“رابطة العالم الإسلامي” وتعبيد طريق التطبيع
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
بعد سنوات على التطبيع السرّي، والعلني غير الرسمي، تضع السعوديّة نفسها على سكّة التطبيع العلني والسرّي. وتأتي عملية التطبيع الجديدة بعد سلسلة من الخطوات التطبيعية الرسميّة التي قادتها الإمارات والبحرين، وكذلك بعد مئات المقالات والتقارير الإعلاميّة السعوديّة التي روّجت لمسار التطبيع الذي يقوده ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
التطبيع الجديد تمثّل بإعلان وزارة الخارجيّة الإسرائيلية اعتزام وفد صهيوني زيارة السعودية بناء على دعوة من رابطة العالم الإسلامي. وقد قال حساب “إسرائيل بالعربية” (وهو حساب رسمي تابع لكيان الاحتلال): إن “الزيارة ستتم في يناير 2020، حسبما أعلن أمين عام الرابطة الشيخ السعودي محمد بن عبد الكريم العيسى”.
لم يكن اختيار رابطة العالم الإسلامي عبثياً، بل سعت الرياض من خلال اختيارهها لمنظمة منظمة غير حكومية تمولها السعودية، ومقرّها في مكّة، لأن تضفي طابعاً مذهبياً على هذه الزيارة، كون المنظمة التي تشجّع على الحوار بين الأديان.
لم يمضي الكثير على انتشار هذا الخبر، حتّى بدأت ردود الأفعال الغاضبة بالنيل من الشيخ العيسى، لتسارع الرابطة السعوديّة إلى التبرير على صفحتها على وسائل التواصل: “المتحف الوثائقي لتاريخ الهولوكوست المدعو من الرابطة للزيارة في ضيافتها يتعلق بوفد أمريكي مستقل ومتنوع دينياً حيث ثمنت الرابطة اهتمامه بعدد من القضايا داخل متحفه منها قضايا اللاجئين السوريين والمجازر ضد الروهينجا ولا علاقة للزيارة مطلقاً بأي اتفاقية موقعة شاملة لوفد ديني خاص زائر”، حسب زعمها.
نتمنّى ان تكون الزيارة على هذا النحو، رغم أن النظرة السريعة على مسار رابطة العالم الإسلامي منذ أت تسلّمها الوزير السعودي السابق العيسى، يؤكد أنها تسير وفق برنامج الامير بن سلمان، ولكن تحت شعار ديني. العيسى الذي زار متحف ذكرى الهولوكوست بالولايات المتحدة، في عام 2017، وأعلن أن إنكار الهولوكوست جريمة ضد الإسلام، قد أقام مأدبة عشاء بمشاركة السفراء العرب المعتمدين لدى فرنسا، ليقوم بدعوة الحاخام موشيه صباغ، حاخام كنيس باريس، لحضور هذه المأدبة.
كتبنا سابقاً على هذه الزاوية أنّنا نقبل على مرحلة عنوانها “مع كل فنجان قهوة تطبيع جديد”، وقد كان هذا النص عنوانا للمقالة آنفة الذكر، وبالفعل هذا ما نشاهده عندما نتابع المشهد السياسي الخليجي، وتحديداً السعودية والامارات والبحرين.
وبين احتفاء وزارة الخارجيّة الإسرائيلية بدعوة رئيس رابطة العالم الإسلامي لوفد الهولوكست، وتبرّير الرابطه، تجد الإشارة إلى التالي:
أوّلاً: التطبيع اليوم تحت شعار أكثر جاذبية من كل ماسبق، التسامح بين الأديان، وكأن العالم الإسلامي على عداوة مع الدين المسيحي أو اليهودي. يبدو واضحاً أن الأمير محمد بن سلمان يعمد إلى تشجيع رجال الدين على الانخراط في حملة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. مقابل ذلك، هناك الكثير من رجال الدين الذين كانوا أسياد المملكة في حقبة الملك عبدالله، يقبعون خلف القضبان اليوم. وبالتالي، يسعى بن سلمان لإضفاء الطابع الديني على خطواته السياسيّة، دون أدنى اعتراض، وبالاعتماد على أشخاص من ضمنهم محمد بن عبد الكريم العيسى، وزير العد السابق، الذي يدور في فلك ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والمعيّن حديثاً في رابطة العالم الإسلامي.
ثانياً: يرى الباحث الفرنسي والخبير في الشأن السعودي ستيفان لاكروا أن الصمت هو أقصى ما يمكن فعله من قبل رجال الدين في السعوديّة، ليضيف: إن أحد أكبر التحديات أمام محمد بن سلمان ليس الإبقاء عليهم صامتين، ولكن إقناع أكبر عدد ممكن منهم بتأييده علناً، وهذا يمكن أن نراه في بعض العلماء مثل محمد بن عبدالكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، أو أشخاص أكبر سناً مثل عبدالله المطلق، عضو هيئة كبار العلماء. وأنا أعتقد أن بقاء العلماء صامتين يمثل مشكلة للمملكة، وأعتقد أن محمد بن سلمان يريدهم أن يؤيدوه علناً.
ثالثاً: لا تقتصر سياسات بن سلمان على الأفراد ، بل يولي أهمية كبرى للمؤسسات الدينية، الحكومة أو غير الحكوميّة، حيث يعمد إلى وضع “علماء التطبيع” من جهة، وتبرير سياساته الداخلية من جهة أخرى، على رأس هذه المؤسسات التي من ضمنها رابطة العالم الإسلامي . فبعد أقل من عام على تعيين العيسى جرت جملة من الخطوات التطبيعية في إطار حرف اتجاه البوصلة نحو دولة الاحتلال بفلسطين. ورغم أن القضايا السياسيّة لا تعدّ من أهداف هذه الرابطة، لكنها تحوّلت إلى منظمة سياسيّة “بلباس ديني”.
رابعاً: هناك خطوات أخرى سابقة ترتبط بفتاوى صادرةعن هيئة كبار العلماء في السعودية بخصوص الكيان الصهيوني. من ضمنها: قتل اليهود حرام- حركة حماس هي حركة إرهابية- الدعاء لنصر حزب الله في مواجهة “إسرائيل” حرام- التظاهر دعما للمسجد الأقصى حرام. الكثير من الفتاوى لا انها تصبّ في مصلحة الكيان التطبيعية فحسب، بل تساعده على الاستمرار في انتهاكاته.
في الختام، لطالما امتهن النظام السعودية تجيير فتاوى علماء الديني لصالح سياساتهم في الداخل والخارج. اليوم، ومع اقتناع بن سلمان بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، بدّل الكثير من رجال الدين السعوديين البندقية من كتف إلى كتف، وما نشاهده هو عبارة عملية تقسيم أدوار مدروسة وممنهجة أخذت على عاتقها الجانب الديني في هذا الملف. الخطوة الدينية هي استكمال للمسارات السياسيّة والاقتصاديّة والعسكرية، ولكن بشعار أكثر جاذبية “التسامح بين الأديان”.