ترامب – بن سلمان، عِنَاق على حدِّ المنشار!
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || موقع المنار: أمين أبوراشد
بدايةً، لا نجِد ما يستحق التعليق على التصريح الأخير للرئيس الأميركي دونالد ترامب، بأن مملكة آل سعود هي الضمانة لوجود “إسرائيل”، ونترك للعرب التأكُّد من المؤكَّد، أن ما تُسمَّى الجامعة العربية التي ماتت سريرياً منذ سنوات، يجب أن يتمّ تكفينها ودفنها بلا جنازة، لو بقي لدى عربان العمالة ذرَّة كرامة.
ولا أحد فوجىء ببيان الرئيس ترامب، بعد إطِّلاعه على تقرير وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية بشأن جريمة قتل جمال خاشقجي، خاصة أن أكثر من ديبلوماسي أميركي قد صرَّح، بأن مصلحة أميركا التي اقتضت الحوار مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، تُبرِّر استمرار العلاقة مع محمد بن سلمان حتى ولو ثبُت علمه بالجريمة.واعترف “غلين كارل” الضابط السابق في هذه الوكالة، أنه نادراً ما تنشُر الـ “سي آي إي” معلوماتها عبر الإعلام، لكن اتخاذ الجريمة أبعاداً دولية صاخبة وإصرار تركيا والإتحاد الأوروبي على معرفة الحقيقة كاملة، ربما أحرج وكالة الإستخبارات.
هذا الإحراج لا يسري على ترامب، الذي يعتبره خصومه وحلفاؤه أنه “تاجر براغماتي”، وقد تعامل مع القضية من منطلق المصلحة الأميركية والصفقات المعقودة مع المملكة، وباع الأميركيين سمكاً في البحر، وإدَّعى أن مئات آلاف الوظائف تنتظرهم، ولو أن المعارض السعودي الدكتور سعد الفقيه أكَّد أن 11 مليار دولار فقط من أصل 450 ملياراُ قد وصلت الى واشنطن، نتيجة مواقف الكونغرس من بعض الصفقات، خاصة تلك المُرتبطة ببيع الأسلحة، وهذا قد حصل قبل ارتكاب جريمة خاشقجي، والكونغرس اليوم مذهول من مواقف ترامب ويبدو بمجلسيه “النواب الديموقراطي” والشيوخ الجمهوري” أنه ماضٍ في تشريعات تطبيق العقوبات على مُرتكبي الجريمة السعوديين وأن بن سلمان يجب أن يُضَمّ الى اللائحة.
جزئيتان تزامنتا خلال الأربعٍ وعشرين ساعة الماضية في قضية خاشقجي، تستبقان مواقف الكونغرس ودوائر صنع القرار في واشنطن، أولهما موقف مفوضة الأمن والسياسة في الإتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني من أنقرة، والثانية في ردّ وكالة رويترز على وزير الخارجية السعودية عادل الجبير، خاصة أن أهمية موقف موغريني جاء بعد بيان ترامب، وردّ رويترز جاء لإعادة تأكيد مصداقيتها، أنها واثقة من مصادرها داخل العائلة المالكة عن مُعارضَة، اتَّخذت صِفة القرار، لمنع وصول بن سلمان الى العرش.
موقف موغريني ليس فقط تمايزاً عن ترامب، بل هو طلاق نهائي بين الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ما دامت بقيادة ترامب، بحيث أكَّدت موغريني من أنقرة، وبحضور وزير الخارجية التركية محمد جاويش أوغلو، على ضرورة محاسبة “المسؤولين الحقيقيين” عن جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وكررت الدعوة إلى تحقيق كامل وشفاف ويحظى بمصداقية حول هذه الجريمة، لأنها لم ترَ حتى الآن تحقيقاً كاملاً، وتتوقَّع من هذا التحقيق أن يكون عادلاً وشفافاً بما يتماشى مع “مبادىء وقيم وممارسات أنظمتنا القضائية”، في إشارة الى غموض التحقيق السعودي.
الجزئية الثانية الأكثر أهمية، هي في ما أعلنته رويترز عن ما يحصل داخل جدران مجالس أمراء آل سعود، استناداً الى اتصالاتها مع ثلاثة أمراء من العائلة المالكة، الذين أكدوا لها القرار بعدم اعتلاء محمد بن سلمان العرش في حال وفاة والده، وجاء ردُّ رويترز وكأنه ثقة بمصادرها من جهة، ومن جهة أخرى استهزاء بمحامي الشيطان عادل الجبير الذي سَخِر من معلومات الوكالة، واعتبر أن الملك ووليّ عهده خطٌّ أحمر، وأعادت التأكيد أن العشرات من الأمراء وأبناء العم من فروع قوية لأسرة آل سعود الحاكمة، يريدون أن يروا تغييراً في خط الخلافة، لكنهم لن يتصرفوا طالما لا يزال الملك سلمان والد ولي العهد والبالغ 82 عاما على قيد الحياة، وهُم يدركون أنه من غير المرجح أن ينقلب الملك ضد نجله.
أمام التداعيات التي خلَّفها تصريح ترامب الأخير في أوساط الكونغرس، وإشادته بفضل السعودية في الحفاظ على أسعار النفط المُنخفضة، والشراكة الأميركية السعودية التي سوف تؤمن مئات آلاف الوظائف للأميركيين، يستوقفنا حديث ترامب بعاطفية عن بن سلمان ويقول أنه “يكره هذه الجريمة أكثر مني”، فإننا بتنا نميل الى التصديق رغم عدم التوثيق، ما قاله المعارض السعودي الدكتور فقيه، بأن هناك علاقة مالية خاصة بين ترامب وبن سلمان، ولا نستبعد أن يكون تحالفهما يأخذ بُعداً مصلحياً شخصياً ولو كان على بُركةٍ من دماء خاشقجي، وسيغرقان بها نتيجة مواقف الكونغرس وضغوط الإتحاد الأوروبي ومنظمات حقوق الإنسان من جهة، ومن جهة أخرى قرار أمراء العائلة المالكة السعودية التي باتت الكُرة في ملعبها لإنهاء حلف ترامب – بن سلمان وإنهاء هذا العناق المشبوه الذي لن يطول لأنه تمّ على مستنقع الدمّ وعلى حدِّ المنشار…