عام الصمّاد: الرئيس الذي لم يجلس على كرسي الرئاسة
موقع أنصار الله || صحافة محلية || المسيرة: إبراهيم السراجي
“لا يوجد بفضل الله سبحانه وتعالى ما نختلف عليه، ما احنا بانختلف نهائياً، وصالح الصمّاد لو يستشهد غد آخر الشهر ما مع جهاله وين يرقدوا إلا يرجعوا مسقط رأسهم وهذه نعمة كبيرة بفضل الله سبحانه وتعالى”..
“الرئيس الشهيد صالح الصمّاد قبيل استشهاده بعشرة أيام”
لا يحدُثُ أن يمُــــرَّ شخصٌ يعيشُ بالعاصمة صنعاء من ميدان السبعين دون أن يكون هناك عددٌ من الأشخاص يزورون ضريحَ الرئيس الشهيد صالح الصمّاد، منذ تشييعه ورفاقه في 28 أبريل الماضي في موكب لم تعرفْ صنعاءُ مثيلاً له في تأريخها، ولا يمر يومٌ دون أن يكونُ الشهيدُ الصمّاد حاضراً في خواطر الناس ومنشورات الناشطين في مواقع التواصل وكلمات المتحدثين العسكريين والسياسيين، وقد لا يصدِّقُ المرءُ أن هذا الرجلَ لم يقضِ في كرسي الرئاسة سوى 20 شهراً مقارنةً بالحضور الكبير الذي كان عليه وتأثيراته المستمرّة على صمود الشعب اليمني قبل وبعد استشهاده خلال أربع سنوات تقريباً هي عمر عدوان لم يشهد له العالم مثيلاً.
خلالَ مدته القصيرة في الرئاسة، أنجز الرئيس الصمّاد على الصعد السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية ما لم يكن ممكناً لغيره خلال عقود من الزمن، خصوصاً أنه توّلى الرئاسة في مرحلة هي الأصعب في تأريخ اليمن، مرحلة كان من سماتها الحصارُ المطبق على اليمن وحرمانُه من كُلّ موارده الاقتصادية والمالية وعدوان عسكري قائم ومؤامرات متعددة، استطاع تجاوُزَ كُلّ ذلك؛ انطلاقاً من سماته الشخصية القوية وخلفيته الإيمانية العميقة، وهو بتلك المؤهلات وضع نفسه هدفاً لقوى العدوان على رأسها الولايات المتحدة إلى أن تم اغتياله في 19 أبريل الماضي أثناء تواجده في الحديدة في مهمة كان إنجازها في ذلك الحين سبباً في صمود المحافظة إلى اليوم رغم الزحف العسكري غير المسبوق الذي تعرضت له خلال المرحلة.
وعلى الرغم من أن رحيلَه جاء في الثلث الأول من العام 2018 الذي انتهى أمس، إلا أن هذا العام كان عامَ الرئيس الصمّاد بامتياز رغم أنه هو مَن أطلق عليه “العام الباليستي” إشارةً إلى إدخال القوة الصاروخية اليمنية بشكل مكثف في المعركة بعد إشرافه كقائد أعلى للقوات المسلحة على تطوير القوة الصاروخية وصولاً إلى ما هي عليه اليوم ولتصبح أهم أسلحة الردع التي أحدثت توازناً نسبياً مع قوى العدوان وتصبح الصداعَ الدائمَ لدول العدوان وعلى رأسها الولايات المتحدة، وهو ما يُفَسِّرُ مطالبتَهم الدائمةَ بتسليم ترسانة اليمن من الصواريخ الباليستية التي وصلت إلى الرياض وما بعد الرياض وإلى أبو ظبي.
من بين الخطوات التي أنجزها الرئيسُ الصمّاد واعتبرتها قوى العدوان من أخطر الخطوات التي جعلت منه هدفاً لها، هو نجاحُ الرئيس الشهيد في إعادة القوات المسلحة والأمن إلى الواجهة وإعادة آلاف الضباط إلى الخدمة بعدَ ما تم تفكيكُ الجيش اليمني بخطة الهيكلة التي وقفت وراءها الولاياتُ المتحدة والسعوديّة ونفّذها الفارّ هادي، ورغم نجاح قوى العدوان في اغتيال الرئيس الشهيد إلا أن هذا الاغتيالَ لم ينل سوى من شخصه، أما حضورُه فبقي حاضراً في قوات الجيش التي بناها وأعادها الرئيسُ الشهيدُ لتكون عاملاً فاعلاً ورئيسياً في مواجهة العدوان وإفشاله عسكرياً.
قبيل استشهاده بـ25 يوماً أي في الذكرى الثالثة للعدوان 26 مارس 2018 أطلق الرئيسُ الشهيد صالح الصمّاد مشروعَ بناء الدولة “يدٌ تبني ويدٌ تحمي”، وهو المشروعُ الذي قضى مدةً طويلةً وهو يُشرِفُ على إنجازه والذي يُعَدُّ مشروعاً متكاملاً يقدم رؤيةً جاهزةً للتطبيع اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً واجتماعياً، وقد قام المجلسُ السياسي الأعلى قبل أيام بإقرار المشروع وتسليمه لحكومة الإنقاذ الوطني ولاقى ارتياحاً كبيراً وقبولاً واسعاً ويُنتظَرُ أن يكون العام الجديد 2019 هو عام تنفيذ هذا المشروع، ما يعني أن مشروعَ الرئيس الشهيد صالح الصمّاد سيظلُّ بصمةً دائمةً في تأريخ اليمن الحديث.
من بين البصمات الأسطورية التي تركها الرئيسُ الصمّادُ لتمثّلَ مدرسةً للتعامل مع الفتن هي نجاحُه الذي لم يتوقعه الداخلُ والخارج، في التعامل مع فتنة ديسمبر ومعالجة آثارها بشكل كامل وفي مدة زمنية قصيرة وقياسية رغم حجم الفتنة الكبير وضلوع دول العدوان والولايات المتحدة في التخطيط لها والإشراف على تنفيذها ومساندتها. وفي هذا الملف حقّق الرئيسُ الشهيدُ نجاحاتٍ متعددةً أولُها التعامُلُ مع حدوث الفتنة والقضاء عليها خلال 72 ساعة تقريباً وكذلك نجاحُه في طي صفحتها بإقرار العفو العام عمَّن تورطوا في الفتنة وإطلاق سراحهم حتى أنه استشهد بعد أربعة أشهر من الفتنة ولم يكن ما يزالُ حينَها أيُّ موقوف أَو مسجون على خلفية تلك الفتنة.
رحل الرئيسُ الشهيدُ صالح الصمّاد في الثلث الأول من عام أسماه “العام الباليستي” إلا أن واقع الحالَ جعل من عام الصمود الذي انتهى أمس “عام الصمّاد” الرئيس الشهيد الذي لم يأخذ لنفسه شيئاً من مغريات الحياة والرئيس الذي لم يجلسْ على كرسي الرئاسة بل ظل واقفاً ومتحَـرّكاً في كُلّ الميادين حتى أصبح فارسَها الأولَ وملهمَها الحيَّ وعنوانَ الصمود اليمني الأسطوري الموعود بالنصر على أكبر عدوان حتى بات اليوم اسمُ اليمن مقروناً بأسطورة الماضي والحاضر.