حرب الإقتصاد بين الدول الكبرى: الآثار والتحولات الإستراتيجية
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || محمد علي جعفر/ العهد اللبناني
“إقتنع الصينيون مؤخراً بأن الولايات المتحدة هي عدو وليست خصماً فقط. لقد تحوَّل الشعور بالإحباط الصيني تجاه أمريكا الى شعور بالسخط. ما يحصل اليوم بين واشنطن وبكين هو زلزال جيوسياسي ستكون له تداعيات هائلة وخطيرة”. بهذه الكلمات عبَّر “شارلز شاس فريمان” الدبلوماسي الأمريكي المُخضرم والمُنتقد للسياسة الأمريكية عن التحوُّل في الموقف الصيني تجاه واشنطن، بحسب ما نقلت صحيفة “واشنطن بوست”. يتفق فريمان في رؤيته مع العديد من الآراء التي تجد أن الحكومة الصينية ما تزال تستخدم قواعد اللعبة السياسية القديمة مع واشنطن. وهو ما يُفسّر برأينا أيضاً، بقاء الصدام الصيني ـ الأمريكي أقل حدة من الصدام الروسي ـ الأمريكي ولفترة طويلة، حيث بقيت اللعبة الدبلوماسية قادرة على إدارة المصالح المشتركة. لكن سياسات ترامب العدائية تجاه الخصوم التقليديين لواشنطن، ساهمت في إبراز الصدام الأمريكي ـ الصيني بشكل كبير لما له من انعكاسات على الإقتصاد الصيني في ظل انعدام الأفق أمام أي محاولات دبلوماسية لإيجاد حلول مشتركة. فكيف يمكن تقويم الواقع الحالي بين واشنطن وخصومها التقليديين؟ وما هي النتائج والإنعكاسات المُرتبطة؟
الواقع الحالي
تعيش العلاقات الأمريكية ـ الصينية من جهة والأمريكية ـ الروسية من جهة أخرى مرحلة من التخبُّط الذي يعتبره المراقبون الأكبر في تاريخ العلاقات المشتركة. فعلى الرغم من الخصومة السياسية والإقتصادية والعسكرية الموجودة بين الولايات المتحدة من جهة والطرفين الصيني والروسي من جهة أخرى، فإن الحلول لإدارة التوازنات والنظام العالمي بقيت هي الطاغية ولفترة طويلة. فيما يبدو أن الواقع الحالي يُشير لأمر مختلف. فعلى سبيل المثال، بات الإمتعاض الصيني من الخيانة الأمريكية للإتفاقيات – كما وصفها منذ فترة وزير الخارجية الصيني – أمراً علنياً. ما يُعمِّق الأزمة بين هذه الأطراف، هو انهيار خطوط التواصل والتفاوض، من دون تجاهل الآثار الخطيرة لهذا النزاع على الإقتصاد العالمي. فقد اعتادت الصين أن تكون هدفاً شرساً للمرشحين الأمريكيين في الحملات الإنتخابية فقط. حيث يعود المسؤولون الأمريكيون وبعد نجاحهم في الإنتخابات للتفاوض مع الصين وبناء شراكة تحكم المصالح. لكن دونالد ترامب غيَّر هذا النهج، بعد أن أصر على استكمال طرحه الإنتخابي. وهو ما يُفسره “دنيس والدير” الخبير في الشؤون الصينية ومستشار وكالة الإستخبارات الأمريكية، الذي يُشير بحسب صحيفة الواشنطن بوست الى أن بكين ما تزال تتعاطى مع واشنطن بناءً للقواعد التقليدية من دون الإلتفات للتغييرات في النظام السياسي الأمريكي. اكتشفت الصين متأخرةً التغيُّر الواضح في النهج الدبلوماسي الأمريكي.
النتائج والإنعكاسات
فيما يصب في مصلحة واشنطن، تحصد الحرب التجارية الأمريكية ضد الصين والتي تشنها إدارة دونالد ترامب، لا سيما بعد فرض التعرفة الجمركية، ثمارها حيث تأثر نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين بشكل سلبي فيما تُحذر تقارير اقتصادية من وجود ثغرة ديون قد تساهم في زيادة الآثار السلبية على الإقتصاد الصيني والعملة الصينية. السبب الأساسي يعود لما للعقوبات الأمريكية (التعرفة على الورادات الصينية تحديداً) من نتائج سلبية على نمو الصادرات الصينية. لا تُخفي واشنطن اعتقادها بالخطر الصيني كتهديدٍ رئيسي على أمنها القومي حيث تَعتبر إستراتيجية الأمن القومي الأمريكية بكين خطراً أكبر من موسكو على المدى الطويل. وهو ما تسعى واشنطن لمحاربته والحد من تأثيراته من خلال سياسات عدة تقوم على تقديم الصين كطرف يعيش ازمة اقتصادية لمحو الصورة التاريخية الطاغية التي تُظهر العجز التجاري لواشنطن أمام بكين. كما تسعى أمريكا الى رفع التصنيف التجاري لواشنطن أمام الشركات الأمريكية المُصنعة واحتواء التعاظم الإقتصادي والسياسي للصين.
بالنسبة للحرب التجارية الأمريكية ضد روسيا، فالوضع مُختلف حيث التعقيد أكثر وقدرة النظام المالي العالمي على التأثير في الإقتصاد الروسي أكبر. فقد أحدث الدور الذي لعبته سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي سلسلة من الأزمات في روسيا. يشير الخبراء الروس الى أن أجهزة الدولة المعنية يإدارة الإقتصاد كانت تقوم بتطبيق كافة تعليمات البنك الدولي وصندوق النقد، حتى أيقنت مؤخراً أن هذه التعليمات لا تصب في مصلحة الإقتصاد الروسي. فقد ساهمت في وضع الاقتصاد المحلي ضمن روابط عالمية، دمَّرت عدداً من الصناعات الروسية. اليوم ونتيجة للعقوبات، تعود لجنة التخطيط للدولة في إعادة نسج السياسات التي تصب في مصلحة الإقتصاد الروسي.
في المقابل، لم تكن السياسة الأمريكية بعيدة عن الإخفاقات. ساهمت السياسات العدائية للرئيس الأمريكي في توحيد المتخاصمين سياسياً. وهو ما ظهر منذ يومين، فقد استشعرت كل من الصين واليابان (ثاني وثالث أكبر اقتصادات العالم) خطر سياسات ترامب، ما دفعها الى اتخاذ قرار تاريخي بتخفيف حدة التوتر وفتح صفحة جديدة في العلاقات توّجت بتوقيع العديد من الإتفاقيات بين طوكيو وبكين. ما سيكون له آثار على التوازنات الجديدة لا سيما في شرق آسيا.
إذاً، تعيش العلاقات بين الدول الكبرى مرحلة من التحول نحو مزيد من التوتر في ظل انعدام الحلول المشتركة. هنا يبرز الصدام الأمريكي ـ الصيني لخروجه عن وجهه التقليدي. سيكون لذلك آثار على النظام العالمي والتحالفات والتوازنات. وهو ما يعني دخول هذا النظام مرحلة التحوُّل نحو نظامٍ بنيويّ جديد.