“نيويورك تايمز” تروي تفاصيلَ مجازر وحشية ارتكبها العدوان بحق قوارب صيد يمنية: صيّادون تحت القصف السعوديّ في البحر الأحمر
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || متابعات
سلّطت صحيفةُ “نيويورك تايمز” الأمريكية الضوءَ، مجدّداً، على المأساة الإنْسَانية التي صنعها تحالفُ العدوان الأمريكي السعوديّ في اليمن، وفي تقرير جديد نشرته باللغة العربية تحت عنوان “الموتُ في بحار اليمن: صيّادون تحت القصف في الحرب السعوديّة” استعرضت الصحيفة عدداً من الجرائم التي ارتكبتها قُــوَّات العدوان بحق الصيّادين اليمنيين في البحر الأحمر، والتي راح ضحيتها العشراتُ من الصيّادين شهداء وجرحى ومعتقلين تعرضوا للتعذيب، وحرصت الصحيفة على توضيح زيف الحُجَجِ الواهية التي استخدمها العدوانُ لتبرير تلك الجرائم من خلال زعمه بأن أولئك الصيّادين كانوا “مسلحين حوثيين”، والأساليب الملتوية التي لجأ إليها؛ لتغطية تلك الجرائم من خلال التحقيقات المزيّفة ودفع “تعويضات مالية” للضحايا، كما وضّحت الصحيفة المسؤوليةَ التي تتحملها الولايات المتحدة عن تلك الجرائم من خلال دعمها لتحالف العدوان ومشاركتها فيه.
6 نماذج من وحشية العدوان تجاه الصيّادين
يروى التقريرُ الذي أعدّه الصحافي “ديكلان والش” قصصَ ستة قوارب صيد يمنية استهدفتها سفنُ ومروحيات ومقاتلات العدوان، بوحشية بالغة، بعد مغادرتها ميناء الخوخة الخاضع للاحتلال جنوب البحر الأحمر، على مدار فترة امتدت لأكثرَ من ستة أسابيعَ في أغسطس وسبتمبر الماضيين وهي كالتالي:
القارب الأول كان يحمل اسم “القيصر” وتروي الصحيفة أنه أبحر في الأول من أغسطس الماضي، من ميناء الخوخة الواقع تحت سيطرة العدوان، وتضيف: “كان القارب (القيصر) والبالغ طوله 40 قدماً، قد حصل على تصريح صيد قبل يوم واحد من السلطات المحلية المموّلة والمدعومة من قبل قُــوَّات التحالف. وبعد أن قطع القاربُ مسيرةَ خمس ساعات، ظهرت مروحيةٌ تحلّق فوقه وتبعتها طائرة حربية أطلقت قنبلةً على القارب، فلقي 9 أشخاص -من الطاقم البالغ عددهم 11 شخصًا- مصارعَهم على الفور”.
أحد أفراد الطاقم، يُدعى “أحمد بُحيري” عمره 35 عاماً، اندفع إلى المياه وقال للصحيفة وهو يرفع ملابسه ليكشف عن آثار الحروق البالغة على جسده: “كانت النيران تتخذ شكل حلقة وكنتُ أنا في منتصفها”، أما الناجي الثاني وهو فايز عَبدالله، 24 عاماً، فتذكر الصحيفة أنه ظل يسبَحُ في المياه المحيطة؛ بحثاً عن ناجين آخرين، وقال: “كلّ ما عثرت عليه كان جثة مقطوعة الرأس”.
أما القاربُ الثاني فكان يحمل اسم “آفاق” وتروي الصحيفة أنه تم استهدافُه يوم 14 أغسطس عندما كان يقطع مياه البحر الأحمر، وظهرت فوقه مروحية تابعة لتحالف العدوان، لتظهر بعدها سفينة حربية توجه بنادقها نحو القارب.
“وابلٌ من الطلقات شقّ المياه المحيطة بالقارب.. قبل أن تخترق هذه الطلقات الهيكل الخشبي الرقيق. أصيب أحد الصيّادين بطلقة في عينه وأصيب آخر في رأسه، بينما اشتعلت النيران في محرّك القارب”.
أحد طاقم القارب كان فتىً يبلُغُ من العمر 11 عاماً، ويُدعى بشار قاسم، روى للصحيفة أنه قفز من القارب وظل “يجدّف بيديه؛ كي ينجو بحياته وسط الحطام المشتعل والجثث الطافية والناجين المتشبثين ببراميل المياه الفارغة” ثم “توقفت السفينة الحربية عن إطلاق النيران مع رؤية القارب وهو يغرق داخل المياه”، وأضاف بشّار للصحيفة: “دارت السفينة حولنا عدة مرات لتتأكّد من غرق القارب، ثم انطلقتْ بعيداً”.
وفي 18 أغسطس، فتحت سفينة حربية النارَ على القارب الثالث الذي كان يحمل اسم “الأميرة”، ما أسفر عن مقتل ثلاثة صيّادين، ويشير التقرير الذي تضمن صورا للقارب إلى أن “الرصاص خلف 26 ثقباً على الأقل في القارب” و “كان قُطرُ وشكل الثقوب متطابقًا مع تلك التي تُحدثها المدافع الرشاشة الثقيلة والمتوسطة؛ وهي نفس نوع الأسلحة الموجودة على متن السفن الحربية”.
وبعد يوم واحد فقط “تسببت مروحية هجومية في إغراق قارب (رابع) يحمل اسم “الرنّان”، ما أسفر عن مقتل أربعة من الصيّادين العشرة الذين كانوا على متنه” ونقلت الصحيفة عن أحد الناجين من القارب يدعى عبده أفداه، أن الجندي الذي كان يطلق النيران عند باب المروحية تجاهل توسلات الصيّادين بوقف إطلاق النار، حيث يقول عبده: “رفعنا الأسماك بأيدينا لنؤكّد له أننا لسنا مصدر تهديد، لكنه استمر في إطلاق النيران”.
وبعد مرور ثلاثة أيام من استهداف القارب الرابع، وبالتحديد في 22 أغسطس، “وقع الهجوم على قارب (الأنصار) حين قامت سفينة حربية مرافقة لناقلة نفط سعوديّة بقتل 7 أشخاص، إلا أن السفينة الحربية لم تُبحر بعيدًا هذه المرّة، فالاثنا عشر ناجياً الذين أُخرجوا من المياه أًخذوا إلى مدينة جيزان السعوديّة حيث احتُجزوا ثلاثة أشهر تعرضوا خلالها للتعذيب حسبما أفاد الكثيرون منهم”.
أحد السجناء يُدعى طارق مطيري، قال للصحيفة: “ضربونا بالسياط حتى نزفنا الدماء. كانوا يقولون إننا جواسيس حوثيون”.
وتشير الصحيفة إلى أن ناطق العدوان، تركي المالكي، اعترف باحتجاز ثلاثة صيّادين مدعياً بأنهم “حوثيون” وأكّد أنهم لا يزالون قيد الاعتقال في السعوديّة، إلا أن “الصيّادين الذين أُطلق سراحهم وعادوا إلى اليمن في 21 نوفمبر أصروا أن المعتقلين أبرياء”، وقال للصحيفة أحد العائدين يُدعى وليد حسّاني: “أعرف هؤلاء الرجال منذ كنا أطفالاً، وهم ليسوا من الحوثيين”.
أما القاربُ السادس، والذي كان يحمل اسم “الفارس، فقد تم استهدافه في 15 سبتمبر الفائت” من قبل سفينة حربية قبالة ساحل إريتريا، حيث توجد قاعدة عسكريّة تابعة للإمارات العربية المتحدة هناك”، ويؤكّد التقرير أنه “لم ينجُ من طاقم القارب المكون من 19 صيّادًا سوى صيّاد واحد هو نافع زايد الذي ظل متشبثاً بصندوق لحفظ الثلج مدة أربعة أيام”.
وقال زايد، الناجي الوحيد من المجزرة: “شعرت بأحدهم يُحضر لي التمر والماء في الليل. هكذا نجوت”.
وبحسب التقرير، فقد كانت محصّلةُ الجرائم الست، استشهاد 50 صيّاداً من أصل 86 ممن كانوا على متن القوارب الستة، خلال شهر ونصف شهر.
تحقيقاتٌ زائفةٌ للتغطية على الجرائم
تقريرُ نيويورك تايمز تطرَّقَ إلى محاولة تحالف العدوان التهرُّبَ من مسؤولية جرائمه بحق الصيّادين اليمنيين، وكانت إحدى وسائله في ذلك ما يسمى “الفريق المشترك لتقييم الحوادث” الذي تم تشكيلُه بالتعاون مع الخارجية الأمريكية عام 2016، ليتم استخدامُه في تبرئة تحالف العدوان بعد كُــلّ مجزرة يرتكبها، وقد تمت إحالة جرائم القوارب السابقة إلى الفريق للتحقيق فيها، وذكرت الصحيفة أن “جماعات حقوق الإنْسَان تقول: إن تحقيقات الفريق زائفة، وأنه قلّما يجد أي خطأ فيما تقوم به قُــوَّات التحالف من أفعال”.
واستشهدت الصحيفة على زيف تحقيقات الفريق بعدة شواهد ضمنها أن الفريق “حقق مرتين في هجمات سابقة على قوارب صيد وأنه برّأ قُــوَّات التحالف في كلتا المرتين” كما حقق في جريمة قتل 43 شخصا جراء استهداف مروحية للتحالف لقارب يحمل لاجئين صوماليين في مارس 2017، “وهو ما وصفته منظّمة هيومان رايتس ووتش بأنه جريمة حرب” فبينما يقول فريق التقييم: إن قُــوَّات تحالف العدوان لم تنفّذ الهجوم، تذكر الصحيفة أن مسؤولا سابقا لدى الأمم المتحدة أكّد أن محققين أمميين قد توصلوا إلى أن السعوديّين أو الإماراتيين هم المسؤولون عن هذا الهجوم.
وبالرغم من أن الفريق التابع لتحالف العدوان لم يذكر شيئاً عن القوارب التي ذكرها تقرير الصحيفة، والتي أحيلت قضاياها إليه، إلا أن الصحيفة تقطع الطريق أمام أي مزاعم قد يقولها الفريق حول تلك الجرائم، إذ يقول التقرير: إن “خبراء قد ذكروا أنه من غير المرجح أن يبحر الحوثيون على متن قوارب صيد من موانئ واقعة تحت سيطرة قُــوَّات التحالف”، ما يعني أنه لا سبيلَ أمام العدوان لتبرير تلك المجازر بمزاعم استهداف “مسلحين حوثيين” كما هي عادته.
دفعُ أموال لإسكات أهالي الصيّادين
إلى ذلك، كشفت “نيويورك تايمز” في تقريرها، أن السعوديّةَ حاول إسكاتَ أسر ضحايا الصيّادين الذين استهدفتهم طائرات وسفن العدوان بـ “تعويضات” مالية اعتبرها أسر الضحايا “ديات”.
وذكرت الصحيفة أنه “في سبتمبر الماضي، تم استدعاء أُسر الصيّادين الثمانية عشرة الذين لقوا حتفهم على متن قارب “الفارس” إلى قاعدة قُــوَّات التحالف في الخوخة، حيث سلّم مسؤول سعوديّ كُــلّ أسرة مظروفاً يحتوي على 100 ألف ريال سعوديّ. وبعد بضعة أسابيع، حصلت كُــلّ أسرة على مساعدات جديدة في صورة قوارب صيد جديدة وشباك ومحركات زوارق خارجية”.
وتضيف الصحيفة أن “القُــوَّات السعوديّة وصفت هذه الأموال بأنها مساعداتٌ إنْسَانية، بينما اعتبرها أهل القرية ديّةً”.
وأشارت الصحيفة، إلى أن أسر الضحايا لم تنسَ دماء شهدائها، إذ يقول منير مانوبي -أحد سكان قرية مجاورة كانت مقرّاً لقارب “الفارس”-: “ما دفعوه لا يساوي ظفر إصبع واحد من أخي”.
ونقلت الصحيفة عن أحد السكان، يُدعى أحمد عَبدالله، فقد ابنه في الهجوم على قارب “الفارس” قوله إن شيئاً واحداً فقط سيشفي غليله وهو “الثأر”.
وذكرت الصحيفة، نقلاً عن عَبدالله، أن “بعضَ الأشخاص في القرية تلقوا تحذيراتٍ من المسؤولين المحليين أن يلزموا الصمت” لكنه لا يبالي بتحذيراتهم.
وأوضحت الصحيفة أن الكثيرَ من الصيّادين أوقفوا نشاطهم؛ خوفاً من أن يصيبهم ما أصاب الآخرين، مشيرة إلى أن هذا التراجعَ في نشاط الصيد يأتي “ضمن تدهور اقتصادي واسع النطاق أصاب البلاد جراء الحرب السعوديّة التي خلّفت وراءها أزمةً غذائية طاحنة في الحديدة وهي واحدة من أكثر محافظات اليمن فقراً وأشدِّها تعرضاً للجوع. وفي أماكنَ أخرى في اليمن، قصفت الطائرات السعوديّة والإماراتية مصانع ومزارع ومستودعات غذائية تديرها منظّمات الإغاثة الدولية” في إشارة إلى أن استهدافَ الصيّادين يمثل جزءاً من الحرب الاقتصادية التي يشنها العدوان على اليمنيين.
البصماتُ الأمريكيةُ على جثث الصيّادين اليمنيين
ضمن التقرير، أشارت صحيفة “نيويورك” تايمز أَيْضاً إلى المسؤولية التي تتحملها الولايات المتحدة عن الجرائم التي تستهدف الصيّادين اليمنيين، إذ تذكر الصحيفة بأن “الولايات المتحدة تتبادل المعلوماتِ الاستخباراتية مع القُــوَّات البحرية السعوديّة” كما أن “القُــوَّات البحرية السعوديّة تستخدمُ مروحيات أمريكية، وضبّاطها تلقوا تدريباتهم لدى إحدى الشركات في فيرجينيا”.
وأضافت الصحيفة أن “بعض الهجمات التي شنتها قُــوَّات التحالف في البحر استُخدمت فيها طائراتٌ عسكريّة مزوّدة بقنابل أمريكية موجَّهة بالليزر، وكانت ناقلات أمريكية عملاقة تزوّدها بالوقود حتى الشهر الماضي” الأمر الذي يدخل الولايات المتحدة في دائرة المسؤولية المباشرة عن الجرائم بحق الصيّادين.
وذكرت أنه “في العام الماضي، باعت الولايات المتحدة 10 مروحيات بحرية للسعوديّة في صفقة بلغت قيمتها 1. 9 مليار دولار. كما استفادت شركة بوز آلان هاميلتون، المتعاقدة مع وزارة الدفاع الأمريكية، عشرات الملايين من الدولارات جراء تدريب القُــوَّات البحرية السعوديّة على مدار العقد الماضي”.
وأضافت الصحيفة: “جديرٌ بالذكر أيضاً أن ستيفن توماجان، وهو ضابط متقاعد في الجيش الأمريكي، يتولَّى حالياً قيادة أسطول من المروحيات العسكريّة الإماراتية”.
ونقلت الصحيفةُ عن القائد جوش فراي، المتحدث الرسمي للأسطول الأمريكي الخامس، أن الولايات المتحدة تقدّم دعمًا لقُــوَّات التحالف البحرية بقيادة السعوديّة، مثل تزويدها بالمعلومات الاستخباراتية، وهو ما يعزّز تحمل الولايات المتحدة لمسؤولية تلك المجازر.
وتطرقت الصحيفة إلى قرار إدارة ترامب بشأن “وقف تزويد طائرات التحالف بالوقود” مشيرة إلى أن ذلك القرار جاء كمحاولة لتهدئة الضغط المتزايد على الإدارة داخل الكونجرس، وأنه لا يؤثر على الحرب التي تدور رحاها داخل البحر، إذ تقول كريستين بيكرلي، الباحثة في الشؤون اليمنية لدى منظّمة هيومان رايتس ووتش: “يتعرّض الصيّادون اليمنيون للقصف في قواربهم حالياً تَمَاماً كما كان الوضع قبل ثمانية عشر شهراً. لم يتغير أي شيء”.