تهريب السلاح: ماذا تريد الإمارات في العراق؟
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
تواصل الإمارات سياساتها التوسعية في العراق. فبعد أشهر على كشف أكبر عملية تهريب للمخدرات شهدها العراق في تاريخه تمثّل بـ80 مليون حبّة مخدّر، برز إسم الإمارات مجدّداً إلى الواجهة، ولكن هذه المرّة عبر بوابة تهريب السلاح تم استيراده على أنها إرسالية لعب أطفال.
لا يعدّ التدخّل الإماراتي في الشؤون العراقية بالأمر الجديد، فقد أبو ظبي ساعدت على تنفيذ استفتاء كردستان ودعمته بشكل تام الأمر الذي أثار حفيظة بغداد في ذلك الحين، كما أنّها متّهمة بالتواصل مع بعض العشائر والأحزاب العراقية لتنفيذ أجندتها السياسيّة في البلاد، فضلاً عن احتفاظها بالعديد من المسؤولين السابقين المطلوبين بقضايا الفساد والإرهاب.
قد لا ندري الرقم الذي تحمله هذه الحاوية في تهريب السلاح والمخدّرات إلى الداخل العراقي، لا ندري عدد الضحايا العراقفيين الذين سقطوا بهذه الأسلحة، ففي العام الماضي كشفت سلطات ميناء البصرة عن شحنة مماثلة من السلاح لكن ضغوطاً قد مورست للتستّر على القضيّة، وربّما لو أن موظف الميناء لم يعمد إلى تصوير عملية ضبط الشحنة الأخيرة، وتسريب الصور إلى وسائل الإعلام، ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي لتمّ التستّر على هذه القضيّة أيضاً، كما حصل سابقاً. ولكن ما نعمله جيّداً أن الإمارات تستخدم مرفئ جبل علي لتحقيق أغراضها السياسية تارة عبر تجارة المخدّرات، وأخرى عبر السلاح وما خفي أعظم.
ما يؤكد ضلوع الإمارات بعمليات التهريب في المرفئ المذكور، هو تكرار هذه الحوادث في المناطق التي تسعى فيها الإمارات لتحقيق دور سياسي ما، فعلى سبيل المثال لا الحصر عمدت الإمارات قبل شهرين من أكبر عملية تهريب في تاريخ العراق كافية على تخدير الشعب العراقي بأكمله، عمدت إلى القيام بأمر مماثل في ليبيا، وذلك بعد تعثّر القوات الموالية لمحمد بن زايد هناك، عندما أرسلت شحنة مساعدات إغاثية إلى ليبيا عن طريق مطار طرابلس الدولي، ليتبيّن وبعد تفتيش الشحنة أنّ تلك الإغاثة عبارة عن تسعةُ أطنان من حبوب “الترامادول” المخدرة.
وعند الحديث عن التهريب في مرفئ البصرة، يجب التنبّهه إلى أن أوليف” أو شركة “الزيتونة للخدمات الأمنية” الإماراتيّة قد عقدت صفقة مع وزارة المالية العراقية لصالح الهيئة العامة للجمارك، ثم تنظيم إجراءات موانئ البصرة على المياه الخليجية. ومن لا يعرف شركة أوليف جيّداً، فهي الاسم التجاري لشركة بلاك ووتر التي تديرها الإمارات بقيادة مؤسس “بلاك ووتر” الضابط السابق بالجيش الأميركي “إريك برنس، وبعد أن خرجت هذه الشركة من العراق إثر قرارٍ برلماني، عادت هذه المرّة، ويبدو أنّه لتمارس الدور ذاته ولكن تحت شعار “أوليف” للخدمات الامنيّة.
لا نعلم وجهة حاوية السلاح، لاسيّما أن الشحنة مسجلة باسم شركة عراقية تحمل اسم جنة العقيق، وقد هرب مديرها المفوض علي الناصري إلى جهة مجهولة، ولكن هذا الأمر يدفعنا للإشارة إلى جملة من النقاط:
أوّلاً: تعيدنا عملية التهريب هذه إلى أحداث البصرة الأخيرة في أيلول الماضي والتي برز فيها دور خارجي، فضلاً عن استخدام مجهولون للأسلحة، فهل الإمارات هي المسؤولة عن تأجيج الأوضاع في البصرة في ذلك الحين؟ ماذا عن التقارير العراقية التي تؤكد استغلال ولي عهد أبو ظبي الأمير محمد بن زايد حالة الفساد والفوضى التي تعم البلد؛ بهدف الحصول على مكاسب اقتصادية، وموطئ قدم في مجريات الأحداث ومسارها، وبالتالي تحقيق طموحاته الشخصية في العراق كما يفعل في اليمن وليبيا؟
ثانياً: إنّ هذه الشحنة من السلاح تؤكد تورّط الإمارات بالمشاكل الأمنيّة التي برزت على الساحة العراقيّة منذ ظهور تنظيم داعش الإرهابي، فهل كان التنظيم على صله بالإمارات؟ ماذا عن الآثار العراقية المسروقة والتي عُرضت في متحف اللوفر بأبو ظبي؟ ماذا عن اتهام القضاء العراقي لحوالي تسعين وزيرا ونائبا ومسؤولا حكوميا عراقيا، بالتورط في قضايا فساد، من بينها سرقات آثار، وبعضهم يقيم في الإمارات؟
ثالثاً: لم تكتفِ الإمارات بتهريب السلاح والمخدّرات، بل تعمد إلى العمل على التعامل مع شبكات ومافيات تهريب النفط العراقي، وفق تحقيقات الحكومة العراقية، وتقوم بشرائها بنصف قيمته في السوق العالمية. هناك تحقيقات تشير إلى وجود جماعات مسلّحة تتغذّى مادياً على النفط المهرّب من جنوب العراق، فهل هذا السلاح مرسل لهذه الجماعات مقابل النفط أم هناك جهات أخرى تتسلّم هذا السلاح؟ ألا يعدّ هذا الأمر، كما تهريب السلاح والمخدّرات والآثار، استهدافاً لأمن واستقرار الشعب العراقي. يعلّق الخبير العسكري والمتحدث السابق باسم وزارة الداخلية العراقية اللواء الركن عبد الكريم خلف على الدور الإماراتي في العراق بالقول: ”إن الدور الإماراتي في العراق أشبه بعملية تخريب ممنهجة ومنظمة”.
يبدو أن الطموح الإماراتي في لعب دور جيوسياسي يفوق حجمها الطبيعي قد دفع بولي عهد أبو ظبي لاستخدام الطريقة الماكيفليّة، أي أن الغاية تبرّر الوسيلة. أي أن الدور السياسي الإماراتي في العراق يبرّر تهريب السلاح وتهريب المخدّرات وتهريب النفط والآثار، وربّما الاتجار بالبشر. من هنا يجب على القوى العراقيّة التنبّه جيداً إلى الدور الإمارتي في بلدهم سواءً في ميناء البصرة أو غيره، سواءً عبر شركة “أوليف” الأمنيّة أو عبر أي غطاء آخر، فدماء العراقيين أثمن من طموحات بن زايد.