الثورة.. بقي أمامها الكثير
|| مقالات || ياسر الصيلمي
ما زلت أتذكر جيدًا تلك اللحظات العظيمة التي انتصرت فيها ثورة الـ 21 من سبتمبر، وكم كانت السعادة كبيرة وغامرة ونحن نحتفل بانتصار الثورة والقضاء على الطغاة.
عندها بالفعل أحسسنا بنشوة النصر، وأننا قطفنا ثمرةَ الصبر والتضحية والصمود، وما زلت أتذكر جيدًا تلك الكلمات التي قالها لي شخصٌ كنت أعتقد أنه بسيطٌ ومحدودُ التفكير، ولكن مع مرور الأيام عرفت أنه عميقُ التفكير، ولديه رؤية خاصة للمستقبل، ففي اليوم الثاني لانتصار الثورة كنا نجلس كالعادة في وقت متأخِّر من الليل على الرصيف الملاصق لخيمتنا في شارع المطار، وأخذنا نتبادَلُ الحديث والآراء، نحاول أن نقرأَ المستقبل، وماذا بعد الثورة، عندَها نظر إليّ ذلك الشخص وقال: “لقد تحقّق النصف الأول من الثورة فقط، وما زال أمامنا النصف الآخر والذي أعتقد أنه الجزء الأصعب”، عندها نظرت إليه بتعجب وسألته ما هو هذا الجزء؟ فقال: “الجزء الآخر من الثورة هو حماية الثورة والحفاظ على مسارها؛ لأنَّ كُــلّ ثورة ما إنْ تنجح حتى يتسلق اللصوص لسرقتها وتغيير مسارها؛ لأنَّها تشكل خطراً عليهم ولا تنسَ العبارة التي تقول: الثورة يصنعها الأبطال ويستفيد منها الأنذال”.
هؤلاء الأنذالُ هم لصوصُ الثورات، ولنا عبرةٌ في ثورة الشباب الـ 11 من فبراير التي سُرقت واستفاد منها الجنرال علي محسن وحميد الأحمر وأحزابٌ وشخصيات كانت شريكةً لعفاش طيلة توليه مقاليد السلطة وكانت جزءًا من فساده.
ثم سكت ونظر إلى السماء وكأنه يحاول قراءة المستقبل القادم، بعدها التفت إليَّ وقال: أعتقد أن الأيام القادمة ستكون صعبة وأعداء الثورة سيشنون الحرب عليها، ولكن ما يطمئن النفس أن على رأس هذه الثورة هو قائدها العظيم السيد عبدالملك الحوثي عندها أكّدت له أنه في وجود السيد القائد على رأس هذه الثورة فلا قلق ولا خوف.
ومرت الأيام لتتضحَ الصورة بشكل جلي ويتأكد لي بأن كلامه الذي اعتقدت وقتها أنه ربما كان نتيجة الإحباط بعد فشل وسرقة ثورة الشباب الذي يتأكّد لي مع مرور الأيام هو أن ثورة الـ 21 من سبتمبر لم ترق لقوى الاستكبار العالمي وظهرت بأنها أعظم ثورة في التأريخ الحديث؛ لذلك ما إن استوعبت قوى الاستكبار صدمةَ نجاح الثورة حتى بدأت ترتيبَ صفوفها ورسمَ خططها للقضاء على هذه الثورة وتشويهها.
وفي محاولة إجهاض الثورة بدأ العملُ في عدة مسارات متوازية أهمها العدوان السعودي الأمريكي على اليمن وفرض الحصار وإغلاق جميع المنافذ وشن حرب إعلامية واقتصادية وكأنها تعاقب الشعب اليمني العظيم؛ لأنَّه أشعل هذه الثورة ولسان حالها يقولُ سنجعلكم تندمون أشدَّ الندم؛ لأنَّكم أشعلتم هذه الثورة ولكن كُــلّ هذه الحرب وكل هذا الإرجاف والتهويل انكسر أمام صمود الشعب اليمني وبفضل قيادة الثورة العظيمة التي استطاعت مواجهة قوى الاستكبار والتصدي لها.
ما يثيرُ الخوفَ والقلق هو محاولات إجهاض الثورة وتشويهها من الدخل عن طريق بعض الذين تسلّقوا وركبوا موجة الثورة وسعوا لإبعاد رموز ثورية أَوْ إقصائها وكأنهم يشنون حرباً على كُــلّ من شارك في الثورة أَوْ كان له دور في نجاحها، والمثير للحزن والسخرية في آن واحد أن نشاهدَ أشخاصاً لم يكن لهم أيُّ دور في الثورة هم من يجنون ثمار هذه الثورة حتى أصبحوا هم من يصنّفون الثوار فيبعدون من يشاؤون ويقربون من يشاؤون، مستغلين لذلك نفوذَهم السياسي وسلطتهم التي لولا ثورة الـ 21 من سبتمبر وثوارها الأبطال لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه فيزيحون من يريدون من الثوار ويهمشون من لا يرغبون فيه ويحاربون ثواراً آخرين إلى درجة آن يُحارب بعض الثوار في لقمة عيشهم وكأنهم يعاقبون على ثورتهم العظيمة.
للأسف أن هذا هو الواقع الحالي الذي يحاول البعض ممن تسلقوا الثورة أن يفرضوه علينا ويكفينا بعض التأمل البسيط للواقع لنشاهد هذه الحقيقة ولكن يجب أن ندركَ أن هؤلاء اللصوص استغلوا العدوان على البلد لتنفيذ مخططاتهم وانشغال قائد الثورة بمواجهة العدوان، معتقدين أن هذه هي الفرصة السانحة للتخلص من كُــلّ من يشكل عائقاً أمام مشاريعهم وأَهْدَافهم، متناسين أن ثورةَ الـ 21 من سبتمبر في وجه الطغيان، وأن هذا الشعار سيستمر وأن الثورة مستمرة ولن تسمح بصنع طواغيت جدد مهما كلف الثمن فثوار الـ 21 من سبتمبر ما زالوا موجودين، وإنْ استشهد بعضهم، فقد أحيا من استشهد منهم بشهادته أمةً ستكمل المسير، وما زال هناك الكثير والكثير من أبطال الثورة، ما زالوا موجودين يتنفسون العبق الثوري في كُــلّ نفَس، وسيُكمِلون المشوار وسيوقفون كُــلّ من يسعى لتشويه ثورتهم أَوْ سرقتها أَوْ حرف مسارها؛ ولذلك يجب على جميع الثوار خصوصاً من كان لهم أدوار بارزة في الثورة أن يعملوا على لملمة الصفوف وترتيبها ومواصَلة الثورة من خلال أولاً الوقوف إلى جانب قيادة الثورة والقيادة السياسية لمواجهة العدوان السعودي الأمريكي والثاني الوقوف في وجه كُــلّ من يحاول حَرْف مسار الثورة وتطهيرها من كُــلّ من تسلق عليها ويريد سرقتها والوقوف سداً منيعاً أمام كُــلّ من يسعى لتشويه الثورة أَوْ حرف مسارها أَوْ الفساد باسم الثورة أَوْ التغطية على أي فاسد مهما كان..
ولنتذكر الشهيد الثائر عبدالكريم الخيواني رحمه الله وشعاره الذي كان يردده (سنواصل) وليكن شعارنا دائماً (الثورة مستمرة) و(سنواصل).