بعد إتفاق الحديدة… هل انتهت الحرب على اليمن؟
|| مقالات || شارل أبي نادر
لم تكن معركة المفاوضات التي خاضها الوفد اليمني برئاسة محمد عبد السلام في السويد، أقل شراسة من المعارك الميدانية التي يخوضها الجيش واللجان الشعبية على كامل جبهات الداخل والحدود، وخاصة في معركة الساحل الغربي وبالتحديد في معركة الدفاع عن الحديدة، وحيث خرجت تلك المفاوضات باتفاق عملي، تمحورت أغلب بنوده حول الوضع في الحديدة، فهل يمكن القول ان هذا الاتفاق، فيما لو تم إلتزام كافة الاطراف بكافة مندرجاته وبنوده، سيكون نقطة مفصلية في انتهاء الحرب على اليمن؟
لم يبدأ تحالف العدوان معركة الساحل الغربي بشكل واسع، خاصة لناحية إصراره الشرس عدة مرات، على محاولة إحتلال مدينة الحديدة ومينائها، قبل بداية صيف العام 2018 الحالي، أي عمليا بعد مرور اكثر من ثلاث سنوات على بداية عدوانه على اليمن، لذلك يمكن القول من هذه الناحية، ان إتفاق الحديدة الاخير لم يضف اي تغيير جديد في الوضع العملاني للحرب، وستستمر ـ مبدئياً ـ معارك الجبهات الاخرى، في الداخل وعلى الحدود، تماما كما كانت قبل معركة الساحل الغربي وبالاخص قبل معركة الحديدة.
في عودة لمسار المعارك على كافة الجبهات ولطريقة تطورها الميداني، كنا نلاحظ أن اغلب تلك الجبهات كانت عبارة عن خطوط مدافعة متماسكة، استطاعت وحدات الجيش واللجان الشعبية الصمود عليها بثبات، بالرغم من الفارق الواضح في القدرات العسكرية، مقارنة مع ما يملكه تحالف العدوان ومرتزقته، خاصة لناحية التفوق الجوي والدعم البحري ، وحيث كانت وحدات الجيش واللجان تعيد انتشارها في بعض تلك الجبهات، فكان ذلك يحدث من خلال مناورة مدروسة، ينتج عنها استنزاف وحدات العدوان وتكبيده خسائر كبيرة.
من ناحية اخرى، استطاعت دائرة التصنيع الحربي اليمني، من خلال تطوير او تحديث او تصنيع عدة نماذج من الصواريخ الباليستية، او من خلال ما أدخلته في تقنيات سلاح الجو المسير، استطاعت اولا دعم جبهات الداخل بقدرات صاروخية وجوية فاعلة، وثانيا تحويل المعركة الى استراتيجية ـ دولية بعد ان نقلتها الى خارج الحدود اليمنية، مستهدفة بصواريخها الباليستية وبصواريخ طيرانها المسير، وبفعالية غير بسيطة، أغلب عواصم ومطارات دول العدوان المحيطة باليمن.
هذا المسار من الصمود الدفاعي خلال اكثر من ثلاث سنوات ، والمضاف اليه النقلة الاستراتيجية التي خلقتها القوة الصاروخية والجوية اليمنية في الحرب، دفع بالعدوان الى البحث عن مخرج او مناورة اخرى، ينقل فيها المعركة وزخمها الى مكان آخر، اعتقد انه سينجح به، خاصة اذا كان بعيدا عن جبهات الداخل حيث نقاط القوة للجيش واللجان الشعبية ، وفي نفس الوقت قريبا من خطوطه البحرية والجوية المفتوحة ، في البحر الاحمر او في قواعده الجوية في الجنوب اليمني، فاختار الحديدة في وسط الساحل الغربي نقطة تحوّل لمعاركه ولحربه.
ايضاً، على الساحل الغربي وفي الحديدة بالتحديد، حافظت وحدات الجيش واللجان الشعبية اليمنية على ثباتها، واستطاعت الصمود اكثر بالرغم من ضخامة القوى والعتاد والقدرات التي سخرها العدوان، وجعلت من معركة الساحل الغربي فرصة استنزاف تاريخية، سقط للعدوان خلالها خسائر ضخمة في عديده وفي عتاده، فكانت معركة الحديدة من جديد ، نقطة تحوّله الاخيرة مرغما نحو المفاوضات، نتج عنها اتفاق الحديدة الاخير، والذي جاءت بنوده باغلبها، تعبيرا بشكل او بآخر عن مقترحات الجيش واللجان الشعبية وقيادة انصار الله.
بعد التوصل الى اعتماد المقترحات الاخيرة، والتي تحولت الى بنود اساسية في اتفاق الحديدة، يمكن القول ان الاوضاع الميدانية والسياسية في اليمن ستكون على الشكل التالي:
ـ ستعود مدينة الحديدة ومينائها خارج دائرة المواجهة التي ارادها العدوان ، تماما كما كانت قبل ان يفتح هذا العدوان معركتها ، وسيكون للجيش واللجان الشعبية قدرة اوسع على تحرير نسبة كبيرة من الامكانيات والجهود التي اضطر لوضعها بتصرف جبهة المدافعة عن الحديدة، تُمَكِّنُه من اعادة دعم جبهاته الاخرى في الداخل وعلى الحدود.
ـ سيخسر العدوان نقاط الضغط التي هدف اليها من مناورته في الساحل الغربي وفي مدينة الحديدة خاصة، لما للمدينة ولمينائها من اهمية وحساسية بالنسبة للجيش واللجان الشعبية، وسيخسر بالتالي هذا العدوان النقاط الاستراتيجية التي اراد إمتلاكها فيما لو إستطاع احتلال المدينة ومينائها.
ـ الاهم في ذلك كله، سيعود العدوان من جديد الى عجزه في الميدان، تماما مثل ما كان قبل الحديدة ومعها وبعدها، وربما ستكون مناورته الفاشلة في الحديدة، ميدانيا وتفاوضيا، المفتاح او النقطة المفصلية التي ستدفعه للاقتناع بخسارته هذه الحرب، ويعود ، كما عاد في السويد الى بعض الواقعية حول الحديدة، يعود الى كل الواقعية حول انسحابه من المستنقع الذي اوصل نفسه اليه بغروره وبحماقته وبحقده.