حرب العملات: أخطر أوجه الحرب الاقتصادية الناعمة

|| مقالات || محمد علي جعفر

تتصارع الدول اليوم في ساحة مفتوحة مستخدمة أدواتٍ مختلفة لكسب أوراقٍ في الصراع أو تعزيز أدوارها على الصعيدين الإقليمي والعالمي. لكن أدوات الحرب اليوم تكاد تكون أخطر من الأدوات السابقة، كونها أدوات ناعمة. فالحرب الصلبة التي شهدها العالم عبر التاريخ، وتكاد تُشكل المفهوم الوحيد للحرب في اللاوعي الشعبي لدى مجتمعاتنا، كانت خطيرة وما تزال، لكنها كانت معروفة من حيث الأطراف المتنازعة، محدودة من حيث ساحة الصراع وكانت تنحصر بين اللاعبين في ساحاتهم القتالية. لكنها وعلى الرغم من آثارها (الحرب الصلبة) المُدمرة على المجتمعات، لم تكن بمستوى الخطر التي تُشكله الحرب الناعمة، والتي تطال الجميع، في ساحةٍ مفتوحة من الصراع المُتعدد الأوجه.

 

تُشكل الحرب الإقتصادية إحدى أوجه الحرب الناعمة. تسعى فيها الدول الى إرضاخ بعضها من خلال الأسلحة الإقتصادية المختلفة، والتي عادة ما تؤثر على الإقتصاد العالمي. يوماً بعد يوما، زاد أثر هذه الحرب لأسباب عديدة. عالم مُعقد ومترابط حيث لم يعد هناك مسافات بين أطراف السوق في ظل تكنولوجيا التواصل الحديثة، وآثارها العديدة الإيجابية والسلبية. تكمن المشكلة الرئيسية في القدرة على ضبط النتائج. وهو أحد الأوجه الخطيرة لهذه التكنولوجيا وآثارها على الأوجه المتعددة للحرب الناعمة ومنها الإقتصادية. يُضاف اليها اعتماد الدول اليوم عليها كوسيلة أساسية في الصراع.

ولأن للحرب الإقتصادية أدوات عديدة، تبرز اليوم أحد أكثر أدواتها حداثة. حيث تقوم دولة (أو اتحاد دول لديه عملة موحدة) باستخدام السياسة النقدية عبر التدخل في أسواق الصرف وتبادل العملات، لتقليص القوة التنافسية للدول الأخرى. وجه آخر غير مباشر لهذه الحرب يتمثَّل في قيام المسؤوليين بالتصريح عبر وسائل الإعلام، عن سياسات ضد دولة أو التحذير من أوضاع مستقبلية قد تُخفض قيمة العملة للدولة المستهدفة، ما يؤثر على عملتها في الأسواق. وهنا يحضر النموذج الصيني الأمريكي كأخطر الحروب الإقتصادية الحالية والتي ستكون بحسب المراقبين سبباً في التحول في النظام الإقتصادي العالمي. ظهر المصطلح للمرة الأولى خلال العام 2008 في كتاب “حرب العملات” للباحث “سنوغ هونغ بينغ” الأمريكي من أصل صيني. صدر الكتاب قبل الأزمة المالية ويتحدث فيه الكاتب عن المساعي الأميركية ومن خلال حرب العملات الى ضرب التعاظم الإقتصادي للدول الصاعدة وتحديداً الصين.

 

خلال شهر نيسان/ أبريل الماضي، أعلنت الصين نيتها خفض قيمة عملتها لمواجهة الحرب التجارية الغربية تحديداً الأمريكية ضد صادراتها. وهو ما يجعل قيمة سلعها أرخص من السلع الأخرى ويزيد من قدرتها التنافسية. قد يتفاجئ البعض بهذا الأسلوب، لكن لسياسة خفض العملة، قصة مهمة.

منذ العام 2016 تراقب الخزانة الأمريكية عن كثب أداء الدول التي تعتبرها شركاء تجاريين أساسيين تجاه العملة الأمريكية. وهذا ما يدل على أن التوجه الأمريكي تجاه ضبط سلوك الشركاء التجاريين يعود لأكثر من عقد ونصف، ولا علاقة له بالإدارة الأمريكية الحالية، حيث أن قوة أمريكا السياسية تعتمد على الإقتصاد، ما يستلزم هذا التوجه، بغض النظر عن أسلوب الأدارة الأمريكية الحالية.

 

وهنا فإن قائمة الشركاء التجاريين الأساسيين لواشنطن، تضم الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند بالإضافة الى سويسرا وألمانيا. تمتلك هذه الدول الكميات الأكبر من العملة الأمريكية كإحتياطٍ نقدي. وهو ما يجعلها قادرة على ممارسة ضغوط على سعر الدولار. ما يمكن أن يؤثر على الوضع التجاري لأمريكا والتي تعاني بحسب تقارير 2017 من عجز يفوق 800 مليار دولار في ميزانها التجاري، فيه 380 مليار دولار أمام الصين!

 

يستمر الكباش العالمي في الحرب الإقتصادية بين الدول، حيث تبرز نماذج عديدة حالية لهذا الصراع (بين أمريكا والإتحاد الأوروبي، أمريكا والصين، أمريكا وروسيا، أمريكا وإيران..). يبدو واضحاً القاسم المشترك الأمريكي. هنا، يمكن الرهان على أن الدول المنافسة لواشنطن في صراعها الإقتصادي، باتت تشعر بعبئ السياسة المالية الأميركية وأضرارها على الإقتصاد العالمي، حيث تقوم واشنطن بتصدير مشاكلها الإقتصادية لتتحملها بقية الدول. لكن ولكي لا نبقى بعيدين عن الواقع، فإن المشهد العالمي للصراع الحالي بين أميركا والصين سيؤثر حتماً على الإقتصاد العالمي، لإمتلاك هاتين الدولتين نحو 46% من حجم التجارة العالمية! وهنا تعيش مجتمعاتنا أمام حرب لا يمكن معها إلا انتظارالنتائج، في ظل دولٍ تحكمنا، لا تملك أي وزنٍ إقتصاديٍ عالمي.

موقع العهد

قد يعجبك ايضا