الأردن بين مقاومة التطبيع والظروف الاقتصادية

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي

 

لقد استطاع الأردن أن ينجو بنفسه خارج ما يسمى “الربيع العربي” الذي غزا الدول المجاورة له وأسقط أنظمة وفشل في إسقاط أخرى، وقد تمكّن الأردن بوعي شعبه من عدم الانجرار وراء مخططات معدّة مسبقاً ولن تساهم في تحقيق تطلعات الشعب على اعتبار أن أغلب هذه التحركات وربما جميعها لم تتمكن من النجاح بتحقيق ما خرجت من أجله، وأكثر من ذلك فقد دخلت بعض هذه الدول في فوضى خانقة دمّرت حياة المواطنين وبيوتهم ومؤسسات الدولة التي كانوا يعملون بها دون نتيجة تذكر.

 

الأوضاع الاقتصادية

 

من هنا أدرك الأردنيون أن الدخول في أتون هذه التحركات قد يجلب لهم الويل، لذلك وجدناهم يحسبون ألف حساب قبل الانخراط بمثل هذه التحركات، ولكن خلال العام الحالي بدأ الشعب الأردني يشعر بضغط اقتصادي كبير وغلاء في المعيشة يكاد لا يصدق، قد يعود سببه الرئيسي إلى عدم تنفيذ بعض الدول تعهداتها بتقديم مساعدات مالية للأردن، رافق ذلك إطلاق الحكومة حملة تقشّف وزيادة الضرائب، ما دفع المواطنين للنزول إلى الشارع منتصف هذا العام للاعتراض على هذه السياسات.

 

يبدو أن الأزمة الاقتصادية الأردنية قد أدّت إلى اعتراض المواطنين على سياسة الحكومة ودفعتهم للاحتجاج على قرارات الحكومة واستمر الأردنيون في مظاهراتهم السلمية حتى اضطرت حكومة هاني مقلي لتقديم الاستقالة ليتولى عمر الرزاز زمام الأمور ويشكّل حكومة جديدة، ومنذ ذلك الحين والأوضاع في اليمن تبدو مستقرة إلا أنها تشبه “النار تحت الرماد” ويمكن أن ينفجر الوضع في أي لحظة.

 

الشعب اليمني يرى أنه محاصر اقتصادياً منذ العام 2008 بشكل غير معلن ليتبع ذلك انقطاع الغاز المصري، وإغلاق الحدود مع سوريا والعراق، ما سبب ضغطاً شديداً على اقتصاده، وما جعل الظروف تنفرج نوعاً ما في الوقت الراهن هو زيادة الصادرات إلى العراق وفتح الحدود مع سوريا.

 

التطبيع مع “إسرائيل”

 

الأردنيون لديهم مطالب أخرى من الحكومة تختلف عن تلك التي تتعلق بالوضع الاقتصادي وقانون ضريبة الدخل، فالشعب الأردني لا يريد أن تكون بلاده جزءاً من مشروع التطبيع الذي يقوده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدعم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبمساعدة بعض قادة الخليج، ورأينا جميعنا ردة فعل الشارع الأردني عند نقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”.

 

قبل هذا بعامين خرج المئات للتظاهر وسط العاصمة الأردنية عمان احتجاجاً على اتفاق أبرم لاستيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل.

 

ومؤخراً وتحديداً يوم السبت 17 نوفمبر 2018 شارك المئات في مظاهرةٍ بالعاصمة الأردنية عمّان، احتجاجاً على تصوير فيلم “إسرائيلي” لمصلحة شركة إنتاج أمريكية في شوارع المدينة، وأفاد نشطاء أن الفيلم الذي يجري تصويره هو فيلم “إسرائيلي” لمصلحة شركة “نتفلكس” الأمريكية، وحاول النشطاء منع تصويره، معتبرين ما يجري جزءاً من حركة التطبيع التي تشهدها المنطقة العربية خلال الفترة الماضية، وندّد النشطاء باستمرار النشاطات التطبيعية من قبل جهات في الأردن مع دولة الاحتلال، مُنادين بوقف كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيون،. ورفع المتظاهرون لافتات تطالب بوقف تصوير الفيلم الذي يظهر شوارع عمان على أنها شوارع مدينة “تل أبيب” معتبرين أن هذا جزء من التطبيع مع العدو “الإسرائيلي”.

 

وأفادت القناة “13” العبرية بأن الفيلم الأمريكي قام بوضع لافتات على شوارع عربية باللغة العبرية، وكذلك لوحات رقمية للسيارات، تشبه نظيرتها الإسرائيلية، وهو ما دفع المواجهين للتطبيع في الأردن إلى تنظيم مظاهرات مستمرة بالقرب من موقع التصوير.

 

مظاهرات حالية

 

للأسبوع الرابع على التوالي تستمر التظاهرات في الأردن احتجاجاً على سياسات الحكومة الخارجية وملف التطبيع مع الكيان الصهيوني، وحمل المتظاهرون لافتات مناهضة للتطبيع مع “إسرائيل”، وطالبوا بمحاربة الفساد على جميع المستويات في المملكة، فيما نددوا بإقرار قانون الجرائم الإلكترونية الجديد، مطالبين برفع القيود عن حرية التعبير وإلغاء القانون”.

 

إذن واضح جداً أن الشارع الأردني يعارض فكرة التطبيع ولا يريد لبلاده أن تنجر وراء هذا الأمر، بالتأكيد حاولت السعودية خلال الفترة الماضية الضغط على ملك الأردن عبدالله الثاني اقتصادياً لجرّه نحو هذا الموضوع، لكن الملك نفسه لا يستطيع أن يتحدى إرادة شعبه الذي يرفض التطبيع تحت أي ظرف، وما ساعد الملك عبدالله على الخروج من هذه الأزمة الضغوط التي تعرّضت لها السعودية نفسها في اليمن وملف خاشقجي، وبالتالي يمكن القول إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لم يعد يسعى لتحقيق ما يريده ترامب بقدر سعيه للخروج من الورطة التي وقع بها في اليمن وملف خاشقجي، وإن كان موضوع الفصل بين الأمرين صعب للغاية إلا أن أولويات ابن سلمان تغيّرت نوعاً ما على اعتبار أن ترامب خذله مراراً ولم يتمكّن من منع الكونغرس ومجلس الشيوخ من تمرير قرارات تدينه في مقتل خاشقجي، وما زاد الطين بلة هو الفيديو الذي نشرته السفارة الأمريكية في السعودية مؤخراً على حسابها الخاص على “تويتر” والذي حرّضت فيه على المظاهرات السلمية في السعودية والذي سيكون له ترددات عميقة في الشارع السعودي خلال الأيام المقبلة.

قد يعجبك ايضا