دروس من وحي عاشوراء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي بعثه الله رحمة للعالمين، لينقذ الأمة من الطغيان, والشرك, والجهالة ويخرجهم من الظلمات إلى النور، صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، الذين نهجوا نهجه، وسلكوا طريقه, وحملوا رايته, ونصحوا لأمته.
في هذا اليوم, يوم عاشوراء، في هذا اليوم, يوم العاشر من محرم وقعت فاجعة عظيمة ومأساة كبرى في تاريخ هذه الأمة، الأمة التي دينها الإسلام, وسماها الله ونبيها: المسلمين. تلك الفاجعة كان المفترض أن لا يقع مثلها إلا في تلك العصور المظلمة، في عصر الجاهلية، في عصر الشرك، في عصر الظلمات، كان الشيء المفترض والطبيعي لحادثةٍ مثل هذه أن لا تكون في عصر الإسلام، وفي ساحة الإسلام، وعلى يدي من يسمون, أو يحسبون على الإسلام، فما الذي حصل؟.
لم نسمع في تاريخ الجاهلية بحادثة كهذه!. ما الذي جعل الساحة الإسلامية مسرحاً لمثل هذه المآسي؟ لمثل هذه الأحداث المفجعة؟ ما الذي جعل من يسمون أنفسهم مسلمين، ويحسبون على الإسلام هم من ينفِّذون مثل هذه الكارثة!؟ مثل تلك العملية المرعبة المفجعة!.
وضد من؟ ضد من؟! هل ضد شخص ظل طيلة عمره كافراً يعبد الأصنام, ويصد عن الدين؟ هل ضد رجل عاش حياته نفاقاً ومكراً وخداعاً وظلماً وجبروتاً؟ كان هذا هو المفترض لأمة كهذه، أن يكون لها موقف كهذا أمام أشخاص على هذا النحو: كفر وشرك وطغيان وجبروت وظلم ونفاق.
لكنَّا نرى أن تلك الحادثة التي وقعت في الساحة الإسلامية، وعلى يد أبناء الإسلام، بل وتحت غطاء الإسلام وعناوين إسلامية، وخلافة تسمي نفسها خلافة إسلامية، نرى أن ذلك الذي كان الضحية هو من؟ واحد من سادة شباب أهل الجنة ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)). هو ابن سيد النبيين، هو ابن القرآن، هو ابن سيد الوصيين، وسيد العرب, على بن أبي طالب، هو ابن سيدة النساء فاطمة الزهراء، هو ابن سيد الشهداء حمزة.
ما الذي جعل الأمور تصل إلى أن يصبح الضحية في الساحة الإسلامية وتحت عنوان خلافة إسلامية وعلى يد أبناء هذه الأمة الإسلامية، أن يكون الضحية هو هذا الرجل العظيم؟.
إنه حدث – أيها الإخوة – مليء بالدروس، مليء بالعبر.. وما أحوجنا نحن في هذا الزمن إلى أن نعود إلى تاريخنا من جديد، إلى أن نعود إلى الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) فنتطلع في سيرته وحركته الرسالية، منذ أن بعثه الله رسولاً إلى أن صعدت روحه الشريفة للقاء ربه، إلى أن نعود إلى علي (عليه السلام) لنقرأ سيرته وحركته في الحياة، إلى أن نعود إلى الحسن وإلى فاطمة الزهراء وإلى الحسين، إلى الحسين الذي نجتمع هذا اليوم لنعزي أنفسنا بفقد مثله، وإلى أن نستلهم في هذا اليوم بالذات ما يمكننا أن نفهمه من دروس وعبر من تلك الحادثة التي كان هو وأهل بيته ضحيتها.
حادثة كربلاء فاجعة كربلاء هل كانت وليدة يومها؟ هل كانت مجرد صدفة؟ هل كانت فلتة؟ أم أنها كانت هي نتاج طبيعي لانحراف حدث في مسيرة هذه الأمة، انحراف في ثقافة هذه الأمة، انحراف في تقديم الدين الإسلامي لهذه الأمة من اليوم الأول الذي فارق فيه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) هذه الأمة للقاء ربه.
إذا ما فهمنا أن حادثة كربلاء هي نَتاج لذلك الإنحراف، حينئذٍ يمكننا أن نفهم أن تلك القضية هي محط دروس وعبر كثيرة لنا نحن, من نعيش في هذا العصر المليء بالعشرات من أمثال يزيد وأسوء من يزيد.
إن الحديث عن كربلاء هو حديث عن الحق والباطل، حديث عن النور والظلام، حديث عن الشر والخير، حديث عن السمو في أمثلته العليا، وعن الإنحطاط, إنه حديث عن ما يمكن أن تعتبره خيراً, وما يمكن أن تعتبره شراً، ولذا يقول البعض: إن حادثة كربلاء, إن ثورة الحسين (عليه السلام) حدث تستطيع أن تربطه بأي حدث في هذه الدنيا، تستطيع أن تستلهم منه العبر والدروس أمام أيٍّ من المتغيرات والأحداث في هذه الدنيا؛ لذا كان مدرسة, كان مدرسةً مليئة بالعبر, مليئةً بالدروس لمن يعتبرون, لمن يفقهون, لمن يعلمون.
الإمام علي (عليه السلام) عندما آلت الخلافة إليه كان أمامه عقبة كئوداً, شخص معاوية في الشام. أول قرار اتخذه الإمام علي (عليه السلام) هو أنه يجب عزل هذا الرجل ولا يمكن أن يبقى دقيقة واحدة في ظل حكم علي، يحكم منطقة كالشام باسم علي, وباسم الإسلام.
البعض نصح الإمام علياً (عليه السلام) بأنه ليس الآن وقت أن تتخذ مثل هذا القرار، معاوية قد تمكن في الشام، انتظر حتى تتمكن خلافتك ثم بإمكانك أن تعزله. يبدو هذا عند من يفهمون سطحية السياسة، وعند من لا يصل فهمهم إلى الدرجة المطلوبة بالنسبة للآثار السيئة, والعواقب الوخيمة لأن يتولى مثل ذلك الرجل على منطقة كَبُرَت أو صَغُرَت, على رقاب المسلمين, كمعاوية، تبدو هذه فكرة صحيحة.
دعه حتى تتمكن ثم بإمكانك أن تغيره بعد.. الإمام علي (عليه السلام) قال: لا يمكن.. واستشهد بقول الله تعالى: {وما كنتُ مُتخذ المضلينَ عضداً}(الكهف: من الآية51) عوناً ومساعداً؛ لأن من تعينه والياً على منطقة, أو تقرُّه والياً على منطقة ما، يعني ذلك أنك اتخذته ساعداً وعضداً، يقوم بتنفيذ المهام التي هي من مسؤوليتك أمام تلك المنطقة أو تلك.
عندما نعود إلى الحديث من هنا هو من أجل أن نعرف ما الذي جعل الأمور أن تصل إلى هذه الدرجة فنرى الحسين صريعاً في كربلاء، إنها الإنحرافات الأولى.
الإمام علي لم يقرّ أبداً معاوية والياً على الشام وعندما استشهد بقول الله تعالى: {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً}(الكهف: من الآية51) إن معاوية رجل مضل، يضل أمة، ومعنى أن تُضِل أمة بعد أن جاء هدي الله، بعد أن جاء نور القرآن، بعد أن بعث الله محمداً (صلوات الله وسلامه عليه) ماذا يكون إضلالك؟ هل يكون إلا صرفاً للأمة عن القرآن، صرفاً للأمة عن محمد، صرفاً للأمة عن دين الله, عن الإسلام, عن هدي الله.
إن معاوية مضل، وقد بقي فترة طويلة على بُعدٍ من عاصمة الدولة الإسلامية، أضل أمة بأسرها، أقام لنفسه دولة في ظل الخلافة الإسلامية.. وعندما حصل الصراع بين الإمام علي (عليه السلام) وبين معاوية وجاءت معركة [صفين] استطاع معاوية أن يحشد جيشاً كثير العدد والعدة أكثر من جيش الخليفة نفسه! أكثر عدداً وأقوى عدة من جيش الخليفة نفسه! وكان ذلك الجيش الذي حشده إلى ساحة [صفين] مجاميع من تلك الأمة التي أضلها معاوية.
لما أضلها معاوية انطلقت تلك الأمة لتقف في صف الباطل، لتقف في وجه الحق، لتقف في وجه النور، لتقف في وجه العدالة, في وجه الخير، تقف مع ابن آكلة الأكباد، مع ابن أبي سفيان, ضد وصي رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ضد أمير المؤمنين على ين أبي طالب, الذي قال فيه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله): ((أنت مني بمنـزلة هارون من موسى)).
إنه الضلال، وما أخطر الضلال، ما أخطر الضلال وما أسوأ آثار ونتائج وعواقب الضلال! و ما أفضع خسارة المضلين عند الله، ما أشد خسارتهم, وما أفضع خسارتهم في هذه الدنيا ويوم يلقون الله سبحانه وتعالى، وقد أضلوا عباده!.
الإمام علي (عليه السلام) هو يعلم أن أخطر شيء على الأمة، أن أخطر شيء على البشرية هو الضلال والمضلون، لذلك وهو من يعرف واجب السلطة في الإسلام، ويعرف مهمة الدولة في الإسلام, ويعرف مهمة الخلافة الإسلامية, يرى أنه لا يمكن بحال أن يقرَّ شخصاً مضلاً على منطقة في ظل دولته وإن كانت النتيجة هي تَقْويض خلافته واستشهاده.. كان يقول: ((إن خلافتكم هذه لا تساوي عندي شراك نعلي هذا إلا أن أقيم حقاً أو أميت باطلاً)).
لماذا؟ قد يستغرب أي شخص منا عندما يسمع كلاماً لأمير المؤمنين (عليه السلام) كهذا… أنت حريص على أن تزيل معاوية من موقعه حتى لو كان الثمن هو تقويض خلافتك, إزاحتك عن هذا المنصب، استشهادك.! الإمام علي (عليه السلام) يرى كل هذا سهلاً، ولا أن يبقى معاوية دقيقة واحدة على رقاب الأمة؛ لأن علياً لم يكن من أولئك الذين يحرصون على مناصبهم, وليكن الثمن هو الدين, وليكن الثمن هو الأمة, ومصالح الأمة, ومستقبل الأمة, وعزة الأمة وكرامتها.
الإمام علي يعرف أن من يعشق السلطة، أن من يعشق المنصب هو نفسه من يمكن أن يبقي مثل معاوية على الشام، هو نفسه من يمكن أن يبيع دين الأمة، أن يبيع الدين الإسلامي، هو نفسه من يمكن أن يبيع الأمة بأكملها مقابل أن تسلم له ولايته، وأن يسلم له كرسيه ومنصبه.
وهل عانت الأمة من ذلك اليوم إلى الآن إلا من هذه النوعية من الحاكمين! هذه النوعية التي نراها ماثلة أمامنا على طول وعرض البلاد الإسلامية لما كانوا من هذا النوع الذي لم يتلق درساً من علي (عليه السلام) الذي كان قدوة يمكن أن يحتذي به من يصل إلى السلطة، قدوة للآباء في التربية، قدوة للسلاطين في الحكم، قدوة للدعاة في الدعوة، قدوة للمعلمين في التعليم، قدوة للمجاهدين في ميادين القتال، قدوة لكل ما يمكن أن يستلهمه الإنسان من خير ومجد وعز. أولئك الذين لم يعيشوا هذه الروحية التي عاشها الإمام علي (عليه السلام) في اليوم الأول من خلافته، فأرى الجميع أن خلافته عنده لا تساوي شراك نعله إذا لم يقم حقاً ويمت باطلاً.
ما قيمتها إذاً! ما قيمة دولة تحكم باسم الإسلام, ويتربع زعيمها على رقاب المسلمين, وعلى عرش البلد الإسلامي، ثم لا يكون همه أن يحيي الحق ويميت الباطل؟. لا قيمة لها، ليس فقط لا قيمة لها، بل ستتحول قيمتها إلى شيء آخر, ستتحول الأمور إلى أن يكون قيمتها هو الدين، إلى أن يكون قيمتها هو الأمة.
عندما نسمع – أيها الإخوة – زعماء العرب, زعماء المسلمين كلهم يسرعون إلى الموافقة على أن تكون أمريكا حليفة، على أن تكون أمريكا هي من يتزعم الحلف لمحاربة ما يسمى بالإرهاب، وعندما نراهم جميعاً يعلنون وقوفهم مع أمريكا في مكافحة ما يسمونه بالإرهاب؛ لأنهم جميعاً يعشقون السلطة؛ لأنهم جميعاً يحرصون على البقاء في مناصبهم مهما كان الثمن، لكنهم لا يمكن أن يصرحوا بهذا، هم يقولون: من أجل الحفاظ على الأمن والإستقرار، من أجل الحفاظ على مصلحة الوطن! أو يقولون: خوفاً من العصا الغليظة, العبارة الجديدة التي سمعناها من البعض: الخوف من العصا الغليظة! وأي عصا أغلظ من عصا الله، من جهنم, ومن الخزي في الدنيا؟ هل هناك أغلظ من هذه العصا؟.
الإمام علي (عليه السلام) أراد أن يعلم كل من يمكن أن يصل إلى موقع السلطة في هذه الأمة أنه لا يجوز بحال أن تكون ممن يعشق المنصب؛ لأنك إذا عشقت المنصب ستضحي بكل شيء في سبيله، وأن لا تخاف من شيء أبداً فإذا ما خفت من غير الله فسترى كل شيء مهما كان صغيراً أو كبيراً يبدو عصا غليظة أمامك.
سترى معاوية… هل معاوية, والذي كان موقعه فعلاً في الأيام الأولى لخلافة الإمام علي (عليه السلام) بل في أيام عثمان كانت دولته أقوى في الواقع من محيط الخليفة نفسه، كان في تلك الفترة حكمه مستقراً، ويمتلك جيشاً كثير العدد، هو كان أقوى في الواقع من المجتمع الذي جاء ليبايع علياًً (عليه السلام)، من مجتمع المدينة وما حولها.
كان هناك استقرار لدى معاوية.. سنين طويلة من أيام عمر, من أيام الفاروق، الفاروق الذي جعل هذه الأمة تفارق علياً، وتفارق القرآن، وتفارق عزها ومجدها من يوم أن ولىَّ معاوية على الشام، وهو يعلم من هو معاوية, هو يعلم من هو معاوية.
إذاً كل بلية أصيبت بها هذه الأمة، كل انحطاط وصلت إليه هذه الأمة، كل كارثة مرت في هذه الأمة بما فيها كربلاء، إن المسؤول الأول عنها هو عمر، المسؤول عنها بالأولوية هو عمر قبل أبي بكر نفسه، قبل أبي بكر نفسه، عمر الذي ولى معاوية على الشام سنيناً طويلة.
نجد الفاروق الحقيقي، الذي يفرق بين الحق والباطل لا يسمح لنفسه أن يبقي معاوية دقيقة واحدة على الشام، ومن هو الشخص الذي قال عنه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله): أنه مع القرآن؟ هل عمر أم علي؟ ((علي مع القرآن والقرآن مع علي)) أم قال عمر مع القرآن والقرآن مع عمر؟.
وعندما نجد أن علياً لا يسمح لنفسه أن يبقي معاوية لحظة واحدة على الشام، فإنه يتحرك باسم القرآن، وأنه منطق القرآن، وموقف القرآن.
إذاً فالموقف الآخر الذي سمح لنفسه أن يبقي معاوية سنيناً طويلة لا يحاسبه على شيء من أعماله، ويقول عنه: [ذلك كسرى العرب] هو الموقف الذي لا ينسجم مع القرآن بحال، هو الموقف المفارق للقرآن, هو الموقف الذي ضرب القرآن, وأمة القرآن, وقرناء القرآن. فهنيئاً لفاروق هذه الأمة, هنيئاً يوم يلقى الله فيُسأل عن كل حادث حدث في هذه الأمة.
لا تنظر إلى فاجعة كربلاء أنها وليدة يومها.. من الذي حرك الجيوش لتواجه الحسين في كربلاء؟ من الذي أرسل ابن زياد إلى الكوفة ليغري زعماء العشائر بالأموال, ويرغّب ويرهب حتى يجيشهم، حتى يحولهم إلى جيش يتوجه لضرب الحسين بعد أن كانوا قد بايعوا الحسين، من هو؟ إنه يزيد.
من الذي جعل يزيداً خليفة على رقاب المسلمين؟ إنه معاوية, من الذي جعل الأمة – تلك الأمة – تقبل مثل يزيد؟ من الذي جعل ليزيد سنداً قوياً وقاعدة قوية؟ إنه معاوية, من الذي ولى معاوية على الشام؟ إنه عمر, من الذي ولى عمر؟ هو أبو بكر.
أبو بكر وعمر كانا يتحركان كما قال الإمام علي (عليه السلام) لعمر: ((أحلب حلباً لك شطره, شدّها لـه اليوم يردها عليك غداً)). حركة واحدة كانت على هذا النحو ممن يعشقون السلطة, ممن يعشقون المنصب، ممن يعشقون الوجاهة.
يقول البعض: لو كان أولئك ممن يعشقون السلطة لرأيناهم مترفين؛ لأننا نشاهد أن من يعشقون السلطة هم عادة إنما من أجل أن تتوفر لهم الأموال, وتتوفر لهم الملذات.. إلى آخر ما قيل في هذا الموضوع.
يقول أحد العلماء الآخرين – وهو محمد باقر الصدر – : ليس صحيحاً كل هذا، بل وجدنا في التاريخ من ظهروا بمظهر المتقشفين الزهاد من أجل أن يصلوا إلى السلطة. إن هناك من يحب السلطة فتبدوا لديه ألذ من كل مطائب العيش، ألذ من كل ملذات الدنيا كلها، فمن أجل الوصول إلى السلطة يتقشف، ومن أجل الوصول إلى السلطة يبدو زاهداً.
وقد وجدنا في اليمن نفسه [علي بن الفضل], علي بن الفضل عندما وصل إلى اليمن جلس في واد يتعبد زاهداً ويتركع، يقبل الشيء اليسير مما يعطى، زاهد متقشف متعبد. إن هناك نوعيات في البشر يعشقون المنصب، يعشقون الوجاهة فتبدو كل لذة أخرى من ملذات الطعام والشراب والنكاح والبنيان وغيره، تبدو كلها لا تساوي عنده شيئاً، سيضحي بها جميعاً من أجل أن يصل إلى المنصب.
هو يجيب على من يحاول أن يقدم أبا بكر وعمر بأنهم لم يكونوا عشاق مناصب, لو لم يكن عمر يعشق المنصب لكان أول من يستجيب يوم قال الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في يومه الأخير من أيام مرضه: ((ائتوني بقلم ودواة أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده)) عمر اعترض هو يعرف ماذا سيعمل؟, هو يعرف أنه سيكتب علياً.
إذا كان قد تحدث عن علي طيلة حياته, وأعلن ولايته على رقاب الأمة يوم الغدير فماذا يتوقع أن يكتب الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) إلا أن يشد الأمة إلى علي فيكون قد استخدم كل الوسائل، فضج عمر، وقال: الرسول قد غلب عليه الوجع! وقال: إن الرسول ليهجر! لأنه – كما قال الإمام علي (عليه السلام) – ((أشددها له اليوم يردها عليك غداً)).
لا ننظر إلى فاجعة كربلاء أنها وليدة يومها، ونتحدث عن ابن زياد وحده, أو نتحدث عن يزيد وحده، إذا كنا على هذا النحو، إذا لم ننظر دائماً إلى البدايات، ننظر إلى بدايات الإنحراف، ننظر إلى الأسباب الأولى, النظرة التي تجعلنا نرى كل تلك الأحداث المؤسفة، نرى كل هذا الواقع الذي تعيشه الأمة إنما هو نتاج طبيعي لذلك الإنحراف، إنما هي تداعيات لتلك الآثار السيئة التي كانت نتاج ذلك الإنحراف، وإلا فسنعيش في ظل الأسباب نفسها، وسنكون نحن جزءاً من الأسباب التي جعلت الحسين صريعاً في كربلاء، وجعلت علياً قبله, والحسن قبله يسقطون شهداء.
من خلال موقف الإمام علي (عليه السلام) الذي لم يسمح أن يبقي معاوية لحظة واحدة نعرف خطورة ما يمكن أن يعمله معاوية، ومن خلال هذا الشاهد نفسه نعرف عظم ما جناه عمر على الأمة يوم ولىَّ معاوية على الشام، وجاء من بعده عثمان ليبقي معاوية، وهو بالطبع ابن عمه، ليبقيه ملكاً على الشام، وليس فقط والياً.
الإمام علي (عليه السلام) كأنه يحذر الأمة إذا ما بقي هذا الشخص ولو لحظة واحدة والياً على منطقة فيها فإن التاريخ سيتحول إلى تاريخ مظلم، وإن الدين ستطمس أعلامه، وهذا هو ما حدث بالذات, هذا هو ما حدث بالذات.
ويعطي – كما أسلفنا – درساً لنا نحن؛ لنفهم نظرة أهل البيت إلى السلطة، لأن أكثر ما يقوله المنحرفون عن أهل البيت والمضللون على الناس: أن ذلك إنما تحرك لأنه يريد أن يحكم، إن هذا إنما ثار لأنه يريد أن يصل إلى السلطة!.
إن من يتأمل تاريخ أهل البيت سيجد أنه ليس فقط مجرد حالة بل مبدأ لديهم ثابت أنه يجب أن لا يكون للسلطة عندك قيمة تساوي شراك نعلك؛ لماذا؟ هل لأنك تبدو زاهداً، أن هذا هو مظهر من مظاهر الزهد، وأنه لا يهمك أمر الأمة؟ أن يحكمها من يحكمها؟.. لا.
إن علياً يوم قال هذه العبارة لا يعني أنه لا يهمه أمر الأمة أن يحكمها من يحكمها، وأنا لا أرغب أن أحكمكم، أنا زاهد متقشف، أنا لا أرغب أن أحكمكم حتى وإن استطعت أن أحيي الحق وأميت الباطل.. ليس هذا منطق علي، إن علياً يقول لا يجوز أن يحكم المسلمين بحال من يعشق السلطة، من يعشق المنصب.
والذي فهم هذا الإمام الخميني – رحمة الله عليه – يوم قال لابنه وهو يوصيه: ((لا يجوز أن تبحث عن منصب، لا يجوز أن تجري وراء الحصول على المنصب حتى وإن كان منصباً دينياً)). أنت تريد أن تصل إلى أن تصبح [آية الله العظمى]، أو أن تصل إلى لقب [حجة الإسلام والمسلمين]، أو عناوين من هذه. إن عشق المناصب هو ما يمكن أن يضحي بالدين، ويضحي بالأمة، ويضحي بكل شيء.
إن علياً (عليه السلام) ترك شاهداً حياً على أنه فعلاً لم يكن يعشق السلطة لهذا الاعتبار، لهذا الاعتبار الذي ذكرناه.. يوم أن رفض أن يبقي معاوية، واسأل أي زعيم من هؤلاء الزعماء, واسأل أي خليفة من أولئك الخلفاء.. أليس أي واحد منهم سيرى أن من مصلحته, ولا يرى في ذلك ضيراً، بل يراه من الحكمة, ويراه من السياسة، أن يبقي مثل معاوية, وأسوء من معاوية، أن يبقيه والياً ولو إلى الأبد، من أجل أن يبقى له منصبه، ويحتفظ له كرسي سلطته.
الإمام علي (عليه السلام) ترك مثالاً حياً لنا، ونحن – أيها الإخوة – بحاجة إلى أن نعرف تاريخ أئمة أهل البيت لنستطيع أن نفضح كل من يقول أنهم كانوا يلهثون وراء السلطة, الكل يلهثون وراء أن يقوم حكم الله في أرضه على عباده، أن تقوم شريعته فتكون هي التي تحكم عباده، أن يسود هديه كل المعمورة التي يعيش عليها عباده. هذا مبدأ إسلامي: أن الدولة الإسلامية, أن الحكومة الإسلامية هي جزء لا يتجزأ من هذا الدين.
ولكنهم يرون أنه لا يجوز بحال أن يكون لدى حتى علي أو الحسن أو الحسين أو زيد أو الهادي أو أي شخص من تلك النوعية أن يكون لديه عشق للسلطة، عشق للمنصب.
ألسنا نرى أننا أصبحنا نُواجه وتُواجه الأمة بكلها بأن يضحى بها على يد زعمائها.. أليس هذا ما هو حاصل؟ وكل ما نسمعه لأجل الحفاظ على المصلحة وعناوين أخرى!. إن السر الحقيقي هو أن أولئك يعشقون السلطة. يجب أن نفهم هذا حتى نميز بين أساليب من يعشقون السلطة، وكيف ستكون العواقب الوخيمة حتى ولو انطلق باسم الإسلام، حتى ولو حكم تحت عنوان إسلامي، حتى ولو حمل لقب [خليفة أو أمير المؤمنين!] أو غير ذلك.
ألم ينهزم [أمير المؤمنين محمد بن عمر!] في أفغانستان وهو باسم خليفة المسلمين؟! هل أنهزم علي أو انهزم الحسن أو انهزم الحسين أو انهزم زيد؟ أو انهزم الهادي أو انهزم قبلهم محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)؟.
لا. لا يجوز لأمير المؤمنين أن ينهزم، إذا انهزم فإنه من يعشق السلطة، من يعشق الحياة، من يعشق المنصب، هو يريد أن يتمتع أياماً متتالية بلقب [أمير المؤمنين]، ونحوه من الألقاب.
عودوا – أيها الإخوة – إلى تاريخ أهل البيت، ادرسوه دراسة حقيقية واقعية حتى تجدوا أنه ليس هناك مكان لتلك المقولة: بأنهم كانوا إنما يثورون من أجل أن يصلوا إلى السلطة، وأنهم كانوا عشاق سلطة. هم عشاق حق، هم من قال لهم جدهم – وهو يوصي الحسن – ((وخض الغمرات للحق حيث كان)) خض غمرات الموت من أجل الحق حيث كان. هذه هي طريقتهم.
وعندما نعرف أن الإضلال الذي تبناه معاوية طيلة أيام إمارته، ثم بعد أن أصبح يحمل لقب خليفة يحكم البلاد الإسلامية بعد استشهاد الإمام علي (عليه السلام), ثم من بعد استشهاد الإمام الحسن (عليه السلام) رأينا كيف حول ذلك المجتمع إلى مجتمع يناصر الباطل، ويقف في صف الباطل.
ورأينا أيضاً – أيها الإخوة – كيف يكون الجانب الآخر – وهو ما كنا نقوله أكثر من مرة – : أن الجرائم ليست في العادة هي نتيجة عمل طرف واحد فقط, المجرمون من جهة, المضلون من جهة يجنون، والمفرِّطون والمقصرون والمتوانون واللائباليون هم أيضاً يجنون من طرف آخر.
فالجريمة مشتركة, الجريمة مشتركة من أول يوم حصل الإنحراف بمسيرة هذه الأمة عن هدي القرآن، وهدي رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وكيف يمكن أن يسمع الناس منطق الحق ثم نراهم في يوم من الأيام يقفون في وجه الحق، في صف الباطل، هذا هو الذي حصل بالنسبة لأهل العراق.
معاوية أضل أهل الشام فكانوا قاعدة لإمارته وخلافته، وقاعدة لخلافة ابنه يزيد، وكانوا جيشاً قوياً يتحركون لتنفيذ أهدافه, وأهل العراق من جانب آخر. ما الذي حصل؟. ألم يعش علي (عليه السلام) بينهم سنين خلافته ماعدا الأيام الأولى منها كانت في العراق.. وعلي ببلاغته.. علي بمنطقه.. علي بحجـته.. علي بمعرفته وعلمه الواسع ((باب مدينة العلم)) هو من كان دائماً يتحدث مع أهل العراق، من كان دائماً يوجه ويتحدث ويرشد ويعلِّم ويحذِّر وينذر من عواقب الأمور.
فلماذا رأينا أهل العراق يقفون هم قبل أهل الشام في صف يزيد في مواجهة الحسين نفسه؟! إنه التفريط، ليس فقط التفريط أمام الحدث، بل التفريط يوم نسمع التوجيهات فلا تعطيها أهميتها. أن تحصل حادثة معينة، فتتقاعس، تقاعسك، قعودك، إنما هو نتيجة لتفريطك الأول يوم كنت تسمع توجيهات علي، يوم كنت تسمع إنذار علي، يوم كنت تسمع الحِِكَمَ تتساقط من فم علي كالدرر، فتنظر إليها و كأنها بَعَر، لا تهتم بها.
التفريط.. التفريط إنما هذا منبعه: يوم أن يسمع الناس الكلام، ويسمعون التوجيهات ويسمعون منطق الحق ثم لا يهتمون ولا يبالون، ولا يعطون كل قضية ما تستحقه من الأهمية.
لماذا تربع أبو بكر على الخلافة بعد أن سمع المسلمون ما قاله الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في يوم الغدير وما سمعوه قبل ذلك وبعده؟ سمعوا علياً، وسمعوا محمداً (صلوات الله عليه وعلى آله)، وسمعوا كل شيء, لكن [وأبو بكر لا بأس المهم واحد]!، حالة اللامبالاة.
من هنا بدأ التفريط، فتربع أبو بكر على الخلافة، ولولا أبو بكر لما كان عمر كما قال عبد الله بن حمزة [ولولا عمر لما كان عثمان، ولولا عثمان لما كان معاوية، ولولا معاوية لما كان يزيد]. لولا تفريط أولئك لما كان أبو بكر من البداية، ولولا تفريط أهل العراق يوم كانوا يسمعون علياً يتحدث، ومن أبلغ من علي بعد القرآن وبعد الرسول! ومن أبلغ من منطقه, وأعظم أثراً – إن كان هناك ما يمكن أن يترك أثراً – بعد القرآن وبعد كلام الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) من مثل كلام علي؟!.
ذلك التفريط هو الذي جعل أهل العراق قبل أهل الشام يصلون إلى كربلاء فيحاصرون الحسين (عليه السلام) وأهل بيته، وجعلهم قبل أهل الشام يوجهون النبال إلى صدره، وهم من عاش بينهم علي (عليه السلام) سنين يحدثهم ويعظهم ويرشدهم؛ لماذا؟ ما الذي أوصلهم إلى هذا الحد؟.
هم فرطوا, وعندما يفرط الإنسان فيما يسمع ستأتي البدائل المغلوطة، إما أن يتلقاها من أمثاله ممن يفهمون الأمور فهماً مغلوطاً، ممن لا يعرفون عواقب الأمور, أو من جهة نفسه هو فيكون هو من يحلل, ومن يحاول أن يضع لكل قضية حداً معيناً، يظن أنها لا تتجاوزه. ربما كانوا يتصورون أن الحسين هو المشكلة.. يمكن أن يُصفى الحسين وتبقى الأجواء طبيعية!.
بعد أن قُتل الحسين.. (عليه السلام) هل بقيت الأجواء طبيعية؟ هل استقر وضع أهل العراق؟ أم بدأ العراق يغلي، أم بدأت النكبات, والكوارث تتابع على أهل العراق جيلاً بعد جيل إلى هذا العصر الذي نحن فيه. لم يسلم أهل العراق، لم يسلم لهم دينهم، لم تسلم لهم دنياهم، لم تسلم أنفسهم.
ما أسوء الإنسان أن يسمع كلمة الحق ثم يرى نفسه في يوم من الأيام يقف في وجه الحق يضربه بسيفه، إنه أسوء من ذلك الذي تربى على الضلال من يومه الأول، إنه أسوء من أولئك؛ ولذلك تجد مثلاًً واضحاً على هذا.. أليس تاريخ العراق أسوء من تاريخ سوريا, أليس العراقيون في كل عصر لا تجد شعباً من الشعوب في البلاد العربية أكثر نكبات, وأكثر مآسي من شعب العراق نفسه؟ لأن شعب العراق هو الذي سمع علياً أكثر من أي شعب آخر.
علي خرج أياماً معدودة إلى اليمن، وبقي أياماً معدودة في المدينة بعد خلافته، وكان في المدينة لا يتفوه بكلمة في ظل الخلفاء الثلاثة, لا يريدون أن يتفوه بكلمة، لكن معارفه وتوجيهاته وحكمته انصبت في الكوفة على آذان ومسامع أهل العراق ففرطوا.. ففرطوا فكانت عواقبهم أسوء من عواقب أهل الشام أنفسهم.
وعندما يكون الإنسان من هذه النوعية فقد يصحوا في يوم من الأيام لكن في الوقت الذي لا ينفع. أهل العراق ندموا بعد، وتاب الكثير من تفريطهم في الإمام الحسين إذ لم ينصروه وخرجوا ثائرين، وقتلوا مَنْ قتلوا الحسين (عليه السلام) وثاروا, ثأروا لقتله لكن بعد فوات الأوان، بعد فوات شخصية عظيمة كالحسين.
لو كانت تلك التضحية، لو كان ذلك الصمود، لو كان ذلك التفاني، لو كان ذلك الإهتمام، لو كان ذلك الوعي في وقته، يوم كان الحسين متوجهاً إلى الكوفة لاستطاعوا أن يغيروا وجه التاريخ بأكمله، وليس فقط وجه العراق، لاستطاعوا أن يعيدوا الأمة إلى ما كان يريد لها الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أن تكون عليه.
قتلوا الآلاف, وقُتل منهم الآلاف لكن بعد فوات الأوان، بعد فوات شخصية كالإمام الحسين. وأعظم ما تتعرض له الأمة أو من أعظم نكبات الأمة أن تفقد عظماء كالحسين وعلي وزيد والحسن وأمثالهم من أعلام الهدى، خسارة عظيمة.
فنحن – أيها الإخوة – عندما نتحدث عن كربلاء لا نتحدث عنها فقط من الجانب العاطفي، الجانب العاطفي مثير لكن قد يجعل القضية تتجمد في عصرها، ويجعلنا نحن لا نستطيع أن نستلهم منها الدروس والعبر، ولذا حاولنا أن يكون إحياؤنا لهذه الذكرى هو فعلاً حديث عن ما حدث فيها من مآسي كشفت عن وحشية أولئك الظالمين، وخشونة طباعهم, وخبث أنفسهم.
ونعرف أيضاً الأسباب التي أدت لمثل تلك؛ لأنها أسبابٌ الناس يعيشونها في كل عصر، نحن نعيش – فيما أعتقد – الأمة المسلمة هي تعيش الحالة, الحالة نفسها، الأسباب نفسها التي هيأت الظروف لأن يسقط بين أيديها مثل علي والحسن والحسين وزيد ومحمد بن عبد الله النفس الزكية وغيرهم من عظماء أهل البيت، الحالة نفسها واحدة.
سنظل دائماً نئن ونتوجع من الأحداث ولا نهتدي لحل, ولا نعرف من الذي وراء ذلك، إذا لم نعد إلى دراسة أسباب الأشياء من أولها, نعود إلى دراسة الأسباب الأولى للأحداث حتى نعرف ما إذا كان هناك في واقعنا شيء من هذه الأسباب متوفر, شيء من هذه الحالة التي أدت إلى تلك النتائج السيئة تعيش عليها الأمة، فإذا ما وجدنا أنفسنا نعيش نفس الشعور، نعيش نفس الحالة فاعرف بأنك إنما ستكون مثل أهل العراق، مثل أهل الشام الذين ظلوا دائماً يتوجعون، مثل هذه الأمة من أولها إلى حاضرها, تتوجع من الأحداث، تتوجع من الكوارث، وتئن وتصرخ ولا ترى مخرجاً, ولا تعرف حلاً.
وحتى نعرف, وحتى يعرف كل واحد منا أنه يعيش نفسية الشخص الذي أغمض عينيه يوم صعد أبو بكر على كرسي الخلافة، وأنك تعيش نفسية ذلك العراقي الذي كان يسمع علياً يتحدث بمسجد الكوفة، وتحمل نفسية ذلك العراقي يوم خرج الحسين متجهاً إلى الكوفة، ويوم دخل عبيد الله بن زياد إلى الكوفة، حتى تعرف أنك لا تختلف عن أولئك، إذا ما وجدت نفسك أمام أي قضية, أمام أي حدث، تجد هناك من يذكرك بمسؤوليتك، ويذكرك بخطورة عواقب تلك الأحداث يذكرك بعقوبة تفريطك ثم لا تهتم، فإنك من قد تجد نفسك في يوم من الأيام ليس فقط ضحية لتفريطك، بل تجد نفسك في موقف أسوء من ذلك الموقف، تجد نفسك في صف الباطل تقف في وجه الحق، تساق إلى مواقف الباطل.
وهذا لم يكن فقط ما حصل للعراقيين وحدهم في التاريخ، لقد حصل للكثير من البشر على امتداد التاريخ, تاريخ هذه الأمة، كم من الأشخاص ممن هم يُحسبون على جانب الحق، ممن سمعوا توجيهات الحق, وسمعوا صوت الحق ودعوا إلى الحق ففرطوا فرأوا أنفسهم يساقون إلى ميادين نصر الباطل!.
نحن – أعتقد – إذا لم ننطلق في مواجهة الباطل، في هذا الزمن فإننا من سنرى أنفسنا نساق جنوداً لأمريكا في ميادين الباطل في مواجهة الحق. لا يجوز بحال إذا كنا نحن من نلوم أولئك، أي واحد منا يلوم أهل الكوفة أليس كذلك؟ يلوم أهل العراق، يلوم ذلك المجتمع الذي لم يصغ لتوجيهات الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) بعد أن ولى علياً, يلوم أهل المدينة، يلوم أهل البصرة، يلوم أهل الشام، يلوم.
إذا كنا فقط إنما نلوم الآخرين، ولا نعرف على ماذا نلومهم، أنت تلومهم لأنهم قتلوا الحسين, أليس كذلك؟ فعلاً يلامون على أنهم قتلوا الحسين, لكن ما الذي جرّهم إلى أن يقتلوا الحسين؟.
أنت تعيش النفسية، تعيش الحالة التي جرتهم إلى أن يخرجوا ليواجهوا الحسين، فَلُمْ أنت نفسك, ولمُهم أنت على تفريطهم يوم كانوا يسمعون علياً، واحذر أنت أن تكون ممن يفرط وهو يتكرر عليك هدي علي، وهدي القرآن الكريم الذي هو فوق كل هدي.
أوليس القرآن الكريم حياً بين أظهرنا؟ أولسنا نقرأه؟ أولسنا نحاول أن نعرض الأحداث على القرآن الكريم لنستلهم من خلال القرآن ما هو الموقف المطلوب منا؟ بل لنحصل من خلال القرآن على وعي وبصيرة نفهم من خلالها ما يدور حولنا؟ فمن يُعرض، من يُفرط، من لا يهتم، من لا يبالي إنه يعيش نفسية من يلومهم قبل ألف سنة وأكثر من ألف سنة.
بل أرى أن اللوم علينا أشد.. لماذا؟ عادة الناس إذا تحدث معهم رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وحذرهم من عواقب الأمور، الكثير من الناس هو يكون من أولئك الذين يريدون أن ينظروا إلى الأشياء متجسدة أمامهم حتى يصدقوا، وحتى يستشعروا الخطورة، وحتى يهتموا, أو يكون لهم موقف, يريدون كما قال بنو إسرائيل: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}(الأعراف: من الآية138) بعد أن خرجوا من البحر، بعد تلك الآية العظيمة، الآية الدالة على قدرة الله سبحانه وتعالى.
وهم مؤمنون بالله، لكنهم ما زالوا يريدون أن يروا إلهاً متجسداً أمامهم، حتى قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}(البقرة: من الآية55) ألم يقولوا هكذا؟ {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}هذه الروحية: [لن نصدقك حتى نرى الأحداث ماثلة] هذا هو الغباء، هذا هو الخطأ، هذه هي الأمية الحقيقية، هذه هي الجهالة، هذه الروحية هي التي تؤدي إلى ضرب الأمة في كل عصر.
الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) عندما كان يتحدث.. القرآن الكريم ((فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم)) يتحدث هو أيضاً عن عواقب الأمور، عن عواقب التفريط، عن عواقب اللامبالاة، عن أضرار الضلال والباطل عليكم في الدنيا قبل الآخرة.
الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أيضاً تحدث لكن لم تكن هناك أحداث واسعة بسعة ما يسمعونه من حديثه، وهم من نوعية من يقول في واقعه – من حيث لا يشعر – [لن نؤمن لك حتى نرى عواقب الأمور جهرة!].
الإمام علي (عليه السلام) تحدث مع الناس، وكانت أيضاً قد عرضت في الحياة أحداث كثيرة، فكان من المفترض أن يكون من يعيشون في عصر علي – لأن منطق علي هو منطق القرآن، ومنطق محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) – أن يكونوا أكثر وعياً؛ لأنهم من قد شاهدوا الأحداث الكثيرة والمتغيرات من بعد موت الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) إلى أن قام علي، ورأوه فوق منبرهم في الكوفة يتحدث معهم ويوجههم.
كذلك من جاء بعدهم، نحن في هذا العصر من أمامنا رصيد هائل من الأحداث، أمامك كربلاء، وأمامك يوم الحرة، وأمامك ضرب الكعبة، وأمامك استشهاد زيد، واستشهاد أصحاب [فَخْ]، وأمامك الأحداث تلو الأحداث الرهيبة التي تكشف لك عواقب التفريط والضلال والتقصير والجهل، أصبحت مثلاً شاهداً من واقع الحياة تستطيع أن تضربه مثلاً أمام كل قضية تتحدث عنها. إذا ما كنا نحن لا نفهم بعد ولا نعي وأمامنا رصيد من هذه الأحداث، أمامنا كربلاء التي نحن في هذا اليوم نتحدث عنها، ونستلهم العبر منها.
هذا الحدث نفسه إذا لم تكن أنت، وأنت في هذا العصر من يفهم الأمور – وأمامك هذا الرصيد – فإنك أسوء ممن خرج يقاتل الحسين، أنت أسوء ممن خرج يقاتل الحسين.
وإذا كان أولئك لتفريطهم هيئوا الساحة لأن يتولى يزيد فأنت هنا لتفريطك ستهيئ الساحة لأن يحكمها [بوش]، ولتحكمها إسرائيل، فيحكمها اليهود، أوليس اليهود أسوء من يزيد؟ إن من يهيئ الساحة لتحكمها أمريكا، من يهيئ الساحة لتحكمها إسرائيل، من يهيأ الساحة لتحكمها ثقافة الملعونين من اليهود والنصارى بدل ثقافة القرآن هم أسوء ممن شهروا سيوفهم في وجه الحسين.
لأنها كلها حالة عربية واحدة، كلنا نحن العرب حالة مترسخة لدينا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} ((حَذْوَ بني إسرائيل)) هم قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}(البقرة: من الآية55) لن نؤمن لك يا علي عندما تقول: ((والله إني لأخشى أن يُدَال هؤلاء القوم منكم؛ لاجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم)) لن نؤمن لك حتى نرى معاوية جهرة فوق منبرنا فنعلم أنه فعلاً أنه قد أُدِيْلَ منا.
لن نؤمن لك يا حسين، لن نؤمن لك يا علي إلا بعد أن نرى يزيد فوق منبرنا، لن نؤمن لك إلا بعد أن نرى سيف يزيد مشهوراً على رقابنا، لن نؤمن لك حتى نرى أمريكا ونرى الأمريكي يوجه بندقيته إلى صدورنا، لن نؤمن لك حتى نرى نساءنا يخرجن متبرجات كالأوربيات في شوارعنا، لن نؤمن لك حتى نرى القرآن تُمَزَّق صفحاته في مساجدنا, لن نؤمن.. لن نؤمن.. هي الحالة العربية التي ضربت العرب، وضربت القرآن، وضربت الدين, نحن نعيشها [لن نؤمن لك حتى نرى…]
نحن – أيها الإخوة – يجب أن ننسف هذه الكلمة من مشاعرنا, ومن عقولنا, ومن أذهاننا [أنني لا أصدق إلا عندما أرى الأشياء ماثلة] إذا كنت من هذا النوع إذاً أمامك على طاولة التاريخ الشواهد الحية لهذه، ألا يكفيك شواهد حية على مدى [1400 عام]؟. ألا تكفيك شواهد إذا كنت ممن يريد أن يرى الأشياء أولاً هاهي أمامك كربلاء، هاهي أمامك [الحَرَّة]، هاهي أمامك ضرب الكعبة، هاهي أمامك الأحداث, تلك الأحداث, هي مثلٌ على كل ما نحدثك عنه.
إذا كنت لا تريد أن تكتفي بهذه الشواهد – التي هي شواهد حية، أحداث تجسدت في التاريخ بل تريد [موديلاً] جديداً من الأحداث – فأنت أيضاً أسوء ممن قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} أولئك الذين خرجوا ليشهروا سيوفهم في وجه الحسين هو ملعونون، ألسنا نلعنهم.
نعتبر أنهم ارتكبوا جريمة من أفضع جرائم البشرية على طول تاريخها، لكنهم في الواقع لم يكن أمامهم رصيد من الأحداث، والأمثلة الحية، وهم كمثلنا نحن وهم عرب ممن يعيشون في أنفسهم وتترسخ في أنفسهم [لن نؤمن لك حتى نرى ما تحدثنا عنه ماثلاً أمام أعيننا]. نحن نشاهد في التاريخ الأمثال الكثيرة، إذا كنت أنت تريد أمثالاً جديدة فإنك أنت أيضاً تعيش حالة يجب أن تسخر فيها من نفسك، تريد [موديلاً] جديداً من الأحداث، تلك أحداث ماضية بالية, أحداث ماضية أنا أريد أحداثاً جديدة، أريد أن أرى تلك الأحداث ماثلة أمام عيني فألمسها وأشاهدها، وأحس بوطأتها أنا!.
لا يجوز بحال – أيها الإخوة – أن نظل قاصرين في وعينا إلى هذه الدرجة وأمامنا هذا الرصيد المهم من الأحداث طوال التاريخ.
أكرر هذا؛ لأنها حالة نلمسها عند الجميع، ولأنها حالة قائمة لاحظ كيف أننا نقتنع بالمبررات الواهية المكذوبة التي ليست منطقية ولا معقولة ولا واقعية، يُصدِّرها الأمريكيون، يُصَدِّرها اليهود وعملاؤهم فيتحدثون بها فنقتنع, ونسكت ونجلس، بل نحن من وصلنا إلى أن نجعل تلك الحالة هي الحكمة، هي منطق الحكمة، هي منطق الحفاظ على الأمن، هي منطق الحفاظ على المصلحة العامة للشعب. والحكمة هي نفسها التي قال الله عنها: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}(البقرة: من الآية269) أصبحنا نعتبر قصور وعينا وجهلنا هو الحكمة.
إن الحكمة أن تعود إلى التاريخ، وتعود إلى القرآن، وتأخذ العبر والدروس من خلال تلك الأحداث, وتأخذ المقاييس الثابتة والوعي والبصيرة من خلال القرآن الكريم هنا الحكمة؛ حتى ترى في الأخير أن التفريط, أن السكوت, أن الجمود, أن التفكير في أنك ستسلم كلها متنافية مع الحكمة، كلها ليست واقعية، كلها هي سبب النكال، وسبب الخزي في الدنيا، وسبب أن تكون من يتلقى الضربات تِلْو الضربات من أعدائك، هذه ليست حكمة.
ونحن – أيها الإخوة – أيضاً هناك ما هو أسوء من هذا، في الوقت الذي نحن نشاهد زعماء العرب جميعاً في موقع نحن نسخر منهم، أنهم فرطوا في هذه الأمة، وأنهم دائماً يتحدثون عن السلام، ويبحثون عن السلام من أمريكا، ثم عندما وصلت الأمور إلى ساحتنا – نحن المواطنين – إذا بنا نكرر العبارة نفسها، ونتخذ الموقف نفسه، [نريد السلام، والأفضل هو أن نسكت وأن نجمد وأن نحاول أن لا نثير وأن.. وأن..]!.
أليس هذا هو ما كنا نلوم عليه زعماء العرب؟ أليس هذا هو ما نلوم عليه أننا نسمع أنه قد يمكن أن يخرج المؤتمر – مؤتمر القمة الذي سينعقد في بيروت – أن قراره قد حُسِم هي التسوية مع إسرائيل، هي المصالحة مع إسرائيل لتتوقف الإنتفاضة؛ لأن تلك العمليات البطولية التي ينفذها الفلسطينيون أصبح الزعماء هؤلاء يخافون منها كما تخاف منها إسرائيل نفسها، وإلا لماذا؟.
هذا موقف غير طبيعي، الموقف الطبيعي أنك عندما تشاهد الشعب الفلسطيني في انتفاضته بدأ يستخدم الوسيلة الصحيحة فبدأ يضرب العدو ضربات موجعة هو أن تدعمه بالسلاح، أن تدعمه بالرجال، أن تسانده بالمال من أجل أن يتمكن في مواصلة أعماله ليحرر نفسه وليرفع الظلم والجبروت عن كاهله، أما أن تبادر إلى تسويات تجعل ذلك الشعب يتوقف وتصنع أمامه عائقاً، فإذا ما تحرك نفس التحرك بدا أمام الجميع كله أنه عمل غير مشروع! لماذا؟!. هذا عمل غير طبيعي.
إن هذا يدل على أنك تخاف من الإنتفاضة نفسها كما يخاف منها الإسرائيليون؛ لأن تلك العمليات, لأن تلك الأعمال البطولية، وتلك الإنتفاضة هي التي جعلت العرب, كما نشاهده اليوم مظاهرات في معظم البلدان الإسلامية, مظاهرات يرفعون فيها شعارات تهتف ضد أمريكا وضد إسرائيل، ويحرقون فيها العَلَم الأمريكي، ويحرقون فيها العَلَم الإسرائيلي، سخط يتنامى ويتداعى في الساحة العربية. يعرف هؤلاء أن هذا السخط ليس في صالحهم، أن الشعوب أن تتجه هذا الإتجاه، ليس في صالحهم هم, نفس الحاكمون، إذاً فليوقفوا هذا.
نحن أسوء من هؤلاء عندما نربط نظرتنا إلى الأحداث وموقفنا من هذه الأحداث بهم، هذا هو الموقف السيئ. لماذا؟ أنت عندما تخرج في مظاهرة تؤيد فيها تلك الأعمال، وتؤيد فيها أولئك الأبطال، ألست تطلب منهم أن يواصلوا المسيرة؟ وأنك تعلن عن وقوفك إلى جانبهم, وتأييدك لأعمالهم؟ ألست بعملك هذا تحاول أن توجه رسالة إلى عدوك وعدوهم أن الجميع قد يقفون كلهم في وجهك؟.
إذاً فليس من الطبيعي أن تقف من القضية موقف زعمائك الذين هم سيضحون بهذه الأعمال البطولية، ويكون قرارهم مما يدعو إلى إيقافها.
فنحن عندما نشاهد هذه الأحداث، ونحن عندما نكون من يعرف أنها أحداث موجهة ضد ديننا, وضد أمتنا، وضد أنفسنا, وضد مصالحنا ثم نقف منها موقف الزعماء فهذا هو أيضاً دليل آخر على أنك أسوء من ذلك العراقي الذي وقف موقف يزيد من قضية مواجهة الإمام الحسين, أنت أسوء منه.
أنت هنا تخرج في هذه المظاهرة تعبر عن هذا الموقف، وترى الزعماء يعبرون عن موقف آخر، ثم أنت من يرتبط بهم وأنت من تؤيد ما وصلوا إليه، ثم عندما تصل القضية إلى ساحتك أنت من تتبنى نفس الموقف الذي تبنوه، أنت من تقول: لا ينبغي أن نرفع مثل هذا الشعار، نحن نخاف أن تضربنا أمريكا، نحن نخاف [العصا الغليظة] العبارة الجديدة [العصا الغليظة] لتعرفوا صدق قول الله سبحانه وتعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}(المائدة:52).
ألم يكونوا دائماً يقولون: حفاظاً على مصلحة الشعب؟ إن الإمام علياً (عليه السلام) يقول: ((ما أضمر إنسان شيئاً في قلبه إلا ظهر على قسمات وجهه وفلتات لسانه)) يوم كانوا يتحدثون عن الحفاظ على الأمن ومصلحة الشعب، ومن أجل التنمية – وهو منطق الزعماء جميعاً – بدأ الصدق, صدق ما في قلوبهم: يخشون {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}(المائدة: من الآية52) بعبارة: [نخاف العصا الغليظة].
نحن يجب أن نقول: نحن لا نخاف تلك العصا التي تسمونها غليظة، ونحن لا يجوز أن نخاف من أي عصا في هذه الدنيا.
كلمة: {مَرَضٌ} في القرآن الكريم واسعة جداً، واسعة جداً، مجمل ما تعني: أنه موقف غير طبيعي، موقف غير سليم، موقف غير صحيح، موقف غير واقعي, أن تسارع إلى أعدائك وأعداء دينك، أن تسارع إليهم، أن تثبط الأمة عن مواجهتهم، ثم تتحدث بأنه من أجل الحفاظ على الأمن والمصلحة والتنمية ونحوها.
إن الله يقول: إن ذلك موقف من في قلبه مرض، سواء كان زعيماً أو مواطناً عادياً أو وجيهاً أو كيف ما كان، من يقف هذا الموقف في قلبه مرض، وليكن ذلك المرض في أدنى حالاته هو [الجُبن] وهل الجبن منسجم مع الإيمان؟ أم أن الإمام علياً (صلوات الله عليه) هو الذي قال: ((لا تجد المؤمن جباناً ولا بخيلاً)), ((البخل والجبن خَلَّتان يجمعهما سوء الظن بالله)). من كلام الإمام علي (عليه السلام) ((يجمعهما سوء الظن بالله)) مرض، فإذا كان ذلك مرض فيعني أن ذلك الموقف موقف غير صحيح.
ما هو الموقف الصحيح؟ هو الموقف الذي وجه إليه القرآن: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}(التوبة:29) أليس هذا هو الموقف القرآني؟ يخاطب الجميع زعماء وشعوب حكومات وشعوب يخاطب الجميع، كل من يحمل اسم الإسلام. إن هذا هو الموقف لكن ما الذي جعلهم يتخذون مواقف أخرى؟ مرض, وليكن ذلك المرض العشق للمنصب، الحرص على المصلحة الخاصة، أو يكون جبن أو يكون ما كان.
بل أصبحت المسألة – وهي قضية يجب أن نعيها أيها الإخوة – يجب أن نعيها, أصبحوا هم من يتعاملون مع الشعوب، فإذا ما دعونا لمظاهرة ضد إسرائيل، أصبحت فلسطين، أصبحت فلسطين نفسها الآن تستخدم وسيلة لامتصاص غضب الشعوب، لامتصاص غضب الساخطين في هذه الشعوب، الذين قد يصل غضبهم وسخطهم إلى التساؤل لماذا لا يكون لنا موقف؟ ما الذي عاقنا عن أن يكون لنا ونحن أمة لها جيوشها, لها أسلحتها.. ما الذي عاقها عن أن يكون لها موقف؟ فترى نفسها هي من تتفرج على إخوانهم, على أبنائهم, على أمهاتهم في فلسطين, تدمر بيوتهم وتسفك دماؤهم.
أليس الناس يتساءلون بعد من المسؤول وراء ذلك؟ أوليس الناس كلهم سيحمِّلون المسؤولية حكوماتهم وزعماءهم؟ إذاً قبل أن يصل الوضع إلى هذه الحالة، قبل أن يتنامى السخط، إلى أن يخلق هذه النظرة هلمُّوا أخرجوا إلى الشوارع، اخرجوا ما في نفوسكم، اسخطوا, تكلموا تحدثوا، ثم يعود اليمني، يعود المصري إلى بيته ويرى نفسه وهو في بيته مثل حالته قبل أن يخرج من بيته, ويرى والوضع هو الوضع، والجمعة هي الجمعة, والخطبة هي الخطبة، والموقف هو الموقف, موقف الزعماء هو الموقف.
هذه الطريقة ليتظاهر الناس ولوكل أسبوع على هذا النحو لا يجدي إذا لم يكن تنامي السخط في الأمة هو يتجه من منطلق الإيمان بضرورة أن تصحح هذه الأمة وضعيتها، وأن تبني نفسها؛ ليتجه الجميع لاتخاذ موقف من ذلك العدو الذي نراه يعمل بأبنائنا وأمهاتنا وإخواننا, ببيوتهم بمزارعهم بمساجدهم بمستشفياتهم في فلسطين، وفي أفغانستان، وفي كشمير وفي غيرها من البلدان؛ لنستطيع أن نوقفه عند حده، وأن نقطع تلك اليد التي تعبث في البلاد الإسلامية، في فلسطين وفي غيرها.
وإلا فليتظاهر الناس.. المظاهرة جيدة، والمظاهرة نفسها تترك أثراً أمام اليهود, وأمام النصارى: أن هؤلاء يغضبون, لكنهم سيكونون هم من يأمنون من غضبنا متى ما وجدوا أن غضب هذه الأمة لا يصب في قناة تحتويه فتحوله إلى صخرة تدك عروشهم، حينها سيأمنون غضبنا, وحينها نصرخ كما نصرخ لا يخافون منا.
يجب أن تستغل المظاهرات، يجب أن تستغل الخطب، يجب أن يستغل شعار: [الموت لأمريكا ، الموت لإسرائيل]، وغيره من كل الهتافات التي تنمي السخط في نفس الأمة لبناء الأمة، لتتجه هي هي, لتقف الموقف الذي يفك عن الفلسطينيين وغيرهم من المظلومين ممن تظلمهم أمريكا وإسرائيل وحلفائهم، ليفكوا هم وإلا فكل واحد منكم – وليس محللاً سياسياً وليس مفكراً – لو سألناه إذا كنا كل أسبوع نخرج, أو كل شهر نخرج في مظاهرة من هذا النوع والوضعية على ما هي عليه، ليس هناك من يبني اقتصادنا بناءاً صحيحاً حتى نرى أنفسنا نستطيع أن نتحمل حصاراً يُفرض علينا، نستطيع أن نقف في وجه عدوِّنا، إذا كنا لا نرى أنفسنا تُفتح مراكز للتدريب ليتدرب الشباب جميعاً على الأسلحة.
عندما ادعى الرئيس وقال: من يريدون الجهاد في سبيل الله فليتحركوا إلى فلسطين عبر أيّ القنوات، نقول: أنت قناة من هذه القنوات فسنتحرك عبرك، إذاً افتح مكاتب للتطوع، افتح مراكز للتدريب وسننطلق جميعاً نتدرب، وسننطلق جميعاً لنقاتل.
هذا هو الموقف الصحيح، ونحن نشكر لك هذه العبارة التي قد نراك في أي يوم من الأيام تضطر إلى أن تسحبها: [من كان يريد الجهاد في سبيل الله فهناك إسرائيل يتجه عبر أي القنوات] أنت واحد من هذه القنوات، أنت واحد من المسؤولين على طول وعرض هذه الأمة، أنت واحد من الزعماء الذي يجب أن يجعل من نفسه قناة تحتوي هذا الغضب؛ لتبني هذه الأمة بناء صحيحاً تجعل منها أمة مؤهلة لتواجه ذلك العدو.
نقول: إذا كنتم صادقين افتحوا مراكز للتدريب، مَوّلِونا, مولوا شبابنا، افتحوا مكاتب للتطوع وسيتجه الشباب وسنحرض الشباب, وسنتكلم مع الناس ليتطوعوا وليتدربوا، وسنتجه جميعاً نتطوع ونتدرب، ونتجه جميعاً نقاتل. لكن أما أن يكون الحديث على هذا النحو فإننا لسنا أغبياء إلى هذه الدرجة.
نحن نعرف – من قبل أن يتكلم – أن قضية فلسطين أصبحت بؤرة يحاولون أن يصبوا سخط الناس هنا أو هنا ليتجه إلى هناك، هناك فرّغ سخطك, هناك فرغ غضبك، اخرج اهتف في الشارع ضد إسرائيل، تضامن مع الشعب الفلسطيني، ثم عد إلى بيتك وترى الوضع نفس الوضع، وترى مواقف الزعماء هي نفس المواقف، وترى أن الثقافة هي الثقافة والإعلام هو الإعلام، وأمريكا هي أمريكا, وإسرائيل هي إسرائيل.
نحن لا نسمح لأنفسنا ونحن قد فهمنا – فيما أعتقد – كل شيء، نحن استطعنا أن نفهم كل شيء، وهم في نفس الوقت عندما يتحدثون معنا حديث من يرى أنه وحده من يفهم أمريكا وإسرائيل، ويفهم السياسة في هذا العالم, ويفهم الخطورة في هذا العالم، ويفهم كل شيء، أما أنتم يا أبناء الشعب فليس أحد منكم بمستوى أن يفهم؛ لأننا نحن من نسبح دائماً بحمدهم ونقدسهم ونصفق لهم، حتى أصبحوا يرون أنفسهم عظماء إلى درجة أن رأوا في أنفسهم أنه لا يمكن أن يكون هناك أحد من الناس يفهم الواقع كمثلهم.
نقول: نحن من خلال القرآن، من خلال الأحداث استطعنا أن نفهم الواقع الذي أنتم جزء منه، استطعنا أن نفهم خلاف الفهم الذي أنت تفهمه، فَهْمُكم أنتم هو الذي جعلكم ترون أمريكا وإسرائيل عصاً غليظة، أما نحن فإن فهمنا هو فهم القرآن الذي يقول: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ}(آل عمران:111) هل هذه عصا غليظة، أم أن هذه قشة؟!. هذه في الواقع قشة، وليست عصاً غليظة.
فمن الأولى بالفهم الصحيح؟ من يرى أمريكا عصاً غليظة أم من يراها وفق ما قال عنها وعن أمثالها القرآن الكريم: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ}(آل عمران:112).
هذه هي التي ترونها عصاً غليظة، هذه هي التي تجعلكم تضطربون وترتعد فرائصكم أمام مبعوث صغير من أمريكا أو من أي بلد من تلك البلدان التي ترونها كبيرة. إن رؤية القرآن, إن وراء القرآن من نزل القرآن، القوي العزيز، القادر القاهر، هو الذي يريد أن يجعل أولياءه ينظرون إلى أولئك الذين تسمونهم [عصاً غليظة] أنهم ضعفاء {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً}(النساء: من الآية76) {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(آل عمران:175).
نحن من فهمنا من خلال القرآن – وهو ما يجب أن يُفهم دائماً بالرجوع إلى القرآن وبالرجوع إلى الأحداث، ونحن أيضاً من نستطيع أن نفهم مصالحنا، ونفهم سلامتنا – إنه إذا لم يسلم ديننا فلا سلامة لنا، لا أمن لنا، لا كرامة لنا.
فعندما يتحدثون بأن من يتحدث عن الجهاد هو قد يؤدي إلى خلق إختلالات أمنية! نقول: إن من يسمح للأمريكيين بالدخول إلى اليمن هو من سيعمل على أن يجعل اليمن بؤرة للفساد، ومن سيجعل اليمن مضطرباً، من سيفقد اليمن أمْنه، وإن كان في الواقع لم يتمتع في يوم من الأيام بالأمن بالشكل الذي يريده اليمنيون، من يدخل الأمريكيين, من يسمح للأمريكيين أن يدخلوا هو من سيشكل خطورة على أمن اليمن, أوليس كذلك؟ لأن من التأكيد أن الأمريكيين لن ينتظروا اليمنيين حتى يتحرك أحد اليمنيين ليعمل شيئاً ضدهم، هم من سيفجرون على أنفسهم، هم من سيضربون أنفسهم، هم من سيضربون على سفارتهم، هم من سيضربون على أي منشئة لهم؛ ليقولوا: إنهم أولئك، إنه ذلك الشخص، أنها تلك الجماعة.
وهم من سيدخِّلون من يسمونهم إرهابيين إلى اليمن، قد يدخِّلون أفراداً من [القاعدة] فيبثونهم في مناطق في اليمن، ثم يقولون: هناك في تلك المنطقة واحد من أفراد القاعدة، هناك في تلك المنطقة واحد من تنظيم طالبان، أولئك هم يحتضنون إرهابيين، هم يساندون إرهابيين، اضربوهم!. لن يبقى لليمن أمن ولا إيمان ولا حكمة، نحن نقول عن اليمن: إنه بلد الحكمة بلد الإيمان (الإيمان يمان والحكمة يمانية) لن تبقى حكمة، ولن يبقى إيمان من بعد أن يدخل الأمريكيون.
وعندما يدخل الأمريكيون في هذه الفترة هو يختلف عن دخولهم إلى أي بلدان أخرى دخلوها قبل عشرات السنين، وأنشئوا فيها قواعد عسكرية، الآن هي المرحلة التي يتوجه فيها أولئك لضرب الإسلام، وضرب الأمة.
دخلوا بلدان وبنوا فيها قواعد عسكرية، وفعلاً انهكوها، وفعلاً أذلوها، وأنهكوا اقتصادها, وأذلوا زعماءها، لكن دخولهم في هذه الفترات لبناء قواعد عسكرية، لإرباك وضعية الأمة.. هو فعلاً سيكون في مرحلة تنفيذ الخطة الأخيرة لضرب الإسلام والمسلمين.
وما أجمل ما قال السيد حسن نصر الله – في تحليل هذه المسألة – قال: [إن أولئك عندما يتحركون ليس من أجل أموالهم ومصالحهم، فأموالهم ومصالحهم في المنطقة مأمونة وهناك قواعد تحميها، وهناك أنظمة تحميها، وليس من أجل خيرات معينة، هم من تصب خيرات الشعوب العربية في بنوكهم، إنه تحرك – قال – لضرب الإسلام، إن المستهدف في هذه الفترة هو الإسلام، هو القرآن، وقد نجد أنهم سيلغون هذه الآيات في المنهج أو في الخطب، أو في أي شيء آخر] هكذا تحدث في أول ليلة من ليالي عاشوراء، في هذه المناسبة التي نحن نحتفل بها في هذا اليوم.
من هو الذي يسعى لتحقيق أمن وطنه؟ من ينطلقون لمحاربة أولئك الذين يسعون في الأرض فساداً.. ألم يقل الله عن اليهود والنصارى أنهم يسعون في الأرض فساداً؟ من أين يأتي الفساد؟ من أين يأتي الإرهاب؟ من أين تأتي الجريمة؟. أليس منبعها الفساد الأخلاقي، الفساد الثقافي، الفساد العقائدي، الفساد الاقتصادي؟ يسعون في الأرض فساداً في كل المجالات.
إذا ما انتشر الفساد. ما الذي سيحصل؟ من هو ذلك السياسي الذي يستطيع أن يقول إن انتشار الفساد يؤدي إلى استقرار أمني؟ أليسوا يقولون هم: أن الجريمة تؤدي إلى الإختلالات الأمنية؟ الجريمة تؤدي إلى الإختلالات الأمنية.. من الذي يخلق شاباً، أو يخلق مجتمعاً ينطلق في الجريمة؟.
اقرؤوا أنتم عن الجرائم في أمريكا كم في الدقيقة الواحدة تحدث من جرائم اغتصاب – حسب تعبيرهم – من جرائم سرقة، من جرائم قتل في الدقيقة الواحدة في أمريكا!. في أمريكا نفسها المحلات التجارية يحتاج أصحابها إلى أن يكون داخلها حرس معهم رشاشات لحراستها ممن قد يسطون عليها.
مجتمع مليء بالجريمة، مليء بالإرهاب، مليء بالفساد، مليء بالنهب، لا تستطيع أن تتحرك في مدينة أمريكية وفي جيبك دولارات، فقط شيكات, أوراقاً من هذه التي ليست أوراقاً نقدية، شيكات فقط، أو سندات, حوالات أو نحوها. أما أن تتحرك ولديك لديك في جيبك دولارات فقد يقتلونك ويأخذون الدولارات من جيبك.. هل هو استقرار أمني؟ أو أنه اختلالات أمنية؟.
إن من يفقد اليمن منه هم اليهود والنصارى عندما يدخلون، هم الأمريكيون، هم أولئك الذين قال الله عنهم أنهم يسعون في الأرض فساداً، أنهم يريدون أن نضل السبيل، هم من سيفقدون كل إنسان أمنه حتى داخل بيته.
أين هي جرائم قتل الأبناء للآباء، وقتل الأبناء للأمهات، وقتل الأخ للأخت، وقتل الأخت للأم؟. أليست في بلدان أوروبا؟. هنا تعيش الأسرة كلهم مع بعضهم يأمنون شر بعضهم بعض، بل كلهم يقفون موقفاً واحداً في مواجهة صعوبات الحياة، وفي العمل في سبيل توفير معيشتهم, أليس كذلك؟.
إذا ما تمكن الأمريكيون ستنتشر الإعمال الإرهابية في اليمن, تفجيرات هنا وهناك على أيديهم هم، هم من فجر البرج في نيويورك، سيفجرون أمثاله هنا في اليمن، ويفجرون في كل مكان بحجة أنهم اليمنيون، وهم من سيفسدون أخلاقنا، ويفسدون بنينا وبناتنا، فتنطلق الجريمة في كل بيت، في كل قرية, في كل مجتمع، سيكون هناك نهب، يكون هناك جرائم لا أخلاقية، يكون هناك قتل، يكون هناك كل جريمة تتصورها.
مَنْ الذي يريد الأمن؟ مَنْ يعمل على أن يحارب من يسعون في الأرض فساداً.. أم مَنْ يعمل ويكتب الاتفاقيات معهم ويوقع على اتفاقيات أمنية معهم لدخولهم اليمن؛ ليسعون فيه فساداً؟ أم أنهم سيسلكون طريقة أخرى؟ إنها صفة لازمة لهم حكم بها القرآن عليهم.. دخلوا فلسطين سعوا فيها فساداً، يدخلون اليمن سيسعون فيه فساداً، يدخلون أي شعب سيسعون فيه فساداً. وكلمة {فَسَاداً} تعني في كل مجالات الإفساد ليس فقط في مجال معين، في كل مجال من مجالات الإفساد.
فنحن نقول للآخرين: نحن أيضاً نفهم ما هو الذي يحقق الأمن لبلادنا، لا تتصوروا بأنكم وحدكم من يمكن أن تعرفوا الآخرين، ومن يمكن أن تعرفوا مصلحة الشعوب، ومن يمكن أن تعرفوا ما يحقق للشعوب أمنها وتطورها وتقدمها وحضارتها، نحن من وصلنا إلى أن نحكم على أن سياستكم التي تقوم على هذا الأساس من أولها إلى آخرها خطأ، وتؤدي إلى انحطاط الأمة، وتؤدي إلى أن تصل الأمة إلى واقع أسوء مما وقعت فيه.
من أين ذلك؟ نحن طبعاً ليس لدينا أجهزة معلومات ولا استخبارات لكن القرآن الكريم، والأحداث والتي منها الأحداث التاريخية، وهي ما قلت سابقاً: أن الأحداث التاريخية نفسها هي كافية أن تعطي العبرة ناهيك عن الأحداث التي نحن نعاصرها، تلك الأحداث, والقرآن الكريم هي من يجعلنا نفهم مصالحنا ونفهم أمننا، ونفهم أين هي [العصا الغليظة] عصا جهنم وعصا الخزي في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة، أم عصا أولئك الذين قال عنهم: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ}(آل عمران:111)..
بل نحن من فهمنا من خلال القرآن الكريم, وما أحوجنا – أيها الإخوة – أن نرجع إلى القرآن الكريم دائماً، وخاصة في هذه المرحلة, الأمريكيون إذا ما تمكنوا – فعلاً – من سيحاولون أن يضيِّعوا القرآن، من يحاولون أن يدوسوا القرآن الكريم بأقدامهم، من سيفصلون القرآن، من سيمنعوننا عن تلاوة آيات معينة من القرآن الكريم.
يجب أن نرتبط بالقرآن الكريم من جديد، ونتعلمه ونعلم أبناءنا وبناتنا ونساءنا، ونكثر من تلاوته، ونهدي مصاحفه لبعضنا البعض وأشرطة تلاوته، نتحرك في إطار أن نشد أنفسنا إلى القرآن من جديد، وأن نرسخ قدسيته ومكانته وعظمته في نفوسنا من جديد؛ لأن القرآن,لأن القرآن هو من لو لم يكن من عظمته وفضله إلا أنه يكشف الحقائق أمامنا. لا يمكن لأي كتاب في هذه الدنيا أن يريك الحقائق ماثلة أمامك.
حقيقة منها عندما نرى زعماءنا في مختلف المناطق متى ما جاء مبعوث أمريكي، متى ما سمعوا خطاباً فيه تهديد لرئيس أمريكا, أو لأي مسؤول في إسرائيل، أو أي بلد آخر من تلك البلدان.. أليسوا من يظهرون حكماء, ويظهرون لينين, ويظهرون أذلاء، لكنهم متى وقفوا ليتحدثوا أمامنا ويخاطبونا أليسوا من يتحدث بلهجة قوية، وبشدة وبأعين مفتحة، وبأوداج منتفخة، وبالعبارات المُهدِدة؟.. ما الذي يصدق عليهم؟.
إن الله سبحانه وتعالى قال عن نوعية معينة هم من يمكن أن ينتصروا لدينه, هم من يمكن أن يقفوا في مواجهة أعدائه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ للَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}(المائدة:54) هؤلاء عندما يتحدثون معنا نراهم أعزةً علينا، نحن قد استضعفنا, قد استذلينا, قد أُهنّا من قبل الآخرين، لم يعد حديثكم بهذه اللهجة يشرفكم أن تتحدثوا به أمامنا، نحن في وضعية, وضعية المريض، وضعية المستضعف المقهور المستذل، وهو الذي يحتاج إلى كلمة رقيقة لينة منكم.
لماذا نراكم تتحدثون معنا بهذه اللهجة القاسية وبالأعين المفتحة وبالعبارات الجزلة، وتستخدمون عبارات هي عبارات الفاتحين، عبارات القادة العظماء في ميادين مواجهة أعداء الله، تستخدمونها معنا، وإذا ما كنتم تتحدثون مع أولئك, أو تواجهون تهديدات صرح بها الرئيس الأمريكي نراكم تتحدثون بلين.
أولئك هم من يحتاجون إلى كلمة قاسية، وليس نحن، هم من يحتاجون منا جميعاً إلى كلمة خشنة، إلى موقف صلب في مواجهة تهديداتهم، وفي مواجهة ما يعملونه.. لماذا أصبحتم عكس هذه الآية؟ لأنه فعلاً يكشف أن واقعكم لستم ممن يحب الله، ولا ممن يحبهم الله، ولستم ممن يمكن أن تعتز بهم هذه الأمة، ولا ممن يمكن أن ينتصر بهم الله سبحانه وتعالى لدينه؛ لأنكم أصبحتم هكذا: أعزةً على شعوبكم، قساةً في منطقكم، تتهجمون عليهم، تقسون عليهم [اضربوا بيدٍ من حديد] تستخدمونها في الخطاب مع شعوبكم.
إن مَنْ هم محتاجون إلى الضرب بيد من حديد, يدنا جميعاً – نحن وأنتم – هم أولئك الذين يضربون أبناءنا في فلسطين, وفي أفغانستان, وفي مختلف بقاع البلاد الإسلامية، مَن هو المحتاج إلى ضربة اليد الحديدية أمريكا أم هذه الشعوب المستضعفة؟ أمريكا أم نحن الذين لا نمتلك شيئاً؟.
من هو الذي يشكل خطورة على الدين والدنيا, والأمة والبشرية كلها؟ أمريكا وإسرائيل ومن يدور في فلكهم أم هذه الشعوب المغلوبة على أمرها المسكينة؟ من هو الذي يحتاج إلى أن يُضرب بيد من حديد وإلى أن تُرفع فوق رأسه العصا الغليظة؟ إنهم الأمريكيون والإسرائيليون ومن يدورون في فلكهم، وليست هذه الشعوب المستضعفة.
نحن نقول: إن من نعم الله العظيمة علينا هو القرآن الكريم، الذي استطاع أن يكشف الحقائق كلها ماثلة أمامنا حتى أصبحنا نستطيع أن نعرف زعماءنا هل هم مؤهلون لأن يفكوا عن هذه الأمة هذه المعاناة التي تعيشها، أم أنهم جزء من هذا الواقع الذي تعاني منه الأمة، إنه القرآن الكريم الذي يجب أن نعود إليه، وأنك أيضاً أنت في أي شعب كنت من أبناء هذه الأمة إذا كنت من تخاف مثل تلك الخطب المليئة بالتهديد فإنك أيضاً ممن يرى كل شيء غير الله عصاً غليظة، ممن يرى القشات عصاً غليظة.
إن الله لا يريد لعباده أن يكونوا هكذا، يريد لعباده المؤمنين أن يكونوا من هذه النوعية: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} فيما بينهم, رحماء فيما بينهم، {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}(المائدة: من الآية54)، فعندما نسمع خطابات من تلك النوعية التي توجه نحونا بعبارة مهددة تستخدم من أقسى العبارات التي كنا نتمنى أن نسمع مثلها من هؤلاء الزعماء لنقف في صفهم, و نؤيدهم ونصفق لهم لو أطلقوها في مواجهة أمريكا، لو سمعنا مرة واحدة من زعيم من زعمائنا يقول: إنه يحب أن نقف في وجه أمريكا لنضربها بيد من حديد.. أليست هذه كلمة كانت ستجعل الجميع يصفقون معهم؟ لكنها وجهت في غير مكانها، وجهت إلى غير أهلها.
نحن نقول أيضاً: نحن ممن لا يخاف مثل تلك الخطب, فلا اليد الحديدية, ولا العصا الغليظة يمكن أن تخيفنا أبداً. لأن الله سبحانه أوجب علينا أن لا نخاف غيره، أوجب علينا أن لا نخشى سواه، وذكر لنا أن كل من يخشون سواه أنهم ليسوا مؤمنين، ليسوا متقين، ليسوا جديرين بعزة ولا بحرية ولا بكرامة.. هم أيضاً يتحدثون عن الحرية أليس كذلك: نحن يجب أن نحافظ على منجزاتنا ومكتسباتنا وحريتنا وعبارات من هذه، أيّ حرية بقيت للعرب في وضعية كهذه؟ من هو ذلك العربي – زعيماً كان أو مواطناً عادياً – يستطيع أن يقول أن العرب يتمتعون بذرة من الحرية؟ أي ذرة بقيت من الحرية لأي عربي, زعيمٍ أو مواطنٍ وهو تحت أقدام, والجميع تحت أقدام من ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله، هل هناك حرية؟.
إن الحرية لا تأتي من خلال العبارات، الحرية تتمثل في عبوديتنا لله سبحانه وتعالى، العبودية التي تجعلنا أعزاء على الكافرين وأذلاء على المؤمنين، هناك الحرية, الحرية التي تجعلنا نضرب أمريكا وإسرائيل بيد من حديد، التي تجعلنا ننظر إلى أمريكا وإسرائيل قشة وليس عصاً غليظة.
نحن نقول: أنه يوم كنا نتحدث ويكون في عباراتنا ما هو عبارات قد تبدو قاسية لديهم هم قد يخافون أنها قد تؤدي إلى إضرار بهم مثلاً فواجهوها بعبارات مهددة.. أليست خطاباتنا كلها موجهة ضد أمريكا وإسرائيل ومن يدور في فلكهم وعملائهم؟ هذا هو كلامنا أم أننا نهدد الناس ونهدد الشعوب حتى يقال: بأن أولئك قد يؤدوا إلى إضرار بأمن الوطن، وأن هؤلاء قد تكون أعمالهم اختلالات أمنية. يجب أن يضربوا بيد من حديد!.
الكل في اليمن, الأحزاب, الخطباء, الناس بدءوا يثورون ضد أمريكا وإسرائيل, بدءوا يسخطون، بدءوا يهتفون بالشعارات، بدءوا يتحدثون عن الجهاد.
إن السياسة الحكيمة لزعيم في شعب كهذا هو أن يسير مسيرة شعبه، أن يتوجه هو ليقف نفس الموقف من أمريكا وإسرائيل، حينها أليس من الطبيعي أن يحظى بتأييد الناس؟ أليس من الطبيعي أن يحظى بالولاء؟ أليس من الطبيعي أن يحظى بشعبية واسعة في أوساطهم؟ لو انطلق يقف من أمريكا وإسرائيل المواقف التي نريد أن نقفها نحن والتي أصبح الخطباء يتحدثون بها في مساجدهم، والناس يهتفون بها كل جمعة، وفي كل مناسبة، والصحف تكتب عنها.. أليس ذلك هو الموقف الحكيم؟.
لكن العصا الغليظة هي التي جعلت أعصابهم ترتجف، وجعلت فرائصهم ترتعد، فلا يمكن.. لا يمكن أن يقفوا في يوم من الأيام موقفاً قوياً ما داموا يرون أمريكا عصاً غليظة, عصاً غليظة على من؟ على الشعوب؟ إذا كانت عصاً غليظة على الشعوب فإن من أقل واجباتكم أن تدعوا الشعوب لتواجه تلك العصا الغليظة دعوها تواجه وأنتم اجلسوا.
حزب الله أليس مجموعة من الشعب – أم أنه سلطة – استطاع هو أن يذيق أمريكا وإسرائيل الأمرين، استطاع أن يجعل الإسرائيليين ترتجف قلوبهم من ذكر [حزب الله]، اسم [حزب الله] أصبحت ترتجف منه أفئدتهم، أصبحت ترتعد منه فرائصهم؟.
دعوا الشعوب تواجه، أما أن تكونوا أنتم من وصل بكم الأمر إلى هذه الحالة من الضعف, إلى هذه الحالة من الوهن، تريدون أن تفرضوا هذه الحالة على الشعوب، و أصبحتم ترون أن كل الناس يرون الآخرين بأعينكم، وينظرون بنظرتكم!، لا, دعوا الشعوب أن تواجه، وكثّر الله خيركم أن تدعوا الناس يواجهون أولئك.
وكنا نقول هذه سابقاً.. كنا نقول نتمنى من هذه الدولة أن تتركنا نحن والوهابيين أول ما دخلوا اليمن، أما عندما نرى أنهم من أفسحوا المجال للوهابيين ليدخلوا، من مكّنوهم من وزارة التربية والتعليم والأوقاف ومن المساجد وغيرها، من مكنوهم ثم متى ما تحدث أحد ضدهم، أو خطب خطيب ضدهم، أو حصلت مشكلة في جامع معهم انطلقوا ليسجنوا الزيدي, ويطلقوا الوهابي.
الوهابي كان يستطيع أن يتصل مباشرة بـ[علي محسن]، والزيدي لا يستطيع أن يتصل بأحد، لا يجيبه أحد حتى المحافظ، حتى إذا ملأوا الشعب من أولئك الناس وجعلونا نقف عاجزين أمامهم؛ إذا بهم يقولون عنهم إرهابيين؛ ليخرج هؤلاء وسنأتي بنوعية أفضل! جاءوا بالأمريكيين، أزالوا الوهابيين وجاءوا بالأمريكيين!.
نحن نقول من جديد كما قلنا سابقاً: دعونا نحن والأمريكيين، دعوا الشعب اليمني هو سيتصرف مع أمريكا، ولن ينالكم سوء، ولن يمسكم سوء، أما أن تفرضوا على الشعب اليمني، ويفرض الآخرون على الشعب في السعودية، ويفرض الآخرون على الشعب في مصر.. وهكذا في كل شعب يفرضون موقفهم وضعفهم ووَهَنَهم على الشعوب فإن هذه من أعظم الجرائم عند الله سبحانه وتعالى، ومن أعظم الخيانة للشعوب وللدين وللأمة.
من أقل المطالب التي يجب أن تستجيب لها عندما يقول لك الناس: دعنا نحن والآخرين، ولا عليك من هذا، أما أن نراك تقف في صفهم, وتقف معهم، أما أن نرى الجيش – الذي يقول دائماً أنه للحفاظ على أمن الوطن وحريته واستقلاله وسلامته – نراهم هم من قد يتحولون في يوم من الأيام – شاءوا أم أبوا – ليتحركوا من أجل الحفاظ على أمن أمريكا، من أجل الحفاظ على أمن اليهود والنصارى.. هل أصبح ذلك الجيش لمصلحة اليمن أم أصبح في الواقع من يحاول أن يحافظ على أمن أمريكا؟.
فعلاً نحن كنا من قبل فترة نطالب.. هناك في المناسبات من يطلقون الرصاص، والرصاص الآن أصبحت تتساقط على رؤوس الناس، قتل فلان وقتلت فلانة، وجرح الكثير، امنعوا هؤلاء.. هل هذا إرهاب؟ أم أنه ليس إرهاباً؛ لأنه ليس داخلاً في إطار التعريف الأمريكي للإرهاب؟. إنه إرهاب لنا اليمنيين نحن في مساجدنا, في مدارسنا, في بيوتنا, في أسواقنا, في مزارعنا، في المناسبات, في الأعراس يطلقون الكثير من الأعْيِرَة النارية فتتساقط الرصاص، امنعوا هؤلاء، هذا شيء يرعبنا، المتقطعون في الطرقات يرهبوننا، النهابون يرهبوننا، لماذا لم تحاولوا أن تعملوا موقفاً واحداً للحفاظ على أمننا نحن اليمنيين؟ لكنكم قد تتحركون بأطقمكم من أجل الحفاظ على يهودي صحفي يتحرك على طول اليمن وعرضه! لو تحرك واحد من علمائنا هل يمكن أن يحظى بمرافقة جندي واحد؟.
لو سقطت آلاف الرصاص فوق رؤوسنا فقتلت كثيراً من الناس هل سيسمعون صراخ الناس [أوقفوا أولئك الذين يستخدمون الأعيرة النارية في المناسبات].
[في الغدير] هناك من يشيِّعون ذلك اليوم بدون أن يطلقوا أعيرة نارية، بعد أن عرف الجميع أن الرصاص تعود من جديد فتتساقط فتجرح هذا وتقتل هذا.. أولئك انطلقوا وأطلقوا آلاف الطلقات، وتساقطت وقتل شخص وجرح نحو أحد عشر شخصاً.. هل تحركوا ليؤمِّنوا الناس؟ لا يتحركون أبداً ليؤمنوا الناس، لكنهم سيتحركون ليؤمنوا الأمريكيين.
ومَنْ هو المحتاج إلى الأمن؟ الناس المساكين أم أمريكا التي لديها الأسلحة؟ أمريكا التي تبعد عن اليمن آلاف الأميال؟!.
ما الذي يضرهم هنا؟ ما الذي يعرض مصالحهم للخطر؟ لا شيء.. لكنا نحن من لم نتذوق طعم الأمن في أسفارنا، في أسواقنا من متقطعين، من نهابين، من رصاص تتساقط, وهكذا، ولا تقبل شكاوينا!. نحن نقول أن الأمن هو مسؤولية الدولة، ولا يجوز – ونحن نفهم أنه لا يجوز – لشخص أن يقول: أنه حريص على أمن البلد إذا كان قد سمح للأمريكيين بالدخول إلى اليمن..
إذا كنت حريصاً على مصلحة اليمن, وعلى أمن اليمن، وإذا كان يهمك أمن اليمن, ونرى منطقك صادقاً وصحيحاً فادفع الشر الخطير عن اليمن، ادفع الخطر الجسيم على أمن اليمن، إنه الأمريكيون ودخولهم، إنه إعلان الوقوف معهم في مكافحة ما يسمى الإرهاب.
نحن – أيها الإخوة – إذا ما سمعنا أي كلمة لأي زعيم من زعمائنا فلنعرضها على الواقع، ولنعرضها على القرآن، وستعرف منطق ذلك الزعيم، لا يجوز أن تكون أنت ممن يؤثر فيك خطاب زعيم من هؤلاء الزعماء إلا إذا كان منطقه وفق القرآن، إذا كان منطقه وفق القرآن حينئذٍ يمكن أن نقول.. ككلمة البشير – عندما اجتمع زعماء العالم الإسلامي في الدوحة – جاء بكلمة جميلة، جاء بكلمة قوية، نحن نردد هذه الفقرة منها تقريباً في كل المناسبات، وفي كل المحاضرات، يوم قال: [نحن في مواثيق منظمة المؤتمر الإسلامي كنا ألغينا الجهاد، وقلنا نحن سنستخدم كلمة سلام, ونتعايش مع الآخرين، وهم يقولون أنهم يريدون أن تعيش البشرية كلها في ظل أمن وسلام، فلا وجدنا سلاماً ولا أمناً ولا وجدنا مصداقية لمن يرفعون هذه], ثم قال: [يجب أن نعود من جديد إلى الجهاد لنجاهد في سبيل الله]، وقرأ آيات في الجهاد.
هذا هو المنطق الصحيح لزعيم عربي كهذا, أما من يخوفك من أمريكا، أما أن ينطلق أحد منهم يُخَوِّفك من أمريكا، فارجع إلى القرآن الكريم، ينطلق أحد منهم يريد أن يتحدث معك عن تبرير موقفه، وهو موقف يساعد أمريكا في مكافحة الإرهاب، من منطلق الحفاظ على أمن الوطن ومصلحته وتنميته! فارجع إلى القرآن الكريم، وارجع إلى الدنيا هذه وإلى أحداثها، وإلى البلدان التي دخلتها أمريكا، والشركات الأمريكية والبريطانية، ارجع وستجد الواقع وتجد الصحيح، لتعرف هل هذا الكلام صحيحاً أم لا.
وهكذا يجب أن نعود إلى القرآن الكريم، وأن نعود إلى تاريخنا، وأن يكون إحياؤنا لهذه المناسبات في هذه الوضعية التي الأمة تعيش فيها هو كلام مَنْ يستلهم العبر والدروس ليصحح فهمه، ليصحح نظرته، ليقوي إيمانه، ليعزز من موقفه، لينطلق الجميع انطلاقة واحدة، يخلعون من فوق أبدانهم تلك الأسباب التي أدت بالحسين إلى أن يقتل، الأسباب وتلك الإنحرافات, وتلك النظرات, وذلك الضلال.. ليس فقط من عاشوراء أو من قبل عاشوراء، إنها مسيرة تسير في الناس إلى يومنا هذا.
يجب أن نرفض ذلك، وسنرى كيف سيكون الواقع، وسنرى في الأخير كيف يمكن أن نتحدث عن كربلاء، وعن عاشوراء.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا إلى ما فيه رضاه، وأن يبصرنا، وأن يجعلنا من عباده المؤمنين الذين قال عنهم: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}(المائدة: من الآية54) {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(البقرة: من الآية250).
اللهم إنا نسألك أن ترحم سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين، وأن تجزيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
والعن يزيد ومعاوية، وكل من سار على طريقة يزيد، وكل من سار على نهج يزيد, وكل من تعامل مع المسلمين معاملة يزيد، في كل الأزمنة، إلعنهم لعناً وبيلاً.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]