التناقضات البريطانية: «حرصٌ» على السلام وشراكة في الحرب!

 

 

تكشّفت، خلال الأيام الماضية، المزيد من المعطيات عن الدور البريطاني في الحرب على اليمن، الذي طالما حاولت لندن التستر عليه. لم تكتفِ المملكة المتحدة بتزويد النظام السعودي بما يحتاجه من سلاح ودعم سياسي؛ فقد أفيد أخيراً عن إصابة جنديين بريطانيين في مهمة استخبارية في هذا البلد. كذلك، مارست المملكة المتحدة ضغوطاً قوية على ألمانيا لثنيها عن رفضها منح تراخيص لتصدير أسلحة إلى الرياض بسبب الحرب، فيما أُعلنَت زيارة لوزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، أليستر بيرت، إلى دول المنطقة، ومن بينها السعودية، للتباحث في شأن تفاهمات السويد، وكيفية الدفع بها قدماً من طريق الأمم المتحدة. وفيما ترى مصادر مطلعة في صنعاء أن لندن تتلطّى خلف المنظمة الدولية لتحقيق أهداف العدوان، يبدو أن العين البريطانية تظلّ شاخصة دائماً نحو جنوب اليمن والساحل الغربي، بما يمثلان من موقع استراتيجي، علماً أن الإعياء السعودي يمثل إغراءً للجانب البريطاني لإحياء وجوده في المنطقة التي استعمرها لأكثر من 120 عاماً.

لقد تمرّست حكومة تيريزا ماي في الالتفاف على ضغوط الرأي العام المحلي والدولي المعارض للحرب على اليمن، وهي تدعي أن شراكتها الاستراتيجية مع الرياض توفر لها القدرة للضغط على الأخيرة في مجالات حقوق الإنسان وتعزيز المسار السياسي والعمل الإنساني في اليمن. لكن وسائل الإعلام البريطانية تصف سياسات حكومة ماي في هذا البلد بأنها مبنية على النفاق بداعي الجشع، والاستغلال المخزي للحرب، في إشارة إلى تزويد الرياض بأسلحة متطورة، ومنها قذائف محرمة دولياً ثبت أنها صناعة بريطانية، وكذلك توفير الغطاء السياسي للنظام السعودي في المحافل الدولية والمؤسسات الإنسانية والحقوقية، بالتعاون مع الإدارة الأميركية.

 

تظلّ العين البريطانية شاخصة دائماً نحو جنوب اليمن

 

وتحاول رئيسة الوزراء البريطانية التحلّل من الضغوط الناتجة من هول الكارثة الإنسانية في اليمن، من طريق انتهاج سياسة فصل المسارات السياسية والعسكرية والإنسانية. وتؤيد لندن النظام السعودي بشكل كامل في المسارين العسكري والسياسي، ومن دون أي قيود، وتضع كلّ إمكاناتها في مصلحته. وفي هذا السياق، يأتي سعيها إلى تخفيف الموقف الألماني في ما يتصل بحظر السلاح، والدعوة إلى إعفاء المشروعات الدفاعية الكبرى من هذا القرار، بدعوى أن «علينا مواصلة العلاقات الاستراتيجية مع السعودية من أجل تحقيق السلام». وترتبط المملكة المتحدة ببرنامج طويل الأمد لتوريد الأسلحة إلى السعودية. ووفقاً لتقارير، فإن 50 بالمئة من صادرات الأسلحة والمعدات العسكرية البريطانية بين 2013 و2017 ذهبت إلى السعودية، وتحديداً إلى القوات الجوية، التي تلتزم لندن توريدَ قطع الغيار والذخائر المختلفة لطائراتها. كذلك، بلغ إجمالي تراخيص الأسلحة البريطانية منذ انطلاقة الحرب على اليمن في آذار/ مارس 2015 أكثر من 6.2 مليارات دولار للطائرات والمروحيات والطائرات بدون طيار والقنابل والصواريخ.

إلا أن الصفقات السعودية ـــ البريطانية لا تقتصر على المعدات العسكرية، بل تشمل أيضاً البرمجيات والمستشارين. والمعلوم أن هناك نحو 7000 فرد من الخبراء والمستشارين من أفراد سلاح الجو الملكي موجودين في المملكة لتقديم المشورة والتدريب. وتدعي الحكومة البريطانية أن هؤلاء الأفراد لا يشاركون مباشرةً في الحرب أو تحميل الأسلحة أو في التخطيط لطلعات العمليات، على رغم وجود اتفاقيات سرية موقعة بين حكومتي البلدين، تساعد بموجبها بريطانيا القوات المسلحة السعودية، وتحدد العدد المتفق عليه من الخبراء والمستشارين اللازم وجودهم على الأراضي السعودية. وتفيد المعلومات بأن هذه الاتفاقيات سارية المفعول حتى 2027.

كذلك، كشفت صحيفة «ديلي إكسبرس» البريطانية، قبل أيام، عن إصابة جنديين بريطانيين ينتميان إلى «كتائب SAS»، المُصنّفة ضمن القوات الخاصة الأخطر في العالم، التي نُشرَت ضمن مهمة سرية للغاية (مشتركة مع الولايات المتحدة) في اليمن. وأشارت الصحيفة إلى أن الفريق البريطاني، المكوّن من 12 شخصاً، نُقِل من جيبوتي إلى عدن، على متن طائرة «هليكوبتر» تابعة للإمارات، مضيفة أن فريق «ساس» يعمل إلى جانب فريق «ألفا»، القوة القتالية الأساسية للقبّعات الخضر الأميركية. ولفتت إلى أن الفريق البريطاني التقى القيادات الإماراتية في عدن، قبل أن يتوجه إلى الشمال الشرقي في شاحنات صغيرة لا تحمل أي علامات، بعد إلباس عناصره ملابس محلية. إلا أنه تعرض لاستهداف بلغم أرضي، أدى إلى إصابة أفراده بجروح، نقلوا على إثرها على متن مروحية إماراتية إلى القاعدة العسكرية الأميركية في جيبوتي.

قد يعجبك ايضا