأنني أرى أبا عبدالله الحُسَيْن حاضراً بيننا اليوم، أراه في صرخات الثائرين، في صمود المجاهدين المرابطين في الثغور، في صبر الجرحى، في كبرياء الأمهات الثكالى، فكما أن في كُـلّ أُمَّـة وزمان “يزيدً” فإنَّ هناك في كُـلّ أُمَّـة وكل عصر ألفَ حُسَيْنٍ وحُسَيْن لسانهم حالهم يقولُ: هيهات منا الذلة.