ما سيحدث لا ما حدث
|| مقالات || صلاح الدكاك
تظاهُراتُ شعب الأنصار في ذكرى المولد النبوي الشريف الملاينية، كانت انتصاراً للوجدان الثقافي والاجتماعي والروحي لليمنيين في مواجهة برص عقود الاجتياح الوهَّابي وَغول الرهاب التكفيري الذي وضع جزءاً كبيراً من هذا الوجدان تحت سطوة جلّاديه وزنازينه الرسمية المنبرية البابوية الوكيلة.
أما الانتصارُ الآخر والأهمُّ فهو الاتصالُ الحيوي العفوي الطوعي التوّاقُ بين هذا الوجدان الجمعي اليمني المنعتق بالمشروع الثوري التحرّري ببُعده القرآني العابر للأسيجة الانعزالية كفضاء ومتنفَّس رحب وحصين للهُوية اليمنية المهدّدة بالتغييب والتجريف المنظور..
استهل أبو جبريل خطابَه لشعب الأنصار المحتشد بامتنانٍ غامرٍ وفرحة كثيفة ناصعةِ النقاء وَبمنطق القائد الذي أمكنه بلوغ ضفة النجاة بهذا الشعب ومعه: (نفسي الفداء لكم)..
لا أحابيلَ السلام الملغوم ولا جعجعة ترسانة العدوان كانت قادرة على أن تستفرغ هذه اللحظة اليمانية الأنصارية المحمدية الكثيفة الغامرة، خارج وعيها الثوري الدافق بوجودها بعد عقود التغييب وبمشروعها الطموح بعد عقود الاستلاب وَالامتلاء بترهات الآخر العدوّ وأدواته، وبجلاء خياراتها وسطوع غاياتها ووسائطها نصب عينيها بعد عقود التعويل والتواكل واللافعل واللا وجهة واللا سبيل.
بات السلامُ هو الصمود والمقاومة واستمرار البذل واستمراء الشهادة على درب الحرية والاستقلال وسواءٌ على طاولة المفاوضات أَوْ ميدان الاشتباك فإن بصيرةَ شعب الأنصار هي لجهة هذه الغاية، فما الحرب والحوار إلا وسائطُ لها وليست غايةً في ذاتها.. (لأننا أهل السلام نحن أهل الحرب ولأننا نُعلي من قيمة النفس البشرية نبذُلُ أنفسنا ذوداً عنها، والشهادة ليست إلا رفداً لمنسوب الحياة الكريمة على الأرض لا نقصاناً منها.. ومعراجاً إلى مطلق الوجود لا مقتاً للوجود.. وَفوزاً بجوار الله لا لهاثاً محموماً للانغماس في نعيم سيقان الحور وأنهار الخمور)..
هذه هي الثورة متجسدة في انبثاق علاقات جديدة جدلية ندية فاعلة واعية بين الشعب بعضه البعض وبين الشعب ومحيط وجوده وفاعليته وبين الشعب ومفهوم الحاجة والحرية، وبين الشعب والقائد الذي بات شعباً في تعاطيه مع شعبه الذي بات قائداً وتكافأت الأقدار والقيم الإنْسَانية لتتجلى (تظاهرة يمانيةً أنصاريةً في ذكرى المولد النبوي الشريف) تماهى خلالها المتلقي في المتكلم والمتكلم في المتلقي والشعب في القائد والقائد في الشعب والمُخاطب في المخَاطب ضمن فضاء وجداني وحودي ذاتي وموضوعي لا منبر فيه ولا مصلى بل تماهٍ تتناسج مكوّناته اختلافاً وتنوعاً على جادة المشروع القرآني المحمدي الواحد في دلالته على مجموع الأرقام المتماهية فيه وفي دلالة هذا المجموع الرقمي عليه.. لهذا كان عصياً على القطيع المستلب الوظيفي المضاد فهم هذه الجدلية التي يقف خلالها السيد القائد على مسافة صفر من شعبه تمايزاً وتماهياً لا انمحاء معه لطرف لجهة آخر، بل حضور متكافئ لا يخطر على بال القطيع النخبوي المضاد الممتلئ بالنخاسين والجلاوزة والمستكبرين والفارغ كذات من نجد إلى واشنطن ومن أبوظبي إلى لندن ومن الدوحة إلى اسطنبول..
ليس السؤال الآن هو كيف حدث ذلك وإنما ما الذي ستشهده الخارطة من تحولات وأحداث فارقة ونوعية بعد ما حدث؟!.. إنها لحظة حبلى بزمن ينبلج لا لحظة عابرة منضوية في الاحتفاء بذكرى غابرة ولت.