مؤتمر وارسو: تحالف العدوان الغاشم على اليمن في أحضان إسرائيل
موقع أنصار الله || صحافة محلية || المسيرة: إبراهيم السراجي
اقتادت الولاياتُ المتحدة الأمريكية وزراء خارجية الأنظمة الخليجية ومعهم وزير خارجية المرتزِقة إلى ما أطلق عليه مؤتمرُ وارسو، الذي وفقاً لتوصيف السلطة الفلسطينية، عُقِدَ من أجل تصفية القضية الفلسطينية تحت عنوان “السلام في الشرق الأوسط” والذي أيضاً، بحسب نائب الرئيس الأمريكي الذي ترأس المؤتمر، جعل إسرائيل تتقاسَمُ الخبزَ مع ما وصفها الدولَ العربية، أما وزيرُ خارجية النظام البحريني فالتقطته الكاميرات وهو يقول إن “مواجهةَ إيران أهمّ من القضية الفلسطينية”.
هناك في المؤتمر جلس وزيرُ خارجية المرتزِقة المدعو “خالد اليماني” متوسطاً كُــلّاً من وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ورئيس الوزراء وزير الخارجية الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتبادل الأخيرُ معه الابتساماتِ والحديثَ، بل إنه وفقاً لنتنياهو نفسه حين تعطل الميكرفون خاصّته سارَعَ المرتزِقُ اليماني إلى منحه ميكرفونه ليرُدَّ نتنياهو على هذه المبادرة بوصفها “أول تعاون بين إسرائيل واليمن”.
من الناحية الاستراتيجية ووفقاً لكثير من المراقبين فقد ولد المؤتمر ميتاً حتى أنه، وفقاً للكاتب العربي عبدالباري عطوان، لم يخرج ببيان ختامي، إلا أن المؤتمر بحد ذاته أسقط ما تبقى من أقنعة عن وجوه دول العدوان على اليمن وحكومة المرتزِقة التي احتشدت إلى المؤتمر الذي اعتبرت نتائجه بأنها اقتصرت على دعاية انتخابية لرئيس الحكومة الصهيونية الذي يعاني من أزمات داخلية قبيل الانتخابات التي يعقدها الكيان، بل إن نتنياهو نفسه قال عندما كان متوجهاً للمشاركة في المؤتمر بأنه سيثبت حجم التقارب الذي أنجزه مع الأنظمة العربية.
ولم يجدِ المرتزِقُ اليماني حَرَجاً من الدفاع عن حضوره المؤتمرَ وجلوسَه إلى جانب نتنياهو، في مظهر تطبيعي فاضح، معتبراً أنه شارك في المؤتمر من أجل اليمن، غير أن الأغربَ أن المؤتمرَ سبقه بأيام اجتماعٌ لما يسمى الرباعية الدولية بشأن اليمن شارك فيه وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات وغاب عنه المرتزِق اليماني، حيث لم تشهدُ اجتماعاتُ الرباعية السابقة أيةَ مشاركة لحكومة المرتزِقة، على الرغم من أن هذه الرباعية معنيةٌ باليمن، وهو ما يؤكّــدُ أن واشنطن حشدت الأنظمةَ الخليجية ومعها حكومة الفارّ هادي لمؤتمر وارسو للتطبيع مع الكيان الصهيوني وتصفية القضية الفلسطينية عبر ما يسمى “صفقة القرن” وكذلك تشكيل تحالفات لمواجهة الدول والحركات المناهِضة للاحتلال الصهيوني، بما فيها حركات المقاومة الفلسطينية.
كذلك لم يجدْ رئيسُ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حرجاً من التأكيد على أن مؤتمر وارسو انعقد لمصلحة الكيان الصهيوني ودفع الأنظمة العربية للتطبيع، بل وصل إلى حَـدّ المجاهرة بأنه يوظف الأنظمة العربية من أجل ذلك.
في هذا السياق، قال نتنياهو معلقاً على مؤتمر وارسو: إن “لقاءَ وارسو هو لقاءٌ علني مع ممثلين عن دول عربية بارزة تجلس مع إسرائيل من أجل دفع المصلحة المشتركة قدما وهي عبارة عن محاربة إيران”، وأضاف: “نستعملُ ونوظّفُ العديدَ من الوسائل، فضلاً عن العديد من الجهات ضد العدوان الإيراني”، وذلك في تصريحات نشرها عبر صفحته الرسمية بموقع تويتر ناقلاً ما قاله لوسائل الإعلام التي غطت المؤتمر.
والحقيقةُ أن مؤتمر وارسو العلني جاء تتويجاً لخطوات سابقة رعتها الولايات المتحدة في طريقها لتشكيل تحالف خليجي إسرائيلي جرى ضَمُّ حكومة الفارّ هادي إليه باعتبارِها الذريعةَ لتوريط اليمن في هكذا تحالفات خصوصاً بعد ضم حكومة المرتزِقة إلى الاجتماع الذي استضافته مدينة جدة السعودية في ديسمبر الماضي وأعلن فيه تشكيل ما يسمى “كيان البحر الأحمر” وهو الكيان الذي وضع إسرائيل على رأسه والتي بدورها تجاهِرُ في رغبتها بتحويل البحر الأحمر إلى بحيرة إسرائيلية.
- فشل استراتيجي: نتنياهو يربحُ قطيعَ الخليج
أجمع كثيرٌ من المراقبين والمحللين السياسيين على فشل مؤتمر وارسو في تحقيق أهدافه غير أن هذا الفشل لا يغطي على خطوات التطبيع المخزية التي يقودها النظام السعودي وقطيع الخليج بما في ذلك حكومة الفارّ هادي، وفي الوقت ذاته فإن من يرَون فشل هذا المؤتمر يبررون ذلك من خلال عزوف الدول الأوروبية عن المؤتمر وتخفيض تمثيلها؛ نظراً لتمسك دول الاتّحاد الأوروبي بالاتّفاق النووي مع إيران واتخاذها خطوةً جريئةً بإنشاء نظام مالي لمواصلة التعاون مع إيران والالتفاف على العقوبات الأمريكية، أضف إلى ذلك أن الدولَ الأوروبية نأت بنفسها عن “صفقة القرن” الرامية لتصفية القضية الفلسطينية، حيث سبق واعتبر الاتّحاد الأوروبي أن اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل يهدّدُ السلام في الشرق الأوسط.
كما غاب عن المؤتمر عددٌ من الدول ذات التأثير الدولي الواسع على رأسها روسيا والصين، وفي الوقت ذاته وفيما كان مؤتمر وارسو ينعقد كانت منتجع سوتشي الروسي يستضيف قمة ثلاثية لرؤساء كُــلٍّ من روسيا وإيران وتركيا؛ لمناقشة الأزمة السورية، وفي سياق مضاد تماماً لمؤتمر وارسو، وهو ما جعل الكثيرين يؤكّــدون فشلَ هذا المؤتمر.
في هذا السياق، قال الكاتب العربي عبدالباري عطوان: إن “قمّة وارسو كان نِتنياهو هو العريس، أمّا المُشاركون العرب، ومُعظمهم من وزراء الخارجيّة، فكانوا مُجرّد “كومبارس” جرى استدعاؤهم أمريكيًّا من أجل التّطبيع، وتمويل الحرب القادِمة التي تُريدها وتُحرّض عليها دولة الاحتِلال الإسرائيلي”.
وأشار عطوان إلى أن “المرحلة القادمة ربّما تُجسِّد العهد الجديد الذي دعا إليه مايك بومبيو في كلمته أمام المُجتمعين في وارسو، عهد الزّعامة الإسرائيليّة لعرب حلف الناتو الجديد” مضيفاً في الوقت ذاته “إنّها لحظة تأريخيّة فارِقة، وما يُطمئننا أنّ من هزم أمريكا في أفغانستان والعِراق وسورية، وإسرائيل في جنوب لبنان (لمرّتين) وفي قِطاع غزّة (أربع مرّات)، سينتصِر في الحرب المُقبِلة إذَا قرّروا خوضها على مِحور المُقاومة”.
ضمن مَن أكّــدوا فشل مؤتمر وارسو يأتي الدكتور حسن نافعة -أُستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة- الذي قال في تغريدة رصدتها صحيفة المسيرة في صفحته بموقع تويتر، إنه “لم يسفر مؤتمر وارسو عن شيء ملموس وبدا لي مجرد حملة دعائية ضخمة أَو “زفة بلدي” يقودُها نائبُ رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بمناسبة عقد قران رئيس الوزراء الإسرائيلي على عروس عربية جديدة من الخليج هذه المرة، بمباركة وحضور أهل العروس والأقارب والأصدقاء. ومع ذلك أعتقد أن الزفاف لن يتم”.
أما الكاتب والمحلل السياسي اللبناني المقيم في باريس فيصل جلّول فسَخِرَ من تبرير وزير خارجية المرتزِقة لحضوره المؤتمر وكتب عبر صفحته بموقع تويتر قائلاً إن “وزير خارجية عبدربه منصور هادي قال إنه صافح نتنياهو من أجل تحرير فلسطين.. تأملوا في هذا القول وأبكوا على اليمن”.
ولم تخرج التحليلات عن هذا السياق الذي يؤكّــد الفشلَ الاستراتيجيَّ لمؤتمر وارسو، ونجاحه فقط في خدمة نتنياهو والكيان الصهيوني عبر التطبيع المجاني والانسياق العلني من أنظمة الخليج باتّجاه المشروع الصهيوأمريكي.
حزبُ الإصلاح الذي يُعَدُّ حجرَ الزاوية في حكومة الفارّ هادي دعا للتطبيع مع إسرائيل قبل أيّام من انعقاد مؤتمر وارسو عندما دعا رئيسُ الحزب محمد اليدومي المقيم في الرياض إلى تشكيل ما وصفه بـ “حلف عريض” تحت نفس العناوين التي يستخدمها نتنياهو في دعواته للأنظمة العربية للتقارب مع الكيان الصهيوني.
حزبُ الإصلاح: من المتاجرة بقضية فلسطين إلى عرّاب التطبيع
أما حزبُ الإصلاح يُعَدُّ حجرَ الزاوية في حكومة الفارّ هادي دعا للتطبيع مع إسرائيل قبل أيّام من انعقاد مؤتمر وارسو عندما دعا رئيسُ الحزب محمد اليدومي المقيم في الرياض إلى تشكيل ما وصفه بـ “حلف عريض” تحت نفس العناوين التي يستخدمها نتنياهو في دعواته للأنظمة العربية للتقارب مع الكيان الصهيوني.
كما إن حزب الإصلاح كان جاهِزاً للدفاع عن التطبيع مع إسرائيل والمشاركة في مؤتمر وارسو جنباً إلى جنب مع نتنياهو، وهو ما تجلى في تعليقات عدد من أبرز قياداته، بينهم على سبيل المثال النائب محمد الحزمي المقيم في الرياض والذي أيّد التطبيع بطريقة ملتوية عندما نشر مقالاً يعدِّدُ فيه ما رأى أنها فضائلُ إسرائيليةٌ مقارنةً بمن وصفهم “الحوثة” أي أنصار الله، وتكرّر الأمرُ ذاتُه وبنفس المنطق على لسان النائب الإصلاح الآخر شوقي القاضي المقيم في تركيا، حيث بدا من تطابق الرؤى أن هذا الموقف جرى التوافق عليه من قبل قيادة الإصلاح للإفصاح عنه بعد انعقاد مؤتمر وارسو، وهو ما حدث بالفعل.
ومنذ انطلاق العدوان على اليمن وانخراط حزب الإصلاح في صفوفه، عمد هذا الأخيرُ في سياسته الإعلامية على تجاهل القضية الفلسطينية بشكل كامل بعدَما تاجر فيها على مدى ثلاثة عقود بل ومنذ بدء العدوان عمد إعلام الإصلاح على تحسين صورة إسرائيل عبر مقارنته مع ادّعاءاتهم بارتكاب النظام السوري للجرائم أَو اتهامهم المماثل لأنصار الله بما جعل من هذا الحزب عرّاباً للتطبيع مع إسرائيل انطلاقاً من موقعه كحزب ومن موقعه في حكومة الفارّ هادي.