فَلْيَضحَكُوا قَليْلاً ولِيَبْكُوا كَثِيراً
|| مقالات || مطهر شرف الدين
وأنا أقرأ ما تيسر من آيات الذكر الحكيم لفتت انتباهي الآيةُ الكريمة التي تحمل عنوان هذا المقال وفي لحظة خاطفة تذكرتُ جملةً من القضايا المصيرية الكثيرة التي نعيشها جميعاً واقعاً لا تخفى تفاصيلهُ على أحدٍ ليس نحن اليمنيين فقط بل كلّ المجتمعات العربية وَالإسلامية على هذهِ الأرض بمختلف جنسياتها وألوانها ومذاهبها، وذلك في مقابل ما يحدث من استكبار عالمي على معظم الدول العربية والإسلامية ومحاولة سلب قراراتها السياسية والتحكم فيها وانتهاك سياساتها وَطبيعة مُخَطّطات الدول الاستكبارية العدوانية الطامعة في خيرات ومقدرات الكثير من الدول العربية ومدى إمكانية رفض الخنوع والانبطاح لتلك الدول التي تهدفُ إلى فرض وصايتها على الأنظمة العربية وشعوبها التي ارتهنت معظمها للأجنبي ووالت أعداء الله دون أن يكون لها أدنى موقف في ميدان المواجهة ضد الطغاة والمستكبرين ورضوا لأنفسهم بالقعود في حياة الدعة وكرهوا أن يحافظوا على كرامتهم وأن يجاهدوا في سبيل الله من أجل تحقيق عزتهم وسيادة قراراتهم وأوطانهم من أن ينال منها أعداء الله ورسوله من الأعراب المنافقين والعجم الطامعين الذين اتخذوا النفاق والعمالة لقوى الطاغوت سلوكاً بغية بقائهم في الجاه وطمعاً في ملذات الدنيا فكان من نتيجة ذلك أن طبع الله على قلوبهم فأصبحوا من الخاسرين، ومن خلال التدبر والتفكر في الآية الكريمة نرى الكثير من الناس تتكرّر مواقفهم وتوجهاتهم إزاء الأحداث والقضايا وكأنه التأريخ يعيد نفسه ليعكس مواجهة الحق مع الباطل؛ ولذلك ينبغي أن يكون لنا موقفٌ منها إما أن نكون في صف الذين آمنوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فنكون من المفلحين أَوْ نكون في موقف الذين رضوا بالقعود عن الجهاد ونكون من الخالفين فيطبع الله على قلوبنا؛ ولذلك نتساءلُ: من هم الذين يضحكون قليلاً ويبكون كثيراً ونعوذ بالله أن نكون منهم في ذلك اليوم الذي لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وبالرجوع قليلاً إلى ما سبقها من الآيات الكريمات نجد معانٍ وَدلالات واضحة فالآيات تتحدث عن المنافقين الذين تخلفوا عن رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله مختلقين في ذلك الأعذار ومنها عدم النفير في الجوّ الحار.
وفي سياق الآية يأتي الرد عليهم في قوله تعالى (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) وعلى أساس خلق الأعذار والتهرب من الجهاد بالمال والنفس في سبيل الله يأتي الوعيد في قوله تعالى “فلْيضْحكُوا قليلاً وليبْكُوا كثيراً جزاءً بما كَانوا يَكْسِبون” ذلك بأنهم فرحوا بالقعود خلاف رسول الله وكرهوا أن يخرجوا للجهاد في سبيل الله، وبالتمعن إلى ما تلاها من آيات نلاحظ أنها تشير إلى الطائفة التي تخلفت عن الجهاد ولديها الوفرة من المال والسلاح والرجال لكنها تخلفت وفرح من هم منتمين إلى الطائفة عندما بقوا في المدينة، ولكن بعد أن رأى المنافقون عودةَ المؤمنين ومعهم الغنائم كان ذلك حسرة وندامة في قلوبهم فطلبوا من رسول الله الخروج معه إلى الجهاد طمعاً في الحصول على الغنائم وليس طاعةً لله ورسوله وابتغاء مرضاته، لكنه قد قضي الأمر ومضى أمر الله بعدم منحهم وَقبولهم كمجاهدين ونيلهم شرف الجهاد مع رسول الله وثواب الخروج معه، قال تعالى في سورة التوبة “فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا، إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ”؛ ولذلك حكم الله عليهم بأن يكونوا من الخالفين، ولأنهم قعدوا بعد أن تواصوا فيما بينهم بالاتّفاق على القعود وعدم النفير حين قالوا لا تنفروا في الحر كان الرد عليهم قل نارُ جهنمَ أشدُ حراً لو كَانوا يفقهون، فإذا كان الفرار من حرِ الدنيا في وقت محدود ويسير فكيف بهم أمام الحرِ الأبدي الخالد في نار جهنم؛ ولذلك كان الوعيد نتيجة لعدم طاعتهم أوامر الله بالجهاد مع رسوله واستئذانهم بالقعود بأن يكونوا مع الخوالف فطبع الله على قلوبهم، قال تعالى: “وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيم”.
وإزاء هذه الآيات التي تمثل وعيداً للمنافقين الذين أظهروا وصرحوا بالأعذار بعدم الخروج للجهاد؛ بسببِ الحر حريٌّ أن نذكر ردوداً ومواقفَ أُخْــرَى مشابهه لنموذج آخر من المتخلفين والمنافقين الذين يختلقون الأعذار وذلك في ما قاله الإمام علي -عَلَـيْــهِ السَّـلَامُ- في خطبته عن الجهاد وفيها توبيخاً لهم حين قال “فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيّام الشتاء قلتم هذه صبارّة القرّ أمهلنا ينسلخ عنا البرد وإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيّام الصيف قلتم هذه حمارّة القَيظ أمهلنا يُسْبخ عنا الحَر كُـلّ هذا فراراً من الحر والقُر فإذا كنتم من الحَرّ والقُر تفرون فأنتم والله من السيف أفَر.
وقبل أن أختم هذا الموضوع فإنَّ العبرة والعظة في الآيات الكريمات ترشدنا إلى وجوب طاعة الله ورسوله في الخروج للجهاد في سبيله دفاعاً عن الأرض والعرض والوطن وقتال المعتدين الطامعين لثرواتنا ومقدراتنا وكسر شوكتهم كي لا تُضرب علينا الذلة والمسكنة فنعيش تحت رحمة الصهيوأمريكية.
فإذا كان الوعيد الإلهي للمتخلفين والقاعدين عن الجهاد شديداً وأليماً فكيف سيكون الموقف الإلهي من الذين جعلوا من أنفسهم أدواتٍ لدول الاستكبار يشاركون ويحرضون دول الكفر والطغيان العالمي في العدوان على بلدانهم وشعوبهم وارتضوا أن يكونوا أداةً حقيرة خدمة للمصالح الأمريكية والإسرائيلية وتنفيذاً لمُخَطّطاتها وسياساتها العدوانية الوحشية قال تعالى “وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم”.