سلوكهم والسياسة!
|| مقالات ||عبدالعزيز البغدادي
المُعَاشُ في عالم السياسة رسّخ في أذهان قوى السيطرة بأن بحرها لا يعوم فيه إلا من تمرَّس على الكذب ورُبِّيَ على الخساسة، لا مجالَ فيه لأدب أو أديب صاحب ضمير حي أو ممتشقٍ لسيف الصدق، أو حاملٍ لأية قيمة من قيم الحرية والشرف، المكرُ السيءُ غذاؤها والمكائد ماؤها والخداع دواؤها والتلون منهجها.
من يصول ويجول في ميدان السياسة هكذا يرونها وهكذا يريدونها أن تكونَ، تجّارُ اليمين وبعضُ من عُدُّوا رموزاً أو عناوينَ لليسار ومضوا نحو أقصى اليمين لمقتضيات السياسة، هكذا أرادوها، محكومةً بلغة المصالح التي يقدّسونها دون أن يحاولوا معرفتَها ثُمّ تعريفَها للناس، لا مجالَ عندهم للتفريق بين المصلحة المشروعة وغير المشروعة مصلحة التعايش ومصلحة التوحش؛ لأَنَّهم يدركون أن ذواتهم خواءٌ من أية قيمة أو قدرة أو موهبة؛ لذا فإنهم يرون أنّ التفريقَ يَضُرُّ بهم، هكذا يفكر القومي الألمعي والاشتراكي التقدمي والإسْـلَامي المجتهد في مدرسة الاستحلال، والوطني الذي يدّعي مناهضة الاستعمار ويقيم في عاصمة العمالة والتبعية والفساد والارتزاق، وأنا هنا لا أقصد التعميم لكنني أتحدث عمَّن بيدهم القرار أو كان المفترض أن يكون بيدهم، أما من عداهم فإنهم لم يُجرَّبوا في ميدان العمل وفي مواقع اتخاذ القرار أو المساهمة فيه، لقد رأينا أناساً من توجهات تقدمية كما يسمون أنفسهم تحولوا إلى منظّرين لتجار السياسة ومَن ركبوا موجة الثورة أو بالأصح الحُلم بالثورة عندما آن الأوانُ لاختطافها باسم الانضمام إليها على إيقاع (حيّا بُهم حيّا بُهم) والمبادرة التي حملها رُعاةُ الفساد والجريمة المنظمة والتي تحوّل أحدُ رموز اليسار إلى شارح لمتنها وسابرٍ لأغوارها والتي أريد بها ومن خلالها وضعُ نقطة نهاية السطر للثورة التي لم تبتدئ ولتبدأ هذه العناصرُ مرحلةً وحقبةً جرى التحايُلُ لتجديدها، وهكذا ينسى الناس فسادَها الماضي المدوي لتبدأ مرحلةٌ من الفساد المجَدّدِ المالي والإداري والأَخْــلَاقي!.
أيها الأحبابُ ليست هذه هي السياسة، إنما السياسة إعمارٌ يبدأ بالصدق مع النفس ومع الآخرين؛ لأَنَّ الكذب والتضليل إنما هو نتاجُ المكر السيءِ الذي لا يحيطُ إلا بأهله، وهي جهاد ونضال وشهادة من أجل الحرية، إنها بذلٌ وعطاء وتضحية، بناء وتنمية ومحبة، حياة وإحياء ومسؤولية، أخذ وعطاء وتفاعل مع أوامر ونواهي خير الماكرين وبُعدٌ عن التكفير والغلو والبغي والطغيان!!.