وارسو حلف صهيوني عربي مهزوم
|| مقالات || د عبدالملك عيسى
تتكثّــفُ الجهودُ الأمريكيةُ نحو الشرق من زيارة وزير الخارجية الأمريكي بومبيو ومسئول الأمن القومي الأمريكي جون بولتون والمبعوث الأمريكي إلى لبنان، كُلُّ هؤلاء جاءوا إلى المنطقة بغرضِ تطمين أدواتهم (الأردن، مصر، دول الخليج) بأن الانسحابَ الأمريكي من سوريا لن يثنيَها عن مواجهة إيران، ويتحدثُ الوزير الأمريكي عن تأسيس حلف ضد إيران.
هذا الحلفُ المزمَّعُ تشكيلُه ليس فكرةً جديدةً ولا أمراً طارئاً، فقد بشّرت بها أمريكا منذ صعود ترامب إلى السلطة حينها تحدث ترامب وماتيس ومسئولُ الأمن القومي الأمريكي في حينه ماكماستر، بل وذهبوا بَعيداً بتعيين مسئول استخباراتي (CIA) اسمه العقرب لتعقب الأنشطة الإيرانية في الشرق وضربها بالشراكة ما بين السعوديّة والكيان الصهيوني والإمارات، وما العملياتُ التي شهدها الداخلُ الإيراني خلال السنتين الماضيتين إلا نتاج وثمرة لهذا التنسيق ما بين أطراف محور الشيطان الأكبر الأمريكي وأعوانه.
ورغم مرور هذه الفترة الطويلة من التنسيق ووصلت الذروة بتعيين القائد السابق للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط أنتوني زيني كمنسّق لتشكيل حلف ناتو جديد في الشرق ضد. إيران لكن كُــلّ هذه الجهود فشلت وذهبت أدراج الرياح، فلا خلايا الإرهاب أنتجت انهياراً بالدخل الإيراني ولا تشكيل ناتو نجح، وأتت استقالةُ عرابها زيني مؤخّراً بمبرّر الفشل.
إذاً ما الذي تريدُه أمريكا بهذا الضخ الإعلامي والتركيز ضد إيران.
المتابعُ للوضع السياسيّ الأمريكي والخريطة الإقليمية والدولية يستطيعُ استنتاجَ أمر واحد أنه لن يكون هناك حلفٌ ضد إيران ولن تحدثَ مواجهةٌ عسكريّة ضدها ولن تنسحبَ إيران من سوريا، فلا الوضعُ الأمريكي الداخلي يسمحُ بترف خوض صراع وحربٍ كبرى ضد إيران ولا الوضع الإقليمي لحلفاء الأمريكي من دول الخليج وإسرائيل بوارد خوض مثل هكذا صراع، فالكيان الصهيوني اضطر للتراجع أمام المقاومة الفلسطينية خلال ساعات بعد أن حاول فتحَ حربٍ معها، ودول الخليج تعاني من انقسام حادٍّ فيما بينها، عُمان والكويت وقطر ليست بوارد معاداة إيران، والشقاق بين قطر والسعوديّة والإمارات، والمستنقع الذي أغرقت السعوديّةُ نفسَها فيه باليمن، والأردن يحاول فتحَ الخطوط مع سورية، ومصر بالكاد تحاول تحسينَ وضعها الاقتصادي ولم تستطعْ حسمَ مشكلة سيناء، فعن أي ناتو يتحدثون؟!.
ويبدو أن فشلَ خيار الناتو دفع الأمريكي للتفكير بخيار وارسو وهو بالمناسبة مسمَّى لحلف مهزوم ومفكك، وكأن الداعي إليه يعلمُ مسبقاً بمصيره وقد يكون موجَّهاً ضد موسكو أكثرَ منه نحو طهران، لعل دولَ الشرق فشلت في تجميع نفسها وهو فشل أمريكي فاتجهوا لتجميع كُــلّ حلفاء إسرائيل في العالم لتشكيل هذا التحالف الذي يحملُ من المتناقضات ما يحملُه فإذا عجز الأمريكي عن تجميع دول الخليج مع الأردن ومصر فهو أعجزُ عن تجميع غيرهم.
وبالتالي ما يحاولُ الأمريكي عبرَ بثه هذا الخطاب التحريضي ضد طهران ما هو إلا محاولةٌ لرفع معنويات أدواته وتأخير انهيارها وعدم تزاحمها على أبواب دمشق ومن بعدها طهران قدرَ الإمكان، فالأمريكي مؤكّــد قد توصّل إلى نتيجة أنه عاجزٌ عن تغيير معادلات الشرق لمصلحته، وما حصل لأكراد سوريا إلا درسٌ مجانيٌّ لكل أدواته لعلهم يعقلون.