الأبعادُ الخفية للصراع بين واشنطن والتشافيزية
|| مقالات || فارس الجيرودي
يُعيدُ الإعلامُ العربي في تغطيته للصراع المستمرّ منذ عقدَين من الزمن بين واشنطن والثورة التشافيزية، تقديمَ الأزمة من خلال نفس الأُطُر التي أنتجها الإعلامُ الغربي، والتي تتعمد إخفاء الأبعاد الحقيقية للصراع، لذلك تبدو مواقف الرئيسين تشافيز وخليفته مادور من القضية الفلسطينية مثلاً، مواقف فردية معزولةً عن سياقها الطبيعي بالنسبة للرأي العام العربي، فالصراع فيما اصطلح على تسميته بأمريكا اللاتينية، ينتمي أصلاً لنفس صنف الصراع بين المستوطنين وسكان البلاد الأصليين الذي ينتمي له الصراع العربي- الصهيوني في فلسطين، أَو الصراع في جنوب افريقيا زمن نظام “الأبارتهايد”، بل إن سكان أمريكا الجنوبية الذين اصطلحت الأدبيات الغربية على تسميتهم بـ ”اللاتينيين”، ليسوا سوى الامتداد الطبيعي لسكان أمريكا الشمالية الذين أوحت بشرتهم الخمرية الحمراء للمستوطنين الأوروبيين الأوائل بتسميتهم بـ “الهنود الحمر”، حيثُ يحمل “اللاتينيون” نفس البشرة الخمرية الحمراء ونفس الصفات العرقية، وفيما نجح الاستيطان الأنجلوساكسوني لشمال القارة الأمريكية في إبادة السكان الأصليين، وتأسيس دولتي كندا والولايات المتحدة، اكتفى المستعمرون الاسبان وَالبرتغاليون بالسيطرة على وسط القارة وَجنوبها، وبتأسيس دولٍ تسيطر عليها الأقلية الأوروبية البيضاء، محتكرةً الثروة والسلطة، تاركة للأكثرية من سكان البلاد الأصليين اقتسام الفقر والبؤس، بعد أن قضت على ثقافتهم ولغاتهم الأصلية، لتتحول أمريكا اللاتينية إلى مجرد حديقة خلفية تابعة لدولتي المركز «كندا والولايات المتحدة».
في الواقع يقدم حال أمريكا اللاتينية صورةً مستقبليةً عما يمكن أن يؤول إليه واقع العالم العربي وليس فلسطين فقط بعد 300 عامٍ، فيما لو نجح الاستعمار الصهيوني في كسر شوكة المقاومة، وفي القضاء على هوية الفلسطينيين وتطلعاتهم الوطنية، وفي إقامة مركز تسيطر عليها أغلبية من السكان الصهاينة في فلسطين وجوارها، فيما باقي العالم العربي بثرواته وأيديه العاملة، مرشح للتحول إلى حديقة خلفية تابعةٍ لذلك المركز.
لقد تمكّن “هوغو تشافيز” منذ وصوله للسلطة قبل عقدين من الزمن من إعادة إحياء آمال الأكثرية في كامل قارة أمريكا اللاتينية في التمتع بحياة لائقة كريمة، والاستفادة من ثروات بلادهم، التي تحتكرها الأقلية البيضاء الموالية لواشنطن، وتودعها في مصارف الولايات المتحدة، فيما ردت واشنطن عليه من خلال دعم تمرد النخبة البيضاء المرتبطة بها، والتي لا تزال تسيطر على مفاصل صناعة النفط في البلاد.
وفي السياق ذاته تعبر معركة الجدار الحدودي الفاصل بين الولايات المتحدة والمكسيك، والتي يخوضها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” عن حالة الهلع التي تجتاح الأكثرية البيضاء في الولايات المتحدة من ازدياد نسبة السكان اللاتينيين نتيجة الهجرة غير الشرعية من دول أمريكا الوسطى وَالجنوبية الفقيرة نحو الشمال، فالمواطنون من أصل لاتيني بلغت نسبتهم في الولايات المتحدة 25 % بالمئة، وهي مرشحة للازدياد لتلامس نصف عدد المواطنين الأمريكيين خلال العقود القليلة القادمة فيما لو استمرت معدلات الهجرة غير الشرعية على حالها، وكأن التأريخ هنا يمارس مكره ليعيد للبلاد شيئاً من هويتها الأصلية التي محاها الاستيطان الأنجلوساكسوني، حالة الهلع هذه التي تجتاح الأكثرية البيضاء البروتساتانتية أَو ما يعرف بـ ”الواسب” في أمريكا، من ازدياد عدد اللاتينيين الكاثولويك، هي أحد الأوتار التي لعب عليها ترامب خلال حملته الانتخابية ليفوز بثقة الأكثرية.
يقول الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”:«لقد أنفقنا 7 تريليونات دولار في حروب الشرق الأوسط، وكانت النتيجة بعد كُلّ ذلك أني مضطر لزيارة العراق سراً بطائرة مطفأة الأضواء»، لذلك وعكس ما توحي به النزعة الهجومية لواشنطن تجاه فنزويلا، فإن الولايات المتحدة انتقلت مضطرةً وبعد تعثر مُخَطّطاتها للسيطرة على العالم لقرن قادم جديد، إلى خوض معركتها الوجودية في مجالها الحيوي، ضد سكان القارة الأمريكية الأصليين.
* كاتب وصحافي سوري