اليمن.. بين سياسات أمريكية منافقة
|| مقالات || وفيق إبراهيم
يتسارَعُ الإعلانُ عن سياسات أميركية جديدة تجاهَ حرب اليمن، مما يوحي وكأن إدارةَ البيت الأبيض أصبحت معارِضةً لها.. وتريدُ إيقافَها بأي ثمن.
فهل هذا صحيح؟
لم يكد وزيرُ الخارجية الأميركي بومبيو يعلن عن ضرورة العودة إلى المفاوضات بين الأطراف اليمنيين، حتى صدر كلام مشابِهٌ عن وزير الدفاع ماتيس وتصريحات لمستشارين أميركيين عديدين في المعنى نفسه.
هذا مقابل إصرار من كامل أجنحة الحزب الديمقراطي الأميركي على وقف الحرب فوراً.. وذلك بعد نجاحه في السيطرة على مجلس النواب الأميركي.
فإذا كانت هذه الوجهة الأميركية الموحّدة بين الحزبين الرئيسين الجمهوري ترامب والديمقراطي، هي الطاغية، فلماذا لا تتوقف الحرب على اليمن، بل تميل إلى التصعيد العسكري العنيف في هجمات للتحالف العربي لا تزال متواصلة، هناك موقفان جديدان أيضاً يدفعان في اتجاه التصديق بوجود محاولات أميركية لإنهاء الحرب وأولها مقالة لرئيس اللجنة الثورية العليا بدر الحوثي نشرتها جريدة الواشنطن بوست الأميركية ولاقت استحسان المتابعين والقراء.. أما الثاني فهو إعلان «هزلي» زعم فيه السعوديّون والإماراتيون أنهم طلبوا من الأميركيين وقف التزويد الجوي لطائراتهم الحربية بالوقود وذلك لانتفاء الحجة.
لجهة المقالة الحوثية فلا شك في أنها موافقة المرجعيات الرئاسية والعسكرية والاستخبارية الأميركية على نشرها.. وبدا الأمر وكأنه احتواء لدور الحزب الديمقراطي المعارض لترامب في إصراره على وقف الحرب فأتى نشر المقالة وكأنه إعلان بموافقة البيت الأبيض على وقف الحرب والبدء بالمفاوضات. وهذا يحتاج إلى وقت لا يُعرَف سرّه إلا بعد نتائج العدوان الحالي الذي يشنّه التحالف العربي على الساحل الغربي في الحديدة.
وعلى الرغم من أنّ الموقف الأميركي من الحرب لا يزال على حاله التي كان عليها قبل سنوات ثلاث من الإصرار على إسقاط أنصار الله، فإنّ وسائل التواصل الاجتماعي، وبالذات الالكتروني السعوديّ والإماراتي تواصل شنّ هجمات رهيبة على الأميركيين لسماحهم بنشر المقالة الحوثية التي فضحتهم وعلى اليمنيين؛ لأنهم تجرأوا على مجابهة العدوان عليهم.
أما لجهة وقف تزويد الطائرات الحربية للتحالف الدولي جواً من الطائرات الأميركية، فهو قرار أريدَ منه استيعاب مطالبات الحزب الديمقراطي الأميركي بوقف التعاون العسكري الأميركي مع العدوان السعوديّ والإماراتي على اليمن جواً وبراً.
لا شكّ في هذا الإطار أنّ موضوع اغتيال الخاشقجي من قبل الدولة السعوديّة، شكل فرصة لمعظم دول العالم، للاستثمار فيه… خصوصاً أنّ السياسات الأميركية تجتاز مرحلة تقهقر.. وتعتبر روسيا والصين وتركيا وأوروبا أنها قادرة على ملء فراغات التراجع الأميركي عن إشكال موضوع الخاشقجي وحرب اليمن.
لذلك تطلق دول اوروبا الواحدة تلو الأخرى مواقف تندّد بحرب اليمن وقتل الاطفال والمدنيين للمرة الأولى منذ شنّ الهجوم السعوديّ على اليمن قبل ثلاث سنوات، وتصرّ على تجريم الدولة السعوديّة بشخص ولي العهد محمد بن سلمان في موضوع اغتيال الإعلامي الخاشقجي.
لهذه الأسباب بدأ الأميركيون «الجناح الجمهوري» والرئيس ترامب بإنهاء حرب اليمن، وذلك في محاولة لامتصاص المعارضات الداخلية والخارجية.
لكنهم أوعزوا في المقابل إلى العدوان السعوديّ الإماراتي وتحالفاتهم بضرورة احتلال الساحل الغربي لمحاصرة أنصار الله وحزب المؤتمر والجيش في منطقة تربط بين صنعاء وصعدة.. فيصبح جذب المنهزمين إلى المفاوضات أمراً سهلاً.
وبشكل يلبّي فيه ترامب مطالب منافسيه الديمقراطيين وأوروبا وتركيا وبقية بلدان العالم، وضرورة الحلّ السياسي في اليمن.. ولأنّ هذا الحلّ السياسي لا يقوم إلا على نتائج الميدان، فإنّ تطويق أنصار الله في تلك المنطقة الجبلية، لا سواحل لها وطرقاتها الجوية والبرية مقفلة بشكل كامل، فبالإمكان وسط هذه الظروف تقسيم اليمن إلى كانتونات تسحب قوة اليمن من جهة وتلبّي المطالب الاستراتيجية في الجغرافيا السياسية اليمنية بين ثلاث قوى، الأميركيون أولاً بإمساكهم بخط المرور البحري من هرمز إلى بحر عدن مندفعاً نحو باب المندب أو المحيط الهندي وهي أهم منطقة للمرور التجاري البحري في العالم من 20 إلى 25 في المئة من تجارة العالم …
الطرف الثاني هم السعوديّون الذي يريدون إنشاء كانتونات في حضرموت والجنوب لأَهْــدَافٍ متعددة، أبرزها استنفاد قوة اليمن وتحرير خط البترول السعوديّ من خلال حضرموت إلى البحر الأحمر بما يجنّب المرور من خلال باب المندب.
الإماراتُ بدورها لها أَهْــدَاف خبيثة تجمع بين اهتمامها بالاستيلاء على الأهميات الاستراتيجية لحرب اليمن، فضلاً عن الأهميات السياحية والاقتصادية والربط بين موانئ اليمن وسواحل الإمارات.
هذه هي المعطيات التي أمليت على الاستراتيجيين الأميركيين منح السعوديّين والإماراتيين مهمة تصل إلى شهر لاحتلال الساحل الغربي، أما الأسباب فترتبط بعدم تمكن الحزب الديمقراطي المعارض لترامب، من تطبيق سياساته في المجلس النيابي، الذي يسيطر عليه، إلا بعد شهر تقريباً.
لذلك يلاحظ المراقبون تسديداً للهجمات السعوديّة ـ الإماراتية على الساحل الغربي في محاول لاحتلاله قبل هذه المدة، ولا يتعجّبون من مراوغة ترامب لجهة إصدار قرار حاسم في موضوع اغتيال الخاشقجي.. ومساعيه لإبعاد الاتهام عن رأس حربته محمد بن سلمان وحصره بمكتبه الأمني وطبقة المخابرات.
لكن ما فاجأ الأميركيين والتحالف السعوديّ هو هذا الصمود الهائل لأنصار الله وتحالفاتهم وقدراتهم على تنفيذ ممارسة تكتيكية تحول التقدم السعوديّ الإماراتي، معارك فاشلة تنتهي بتطويق منفذيها، لجهة الدور الأميركي، فإنّ أحداً لا يصدق أنّ السعوديّين يواصلون شنّ الحرب على اليمن من دون الإذن الأميركي.
الحرب إلى أين؟ يحتاج الحلّ السلمي إلى صمود قصير حتى يصبح الباب النهائي لإنقاذ الثور السعوديّ ـ الإماراتي من التهلكة التي رموا أنفسهم فيها، وعلى قاعدة أنّ اليمنيّين أدرى بشعابهم وعندها يتبيّن أن الحرب على اليمن هي حرب أميركية بأدوات سعوديّة، وإماراتية وإسرائيلية.. ومتنوّعة.
لمزيد من الإثارة، يمكن الجزم في أنّ الصراعات الداخلية الأميركية المرتقبة بين الجمهوري والديمقراطي وإصرار أوروبا على التمرّد على القرار الأميركي، وصمود الشعب اليمني مع أنصار الله وحلفائه لهي من العناصر الأساسية التي تمنع مسألتين: احتمال الهزيمة العسكرية، وتقسيم اليمن، وذلك تتويجاً لنضال شعب قاتل بأسلحة متواضعة ودماء أبنائه، أعتى الامبراطوريات وأعوانها في الخليج والعدو الإسرائيلي.