هل اكتمل تتويج نتنياهو زعيماً للناتو العربي؟

|| مقالات || عبدُالباري عطوان

 

إنّها قصّة قمّتين عِشنا تفاصيل وقائعهما لحظةً بلحظة، الأولى قمّة حرب في وارسو، اعترف بنيامين نِتنياهو بأنّها تحشيد لضرب إيران وربّما غزوها، والثّانية قمّة سلام ثلاثيّة في سوتشي تسعى إلى تحقيق السّلام في سورية، ونزع فتيل الحرب في المِنطقة، ومن المُفارقة أن المُشاركين في هذه القمّة قاطعوا الأُولى احتجاجًا واستِنكارًا، وربّما استعدادًا أيضًا.

 

في قمّة وارسو كان نِتنياهو هو “العريس″، أمّا المُشاركون العرب، ومُعظمهم من وزراء الخارجيّة، فكانوا مُجرّد “كومبارس” جرى “استدعاؤهم” أمريكيًّا من أجل التّطبيع، وتمويل الحرب القادِمة التي تُريدها وتُحرّض عليها دولة الاحتِلال الإسرائيلي.

 

كان مُؤلمًا أن يجلس خالد اليماني، وزير خارجيّة “الشرعيّة” اليمني، إلى جانب نِتنياهو ويتبادل معه المُزاح والابتِسامات، وكان مُؤلمًا أكثر أن يكون السيد يوسف بن علوي، وزير خارجيّة سلطنة عُمان، التي حظيت بتقدير مُعظم العرب لمواقفها الحياديّة، والنّأي بالنّفس عن الخِلافات العربيّة، هو وزير الخارجيّة العربي الوحيد، حتّى هذه اللحظة، الذي يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيليّ علنًا أمام عدسات التّلفزة، ويتنصّل من الماضي العربيّ المُقاوم، لمصلحة الاعتِراف بالحاضر الجديد الذي تتكرّس فيه إسرائيل دولةً أساسيّةً في المِنطَقة.

 

***

 

المسؤولون الأُوروبيّون الشُّركاء الأصليّون للولايات المتحدة في حلف الناتو يخفّضون مُشاركتهم إلى أدنى المُستويات في هذا المُؤتمر “المشبوه”، ويتمسّكون بالاتّفاق النوويّ الإيرانيّ الذي منع حربًا في المِنطَقة، واحتوى الطّموحات النوويّة الإيرانيّة، ومنع سِباقًا للتسلّح، بينما يُسارع وزراء خارجيّة عرب للانضِمام إلى حِلف وارسو الجديد لشن حرب على إيران بزعامة إسرائيل وأمريكا، إنّها قمّة المأساة والإذلال، ونزع براقِع الحياء، أو ما تبقّى منها.

 

من حق نِتنياهو أن يُغَرّد مُبتهجًا كيفما شاء، وأن يتحدّث عن فخرِه بصناعة التاريخ والوقوف في خندق واحد مع “أشقائه” العرب الجُدد في مُواجهة “الخطر الإيراني” الذي يُهدّد أمن واستقرار المِنطقة، فقد “خلا لك الجو فبيضي واصفري”، ولكنّنا على ثقة أن احتفالاته هذه عُمرها قصير، لأنّ هؤلاء الذين يُطبّعون معه مجّانًا، ويُعمّدونه زعيمًا عليهم، لا يُمثّلون الغالبيّة العُظمى من القيم العربيّة والإسلاميّة، بَل لا يُمثّلون شُعوبهم الأصليّة الشّريفة.

 

أن يتنازل “اليماني” عن “ميكروفونه”، أو مُكبّر صوته إلى جارِه الإسرائيليّ، نِتنياهو، مصحوبًا بابتسامةٍ عريضةٍ، نَشوةً بهذا “التّكريم”، من أجل أن يقوم الأخير بالتُطاول بأعلى صوته على العرب، والحديث عن الخطر الإيراني، وليس الإسرائيليُ على المِنطَقة، فهذه أكبر “زلّة” أو خطيئة دبلوماسيّة وأخلاقيّة.

 

الشعب اليمنيُ الشّجاع الشّهم، ومن كُل المنابت والطوائف والمناطق، قد يختلف على الكثير من الأُمور إلا العداء لإسرائيل، مُجرمة الحرب التي تحتل المُقدّسات وترتكب المجازر في حَق أشقائه في فِلسطين وجنوب لبنان، وقبلهما في مِصر وسورية.

 

المرحلة القادمة ربّما تُجسِّد العهد الجديد الذي دعا إليه مايك بومبيو في كلمته أمام المُجتمعين في وارسو، عهد الزّعامة الإسرائيليّة لعرب حلف الناتو الجديد، ولكنّه لن يكون قطعًا ندًّا وعلى حِساب حِلف المُقاومة والكرامة وعزّة النّفس العربيّة والإسلاميّة الذي هو الأقوَى والأعمَق جُذورًا؛ لأنّنا نعرف كيف تبدأ الحروب في مِنطقتنا، مثلما نعلم كيف تنتهي، ومن يصرخ أوّلًا، ومن يصرُخ أخيرًا، فمن سيتصدّون للعُدوان الإسرائيليّ الأمريكيّ المُتوقّع من طينةٍ مُختلفةٍ من الزّعماء المُؤمنين الذين نَجحوا في كُل الاختِبارات التي واجَهتهم.

 

***

 

هنيئًا لوزراء الخارجيّة العرب عشاؤهم المَغموس بخُبز الإذلال مع نِتنياهو وجاريد كوشنر ومايك بومبيو، هنيئًا لهم الحرب التي يتم جرّهم إليها أمريكيًّا وإسرائيليًّا وسيدفعون ثمنها من دِماء شُعوبهم وأموال أجيالهم الحاليّة والقادمة، وقد تتحوّل مُدنهم فيها إلى رُكام، وآبار نفطهم إلى كُتل من اللّهب، ومَحطّات تحليتهم إلى أطلال، ومياه خليجهم إلى أُنموذج للتّلوّث النوويّ.

 

كُنّا نتمنّى لو أنّ وزيرًا عربيًّا واحِدًا من الذين شاركوا في هذه القمّة امتَلك الشّجاعة، وأخذ الميكروفون وتحدّث عن الخطر الإسرائيليّ على المِنطقة، أو إنفاق أمريكا سبعة تريلونات دولار على حُروبها في العِراق وأفغانستان وسورية وليبيا واليمن، وذبْح المَلايين بقنابِلها الذكيّة الفتّاكة، ويورانيومها المنضّب، ولكن زمن الوزراء الشُّجعان وَلَّى في هذا الزّمن العربيّ المُغرِق في الرّداءة.

 

لا نعرِف كيف سيُواجه هؤلاء المُشاركين شُعوبهم بعد أن يعودوا مِن هذا المُؤتمر المشبوه، ولكنّنا نعرف جيّدًا أنّهم يُحوّلون إيران التي سيُحاربونها إلى “أيقونةٍ” للمُقاومة، والدّفاع عن الأُمّتين العربيّة والإسلاميّة ومُقدّساتها وقضايا الحَق العادلة، عندما يُتوّجون نِتنياهو زعيمًا على رأس حِلفهم الجديد ويقبلون أن يكونوا اتباعًا له صِغارًا له.

 

إنّها لحظة تاريخيّة فارِقة، وما يُطمئننا أنّ من هزم أمريكا في أفغانستان والعِراق وسورية، وإسرائيل في جنوب لبنان (لمرّتين) وفي قِطاع غزّة (أربع مرّات)، سينتصِر في الحرب المُقبِلة إذا قرّروا خوضها على مِحور المُقاومة.. والأيّام بيننا.

قد يعجبك ايضا