هل بدأ التحول الدولي نحو الضغط لايقاف الحرب على اليمن؟
موقع أنصار الله || مقالات || شارل أبي نادر
يركز حاليا الموقف الدولي ذو الطابع الاوروبي الصبغة، والمتمايز عن الادارة الاميركية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، لناحية التصويب على مسؤولية السعودية كدولة ونظام، عن مقتل الصحافي السعودي جمال الخاشقجي واخفاء جثته بطريقة غير انسانية، كما وتضغط بعض هذه الدول الاوروبية، لاجراء تحقيق دولي شفاف في القضية.
من جهة أخرى، تذهب حالياً العديد من الدعوات الاميركية الداخلية، لمعاقبة الرياض، (مقال نشرته صحيفة الاخبار بتاريخ 19تشرين الاول الجاري بعنوان ” دعوات اميركية لمعاقبة الرياض … “)، وتضمن المقال المذكور اشارة لافتة الى مطالبة اكثر من 40 نائبا الرئيس ترامب، بفرض عقوبات صارمة وشاملة على السعودية، من ضمنها وقف الدعم الاميركي للعدوان الذي تقوده المملكة المذكورة ضد اليمن، والمسؤول عن الدمار والقتل واستهداف الأطفال والشيوخ في هذا البلد.
هذا في السياسة، أما في الاعلام الاجنبي، والذي نقل مؤخراً وبشكل لافت، بعض المعطيات العسكرية الموثقة بالصور من الميدان اليمني، جاءت المشاهد التي نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” ونقلتها عنها بالأمس قناة “المسيرة” اليمنية، حول رتل مدمر من آليات تحالف العدوان على اليمن على طريق رئيسية في الساحل الغربي، لتدفع أغلب المتابعين والمحللين نحو ترقب تحول ما في الموقف الدولي، للضغط باتجاه وقف هذه الحرب العبثية على اليمن، فكيف يمكن الاستنتاج من نشر تلك المشاهد أن هناك امكانية لهذا التحول؟
في دراسة عسكرية فنية لما نشرته الصحيفة الاميركية المذكورة، يمكن معاينة ما يلي:
– الآليات المُدَمَّرة تابعة لرتل يتقدم على طريق رئيسي على الساحل الغربي، وهي عبارة عن ناقلات جنود مدرعة من النوع الحديث، كانت تبدو منتظمة بالمسافات وبتنسيق توزيعها، بطريقة توحي بأنها تابعة لجيش أجنبي أو بقيادة وادارة غرفة عمليات أجنبية محترفة، وليست تابعة لوحدات المرتزقة أو للوحدات اليمنية التابعة لهادي أو للمجموعات “المتشددة”.
– آليات الرتل مدمرة بثلاث نماذج من الأسلحة النوعية، منها بصواريخ موجهة أو بأسلحة مضادة للآليات من النوع المتطور، أظهرتها اصابات بعض الآليات في مقدمتها، مع تدمير متوسط وحريق يحيط بمكان الاصابة، وأظهرت اصابات بعض الآليات الأخرى بأبراجها بأنها إستهدفت من الجو بصورايخ موجهة من طائرة مسيرة، وأظهرت اصابات بعض الآليات بقذائف مدفعية ميدان دقيقة التوجيه، وذلك يمكن استنتاجه من تدمير وتبعثر أجزاء صلبة خارجية من الآليات المستهدفة، ومن توزع الشظايا بطريقة مركزة وشبه دائرية على جسم الاليات، مما يدل على سقوط أغلب تلك القذائف على مسافة قريبة جداً من أهدافها المتحركة.
– لم يتطرق الاعلام الحربي اليمني أو أية وسائل اعلام أخرى عن هذا الاستهداف مؤخراً، أي لبضعة أيام سابقة، والواضح أن عملية الاستهداف قد حصلت في وقت سابق، تعود الى إحدى محاولات التحالف التقدم على الساحل الغربي نحو مطار الحديدة في المعركة المشهورة خلال شهري حزيران وتموز من العام الحالي، أو منذ بضعة أسابيع في محاولة تحالف العدوان التقدم نحو الكيلو 16 شمال شرق الحديدة.
هذا في المعاينة الحسية لطريقة الاستهداف وفي المفارقة اللافتة لتاريخ حصوله، لتأتي عملية تصوير المشاهد بطريقة محترفة، من خلال أخذ الصورعبر زوايا مختلفة تظهر أغلب الاصابات وتنوعها، وكأنها مقصودة بطريقة لتضيء على فعالية الكمين او الاستهداف الواسع للرتل المؤلل.
استنادا للمعطيات والوقائع المذكورة اعلاه ، يمكن استنتاج ما يلي :
أولاً: جاءت الاستعانة بصور ومشاهد سابقة لآليات تابعة للتحالف، أظهرتها مُدمّرة بطريقة فعالة ومحكمة، لتعطي فكرة أن ما رمت اليه الصحيفة وادارتها والموجِّه الحقيقي لسياستها، هو التصويب على خسائر تحالف العدوان صاحب الامكانيات العسكرية اللافتة في معركته على اليمن، وبأن هذه الحرب التي يخوضها ليست حرباً سهلة وهي من الصعوبة بمكان، لا يمكن تجاوز تداعياتها، على الاقل في مجال الخسائر والاصابات الجسدية والمادية في العتاد المتطور.
ثانياُ: إختيار إظهار طريقة اصابات الآليات بطريقة فعالة، بعدة نماذج من الأسلحة النوعية، وبطريقة محكمة تدل عن حرفية تكتيكية متميزة في اختيار بقعة الموت أو بقعة الروع لتنفيذ الكمين، يعطي رسالة جد حساسة أن الجيش واللجان الشعبية اليمنية يقاتلون بطريقة محترفة، ويملكون أسلحة وقدرات عسكرية نوعية، وهذا أيضاً يصب في مصلحة الفكرة المراد إظهارها للرأي العام الدولي والاقليمي، والتي تتمحور حول عبثية هذه الحرب وإنسداد الأفق لها، وإستحالة الانتصار فيها على وحدات الجيش واللجان الشعبية اليمنية.
من هنا يمكن فهم تزامن ما نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الاميركية ، والذي يؤشر بشكل دقيق عن مستوى ومسار العمليات العسكرية في اليمن، مع الضغوطات الدولية والأميركية على السعودية، على خلفية مقتل الخاشقجي وأيضا على خلفية مسؤوليتها عن الحرب على اليمن، وما تخلفه هذه الحرب من قتل ودمار وجرائم ضد الانسانية وضد القوانين الدولية بشكل عام، وحيث لا يمكن عزل الهدف من تقرير “نيويورك تايمز” عن السياسة الاعلامية الاميركية، والموجهة من وكالات الاستخبارات المركزية بطريقة غير مباشرة، يمكن الاستنتاج بترقب تحوّل ما في الموقف الدولي والمدعوم من الداخل الاميركي، نحو الضغط لإيقاف الحرب على اليمن في القريب من الايام.