الجامعة الأميركية.. كي الوعي حتى التطبيع
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||
علي إبراهيم مطر / العهد اللبناني
لا يحسب مصطلح “كيّ الوعي” مصطلحاً جديداً، لكونه يعمل به منذ القدم، لكن وسائله تتغيّر بحسب كلّ حقبة زمنية، إلا أنه غير منفصل عن مناهج الحرب الناعمة. فـ”كيّ الوعي” هو طريقة من طرائق غسل الدماغ التي من خلالها تتغيّر أفكار الإنسان ومعتقداته، من منظور الجهة التي تشنّ الحرب على هذا العقل. وبالتالي نكون أمام تشكيل قناعات جديدة منحرفة كلياً عن الاتجاه الصحيح أو الهدف الأسمى، مثل أن يعتبر الفردُ تحريرَ القدس هدفه، ويعتبر الكيان “الإسرائيلي” محتلاً لها، فيغيّر هدفه ويخطئ معتقده، أو على الأقلّ يتبع منهجاً لا يتعارض مع أهداف العدو.
هذه الظاهرة هي بمثابة حرب ناعمة تستخدم بطريقة محترفة، هناك من يسير وفق مبتغاها، لكن في الوقت نفسه، هناك من يرفضها كلياً، ومع ذلك يبقى الخوف قائماً. اليوم لا يمكننا إخفاء حقيقة الأفكار المشوّهة التي تجتاح بقوة عقول الكثيرين في العالم العربي حول ظاهرة التطبيع مع العدو الصهيوني.
الجامعة الأميركية في بيروت، يبدو أنها تعتمد هذا الأسلوب مع طلابها، لجعلهم يطبّعون أو يقبلون بشكل أو بآخر العلاقة مع الكيان الإسرائيلي، ولطالما نظمت هذه الجامعة التي تأسست عام 1866، في العاصمة اللبنانية بيروت، ندوات وحوارات مع شخصيات أكاديمية تعمل أو تتواصل مع الكيان الصهيوني مباشرة، ما يجعل من الجامعة أداة للتطبيع نفت ذلك أم لم تنف، فإن لا شيء اليوم يغير حقيقة أنها تعمل بشكل أو بآخر على التطبيع الثقافي مع الكيان الصهيوني بشكل يخالف القانون اللبناني.
حادثة استقدام الباحث الأميركي في جامعة أوكسفورد، ومستشار كلية الفلسفة في الجامعة الاسرائيلية في القدس المحتلة، جيف مكماهان، الذي استضافه قسم الفلسفة في الجامعة قبل أيام، للتحدث عن “إعادة النظر في أخلاقيات الحرب”، ليست الأولى من نوعها، فهناك نماذج عدة لتورط الجامعة بتسييل التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، فمنذ فترة وجيزة انتشر ترويج لفرصة تدريبية للطلاب في “إسرائيل”، فضلاً عن وجود فرع لشركة “نستله تول هاوس” المتهمة بدعم الاستيطان.
لا تنتهي أشكال التطبيع لدى جامعة المؤسس ” دانيال بليس” هنا، حيث لم تمنع الإدارة الأستاذة في الجامعة، هيلين صادر، من المشاركة في ورشة عمل في ميونيخ الألمانية بعنوان “الفينيقيون في فينيقيا: اتجاهاتٌ حديثة واكتشافاتٌ جديدة”، ضمّت أساتذة جامعيين من الجامعة الإسرائيلية وجامعة حيفا.
في عام 2016، لم يتردد قسم اللغة العربيّة ولغات الشرق الأدنى في الجامعة في استضافة وليد صالح، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة تورونتو، وهو مطبّع ومعروف بصداقاته مع الأكاديميين الإسرائيليين ومشارك في أعمال مشتركة معهم، ناهيك عن نشر مواد تطبيعية في حرم الجامعة؛ منها مثلاً الفيديو الذي نشرته جريدة “هآرتس” الإسرائيلية ويروّج للهولوكست، وكتيب يعترف بالكيان الإسرائيلي وضع في مكتبة الجامعة، وما لبث أن سحب بعد الاعتراض عليه، أو خرائط حلّت فيها “إسرائيل” مكان فلسطين المحتلة وتعالج بمبادرات فردية للأساتذة.
وفي حزيران/ يونيو 2012، وخلال الإعداد لحفل تخريج طلاب “الجامعة الأميركية في بيروت”، عبّر أكثر من مئة عضو في هيئة التدريس في الجامعة عن اعتراضهم المبدئي على منح شهادة دكتوراه فخرية لـ”جيمس ولفنسون” الرئيس السابق للبنك الدولي، الذي تربطه علاقات سياسية واقتصادية مثبتة بالاحتلال الصهيوني في فلسطين. صحيح أنه لم يمنح الشهادة إلا أن ذلك لم يكن ليحصل لولا الاحتجاجات ضد هذا القرار.
لكن عادت الجامعة لتمنَح هذه الشهادة لـ”دونا شلالا” التي كانت وزيرة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية لثماني سنوات في عهد بيل كلينتون، وهي أقامت علاقات أكاديمية واضحة مع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وكانت في طليعة الأصوات التي عارضت مقاطعة “إسرائيل”.
وفي آذار/ مارس 2010، كشف الطلاب النقاب عن مشاركة أحد أساتذة الجامعة في تحرير كتاب بالتعاون مع أستاذين اسرائيليين في جامعة “تل أبيب”.
ومع أن الجامعة التي تنتهك بهذه الخطوات القانون اللبناني لمقاطعة “إسرائيل”، دائماً ما تحاول أن تبرر أعمالها التطبيعية، إلا أن ذلك لم يعد يشفع لها نظراً لتكرر نماذج التطبيع التي تعتمدها، وهذا ما يطرح تساؤلات عدة حول نوايا الجامعة من هذه الأعمال وتجاهلها الدعوات والعرائض المستمرة من مجتمعها الخاص والمجتمع عموماً، التي تطلب منها التزام المقاطعة. وايضاً علينا أن نسأل لماذا يُسمَح للجامعة الأميركية في بيروت بالتصرف كأنها موجودة خارج لبنان؟