ترامب والسعودية.. نظرية الإذلال السياسي
|| صحافة عربية ودولية || العهد
تبنى العلاقات بين دولتين على التعاون والاحترام المتبادل، بعيدًا عن الابتزاز والإخضاع، وإلا ستكون علاقة العبد بسيده. بين واشنطن والرياض الأمر بعيد عن البناء السليم للعلاقات، إنه متعلق بمن يريد النفط والأموال من جهة وبين من يخاف على عرشه من جهة أخرى.
محطات الإهانة
إنها علاقة بدت في الآونة الأخيرة تقوم على الابتزاز الواضح من قبل الرئيس الأميركي للمملكة، ما يدفع للسؤال عن السكوت المطبق من السعودية على استفزازات دونالد ترامب.
منذ وصوله إلى السلطة يمارس دونالد ترامب سياسة رعناء من خلال استخدام نهج اقتصادي يقوم على الابتزاز في علاقته مع الحكام السعوديين. محطات عدة من الاستفزاز سنعرضها لنبني عليها، بدأت قبل وصول ترامب إلى السلطة، حيث اعتبر في تصريح له في 19 نيسان/ابريل 2016 خلال حملته الانتخابية، أن السعودية لن تصمد “لاسبوع من الزمن” من دون حماية اميركا، والا عليها أن تدفع.
بعد وصوله إلى الرئاسة الأميركية، قال ترامب في تصريح له بالأسلوب عينه بعد عام تقريباً في 28 نيسان/ابريل 2017 إن “واشنطن تخسر كما هائلا من المال للدفاع عن المملكة”، ملوحاً للسعودية ان عليها أن تدفع في مقابل الحماية.
بعد هذا الاستفزاز بشهر حصل ترامب على ما يريد، خلال زيارته للرياض في ايار/مايو 2017، ليجمع أكثر من 400 مليار دولار على شكل اتفاقات وصفقات واستثمارات. طبعاً لم تنته حكاية الاستفزاز هنا، فاستغل ترامب زيارة ولي العهد السعودي في اذار من هذا العام إلى واشنطن ليوجه خطابا سلعيا عبر عرض صفقات السلاح على ابن سلمان، حيث عرضَ الرئيس ترامب لوحة عليها المبالغ التي سوف تدفعها السعودية لأمريكا، مقابل صفقات الأسلحة التي أبرمت بين الطرفين، كان هذا المشهد مُهيناً وفيه من الذلّ ما فيه.
ودائماً ما يعود الرئيس الأميركي ليذكر السعودية بأنها ضعيفة، ومحتاجة لأميركا من أجل حمايتها، وإلا فإن اسرة ال سعود لن تبقى على كرسي العرش، فقد انتقل ترامب بطريقة الاستفزاز هذه المرة إلى الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز مباشرة، حيث قال في تجمع انتخابي بولاية فرجينيا، إنه تحدث مطولا مع الملك سلمان، وإنه قال له “ربما لن تكون قادرا على الاحتفاظ بطائراتك، لأن السعودية ستتعرض للهجوم، لكن معنا أنتم في أمان تام، لكننا لا نحصل في المقابل على ما يجب أن نحصل عليه”.
وعاد ترامب ليثبت استفزازاته في مقابل الخنوع والخضوع والتبعية والخوف السعودي، حيث كشف أن ملك السعودية هاتفه مؤخرًا وطلب منه مساعدة الولايات المتحدة في حملة عسكرية سرية للغاية، فرد عليه إن السعودية سيكون عليها أن “تدفع مبلغ أربعة مليارات دولار للحصول على مساعدة الولايات المتحدة”.
بنك واشنطن
ينظر ترامب إذاً، إلى السعودية وكأنها مصرف تابع لواشنطن، نظرة الباحث عن ضالته المالية في مملكة ال سعود لإدخال الأموال إلى الخزينة الأميركية وتمويل الجيش الأميركي من أموال السعوديين.
المشكلة الأكبر تكمن في أن أحداً في السعودية لم يتحرك إزاء هذا النمط الاستعلائي من قبل ترامب، الذي يظهر نفسه دائماً في مركز السيطرة على الرياض، وهذا دليل على أن علاقة واشنطن مع اسرة ال سعودة علاقة غير متوازية، تضرب كل مبادئ العلاقات الدولية والدبلوماسية وايضاً العلاقات الاقتصادية الدولية.
ومن الواضح أن العلاقة القائمة بين الطرفين يحكمها نمط استئثاري، منذ القدم. فواشنطن بنت علاقتها منذ البداية مع السعودية على سرقة نفطها واستغلال اموالها، منذ عام 1938 من خلال الشركات النفطية، ما جعل الرئيس الأمريكي روزفلت يعلن عام 1943 ان الدفاع عن المملكة يمثل مصلحة حيوية للولايات المتحدة. لم يختلف الامر ايضاً مع آيزنهاور، كذلك جون كندي وهكذا مروراً باوباما ووصلاً إلى دونالد ترامب، فالعلاقة يحكمها التحكم الأميركي بالنفط السعودي ، لكن الاسلوب يختلف.
صناعة الخطر
ولا شك أن السعودية كانت دائما تخضع لسياسات واشنطن، لكن الأخيرة تعمل حالياً، على تهيئة بيئة شرق أوسطية توحي للسعودية انها فعلاً ستذهب الى الهاوية بدون حماية أميركا، خاصةً من خلال تظهير إيران على أنها شبح سينقض على الرياض إذا غابت عنها واشنطن، فضلاً عن الخلافات داخل الأسرة الحاكمة. تهيئة هذه البيئة تجعل السعودية تدفع اثماناً باهظة لترامب من أجل حماية عرشها.
كل ذلك يشرع الأبواب لإثارة علامات استفهام كثيرة، عن ضعف السعودية أمام سياسة ترامب، حيث لم يتحرك أي شخص لا من السلطة ولا من غيرها للرد على كلامه، لماذا لا يتجرأ عادل الجبير على الاقل كوزير خارجية ليرد على ترامب؟ لا بل إن الملك سلمان يتصل مباشرة بترامب لطلب الحماية، فلماذا كل هذا الخضوع والخنوع؟ هل هكذا تكون الدولة التي تدعي أنها محافظة على سيادة الإسلام وأمن وعزة المسلمين؟ لماذا يتجرع النظام السعودي الإهانة ويثبت خضوعه للإدارة الأميركية؟
ويحاول التابعون للمملكة أن يوهنوا من الموضوع، فيقولون إن الأمر يتعلق بالانتخابات الأميركية ومساعي ترامب لحشد الجماهير حوله، هذا هراء فالمسألة تتعلق بنظرة الولايات المتحدة الأميركية لمجرد أداة لها في الشرق الأوسط، تبتزها متى شاءت لتجمع منها الأموال، ومع الافتراض أن قولهم صحيح، فإن ذلك إهانة أكبر لأن ترامب يستخدم السعودية شماعة لتحقيق مآربه السياسية في داخل السعودية وخارجها.
علي إبراهيم مطر