تراجيديا مؤلمة
موقع أنصار الله || مقالات || جبران سهيل
من جياح إلى أسلم..
طفلٌ يغادرُ الحياةَ بعد تفاصيل مؤلمة عاشها برفقة والده..
العدوان مستمر.. إذا للقصة بقية..
“الأمم المتحدة تقول إن طفل يموت في اليمن كل 10 دقائق”..
بالأمس الطفلة (أمل) تفارِقُ الحياةَ بسببِ الحربِ والجوعِ والمرض.. وبعد أمل وبسبب أكذوبة إعادة الأمل الذي يصور فيها تحالف العدوان على اليمن أنه عملياته العسكرية هي من أجل اليمن، ها هي محافظة حجة وأصواتها الحرة تستيقظ على وقع قصة طفل يبلغ من العمر تسعة أشهر، تفاصيلها تُدمي القلب، المواطن عبده شوعي من أبناء منطقة جياح النائية بمحافظة حجة، هذا وغيره يرسلون رسائل إنسانية تعيش زمنا قصيرا وينتهي أثرها في ظل عالم نُزِعت الإنسانية من داخله، فهذا المواطن ومثله الملايين من أبناء اليمن الذين كانوا يعانون صعوبات الحياة والأوضاع المعيشية الصعبة، قبل التدخلات السعودية الأمريكية في شؤون اليمن، وقبل أن تتحرك طائراتهم وجيوشهم وعناصرهم الإرهابية نحوه، فالآلاف تُزهق أرواحهم بسبب القصف العشوائي للأسواق، والمدارس، والمستشفيات، والأعراس، وفي الطرقات، وجميع هؤلاء الضحايا هم أطفال، ونساء، ومسنون ومواطنون عزل لا ناقة لهم في الحرب ولا جمل، ومن يسلم من وحشية طائرات العدوان تلاحقه سكاكين ومتفجرات أدوات العدوان، تلك العناصر الإرهابية التي تقاتل في صفه، ومَن ينجو مما سبق ذكره، يأتيه شبحُ الموت {المجاعة}، وانعدام الأمن الغذائي وانعدام الخدمات الصحية والمستلزمات الطبية، وأساسيات الحياة؛ بسببِ الحصار الخانق الذي يفرضُه العدوانُ السعودي الأمريكي على عدد من محافظات الوطن ومنها محافظة حجة، التي وصل حال أغلب مناطقها خاصةً التهامية ويوميات سكانها إلى جحيم لا يُطاق، بسبب الغارات اليومية التي تشنها الطائرات بلا طيار والطائرات الحربية على كل شيء يتحرك بهذه المناطق المأهولة بالسكان، وبسبب الحرب الاقتصادية المدمرة التي ينتهجُها العدوان وأدواته، وتحركاتهم المتواصلة من أجل قتل العُملة المحلية بعد أن قتلوا الشعب قصفاً ودماراً، مما نتج عن ذلك ارتفاعٌ جنوني وغيرُ مسبوق لسعر صرف العُملات الأجنبية وللسلع الاستهلاكية ومع ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، أيضاً كل هذه الظروف يعيشُ في ظلها هذا المواطن البسيط ومثله الملايين، جعله يصارع الموت، يسقط برهةً وبرهةً يقف، متحاملاً على نفسه – ليجد طفله {عقيل} فلذة كبده وسعادة حياته يعاني من مرض سوء التغذية، الذي جعل الطفلَ يدخل في شبه غيبوبة، تظل عيناه مغمضةً فترة وفترة تفتح، ليشعر أبو بنوعٍ من التفاؤل، جعله يحملُ ابنَه على ظهره في ظل عدم وجود مستشفيات قادرة على استقبال حالات كهذه بمنطقته. متجهاً إلى مديرية أسلم البعيدة جداً من منطقة هذا المواطن، حين سمع أن هناك قد يجد حلاً لحالة ابنه، نسي بُعدَ المكان وصعوبةَ الوصول مشياً على الأقدام، وضيق الحال، غير مكترث بكل هذه الأشياء فعودةُ ابنه لعافيته ووضعه الطبيعي أهم من كل شيء، في ظل عالم منافق ينادي بمنح الحيوانات حقوقها!! في الوقت الذي تُباد وتُنتهك وتُحاصر فيه شعوبٌ بأكملها ومنها اليمن -يسير الأب مشياً على الأقدام وبُعد مسافة قطعها وجد مالك دراجة نارية أشفق على هذا الأب الموجوع وطفله المريض، وحملهما معه متجهين صوب أسلم، وصل الأبُ والتعبُ والحزن مرسومٌ على وجهه المثقل بالهموم، الذي كان يقال على بلده بأنها البلد السعيد ولكن النظام السعودي ومرتزقته انتزعوا السعادة من وجه الشعب ووجوه أطفاله الأبرياء، بل أصبح ينتزع حتى أرواح هذا الشعب دون أي ذنب؛ لأنه رفض وصايتَهم عليه وحسب؛ ولأنه أنشد الحرية وبدأ في البناء والتنمية دون التدخُّلات الأجنبية في شأنه، وفي مركَز أسلم الطبي تم استقبالُ هذا الطفل بعد أن وضَعَ لهم رجالُ الخير والمروءة كُلَّ التسهيلات، لكن بعدَ فواتِ الأوان وما هي إلا ساعاتٌ حتى غادرت روح هذا الطفل إلى بارئها، ويرحل من على وجه هذا الكوكب المليء بالمجرمين وبمآسي هؤلاء البسطاء، يودع والدَه المقهورَ الذي ليس بيده شيءٌ ليفعلَه له بعد هذا!! وكأني بهذا الطفل ينطق ويقول: وداعاً أبي سألتقيك في جنة الخلد بعد أن يعاقب اللهُ المعتدين على بلدنا والمحاصِرين لشعبه ظلماً دون وجه حق، فلا تحزن أبي ففي فراق هذا العالم المنافق راحةٌ لي ولأمثالي.
ويأتي رجالُ الكلمة الحُرَّة والعدسات الإنسانية ويوثّقون بقيةَ القصة المأساوية لهذا الطفل ووالده، ملائكة الرحمة بمركز أسلم فعلوا ما باستطاعتهم، لكن ملائكة الرحمة المرسلين من رب العالمين أخذوا روح هذا الطفل البريء لينقلوه من الدنيا الفانية إلى الحياة الأبدية لينعمَ في جنات رب العالمين.
عاد الأب الموجوع بابنه جثة هامدة وعينان مغمضةٌ لا أمل في أن تفتح مرةً أخرى!!