أهداف الرياض من إعادة العلاقات مع قطر؟
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
على الرغم من وجود اختلافات عميقة بين السعودية وقطر، والتي بدأت شرارتها منذ قطع العلاقات الدبلوماسية من قبل السعودية وبعض الدول العربية الأخرى مع قطر في 5 يونيو 2017، دعت الحكومة السعودية في 6 ديسمبر 2018، رسمياً أمير قطر لحضور قمة دول مجلس التعاون الخليجي.
جاءت هذه الدعوة بشكل رسمي من قبل الملك سلمان بن عبد العزيز لأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي المقبلة، والمقرر عقدها في 9 ديسمبر 2018 في الرياض.
هذه البادرة من الجانب السعودي يمكن أن تحمل في طياتها أهمية كبيرة ودلائل أكبر ويمكن اعتبارها نقطة تحوّل في مسار العلاقات الخليجية، ويمكن تلخيص إشارات هذه الدعوة بثلاث مسائل:
رضوخ السعودية للضغوط الدولية الناتجة عن قضية مقتل خاشقجي
قضية اغتيال الناقد السعودي جمال خاشقجي في القنصلية التركية في اسطنبول “تركيا”، هي القضية الأكثر أهمية التي أثرت بشكل خطير على السياسة الخارجية للسعودية في الوضع الجديد، حيث أدّت الانعكاسات الواسعة لهذه المأساة الإنسانية إلى موجة من عدم الثقة بالقادة السعوديين، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، كانت سبباً في الانتقادات الصارمة للمسؤولين الغربيين (تصريحات أعضاء الكونغرس وخطاب الرئيس الفرنسي في قمة مجموعة العشرين الأخيرة) بشأن سياسة الرياض في مواصلة الحرب اليمنية وحصار قطر، والتركيز على تصرفات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والتهم الموجهة له في قضية مقتل خاشقجي.
الآن وبعد سلسلة من الضغوطات الأخرى على الحكومة السعودية حول تورّط محمد بن سلمان في قضية قتل جمال خاشقجي، يبدو أن السعوديين، من أجل تخفيف الانتقادات الموجهة لولي العهد وتلطيف الأجواء، بدؤوا يتراجعون رويداً رويداً عن سياساتهم العنيدة مع دول الجوار بدايةً ويقدمون الإغراءات للغرب ولاسيما أمريكا للخروج من هذه الورطة بأسرع فرصة ممكنة.
وبناء على ذلك، يمكن الآن قراءة الدعوة الرسمية من ملك السعودية إلى أمير قطر بأنها بمثابة تغيير في مسار السياسة الخارجية للسعودية من أجل تخفيف الضغط على محمد بن سلمان في قضية مقتل خاشقجي.
في الحقيقة لقد أدى تورّط محمد بن سلمان في مجموعة من الملفات الشائكة “حصار قطر، قتل خاشقجي والحرب على اليمن” إلى تقويض السياسة الخارجية للسعودية، وأكثر من ذلك فقد فقدت السعودية الكثير من مكانتها في المجتمع الدولي خلال الأعوام القليلة الماضية.
خوف الرياض من خروج قطر من مجلس التعاون الخليجي
يمكن أيضاً قراءة الدعوة الموجّهة من قبل الملك سلمان لأمير قطر بأنها نوع من أنواع الخوف من انسحاب قطر من مجلس التعاون الخليجي، على وجه الخصوص، بعد الإعلان عن انسحاب قطر من منظمة أوبك من قبل وزير الطاقة في 3 ديسمبر 2018 ، هذا الأمر عزز إمكانية انسحاب قطر من مجلس التعاون الخليجي.
ووفقاً لعرض وزارة الخارجية القطرية للمسؤولين العراقيين لتشكيل تحالف إقليمي قائم على قطر والعراق وسوريا وإيران وتركيا، فإن المسؤولين السعوديين قلقون من هذه القضية، والتي سوف تتنافس على نحو متزايد مع القوى الإقليمية الأخرى في المستقبل.
إن إنشاء تحالف إقليمي ستكون قطر جزءاً منه سيعني استمرار الهزيمة الإقليمية السعودية، وسيعرّض إجراءات محمد بن سلمان لتضخيم الدور السعودي في المنطقة لفشل ذريع.
في هذه الحالة، يبدو أن السلطات السياسية في الحكومة السعودية، ولا سيما محمد بن سلمان، لا ترغب في إنشاء وحدة إقليمية تقف في وجه السعودية ومخططاتها.
في المحصلة، يبدو أن الدعوة الموجهة لأمير قطر في 9 ديسمبر تهدف إلى منع الدوحة من الخروج من الحضن العربي “الخليجي” تحت قيادة السعودية.
ضغط البيت الأبيض للحفاظ على وحدة دول مجلس التعاون
يبدو أن احتمالية خروج قطر من مجلس التعاون الخليجي تقلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وخاصة أنها تتجه للتعاون مع تركيا وبالنهاية مع إيران وهذا ما لا تريده أمريكا التي تسعى للحفاظ على هذا المجلس لدفعه رويداً رويداً نحو مواجهة إيران في المنطقة والابتعاد قدر المستطاع عن تهديد الأمن الإسرائيلي.
وإن محاولة تشكيل “الناتو العربي” من قبل أمريكا ما هو إلا دليل آخر على هذا الأمر، ولذلك ، فإن محمد بن سلمان وحكام سعوديين آخرين، مع الأخذ بعين الاعتبار ما يريده دونالد ترامب، يخططون لدعوة الأمير القطري إلى الرياض لحضور الاجتماع القادم لمجلس التعاون الخليجي من أجل الحدّ من التوترات، والحدّ من الضغوط وتحسين العلاقات مع قطر.
مع وجود هذه الملاحظات لا يمكن أن تحصل الرياض على ما تريده من قطر بسهولة، فالخلافات بين الدولتين أصبحت عميقة لحدود كبيرة فضلاً عن حصار هذه الدولة لمدة سنتين متواصلتين وساهم بذلك أيضاً كل من الإمارات والبحرين، وهذا الأمر دفع الدوحة لأن تتجه نحو دول أخرى بنت معها علاقات متينة خلال العامين الماضيين ولا نعتقد أنها ستتخلى عمّن أنقذها لتتجه نحو من حاصرها بسهولة وما تفعله السعودية اليوم ما هو إلا بادرة مجبورة عليها بسبب ما تتعرض له من ضغوط وبالتالي لا يمكن التعويل عليها كثيراً.