حدود النار لا السيادة
|| مقالات || صلاح الدكاك
تجري حالياً قراءة ما يسمى (ملف الأزمة في اليمن)، بوصفه مجموعة من إلتماسات المحتربة والمفصولة من حيث مسارات مقاربتها أممياً… وتبعاً لذلك برزت (الحديدة) كمسار اشتباك أسخن يتعين وضع حد له، بدءاً لجهة أكثر من اعتبار، وفي مقدم هذه الاعتبارات كونه مساراً وثيق الصلة سلباً وإيجاباً بمسرح المصالح الدولية في البحر الأحمر… ومن ذات الزاوية فإن (تعز) تالياً وكامتداد مائي ديمغرافي للحديدة ستكون الملف الأبرز لجولة مشاورات قادمة يسعى المبعوث الأممي بدعم دولي واضح لتعبيد طريق مواتٍ ـ ولو نسبياً ـ لانعقادها نهاية الشهر الجاري، أو مطلع فبراير الآتي، حتى يتسنى له المراكمة على مخرجات (جولة ستوكهولم).
محاولة استشراف مسارات أخرى للتباحث أبعد من (تعز)، تبدو عسيرة وفقاً لفرضية (إلتماسات المحتربة الأكثر إلحاحاً)… هل سيحضر الجنوب المحتل كمسار منفصل قائماً بذاته؟ وفي مقابل من؟ وأين يمكن وضع (المهرة بخصوصياتها الحراكية الراهنة) التي جعلتها أشبه بموجة جنوبية خارج إيقاع خلطة الفعاليات المؤلفة للمشهد في الجنوب، والمكبل معظمها بالتبعية لمشروع الإحتلال وغرف التحالف؟
غير بعيد، نشرت «وكالة الأنباء السعودية» مطلع الأسبوع الجاري خبراً عن إرسال (الرياض) تعزيزات عسكرية من جيشها النظامي إلى الحدود مع اليمن، الأمر الذي يعني سعي المملكة لسلخ مسار الاشتباك الدائر في جنوبها عن ملف (الصراع في اليمن)، ومحاولة تظهير عمليات جيشنا ولجاننا كاعتداء غير مبرر على دولة ذات سيادة، ليست طرفاً في (الصراع الداخلي اليمني) حسب ما تريد له أن يبدو.
وهكذا فإنها تتوقع ـ ترتيباً على تكتيك إعادة الانتشار هذا ـ أن تحصل على دعم المجتمع الدولي لحقها في سلامة أراضيها وتجريم الطرف (المعتدي)، من دون أن تُرغم على مقايضة اليمنيين أمناً بأمن وسيادة بسيادة، في الأراضي التي تحتلها في اليمن جنوباً وشرقاً تحت مسمى (تحالف دعم الشرعية)!
بطبيعة الحال فإن خبر الدفع بتعزيزات من الجيش السعودي إلى الحد الجنوبي للمملكة، ليس إلا تمويهاً إعلامياً على حقيقة القوة البشرية المأجورة ومتعددة الجنسيات (محلية وأجنبية)، التي تمثل القوام الميداني الرئيس في الحدود مع اليمن، والتي تقاتل بالإنابة عن الجيش النظامي للمملكة في مواجهة جيشنا ولجاننا الشعبية!
باتت المعركة ـ إذن ـ مع تحالف قوى العدوان الأمريكي، أقل زخماً عسكرياً عقب (ستوكهولم)، لكن أكثر تعقيداً سياسياً، فضربات الرد والردع من قبلنا ومن قبل العدو، أصبحت مرهونة بتحري الثغرات والحيزات المتاحة لضربات موضعية مزمنة، في مسرح اشتباك شرع المجتمع الدولي في إغلاقه تدريجياً بشمع المحددات الأحمر، ولم يعد مؤاتياً كذي قبل، أمام أفق رد مفتوح وحاسم.
من المؤسف القول إن غارات التحالف السبت الفائت على العاصمة صنعاء، جرت في هذا السياق من المحددات الدولية (الأممية)، والتي لا إمكانية معها لرد يمني على مبدأ (عاصمة بعاصمة) كالسالف، فالاشتباك ميدانياً بات تحت طاولة السياسة، والضرب أصبح تحت الخاصرة، ويتعين أن يكون موجعاً لا قاتلاً!