يُسارِعون فيهم..!!

|| مقالات || عبد الرحمن محمد حميد الدين

 

بمُجَــرّد ظهور نتائج الانتخابات الصهيونية معلنةً فوزَ رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي اللقيط بنيامين نتنياهو، إذَا بالتهاني والتبريكات القلبية “العربية والإسْلَامية” تتوالى على مكتب نتنياهو، ويتسابق زعماءُ السعوديّة والإمارَات ومصر والأردن وسلطنة عمان والبحرين، وتركيا وغيرهم ممن لا نعلمهم..، كلٌّ منهم يتمنى أن يكون أول من ألقى..!!

 

ففي تصريحٍ له خلال احتفاليةٍ لحزب الليكود الصهيوني يوم الثلاثاء في 16 أبريل 2019م الذي تداولته وسائل الإعلام المرئية والمقروءة يقول نتنياهو: تلقيتُ تهاني على فوزي في الانتخابات من قادة دول عربية وإسْلَامية، وليس من قائدٍ واحد أَو قائدين، بل من الكثير منهم!!

 

وبالرغم أنه لا يوجد لدينا أسماء بأُولئك الزعماء الذين قصدهم نتنياهو، إلا أننا ذكرنا قادة الدول العربية والإسْلَامية التي هي أَكْثَــر تطبيعًا وتعزيزًا للعلاقات مع الكيان الصهيوني اللقيط، والتي من المؤكّــد أنها أول من باركَ تلك النتائج على المستوى الرسمي.

 

لم يراعِ أُولئك الزعماء المُنحطّون حتى يتم الإعلان الرسمي لنتائج تلك الانتخابات، وَإذَا بالتهاني تحنّ وترعِد -بحسب التعبير الشعبي- من زعماء العالم الإسْلَامي ووزراء خارجية تلك الدول الذين من المفترض أن تهنئتهم تعبر عن الموقف الرسمي لملايين الشعوب العربية والإسْلَامية..!!!

 

لماذا أصبح ذلك شيئًا عاديًا وعابرًا في أوساط الشعوب العربية والإسْلَامية من علماء وكُتّاب وإعلاميين ونخب؟! لماذا لم نسمع فتوى من الأزهر، أَو الزيتونة، أَو الحرمين تجاه تلك المسارعة وذلك التطبيع السري والعلني؟! فلم نرَ أَو نسمع أيَّ سخط يرقى إلى مستوى تلك العمالة الساقطة لأُولئك الزعماء والأمراء والملوك الذين أصبحوا مصدرَ عارٍ لكل العرب والمسلمين، بل وللإنْسَانية كلها، ولم نجد حتى ردة فعلٍ ولو في حدها الأدنى!!

 

لا أدري أيُّ توصيف يليق بهكذا قادة وملوك؟! وأيُّ مصيرٍ ينتظرهم؟! وسننُ الله قائمة وأعلامه ظاهرة، لقد جسَّدَ أُولئك الزعماء والملوك -وبكلِّ جدارة- قولَ اللهِ تعالى: {وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

 

ويجسّدون صباحَ مساء قولَ الله تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}، حَيثُ يقول السيد حسين بدر الدين الحوثي مُعقِّبًا على هذه الآية الكريمة ومُسترسلاً في شواهدها من زعماء العالم العربي والإسْلَامي بقوله (-رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ-):

 

“من خطورة المسألة {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} وكأن الشيء هذا كله لا يلفت النظر ولا ينتبه له، ويقفز من فوقه. {يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} لاحظوا إضافَة [الفاء] في [فترى]، كأنه يقول لك: وعلى الرغم من هذا كله، من خطورة القضية، وغموض أساليبها، وخطورة نتائجها وغاياتها، التي هي في الواقع تدفع كُــلّ إنْسَان أن يكون بعيداً جداً جِــدًّا عن هذا، أَو بطيئاً وهو ينطلق نحوهم على أقل تقدير، بطيئا وهو ينطلق نحوهم لكن لا، ترى من داخل المؤمنين من يسارعون فيهم. ماذا يعني يسارعون فيهم؟. يسارعون نحو توليهم نحو خدمة ضمائرهم، نحو تنفيذ خططهم، مسارعة، أليس هذا الموقف مضاد جِــدًّا لما كان ينبغي لأي إنْسَان مؤمن أن يكون عليه؟ أن يكون بعيداً جداً، جداً عنه أن يكون في نفسه أطرف ميل، أَو أن يكون قلبه من القلوب التي يمكن أن تتعرض لأَن تواليهم، ولو بأدنى ولاء؟”. (سورة المائدة الدرس الأول)

 

ويقول -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ-: “ثم هنا يأتي تهديد لهم، تهديد لأُولئك الذين يسارعون فيهم ممن في قلوبهم مرض ويبرّرون مسارعتهم بأيّ كلامٍ كان، الله يقول لهم: {فَعَسَى اللَّهُ} وَ[عسى] من قبل الله هي وعد، عسى من جانب الله هي وعد، فهو إذاً يَعِدُ بأن أُولئك الذين يسارعون [هم فعلاً يعرضون أنفسهم لخطورة بالغة].

 

إذا كنتم تخشون دائرة وتقولون هكذا فافهموا بأنكم ستتعرضون لغضبٍ سريع، انتقام عاجل، (الفاء) في {فَعَسَى} يفيد التعاقب وتعاقب الأحداث بسرعة {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا}(المائدة: من الآية52) ما كأنها إلا عشية أَو ضحاها، {فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}(المائدة: من الآية52) على ما كان في واقع قلوبهم، تلك القلوب المريضة من أشياء، هي الحقائق التي على أساسها ينطلقون نحو المسارعة”. (سورة المائدة الدرس الأول)

 

ويقول (-رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ-): “هذه الآيات تشير إلى أن الواقع سيتغير، وسيرى كُــلّ أُولئك الذين يسارعون إلى تولي اليهود والنصارى تحت عنوان: [نخشى أن تصيبنا دائرة ونحافظ على شعوبنا ونحافظ على كذا.. ] أنه سيأتي اليوم الذي يندمون على موالاتهم لليهود والنصارى تحت هذا الغطاء، وستتكشف الأمور حتى يرى الناس أُولئك الذين كانوا يظهرون أحياناً بكلامٍ براقٍ ويحضون بألقاب [كفارس العرب] أَو [حارس البوابة الشرقية للأُمَّــة العربية] ونحوها، {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ}(المائدة: من الآية53) تتكشف الأمور فترى أُولئك إنما هم أولياء خالصوا الولاء، وعُمَلَاء مخلصون في عمالتهم لإسرائيل ولليهود وللنصارى {فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ}”. (يوم القدس العالمي).

 

نعوذ بالله من شرِّ المنقلب وسوء الخاتمة، لم يَعتبِر أُولئك الرؤساء والملوك مما حصل لزعماء عرب كانوا أقرب لأمريكا منهم، أين كانوا وأين أصبحوا!! واليوم الرئيس السوداني عمر البشير تتخلى عنه أمريكا والسعوديّة والإمارَات بعد أن استدرجته لخدمتها في اليمن مقابل شطبه من قائمة الإرْهَاب، وها هو يُشطب من قائمة الحياة ويُساق إلى زنازين أمريكا ومحكمة الجنايات الدولية!!

 

وبحسب محللين سياسيّين صهاينة وغربيين يُعدّ مِـلَـفّ التطبيع أحد أهمّ المِـلَـفّات المهمة التي ساعدت نتنياهو على نجاحه في الانتخابات، إذ أنّ زياراته الأخيرة لبعض الدول والسلطنات العربية التي زارها لأول مرة، ومؤتمر وارسو الذي عُقِد بطلبٍ من إسرائيل لتشكيل تحالفٍ إسرائيلي وعربي ضد إيران، كلُّ ذلك؛ بهَدفِ تعزيز الثقة بين قادة الصهاينة وبين المستوطنين اليهود الذين فقدوا الأمل والأمان. وقد عبَّرَ نتنياهو عن ذلك بقوله: يوجد هنا أملٌ كبير حيال المستقبل فحوَّلنا إسرائيل إلى قُــوَّة عالمية صاعدة!!

 

يحق لنتنياهو أن يقول ذلك؛ لأَنَّه يرى سِباقًا ومسارعة عربية وإسْلَامية رسمية غير مسبوقة في تأريخ اليهود على وجه الأرض!! لكنه يتجاهل أن ثمة قُــوَّة صاعدة ستمحو إسرائيل من الخارطة العربية والإسْلَامية، إنها قُــوَّة الله التي أودعها في أنصاره اليمانيين الذين استبدل اللهُ بهم مَن سارعوا إلى التطبيع من زعماء وملوك وسياسيّين.

 

وليس من قبيل الصدفة أن تكون أعلى درجات المسارعة العربية والإسْلَامية باتّجاه التطبيع مع العدَوّ الإسرائيلي وصفقة القرن، متزامنةً مع المرحلة التي يبرز فيها مكونٌ إسْلَامي في العمق العربي يمتلك مشروعًا عالميًا، ورؤية واعية وقُــوَّة متصاعدة، وقيادة شابة وحكيمة ومتميزة، وموقعًا استراتيجيًا، ومخزونًا بشريًا ونفطيًا ضخمًا.. هذا هو القَدَر الذي تُساق إليه إسرائيل وأمريكا وأعراب السعوديّة والإمارَات ومن لفَّ لفيفَهم.

 

والعاقبة للمتقين..

قد يعجبك ايضا