إذا ما افتقد الناس الثقة بالله فقد يصلون الى حالة من الكفر من حيث لا يشعرون
|| من هدي القرآن ||
الثقة بالله هي من أهم ما ركز عليه القرآن الكريم، وتجد أنه إذا ما افتقد الناس الثقة بالله قد يصل الناس إلى حالة من الكفر لا يشعرون بها، كيف يمكن؟. مثلاً تجد آيات صريحة عندما يقول الله: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج: من الآية40) {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم}(محمد: من الآية7) {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ} (التوبة:14) {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ}(آل عمران:111) وكم لهذه الآيات من نظائر… ولكن عندما ترجع إلى الناس فتقول: أعداء الله يعملوا كذا، ويتحركوا كذا، ما لنا ما نعمل؟.[والله ما جهدنا، احنا مستضعفين، ما بأيدينا شيء، ويش جهدنا نسوي؟].
طيب وتلك الوعود التي في داخل القرآن الكريم؟. تصبح النظرة كيف؟ معنى ذلك أنه في الأخير أنني أقرأ تلك الآيات، وأقرأ قوله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} وأنا في واقعي، ونحن في واقعنا جميعاً نحكم على الله بأنه[فقط أنت تستطيع أن تنصر وأنت قوي وأنت عزيز، لكن إذا كان هناك أعداء مثل قريش مثل أولئك الذين كانوا في مواجهة محمد، أما أمريكا أما إسرائيل أما أمام ما تمتلك من أسلحة هذه القوى.. والله ما جهدك] هذا واقع، أي نحن في نظرتنا إلى الله على هذا النحو!.
من يقول: نحن أمام أمريكا لا نستطيع أن نعمل شيئاً بعد أن قال الله لـه: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} بهذه العبارات {قَوِيٌّ عَزِيزٌ}. معنى هذا في الأخير أنه [والله صح أنت قوي، أنت عزيز لكن أما أمام أمريكا فلا، أنت غالب على أمرك، أنت قاهر فوق عبادك لكن أما هؤلاء فلا]، هكذا الواقع، نظرة الناس هي هكذا في الواقع، أليس هذا من الكفر الفضيع؟ كفر فضيع في داخلنا ونحن لا نشعر.
سببه ماذا؟ ضعف الثقة بالله، ضعف الثقة بالله تجعلك ترى أن الله لا يستطيع أن يعمل شيئاً أمام أولئك وهم من هم؟ هم أولياء الشيطان الذي قال الله عنه: {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} (النساء: من الآية76) فكلما زاد خبثهم كلما ازدادوا فساداً، أليس يعني ذلك أنهم كلما ازدادوا ولاءً للشيطان؟ كلما ازدادوا ماذا؟ كلما ازدادوا ضعفاً؟. كلما عظمت ولايتهم للشيطان كلما ارتبطوا بضعيف مذموم مدحور طرده الله، وطبعه بهذا الطابع: مذموماً مدحوراً ضعيفاً ذليلاً {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً}.
قد تسأل واحد.. فيقول لك: نحن من أولياء الله، ونحن مؤمنون. لكن لماذا؟ لماذا نراك تنظر إلى أولياء الشيطان نظرة المنبهر بهم؟ المكترث بما هم عليه؟ يراهم كباراً، يراهم سَداً أمام الله، وليس فقط أمام نفسه، أمام الله، وأنت تسمي نفسك بأنك من أبناء القرآن، وأنك من أبناء الإسلام، وأنك من أولياء الله، وأنك.. وأنك.. هذه حالة خطيرة.
إذا لم نتعرف على الله من خلال القرآن فإن أي وسائل أخرى للمعرفة لا تصل بنا إلى هذه الدرجة التي سيوصلنا إليها القرآن الكريم، وبالتالي يمكن أن تسبِّح وأن تصلي لله، وأنت تقول: (الله أكبر) وأنت تراه في واقعك أنه أعجز عن أن يعمل شيئاً أمام أولئك، أنه أعجز عن أن يعمل شيئاً أمام أولئك هوَ لا يستطيع أن ينصر من ينصره وإن قال إنه قوي عزيز!.
لو كنا نفهم القرآن الكريم، كل من يحمل القرآن الكريم ونعرف الله من خلاله لما وجدنا أي شيء أبداً أمامنا كبيراً – مهما بدا كبيراً – ؛ لأن الله في القرآن يقول لنا بأنه هو يدبر الأمر، وهو ملك السماوات والأرض، هو الذي ترجع إليه الأمور، هو الذي يستطيع أن يهيئ، هو الذي يفتح المجالات, يهيئ الفرص، هو الذي يعمل الأشياء الكثيرة التي قد لا نفهمها إطلاقاً، في مجال الدفاع عن أوليائه حتى يستطيعوا أن يصلوا درجة معينة، أشياء كثيرة لا نستطيع أن نستوعبها. أهم شيء في الموضوع هو أن تكون ثقة الناس بالله قوية.
إذاً فعندما تنطلق وأنت طالب علم، أو أنا معلم أقول: أنا أريد أعلِّم الناس ما أوجب الله عليهم حتى يعرف كل واحد ما له وما عليه، وأنت لا تتعرض لنقاط كهذه فأنت ستنسف كل ما له وكل ما عليه، ولن يصل إلى معرفة ما له وما عليه، إلا جزئيات تصبح لا تنفعه في الدنيا، ولا تنفعه في الآخرة.
لاحظوا كيف أولئك الذين كانوا يعيشون مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كانوا في قضية واحدة، قضية أدب مع الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}(الحجرات: من الآية2) تحبط أعمالكم، ما هي أعمالهم؟ صلاة بعد رسول الله، أليست الصلاة بعد رسول الله أفضل من أي صلاة بعد أي شخص آخر؟ وحضور مع رسول الله وجهاد معه في الميادين، كل هذه الأشياء التي تبدو عظيمة قد ينسفها موقف تبدو معه قليلَ أدب ٍ مع النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} فكيف إذا ما كنت قليل أدب مع الله، تقدمه عاجزاً عن أن يحقق ما وعد به أولياءه، وهذا ما نحن عليه؛ ولهذا أصبحنا في وضعية سيئة جداً جداً، لا يستطيع الإنسان أن يتصورها، كلنا علماءنا وزعماءنا وحكومات وجيوش وأفراد كلهم في الحضيض، في أحط مستوى، تحت من ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله.
كلمة من (بوش) ترعبهم جميعاً، لا يستطيعون حتى أن يعلقوا عليها كما يعلق عليها الأوربيون فيقولون (كلمة جيدة ومتوازنة إنما تحتاج إلى شيء من الإيضاح) مثلما يقول عرفات ومبارك وأشباههم، بينما هناك ينقدها الفرنسيون ينقدها الآخرون. هكذا أصبحوا إلى درجة كلمة من (بوش) تهزهم أكثر مما يهزهم وعيد القرآن الكريم، يبحثون عن حل من هناك ولا يلتفتوا إلى أن القرآن يمكن أن يكون لديه حل، يمكن أن يكون لديه حل.. أبداً.
عندما تهتز ثقة الإنسان بالله نتيجة لمعرفته المغلوطة بالله أو ضعف كثير في معرفته بالله سيصل إلى هذه الحالة بدلاً من أن يكون قوياً على أولياء الشيطان يصبح عبداً لأولياء الشيطان، بدلاً من أن يتشرف بأن يهتدي بهدي الله، وتكون قوته امتداداً لقوة الله يصبح هو من يبحث عن الحلول من عند أولياء الشيطان، ليقدموا لـه حلولاً، وهل يمكن للشيطان أن يقدم حلاً للإنسان المؤمن؟ لا يمكن أبداً، {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ} (فاطر: من الآية6) حزبه الذين قد والوه وأطاعوه ودخلوا معه، هل هو يريد أن يجعلهم على أرقى مستوى ويسوقهم إلى أفضل غاية؟ لا. {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير} فأصبح أولئك هم الملجأ للناس، للعرب، للمسلمين بدلاً من الالتجاء إلى الله.
أضعنا الله، أضعنا رسوله، أضعنا ولايته فأصبح الموضوع نبحث عن كيف نتولى، و يتسابق الزعماء، يتسابق الأحزاب على من هو الذي يحظى بصداقة أمريكا وبالقرب من أمريكا، وبوُدِّ أمريكا، هكذا حتى داخل اليمن أصبحت الأحزاب في اليمن – فيما نقرأ – بعضها يتهم بعض بأن مواقفه هي محاولة لأن يكون أقرب إلى أمريكا، ويتودد إلى أمريكا؛ لأنه ربما تأتي أمريكا فتجعله هو من يصل إلى السلطة، وهكذا.
نحن يجب أن نفهم أنه يجب أن يكون عنواناً داخلاً في أعماق نفوسنا عنواناً أمامنا، أينما سرنا هو أن نتثقف بثقافة القرآن، أن نتعلم القرآن، نتدبره، نثق به، نتفهم آياته، ونتحرك في الناس على أساسه، نتحرك في الناس على أساسه، نقيّم الأحداث كلها من خلاله، نقيّم الآخرين كلهم من خلاله، نقيّم أنفسنا من خلاله، نقيّم مواقفنا على أساس مقاييسه، وهكذا، ما لم فلو تعلمت ستين عاماً ستخرج في الأخير أضعف بكثير، ترى أولياء الشيطان تخافهم أكثر مما تخاف الله، تغالط الله، هذا حاصل؟.
لاحظوا كيف واقعنا الآن عندما نقول ننطلق في عمل معين، كثير من الناس يقول: ربما يثير الدولة ضدنا، ربما يُحَرِّش أمريكا علينا. ربما قد يُسجن شخص، ربما يحصل كذا, ربما.. هذه الاحتمالات نجعلها من الاحتمالات التي نتعامل معها بجدية، احتمالات نتبناها بشكل مواقف في الأخير، فنسكت ونقعد. لكن احتمالات أنه ربما إذا قعدنا، ربما إذا سكتنا أن يغضب الله علينا، ربما أن نكون مستحقين لسخطه وعذابه وعقابه في جهنم، هذه الاحتمالات التي هي إلى الله لا نهتم بها.
والإنسان المسلم في الواقع إذا وقف بين احتمالين، أمامي ربما يحصل عليّ من جانب هؤلاء البشر ضر قد ينتهي بالقتل، وربما إذا وقفت، وسكت، وصبرت يحصل عليّ من جانب الله سخطه وعذابه، فأيهما أخطر على الإنسان؟ ومن الأولى من الاحتمالات بأن أراعي؟. أن أراعي جانب الله أو أراعي جانب الآخرين؟ تراعي جانب الله بكل اعتبار: باعتبار أنه وليّك، أنه إلهك, أنه المنعم عليك، أنه كما قال: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} (النحل: من الآية53)، أنه هو الذي عذابه شديد، لا أحد يستطيع أن ينقذك من عذابه، أما الإنسان فأقصى ما يصل بك إليه هو أن تقتل، عندما تقتل هل يمتلك شيء وراء ذلك؟ لا يمتلك شيء وراء ذلك.
عندما تقتل يأتي الله ليجعلك تعيش حياً من جديد، وتعيش شهيداً، تعيش حياً ترزق، وتكون من السعداء قبل اليوم الآخر، من السعداء قبل دخول الجنة، لكن حاول أن لا تضع للاحتمالات فيما يتعلق بالله تجعل لها أهمية ستخسر فيما يتعلق بجانب الله، فتكون ممن يستحق عذابه، هل أحد يستطيع في الأخير أن ينقذك من يد الله؟. لا أحد يستطيع إطلاقاً أن ينقذك من يد الله، ستموت رغماً عنك.
عندما تَصِل مثلاً إلى عميل رقم واحد، وعميل على مستوى عالي لأمريكا، ثم عندما تمرض فأقصى ما يقدم لك طائرة خاصة تنقلك إلى أرقى مستشفى في أمريكا، يجتمع حولك أرقى الأطباء هناك في الأخير ستموت بين أيديهم، يأخذك الله رغماً عنهم، وتموت بين أيديهم، هل يستطيعوا أن يمنعوك من الموت الذي هو أول خطوة لليوم الآخر؟ لا يستطيعوا. هل يستطيعوا أن يحولوا بينك وبين أن تبعث، هل يستطيعوا أن يحولوا بينك وبين سوء الحساب؟ هل يستطيعوا أن يحولوا بينك وبين دخول جهنم؟ لا يستطيعوا أبداً.
الثقافة القرآنية صـ9ـ10.