الرئيس المشاط” مستعدون لأقسى الخيارات في حال إغلاق كل نوافذ السلام”

موقع أنصار الله  – صنعاء – 19 رجب 1440هـ

أميركا وبريطانيا تعرقلان الحلول، وإن تظاهرتا بعكس ذلك

مستعدون لأقسى الخيارات في حال إغلاق كل نوافذ السلام

حلفاء الإمارات باعوا القضية الجنوبية في سوق النخاسة

نتلقى رسائل إيجابية من «الإصلاح»، وسنساعده على إنقاذ نفسه

 

«في حال التصميم على إغلاق كل نوافذ االسلام، فإن أقسى الخيارات وأكثرها إيلاماً لم نستعملها لحدّ الآن». هذا ما يجزم به رئيس المجلس السياسي الأعلى في صنعاء، مهدي المشاط، بحزمه المعهود، في مقابلة أجرتها معه «الأخبار» في الذكرى الرابعة للعدوان المستمر على اليمن. عدوانٌ لا يبدو، إلى الآن، أن ثمة إرادة أميركية ـــ بريطانية على إيقافه، رغم تظاهر الدولتين بخلاف نياتهما. ولعلّ ذلك هو السبب الرئيس وراء تعثّر تنفيذ اتفاقات السويد، التي لا يَخفى من جهة أخرى قصورها قياساً بالواقع الذي يتطلب «حلاً شاملاً» بحسب المشاط. الرئيس الشاب، الذي خَلَف الرئيس الشهيد صالح الصماد في الـ23 من نيسان/ أبريل 2018، لا يتردد في تحميل مَن يدّعون تمثيل القضية الجنوبية مسؤولية «بيعها بأبخس الأثمان»، مشدداً في الوقت نفسه على أن «الأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت». وإذ يؤكد استمرار توارد «مؤشرات إيجابية» من حزب «الإصلاح»، فهو يبدي «استعدادنا لمساعدة كل القوى المتورطة على إنقاذ نفسها». في ما يأتي نص الحوار مع المشاط، الذي شغل سابقاً عدة مناصب قبل وصوله إلى رئاسة «السياسي الأعلى»، وكانت له بصمته فيها جميعاً

 

مع مضيّ أربع سنوات من العدوان على اليمن، هل نحن أمام فصل جديد من فصول الحرب، أم أننا دخلنا مخاض السلام؟

– بحسابات العقل والمنطق والسياسة والمصلحة، يمكننا القول إن المرحلة مرحلة سلام، بل ويفترض أن يكون قد بدأ مخاض السلام قبل فترة مبكرة، وليس بعد مرور كل هذه الفترة. اليوم، إذا ما قارنا وضعية العدو حالياً، بوضعيته لن أقول قبل العدوان، بل قبل سنة فقط، سندرك أن كل نتائج هذه المقارنة تحتّم عليه الانصياع للسلام، وأن الاستمرار في الحرب لن يكون في مصلحته بالمطلق. هذا طبعاً بحسابات السياسة والعقل والمنطق، كما أسلفت، ولكن بحسابات التجربة العملية مع تحالف العدوان بكل مكوناته، إن الدخول في فصل جديد من الحرب يصبح هو التوقع الأقرب للحقيقة. وفي كل الأحوال، نحن بالنسبة إلينا نمارس حقنا الطبيعي في الدفاع عن شعبنا وأرضنا، ونناضل من أجل حريتنا وسيادتنا واستقلال بلدنا وأمنه واستقراره، ومتى ما توقف الاعتداء توقف الدفاع. لذلك، مضينا منذ اليوم الأول بيد على الزناد وأخرى ممدودة للسلام، وما زلنا على هذا المنوال، وفي أعلى درجات الجاهزية والاقتدار لمواجهة كل الاحتمالات.

 

تفاهمات استوكهولم التي أريد منها وضع الأزمة على سكة الحل، لماذا لم يُنفذ أي منها إلى الآن؟ وهل صحيح أن ثمة تبايناً بين السعودية والإمارات في التعامل مع تلك التفاهمات؟

– التعثر في تنفيذ اتفاق استوكهولم تتضافر فيه عدة أسباب متداخلة، منها ما هو ملموس ويتصل بتعنت الطرف الآخر وتمسكه بقضايا خارج هذا الاتفاق، ومنها ما هو عائد إلى كون الطرف الآخر ليس طرفاً واحداً، بل هو تجمع أو خليط متعدد الألوان والجنسيات، ومتعدد الرؤوس والتوجهات والحسابات، كما هو معروف، إضافة إلى أن من يُدفَع بهم إلى الطاولة من بين كل هذا الخليط هم من يسميهم الشعب اليمني «المرتزقة»، وهؤلاء عبارة عن طرف مسلوب القرار، وبلا قضية، ولا يستطيعون الدخول في التزامات حقيقية، ولعلهم أيضاً يشعرون بأنهم أصبحوا بلا مستقبل بعد كل هذه الدماء وكل هذا الدمار والمعاناة اليمنية عموماً، باعتبارهم من صفّقوا لإنتاجها ومفاقمتها، وبالتالي تصبح مصلحتهم في استمرار الحرب وليس في تحقيق السلام. وأيضاً، قد تندرج ضمن الأسباب طبيعة الواقع وتعقيداته التي هي اليوم فوق قدرة الحلول الجزئية، وتستدعي التعامل معها على قاعدة الحل السياسي الشامل، وهو ما ندعو إليه باستمرار. كذلك، ما أشرت إليه في سؤالك بخصوص الإمارات والسعودية هو الآخر يندرج ضمن الأسباب. وبصرف النظر عن وجود تباين بينهما أو لا، إلا أن الإمارات ــ بلا شك ــ ترى أن من مصلحتها إبقاء السعودية في حالة استنزاف مستدام، وهذا شيء معروف.

لكن رغم كل ما أشرنا إليه من أسباب، إلا أنها لا تختزل كل الأسباب وراء كل هذا التعثر، فهناك أسباب كامنة وغير مرئية لكثير من منفذي العدوان على اليمن، وتتمثل في أن الرغبة الأميركية والبريطانية في السلام لم تنضج بعد، وإن تظاهرتا بعكس ذلك، وهذا هو السبب الجوهري من وجهة نظري. فقد يكون من مستلزمات التهيئة الأميركية ـــ البريطانية لإعادة تقسيم المنطقة وتقاسمها ـــ والسعودية تحديداً ـــ ألّا تقف الحرب في الوقت الحالي، وهو ما يفسر الخروقات المستمرة، التي تجاوزت ـــ منذ تاريخ إعلان سريان وقف إطلاق النار ـــ عشرة آلاف خرق جسيم، وصلت إلى حدّ معاودة القصف الجوي أكثر من مرة في الحديدة، بينها 19 غارة في ليلة واحدة فقط.

 

هل تحمّلون بريطانيا المسؤولية المباشرة عن التعثر في تنفيذ تفاهمات استوكهولم؟

– بريطانيا إحدى دول تحالف العدوان، وهي عضو مؤثر في التحالف، ومنذ فترة بدأت تشارك الكثير من الجهات الدولية دعواتها للسلام، وقد كنا سنعتبر هذا الموقف إيجابياً، لكن أخيراً ظهرت مؤشرات عديدة لا تدعم هذا الظن الحسن، بل ظهرت تصريحات على لسان كبار مسؤوليها تؤكد أن بريطانيا ليست داعمة لتنفيذ اتفاق استوكهولم، ويبدو أنها تسعى إما لفرض تعديلات على هذا الاتفاق، وهذا أمر غير مقبول، وإلا فهي كما يبدو ستسعى لاستئناف الحرب في الحديدة. وهي بهذه المواقف الأخيرة أثارت على نفسها أعلى درجات السخط في أوساط الشعب اليمني، الذي لن يتردد في تحميلها مسؤولية إفشال الاتفاق، وعليها بالفعل أن تتحمل مسؤولية مفاقمة المعاناة الإنسانية في اليمن، وأيضاً مسؤولية ما يستدعيه ذلك من ردود فعل واستعمال حق الدفاع، فالشعب اليمني لن يسكت طبعاً، ولن يتوانى في الاقتصاص لنفسه، وهذا بالتأكيد لن يكون في مصلحة بريطانيا، ولا في مصلحة أي طرف من الأطراف، وفقط السلام وحده يمكن أن يخدم الجميع ومصالح الجميع.

 

ما تقييمكم لأداء الأمم المتحدة في ما يتصل بتنفيذ اتفاقات السويد؟ ولماذا تبدّل موقفكم أخيراً من المبعوث الأممي مارتن غريفيث من الإشادة إلى الهجوم؟

– الأمم المتحدة لها طريقتها الخاصة في التعامل، وفي كل الأحوال نرى أنها معنية بوضع حدّ لأي طرف يحاول الخروج عن نص الاتفاق، ونرى أن هذا أقل الواجبات الملقاة على عاتقها، لأن عدم القيام بذلك لا يخدم السلام، ولن يؤدي إلى نجاح الاتفاق. فسكوت الأمم المتحدة تجاه خروقات الطرف الآخر مثلاً شجّعه على توسيع خروقاته إلى حدّ معاودة القصف الجوي، وإلى حدّ مباشرة إطلاق النار في حضرة فريق الأمم المتحدة. حدث هذا عند قيام فريقنا الفني بفتح الطريق إلى المطاحن، واستشهد الأخ العزيز المهندس محمد العذري، وكان يوجد لحظتها فريق فني تابع للأمم المتحدة، وقد تكررت الممارسة نفسها أكثر من مرة. وأيضاً اتفقنا على تنفيذ المرحلة الأولى، ثم تراجع الطرف الآخر وبدأ يتمسك بمواضيع لم ينصّ عليها الاتفاق. ولذلك، يُعدّ السكوت عن مخالفات من هذا النوع بمثابة التغطية على ما يقوم به الطرف الآخر من عرقلة وتعطيل لجهود السلام، والحقيقة هناك قصور وتقصير من قِبَل الأمم المتحدة في مسألة إلزام الطرف الآخر باحترام التزاماته، ولولا صبرنا وما تمارسه قواتنا من أعلى درجات ضبط النفس، لكانت مخالفات الطرف الآخر وخروقاته كافية لحدوث إطاحة مبكرة للاتفاق. بالنسبة إلى المبعوث الأممي، بالعكس، هو محل احترامنا، ونحن نقدّر له ما يبذله من جهود، ونقدّر له صبره تجاه ما يعانيه من مماطلة الطرف الآخر وخذلان بعض الأطراف الدولية التي بدأت تظهر عن مسؤوليها تصريحات ومواقف غير داعمة لاتفاق الحديدة.

 

إذا آلت المحادثات في شأن اتفاقات السويد إلى الفشل، إلى أين نحن ذاهبون؟ وما المقصود بالخيارات الأكثر قوة وإيلاماً التي تتوعدون بها في هذه الحال؟

– نحن نتمنى أن ننجح والأطراف الأخرى في تحقيق السلام، لأن هذا ما تحتاجه المنطقة وليس اليمن، ولكن إذا صمّموا على إغلاق كل نوافذ السلام، فإنني أسمح لنفسي بالقول ـــ بكل صدق ـــ إن أقسى الخيارات وأكثرها إيلاماً وإرباكاً وزعزعةً لم نستعملها إلى حدّ الآن، وهذا راجع إلى حرصنا على تغليب صوت العقل، وصون ما بقي من فرص السلام. وأعتقد أن أطراف العدوان تدرك هذه الحقيقة، لأنها إذا كانت لا تدركها فسيكون ذلك دليلاً على أن فقرها وافتقارها إلى الحكمة والصواب قد وصل إلى مستويات مخيفة. سأذكّرهم هنا بقول الشاعر العربي: «لو لم يكن حق الدفاع مقدساً… ما كان للحمل الوديع قرون»، وأقول لهم سنستعمل حقنا في الدفاع حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، ولن أزيد على ذلك.

الإمارات ترى أن من مصلحتها إبقاء السعودية في حالة استنزاف مستدام

ترفض الأمم المتحدة في العلن الانتقال إلى مفاوضات الحل السياسي قبل تنفيذ اتفاقات السويد، هل هذا ما يدور في الغرف المغلقة أيضاً، أم أن ثمة مساراً موازياً للمسار المعلن؟

– اتفاقات استوكهولم حلول جزئية ومؤقتة لدواعٍ إنسانية بحتة، ولا شك في أن نجاحها سيمهد جيداً لمفاوضات الحل الشامل، ولكن هي في نهاية المطاف تجربة، ويفترض أن يدفع ذلك إلى مفاوضات الحل الشامل، وبشكل أكبر. وعلى كل حال، الأمور كلها تتوقف على وجود إرادة للسلام لدى الطرف الآخر، وتحديداً أميركا وبريطانيا والسعودية أيضاً.

 

هل ثمة مبادرات مطروحة من خارج المسار الأممي؟ من أطراف إقليمية أو دولية مثلاً؟ وهل من رسائل سياسية أو أمنية أو غيرها تصلكم من السعودية تحديداً؟

– مشاورات السويد هي حتى الآن بداية مشوار السلام، بعد توقف كل أشكال المفاوضات والمحاولات لسنتين أو أكثر تقريباً، وهي كل ما هو موجود حتى اللحظة، ولم ندخل حتى الآن في أي تعاطٍ خارج مسار الأمم المتحدة، ونحن جاهزون كعادتنا للانفتاح على أي حلول صادقة أو مبادرات جادة وفاعلة ومنصفة، وإن كنا نفضّل أن تبقى دائماً تحت غطاء الأمم المتحدة.

 

ما تصوركم كقوى مناهضة للعدوان للترتيبات السياسية والأمنية التي يفترض أن توطّئ للحل الشامل في اليمن؟ وما حدود التنازلات التي يمكن أن تقدموها في هذا الإطار؟

– تصوراتنا دائماً ترتكز في جوهرها على ما يحقق السلام والأمن لليمن، ويصون عزة الشعب اليمني وكرامته وسيادته على أرضه، وامتلاكه قراره الحرّ المستقل وصون وحدة وسلامة أراضيه، بما يسهم في دعم استقرار المنطقة. وتصوراتنا هذه ترتكز على فكرة السلام العادل والشامل من خلال الحلول المنصفة والواقعية القابلة للتنفيذ، أي التي تنطلق من مراعاة تعقيدات الواقع ومتطلباته، وكل ذلك يستدعي اليوم إرادة يمنية مشتركة، وإرادة دولية داعمة لإطلاق مرحلة انتقالية جديدة محكومة بالشراكة والتوافق، تعمل في إطارها جميع الأطراف على مصفوفة عملية من الإجراءات والحلول الشاملة، سواء المتصلة بشكل الدولة ومسوّدة الدستور ورئاسة الدولة والحكومة، وغير ذلك من الجوانب السياسية، أو غيرها من قضايا الأمن والسلاح طبقاً للمرجعيات التوافقية، وفي مقدمتها مخرجات الحوار المتوافق عليها واتفاق السلم والشراكة والقرارات الدولية الداعمة، إلى جانب قضايا الاقتصاد ومعالجة الجوانب الإنسانية وحق الشعب اليمني في التعويض وجبر الأضرار وإعادة الإعمار، وقضايا كثيرة تندرج ضمن تصورات تفصيلية وتستند إلى رؤية مكتملة للحل الشامل والعادل.

 

ما تقييمكم للأوضاع في الجنوب؟ وهل ثمة تصور لديكم لكيفية تسويتها في ظلّ الاحتلال السعودي الإماراتي؟ وما الحل الذي ترتضونه للقضية الجنوبية مستقبلاً؟

– الأوضاع في الجنوب لم تعد خافية على أحد، وهي أوضاع تثير لدينا آلاماً وشجوناً لهول ما يعانيه أهلنا هناك. فالجنوب اليوم يعاني مرارة الهيمنة والبطش والسلب والنهب والاعتقال والتعذيب والاغتصاب والإرهاب وكل أشكال الفوضى والممارسات اللاإنسانية، وهو اليوم شاهد على بشاعة المحتل. لكن من زاوية أخرى، مثلت هذه الأوضاع دوافع حقيقية لاشتعال الوعي بأهمية مناهضة الاحتلال، ونحن اليوم فخورون بالحراك الشعبي الذي يتنامى يوماً بعد آخر، ويتمدد على نحو كبير ومتسارع في كافة مناطقنا المحتلة، وهذا الفعل الثوري هو وحده من يعيد الاعتبار إلى القضية الجنوبية التي نراها قضية عادلة، ووقفنا إلى جانبها، وكنا لها وما زلنا السند والإسناد منذ فترة مبكرة. القضية الجنوبية في الآونة الأخيرة تعرضت للطعن على أيدي من يدّعي زيفاً تمثيلها، ويسخّر كل مقدراتها وتاريخها وتضحيات أبنائها، في خدمة مَن؟ في خدمة الإمارات، وهذا شيء مؤسف. هؤلاء باعوا القضية الجنوبية في سوق النخاسة، وبثمن بخس، لا بل وصل الأمر بهم إلى تسويق الاحتلال قديماً وحديثاً، ووصف الاستعمار البريطاني بالشراكة، في نسف واضح وتنكر فاضح لكل تضحيات الآباء والأجداد الذين خاضوا الأهوال وفجروا ثورة الرابع عشر من أكتوبر الخالدة. ولكن هذا كله سيذهب، «فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض»، والأحرار هناك أكثر وأقوى. وفي ما يتعلق بهذه القضية، أعتقد أن الأيام حبلى بالمفاجآت، ونحن لدينا رؤية للقضية الجنوبية وهي رؤية منصفة وعادلة، وما فوق العدل ظلم وما دونه ظلم، والظلم في كلا الحالين حرام.

 

ما مدى تماسك الجبهة المناهضة للعدوان بعد كل ما مرّت به من اختبارات؟ وهل من اتصالات جديدة بينكم وبين حزب «الإصلاح»؟ وإلى أين يمكن أن تفضي؟

علاقتنا كأحزاب وطنية مناهضة للعدوان، علاقة أخوية ومتميزة، تقوم على الشراكة والتعاون والتكامل في مواجهة العدوان، وفي مشوار النضال المشترك والمصير الواحد. أما بالنسبة إلى حزب الإصلاح، وكل القوى التي التحقت بمعسكر العدوان، فنحن في الواقع نتلقى بعض الرسائل التي يمكن اعتبارها ـــ من زوايا معينة ـــ مؤشرات إيجابية، ونحن بدورنا لم ولن نألو جهداً في مساعدة كل تلك القوى على إنقاذ نفسها من ورطة الوقوف ضد الأهل والوطن والشعب، وهي والحمد لله قوى محدودة، باعتبار أن نحو 39 حزباً من أصل 42 تقف اليوم ضد العدوان. وما يبعث على السرور، أننا نلمس تنامياً ملحوظاً للوعي في أوساط تلك القوى وقواعدها، فالتضليل يتبدد والحقائق تتكشف يوماً بعد آخر تجاه طبيعة المؤامرة وحجمها، التي تعانيها اليمن، وهذا في الواقع ساعد على الكثير من أوجه التواصل، بل دفع العديد من الفاعلين داخل هذه القوى إلى التنسيق معنا، وهذا التنسيق والتواصل ليس بالضرورة أن يكون مع تلك القوى كقوى أو تنظيمات، ولكن كما ذكرت مع فاعلين ومؤثرين منتمين إليها ويعملون في إطارها ويؤثرون في قرارها. والمرحلة الآن باعتقادي أصبحت بالنسبة إلى الكثير من المغرر بهم مرحلة ندم وعودة إلى الحق والصواب، ولذلك مدّدنا فترة العفو العام ونتوقع تطورات إيجابية في هذا الصدد، خاصة أن كل شيء اليوم بات واضحاً، ولم يعد هنالك من عذر لحزب أو شخص أو جماعة في مواصلة الإساءة إلى أهله ووطنه لحساب الطامعين والمعتدين في أرضه ومياهه وثروات بلده.

 

دعوتم ولا تزالون إلى تحييد الاقتصاد اليمني عن الصراع، هل ثمة تجاوب من قِبَل الطرف الآخر مع دعوتكم هذه؟ وكيف تنظرون إلى الدور الأممي في هذا الإطار؟ وأيضاً ما خياراتكم إذا ما طالت الأزمة أكثر؟

– نعم، نحن دعونا إلى ذلك، لأن العدو لجأ إلى استعمال سلاح التجويع، وهو سلاح محرم ومجرم، ويُعَدّ جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية ويندرج ضمن مفهوم حرب الإبادة. العدو، كما تعرف، فرض حصاراً مطبقاً، وحظر المئات من السلع التجارية، وضايق التجار، ونقل البنك المركزي، واستحوذ على المرتبات والإيرادات، وحرم اليمنيين ثرواتهم النفطية والغازية والسمكية، ودمّر المنشآت الاقتصادية والأسواق والمعدات والموانئ وصوامع الغلال، وعرقل تدفق المساعدات الإنسانية، في حرب همجية وحشية ولا أخلاقية. لذلك، دعونا مراراً وتكراراً إلى تحييد الاقتصاد والبنك المركزي، وقدمنا مبادرات عديدة بغية التخفيف من معاناة شعبنا المظلوم والصامد، وكان هذا الموضوع، ولا يزال، ضمن اهتماماتنا القصوى، سواء على مستوى مشاورات السويد، أو على مستوى الاتصالات القائمة بيننا وبين الأمم المتحدة، أو على مستوى عملية التصحيح ومحاربة الفساد التي نتابعها باهتمام بالغ. وعن الأمم المتحدة، نحن نلومها لكونها لا تزال تتعامل ببرودة مع ما طُرِح بهذا الشأن في مشاورات السويد، ونحن عازمون بإذن الله على مواصلة العمل ورفع وتيرة الاهتمام بهذا المسار، إلى جانب مسارات بديلة أو موازية، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.

مؤتمر وارسو عرّى أدوات العدوان

في إجابته سؤالاً حول مشاركة حكومة عبد ربه منصور هادي أخيراً في مؤتمر وارسو، وموقف «أنصار الله» من العمل الأميركي المتواصل على فرض «صفقة القرن» على الفلسطينيين والعرب، يلفت الرئيس مهدي المشاط إلى «(أننا) من أول يوم نعتبر أنفسنا في مواجهة مباشرة مع أميركا وإسرائيل، ودورهما في العدوان على شعبنا اليمني لم يعد خافياً على أحد. لذلك، لم يكن حضور تلك الأدوات في مؤتمر وارسو أمراً مستغرباً عندنا، لأن ما يجري على الأرض منذ 4 سنوات يكشف لنا حقيقة الارتباطات والأهداف المشبوهة التي التصقت بهذه الحرب العدوانية، إذ هي في جانب كبير من أسبابها وأهدافها جاءت خدمةً للمشروع الصهيوأميركي في المنطقة ككل، الذي يهدف في الواقع إلى إقامة شرق أوسط جديد تتربع إسرائيل على قمة نظامه الإقليمي، من خلال تصفية القضية الفلسطينية، وتدمير البلدان الحاضنة والداعمة لها، ومن خلال التطبيع مع الصهاينة، وتقديم المقاومة الإسلامية عدواً بديلاً من العدو الإسرائيلي، وهو ما يعملون عليه اليوم في اليمن، وفي أكثر من بلد عربي وإسلامي. وبالتالي، فقد جاء مؤتمر وارسو دليلاً إضافياً على هذه الحقيقة الواضحة جداً بالنسبة إلينا ولشعبنا».

ويستدرك بأن «الشيء الجميل في الموضوع، ما أثاره هذا المؤتمر من ردود فعل في أوساط شعوب أمتنا المسلمة، التي كشفت بوضوح حجم الهوة بين مواقف الشعوب وتوجهاتها، وتلك الأنظمة والأدوات التي شاركت في وارسو. لقد أظهرَتْهم كأدوات معزولة بلا عمق وبلا امتداد وبلا احترام. ونحن هنا نحيّي شعوب أمتنا الإسلامية، وفي مقدمتهم شعبنا اليمني الذي كان له القدح المعلى في تعرية تلك الأدوات من خلال مسيراته المليونية التي خرجت في معظم المحافظات». ويعتبر أن «هذا الوعي الكبير هو السياج والعاصم للأمة من كل ما يراد لها ويحاك ضدها من مؤامرات خطيرة للغاية. لذلك، أدعو كل الشرفاء والأحرار في عموم البلدان العربية والمسلمة وفي مختلف أنحاء العالم إلى مدّ جسور التواصل والتضامن والتصدي المشترك لكل محاولات المسخ والتطبيع، والانتصار الدائم للقضية الفلسطينية ولمظلومية الشعوب التي تقف في خط النار الأول، وفي مقدمتها الشعب اليمني. وبهذا، لن يكون لوارسو ولا غير وارسو أي استطاعة على الصمود، لأن كيد الشيطان كما قال الله “كان ضعيفاً”، وهو في نهاية المطاف تجمع شيطاني محكوم بالفشل والهزيمة ما دامت اليقظة وما دام الوعي».

مشروع صالح الصماد لم ينتهِ

بعد استشهاد الرئيس صالح الصماد، أعلنت سلطات صنعاء المضيّ في مشروعه «يد تحمي ويد تبني». اليوم، وبعد مضيّ قرابة عام على ذلك، تُطرح تساؤلات حول مآلات هذا المشروع، وما إذا كانت ظروف الحرب تسمح بالقيام بكل ما تتطلّبه موجبات بناء الدولة. في هذا الإطار، يوضح الرئيس مهدي المشاط أن «هذا الإعلان كان بالنسبة إليّ وإلى كل زملائي في المجلس السياسي ضرباً من ضروب الوفاء للشهيد الصماد، ومظهراً من مظاهر البرّ بهذا القائد الخالد»، مضيفاً أن «هذا الإعلان، بحمد الله، لاقى تفاعلاً كبيراً من كل مؤسسات الدولة ورجالاتها، وكافة النخب السياسية والعلمية والإعلامية والعلمائية، ومن جميع مكونات المجتمع المدني». ويلفت إلى أن «الجميع تحوّلوا إلى ورشة عمل كبرى، وقد قطعنا معظم المسافات، وشارفنا والحمد لله على إكمال العمل من حيث إعداد الرؤية ووضع المصفوفات الإجرائية وإثرائها بالنقاش من كافة المعنيين والمهتمين والخبراء في شتى المجالات»، متابعاً أن «الفريق المكلف يعمل حالياً على استيعاب الملاحظات والأفكار الإضافية، وقريباً إن شاء الله نعلن اكتمال نظرية المشروع والبدء في وضعها موضع التنفيذ. ومع توافر الإرادة والعزم، سنتجاوز ـــ بعون الله ـــ كل الصعوبات والعوائق التي تضعها الحرب، فلا مستحيل أمام هذا الوعي الجمعي والعمل الجماعي، وأمام هذه الإرادة المخلصة لكل أبناء الشعب اليمني العظيم».

قد يعجبك ايضا