نص المحاضرة الرمضانية التاسعة عشرة لقائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي

موقع أنصار الله  – صنعاء– 20 رمضان 1440هـ

أعوذ بالله مِن الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمِن الرحيم

الحمدُ للهِ ربِ العالمين، وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ الملكُ الحقُ المبينُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمداً عبدُه ورسولُه خاتمُ النبيين.

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صلَّيتَ وباركت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.

وارض اللهم بِرضاكَ عن أصحابِه الأخيارِ المِنتجبين وعن سائرِ عِبادِك الصالحين.

أيها الأخوةُ والأخوات، السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته..

وتقبّلَ اللهُ مِنا ومِنكم الصيامَ والقيامَ وصالحَ الأعمالِ، اللهم اهدنا وتقبل مِنا إنكَ أنتَ السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.

في الحديثِ عن الفريضةِ الإلهيةِ المُهِمَة التي هي الجهادُ في سَبيلِ اللهِ سبحانه وتعالى، يتضحُ لنا مِن خِلالِ الواقع ومِن خِلالِ العودةِ إلى القرآنِ الكريمِ ومَعرفةِ السُنَنِ الإلهيةِ والتأملِ في توجيهاتِ اللهِ سبحانه وتعالى، أنَّ اللهَ ـ وهو الذي في كل ما شَرَعَهُ لنا وأمَرَنَا بِهِ ـ إنّما يأمرُنا بِما هو خيرٌ لنا، وأنّه جلَّ شأنُه يُوجِهُنا إلى ما فيهِ الرشادُ والفلاحُ والفوزُ لنا، لأنّه غنيٌ عنّا وعن أعمالِنا وعن طاعتِنا، لا تنفعُه طاعتُنا ولا تضرُه معصيتُنا، فعندما أمَرَنا بالجهادِ في سبيلِه قال جلَّ شأنُه {وَمِن جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفسِهِ} (العنكبوت ـ 6)، قال جلَّ شأنُه {ذٰلِكُم خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمونَ}(التوبة ـ 41).

اللهُ سبحانه وتعالى جعلَ مِن أعظمِ ما يَرعى بهِ عِبادَه، وأعظمَ نعمةٍ وأجلَّ نعمةٍ أنعمَ بها عليهم، الدِينَ، نعمةُ الدينِ الإلهي الذي نتحركُ فيه ونَنظِمُ مَسيرةَ حياتِنا على أساسِه بالالتزامِ بتلك التعليماتِ والتوجيهاتِ التي مَصدرُها اللهُ سبحانه وتعالى، وهي مِن مِنطلقِ رحمتِه وهو أرحمُ الراحمين، ومِن مِنطلق حِكمتِه وهو أحكمُ الحاكمين، توجيهاتٌ تَصِلُنا بتدبيرِه وهو الذي يُدبِّرُ شؤونَ السماواتِ والأرض، وهو مَلِكُ السماواتِ والأرضِ، وهو الذي بِيدهِ  الموتُ والحياةُ، ويُذِّلُ مَن يشاءُ ويُعِّزُ مَن يشاءُ وإليهِ المصير، وهو الذي يُحاسِبُ وهو الذي يجازي، فتوجيهاتُه وأوامرُه ودِينُه الذي نَدينُ بهِ في هذه الحياةِ هو مُهمٌ بالنسبةِ لنا لأنَّ مَصيرَنا في الحياةِ الدنيا في تدبيرِ اللهِ وفي ما يكتبُه لنا أو علينا ومَصيرُنا في الآخرةِ سيكونُ بناءً على مَدى التزامِنا بهذا الدِينِ أو مَوقفِنا مِنه.

فالدينُ في أساسِه هو نَظمٌ لحياةِ البشرِ على أساسٍ مِن هَدي اللهِ وتوجيهاتِه، واللهُ رحيمٌ بعبادِه، ما كان لِيَهمِلَهُم في مجالاتٍ مُهِمَةٍ وجوانبَ أساسيةٍ، إنْ لم يُقدِّمْ لهم فيها الهداية والتوجيه يُمكن أن يترتبَ على ذلك الضَررُ الكبيرُ عليهم في واقعِ حياتِهم، اللهُ رحيمٌ  بعبادِه، هو القائلُ جلَّ شأنُه {وَمَا اللَّهُ يُريدُ ظُلمًا لِلعِبادِ}(غافر ـ 31)، والقائل جلَّ شأنُه {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ)(آل عمران ـ 108)، وهكذا يقولُ {وَما رَبُّكَ بِظَلّامٍ لِلعَبيدِ} (فصلت ـ 46)، فلا هو يَظلِمُ ولا هو يُريدُ لهم أن يُظلَموا.

مِن أكبرِ مَا نُعاني مِنه في واقعِ الحياةِ ـ وفي المُقدمةِ المسلمون ـ المعاناةُ مِن الظُلم، نحنُ أمَّةٌ مظلومةٌ، نحن أمَّةٌ تتجهُ الكثيرُ مِن الأممِ مِن مختلفِ الدياناتِ والأقوامِ بالعِداءِ لنا والتسلطِ علينا والطمَعِ فينا وفي أرضِنا وفي مُقدراتِنا، وتتوجهُ للاستحواذِ علينا والسيطرةِ علينا والتحكمِ بنا، وهذا ما حَدَثَ على مَرِّ التاريخ، كم هجماتٌ عانتْ مِنها الأمَّةُ مِن خارجِ الأمَّة؟، التَتارُ في هَجمتِهم المُدمِّرَةِ على العالَمِ الإسلامي، الصليبيون في حَملاتهم المُدمِّرَةِ التي فَتكوا فيها بالمسلمين وقَتلوا وهَتكوا العِرْضَ وسَبَوا النساءَ، سَبَوا الآلافَ المُؤلَّفةَ مِن نساءِ الأمَّةِ الإسلامية، وأخذوا البعضَ مِنهُنّ إلى أوروبا واحتلوا أجزاءً واسعةً مِن بلادِ الأمَّةِ الإسلاميةِ، وفي ما بعدَ ذلك الاستعمارُ البريطانيُ، الهجمات التي أتتْ مِن دولٍ غَربيةٍ كثيرة، الاستعمارُ الفرنسي، الاستعمارُ الإيطالي، الاستعمارُ الألماني لِبعضِ الدولِ العربيةِ كذلك والإسلامية، ما قبلَ ذلك الهجماتُ مِن البرتغاليين، كمْ عانتْ الأمَّةُ في تاريخِها مِن حالةِ الاستعمار؟ وكمْ عانتْ مِن حالةِ الاستهداف؟، واليومَ نُعاني مِن الاستهدافِ الأمريكي والاستهدافِ الإسرائيلي والاستهدافِ مِن دولٍ أخرى والاستعمارِ والهَيمَنةِ والسَيطرةِ والتحكمِ بالأمَّةِ في قراراتِها وتوجهاتِها وفي مَواقفِها والاستئثارِ بِخيراتِها والنهبِ لِمُقدراتِها، لماذا؟ لماذا كلُ هذهِ المُعاناة؟ لماذا هذا الاستهداف؟ لماذا هذا الواقعُ الذي تَعيشُ فيهِ الأمَّةُ مَطمَعاً لغيرِها؟، ويَرى فيها ا لآخرون فَريسةً سهلةً يتنافسونَ عليها ويتسابقونَ عليها ويَرون فيها مَغنماً عظيماً وهائلاً ومُغرياً يَتقافزون عليهِ؟ معَ مَا عانتْ مِنهُ الأمَّةُ مِن الاستبدادِ الداخلي والظُلمِ الداخلي مِن خِلالِ الدولةِ الأمويةِ، الدولةِ العباسية، دولٍ كثيرةٍ تعاقبتْ على هذهِ الأمَّة، هل توجيهاتُ اللهِ وهل دينُهُ لم يأتِ فيه ما يُمَثِّلُ حمايةً للأمَّةِ؟ ما يبني الأمَّةَ لتكونَ أمَّة قويةً ذاتَ مَنَعَة في مواجهةِ هذه التحدياتِ والأخطار؟ هل الدِينُ الإسلاميُ نتيجةُ التمسُكِ بِهِ أن نكونَ نحنُ كمسلمينَ أضعفَ الأمّمِ أذلَّ الأمَمِ؟ الأمَّةَ التي يَدوسُها الآخرون ويَطمعُ بِها الآخرون؟ وتتوارثُها قوى الاستعمارِ مِن الدِياناتِ الأخرى والأمّمِ الأخرى؟، يأتي الصليبيون، يأتي بعدَهم البريطانيون الفرنسيون الإيطاليون والبرتغاليون قَبلَهم، يأتي بعدَ ذلك الأمريكي ليكونَ الوارِثَ، وهكذا في كلِ مرحلةٍ مِن المراحلِ يأتي وارِثٌ يَرِثُ هذه الأمَّةَ، وكأنّها قِطعةٌ مِن المُمتلَكاتِ التي يَتداولُها الآخرون، هذهِ حالةٌ مُؤسِفةٌ حالةٌ مأساويةٌ حالةٌ مُحزِنَةٌ، أن نكونَ هكذا أمَّةً ضعيفةً، مرَّةً يأتي الأمريكي، قَبْلَهُ البريطاني، ومِن هناك الفرنسي، في كلِ فَترةٍ يأتي أحدٌ مِن هنا أو مِن هناك لِيَرِثَنَا، لِيَرِثَ السيطرةَ علينا والتحكمَ بِنا والنَهبَ لثرواتِنا ومُقدَّرَاتِنا، هذهِ مأساةٌ، هذه حالةٌ غيرُ لائقةٍ بِنا بحسبِ دِينِنا وتوجيهاتِ اللهِ لنا.

عندما نعودُ إلى القرآنِ الكريمِ نَجدُ أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى ـ وهو الحكيمُ والرحيمُ والمَلِكُ والعظيمُ والعزيزُ والجبَّارُ والقهَّارُ ـ لا يُريدُ لنا أبداً أن نكونَ على هذا النحو، الأمَّةَ الضعيفةَ التي دائماً يأتي الآخرون جِيلاً بعدَ جيلٍ مرحلةً بعدَ مرحلةٍ لِيطمَعُوا بها ويَتوارثوها ويُسيطروا عليها ومِن يَدٍ إلى يَدٍ يَستلموها، هذه حالةٌ سلبيةٌ جداً، في كلِ فترةٍ يأتي مُستَعمِرٌ يُسيطرُ حتى يَضعُفَ، عندَما يَضعُفُ يأتي المُستعمِرُ الآخرُ فيستلمُ الدورَ وذاك يُسلِّمُ لَه، “تَفَضَّلْ هذه الأمَّةَ الإسلامية”، ليسَ هذا فحسب، بلْ في كلِ حقبةٍ استعماريةٍ يَقومُ أولئك المُستعمِرُون بِرَسْمِ مَسارِ هذهِ الأمَّةِ لمراحلَ قادمةٍ، حتى على المُستوى السياسي والجغرافي، خططٍ جديدة ومساراتٍ جديدةٍ وتقسيماتٍ جديدة، مِثلَما فَعلوا بتجزئتِنا، كُنا أمَّةً كبيرةً فقاموا بتجزئتِنا إلى دُويلات، والآن تحتكمُ الأمَّةُ إليهم عندَ الاختلافِ على الحُدود، “أنتم مَن قُمتم بتقسيمِنا والآنَ لدينا خلافٌ، عندما قُمتم بتقسيمِنا أينَ وَضعتُم الحدَّ بينَ هذه المِنطقةِ وتلك؟”، ويَضعونَ عليها مِن العُملاءِ الذين يَدينُون بالولاءِ لهم ويُنفِّذون مُؤامراتِهم ومُخططاتِهم ويُواصلون المشوارَ في التحكمِ بالأمَّة لمراحلَ زمَنيةٍ طويلةٍ.

اللهُ سبحانه وتعالى هو العظيمُ هو الرحيمُ هو الحكيمُ هو العزيزُ، وثمرةُ دِينِهِ هي عِزةٌ هي حريةٌ هي كرامةٌ هي قوةٌ، أن تتصلَ بتوجيهاتِ الحكيمِ هي توجيهاتٌ حكيمةٌ تُكسِبُكَ الحِكمة، الحكمة هي تصرفٌ صحيحٌ سياسةٌ صحيحةٌ عملٌ صحيحٌ رؤيةٌ صحيحةٌ فكرةٌ صحيحةٌ، أن تتصلَ بالعزيزِ في توجيهاتِه وتَحظى برعايتِه تَكسِبُ العِزةَ، ولهذا يقولُ اللهُ {وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسولِهِ وَلِلمُؤمِنينَ}(المِنافقون ـ 8)، اللهُ يُريدُ لنا أن نكونَ أعزاءَ، ولهذا يقولُ في آيةٍ أخرى {أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكافِرينَ}(المائدة ـ 54)، {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}(الفتح ـ 29).

الدِينُ في جَوهرِه في مبادئِه في قِيمِه في تشريعاتِه، دِينُ اللهِ الإسلامُ العظيمُ هو على النحو الذي إذا التزمنا بهِ وتَمسَّكنا بِه وتحرَّكنا على أساسِهِ ونَهضنا في واقعِ حياتِنا على أساسِهِ يَبنينا أمةً مُستقيمةً مُستقلّةً، متحررةً مِن التبعيةِ، وقويةً في مُواجهةِ التحديات، ويُنظِّمُ حياتَنا في كلِ المجالاتِ ومِنها مجال الصراع، الصراعُ ـ الذي هو كَما كرَّرنا كثيراً ـ جزءٌ مِن واقعِ هذه الحياةِ لا مِناصَ مِنه، حالةٌ قائمةٌ، فكيفَ نُمارِسُ هذا الصراعَ ويتحولُ في واقعِنا إلى حالةٍ إيجابيةٍ، حالةٍ إيجابيةٍ على كل المستويات؟ على المُستوى التربوي والإيماني والأخلاقي والنهضوي، على مُستوى العملِ في فَضلِه وأجرِه عندَ اللهِ، وما يترتبُ عليهِ أيضاً في الآخرةِ، وعلى المُستوى الاجتماعي والداخلي للأمَّةِ، وهذا هو فَضلُ وأثرُ الجهادِ في سَبيلِ اللهِ سبحانه وتعالى، لأنَّه الذي يُنظِّمُ لنا كيفَ نُواجِهُ التحدياتِ والأخطارَ، كيفَ ندفعُ الشرَّ، كيفَ ندفعُ الفسادَ، كيفَ ندفعُ الطُغيانَ، كيفَ ندفعُ المُنكرَ، وكيفَ نتحركُ في حركةِ الحياةِ هذه في ما يتعلقُ بالصراعِ على أساسٍ مِن التعليماتِ الإلهيةِ في الدوافعِ والضوابطِ والمبادئِ والتصرفاتِ والمُمارساتِ وفي السُلوكِ العام، هذه مَسألةٌ مُهِمَةُ جداً أهمَلَتْها الأمَّةُ وتهرَّبتْ مِنها الأمَّةُ فماذا كا نت النتيجة؟ الضَعفُ، الوَهنُ، التدجينُ، الاستغلالُ، الاستنزافُ، كوارثُ عانتْ مِنها الأمَّةُ.

في مُقدمةِ الآثارِ الطيَّبةِ لفريضةِ الجهادِ في سبيلِ اللهِ الأثرُ التربويُ إيمانياً، هناك أشياءٌ كثيرةٌ في الدِين، بلْ ما مِن شيئٍ في دينِ اللهِ وتعليماتِ اللهِ سبحانه وتعالى إلا ولتطبيقِه والالتزامِ بِه أثرٌ إيجابيٌ في النفْسِ وفي الواقعِ، هذه قاعدةٌ عامةٌ لكلِ ما أمرَنا اللهُ بهِ سبحانه وتعالى، أثرٌ إيجابيٌ في النفْسِ في المَشاعرِ في الوجداًنِ، يُطهِّرُ مشاعرَ الإنسانِ يُزكّي النفْسَ البشريةَ، يُسهِمُ في ترسيخِ مَشاعرِ الخيرِ في تَنميةِ مَكارمِ الأخلاقِ وتَجذيرِها في الوجدانِ والمَشاعرِ، يُصلِحُ النَفْسَ، وفي الوقتِ نفسِه أثرٌ إيجابيٌ في واقعِ الحياة، أثرٌ إيجابيٌ في حياةِ الإنسانِ نفسِه، في ما يحتاجُ إليهِ في صَلاحِ حياتِه واستقرارِ حياتِه وازدهارِ حياتِه وحلِّ مَشاكلِه.

الجهادُ في سَبيلِ اللهِ له أثرٌ تربويٌ عظيمٌ ومُهمٌ في نفَسيةِ الإنسانِ، لاحظوا الكثيرَ مِن الأعمالِ والكثيرَ مِن المساعي التربويةِ لِلنفْسِ البشريةِ لكي تكونَ أعظمَ إيماناً، الحالةُ الإيمانيةُ هي حالةٌ بينَك وبينَ اللهِ في مَحبَّتكِ للهِ في خَوفِكَ مِن اللهِ في خَشيتكِ مِن اللهِ في تعظيمِك للهِ سبحانه وتعالى، وبالتالي في طاعتِك له والتزامِك العَملي بتوجيهاتِه في هذهِ الحياة.

كثيرٌ مِن الجهودِ التربويةِ مِن الوُعاظ والمُعلمين والبعضُ مِن العُلماءِ والمُرشدين الذين لَديهم توجهٌ جُزئيٌ لِلقَبولِ بِبعضِ الدِينِ ورَفضِ البَعضِ الآخر، والذين يَقتصرونَ على بَعضٍ مِن الإسلامِ والدينِ ويَشطبُون ما تبقى مِنه، كمْ يَبذلُون مِن جُهودٍ في مواعظِهم ومُحاضراتهِم وتَثقيفِهم وتَعليمِهم لِيُعزِّزُوا المَعانيَ الإيمانيةَ في نَفسيةِ الإنسانِ ومَشاعرِه كيفَ يجعلونَ مِنه إنساناً خاشِعاً للهِ خائِفاً مِن اللهِ خاضِعاً لله؟، كمْ يبذلُ الواحِدُ مِنهم مِن جُهدٍ وهو يُخيفُ الآخرين مِن القَبْرِ وأهوالِه وسَكَرَاتِ المَوتِ وكَوارِثِه وغيرِ ذلك؟، في سعيٍ حَثيثٍ للإيصالِ بالإنسانِ إلى دَرجةِ أن يَبكيَ، فإذا بكى الإنسانُ مِن تلك الأهوالِ والمآسي والأمورِ الرهيبةِ والأهوالِ الكبيرةِ يَرتاحون، ويَعتبِرُون أنّهم قد حقَّقوا نجاحاً كبيراً في التأثيرِ على هذا الإنسان، فَقَدْ أوصَلُوه إلى درجةِ أن يَبكيَ مِن تلك الأهوالِ الرهيبةِ جداً مِن سَكرَاتِ الموتِ والحالات تلك ومِن القَبْرِ وأهوالِه تلك التي يَحكونَها له، ثمَّ في حالةٍ أخرى قد يَعتبِرُون أنفسَهم فتحوا فتحاً عظيماً لأنّهم نَجحوا بهذا الإنسانِ أن يَصِلَ إلى مُستوى أن يحَضُرَ في صَلاةِ الجَماعةِ وهذا إنجازٌ كبيرٌ جداً، أو وَصَلُوا معَ هذا الإنسانِ إلى درجةِ أن يَكُفَّ عن بعضٍ مِن الجرائمِ الشنيعةِ كالجرائمِ الأخلاقيةِ والسَرِقَةِ مثلاً، أو أنّه في الزِيّ التزمَ في الزِيّ الإسلامي إلى حدٍّ مَا، أي جوانبَ معينةٍ مِن الدينِ الاقتصارُ عليها هو الخطأُ، ويَعتبِرُون أنفسَهم في ذلك صَاغوا شخصيةً مُؤمِنةً وولياً مِن أولياءِ اللهِ سبحانه وتعالى، وبالذات إذا اِنضمَّ إلى ذلك أنّه يَهتمُ ببعضِ الأذْكَارِ التي قد يُرددُها حتّى وهو في مَنزِلِه مُسْتَلقٍ على ظَهرِه في فِراشِه هو والمَسبحةُ، في هذهِ الحالةِ أصبحَ شخصيةً مُؤمِنةً عظيمةً وولياً كبيراً مِن أولياءِ اللهِ سبحانه وتعالى!.

ما هو النموذجُ الذي يبنيهِ الإسلام؟ الإسلامُ في مَنهجِه العظيمِ، والقرآنُ في تأثيرِه الكبيرِ سَيبنيكَ مُصَلِّياً ذاكراً للهِ سبحانه وتعالى مُلتزِمَاً دِينياً، ولكنّه يَبنيكَ لِما هو أعظمُ مِن ذلك، إنّه يُجذِّرُ فيكَ مِن مَعاني الإيمانِ مَا يَفْقَدُها الكثيرُ مِن تلك الأنماطِ الشخصيةِ التي يَصيغونها لتكونَ هي النموذجَ الإيمانيَ بِحسبِ تقديراتِهم، مثلاً ذلكَ وهو على المَسْبَحَةِ مُستلقٍ على فِراشِه وقد أصبحَ يعيشُ المشاعرَ الإيمانيةَ ولكنّهُ في الوقتِ نفسِه يتفرّجُ على واقعِ أمَّتِه، الظُلمِ الذي مَلأَ هذه الساحةَ الإسلاميةَ ليسَ لهُ مِنهُ أيُ مَوقفٍ، بلْ مشاعرُه جامدةٌ تجاهَ مَا تُعانيهِ الأمَّةُ، عَذاباتِ هذهِ الأمَّةِ، مَظلومية هذه الأمَّة، مَسألةٌ لا تَهزُّ فيهِ شَعَرَةً، ولا تُؤثِرُ أيَ أثرٍ في وجدانِه، بل قدْ يَصِلُ إلى درجةِ أنّه مُعرِضٌ عن أمَّتِه بكلِ مَا تُعانيهِ وبِكلِ مَا في واقعِها، لا يتابعُ الأخبارَ، لا يَعرِفُ ماذا يدورُ ولا ماذا يَجري، وإنْ تابعَ فهوَ قد تثقفَ بثقافةٍ تجعلُه قاسيَ القلبِ، خَشِنَ المَشاعرِ تجاهَ الأمَّةِ بكلِها، يعيشُ مشاعرَ سَلبيةً تِجاهَ الجميع، ولا يُبالي بِما حلَّ بِهم ولا بِما يُعانون مِنه، ويَشعرُ دائماً بأنَّه غيرُ مَعنيٍ بكلِ هذا الواقع، وأنّه قد أدى ما عليهِ وما يُوصِلُه الجنَّةَ مِن أوسعِ أبوابِها، بقي فقطْ أن ينتقلَ إلى الدارِ الآخرةِ، وفي يومِ القيامةِ تلك الحَسَنَاتِ التي اِلتقطَها مِن هنا ومِن هناك مِن بعضِ المَندوباتِ وبَعضِ المُس تحبَّاتِ ستكونُ كافيةً لأنْ تكونَ الملائكةُ مُسارِعةً جداً مِن أولِ مَا يَظهرُ في سَاحةِ المَحشرِ لالتقاطِه والترتيباتِ العاجِلةِ لتسفيرِه إلى الجنّةِ، هكذا يتوقعون!.

القرآنُ الكريمُ يبني شخصيةً مُختلفةً عن هذهِ النماذجِ التي لا تُحِقُّ حقاً ولا تُبطِلُ باطلاً، لا تقُيمُ عدلاً، لا تُحقِقُ الخيرَ لأمَّتِها، لا تدفعُ الشرَّ عن أمَّتِها، لا تُسهِمُ أيَ إسهامٍ في واقعِ حياةِ الناسِ في القضايا الكبيرةِ والرئيسيةِ والمُهِمَة، القرآنُ الكريمُ يَبني مُصلياً مؤمِناً مُلتزِماً ولكن يبنيَ إنساناً واثقاً بالله، عظيمَ الثقةِ باللهِ سبحانه وتعالى، إنساناً يَخشى اللهَ وحدَهُ ولا يَخشى كلَّ هؤلاءِ البشريةِ في كلِ أصقاعِ الأرض، ولن يتركَ مِن أجلِ كلِ الطُغاةِ والمُتكبِّرينَ عَمَلاً واحداً أو مسألةً واحدةً يُريدُها اللهُ مِنهُ أو يأمرُه بِها، إنساناً لا يُترْجِمُ إيمانَه فقطْ بأخذِ المَسْبَحةِ على الفِراشِ وهو يَضطجِعُ ويَرتاح، وإنّما يُترْجِمُ هذا الإيمانَ ثقةً عظيمةً باللهِ وهو يُواجِهُ التحدياتِ والأخطار، إنساناً ليسَ أقصى ما يَصِلُ إليهِ في إيمانِه أن يذهبَ إلى المسجدِ في مَدينةٍ هادئةٍ ومُستقرةٍ لأداءِ صَلاةِ الجَماعةِ، ولكنّه حاضرٌ أن يذهبَ إلى المَيدانِ لِيُقدِّمَ رُوحَهُ لِيبذُلَ حياتَهُ في سَبيلِ اللهِ، إنساناً يحُقِقُ في واقعِه قولُ الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِن الْمُؤْمِنينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (التوبة ـ 111)، إنساناً حاضراً أن يُقدِّمَ الرُوحَ والحياةَ والمَنزِلَ والمُمتلكاتِ وكلَّ شيئٍ في سَبيلِ اللهِ وأن يُضحيَ بكلِ ما يَملِكُ مِن أجلِ أن يَرضى اللهُ عنَه.

هذه التربيةُ الراقيةُ جداً، إنساناً يحمِلُ الرحمةَ للناسِ ويشعرُ بمسؤوليتِه تجاهَ الآخرين، لا يعيشُ حالةَ الأنانيةِ، يكفيهِ أن ينجوَ هو بنفسِه، ببعضٍ مِن المُستحبَّاتِ والمَندوباتِ والالتزاماتِ المَحدودةِ ولا يبالي بالآخرين، لا، إنسانٌ يتوكلُ على اللهِ ويَعرفُ ما معنى التوكلِ على الله، وليسَ إنساناً يُجيدُ التخلصَ والتهربَ والتنصلَ عن المسؤوليةِ مِن خِلالِ مُبرراتٍ وأعذارٍ وتبريراتٍ لا أولَ لها ولا آخِر، لا، إنسانٌ يُسارعُ وُيسابقُ في الخيرَاتِ، وفي مُقدمةِ هذه الخيراتِ تلك الأعمالُ ذاتُ الشأنِ العظيمِ عندَ اللهِ سبحانه وتعالى، إنسانٌ حينَ يَقرأُ في المُصحَفِ قولَ اللهِ تعالى {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً}(النساء ـ 95-96)، يَتوقُ إلى أن ينالَ هذا الشَرَفَ، يتوقُ إلى أن يَصعدَ في هذهِ الدَرَجاتِ إلى الأعلى، وليسَ إنساناً يتجاهلُ كلَّ ذلك وعندَه نظرةٌ غريبةٌ جداً، فرْقٌ بينَ إنسانٍ مُنتَهى حُبِه للهِ وغايةُ خَشيتِه مِن اللهِ أن يَحمِلَ المَسبحةَ ويَصلَ إلى المَسجدِ، هذا حَدُّهُ الأخيرُ، وبينَ إنسانٍ مُنتهَى حُبِّهِ للهِ وخَشيتِه مِن اللهِ أن يضحيَ بنفسِه حتّى لو تقطّعَ إربَاً إربَاً في سَبيلِ اللهِ سبحانه وتعالى، إنسانٍ يتشوقُ شوقاً إلى أن يبذُلَ أغلى شيئٍ يَملِكُه في سَبيلِ اللهِ سبحانه وتعالى ويُقدِّمَهُ إلى اللهِ، يُقدِّمَ نفسَهُ قُربَاناً إلى اللهِ سبحانه وتعالى، وإنسانٍ يتهرّبُ مِن أن يُواجِهَ أيَ عناءٍ ولو أبسطَ عناءٍ في سَبيلِ اللهِ سبحانه وتعالى، ويتفلسفُ لذلك ويَبحثُ ويحاولُ أن يُخرِجَ مَسألةً مِن هُنا وعُذراً مِن هناك وتبريراً مِن هناك، لماذا؟ ليساعدَ نفسَهُ في القُعودِ والجُمودِ والتنصُلِ عن المسؤوليةِ، فرقٌ كبير، ولذلك نجدُ أنَّه حتى الأثر التربوي لهذه الفريضةِ أثرٌ عظيمٌ يَصنعُ إيماناً عظيماً، يجعلُك تعيشُ مَعنى التوكلِ على اللهِ سبحانه وتعالى بِالفعل، حالةٌ واقعيةٌ تعيشُها، فأنتَ تتخذُ القراراتِ الكبيرةَ وتتبنى المواقفَ الكبيرةَ بالرغمِ مِن حَجمِ التحدياتِ الهائلةِ، لماذا؟ لسببٍ واحدٍ، أنّك حَسَبتَ حِسابَ التوكلِ على اللهِ، تَرى ما يمتلكُه أعداؤك مِن إمكانياتٍ هائلةٍ وقدراتٍ كبيرةٍ وترى ما تُعانيهِ أنتَ مِن ظروفٍ صعبةٍ وتحدياتٍ كبيرةٍ وعوائقَ كثيرة، لو قرَّرتَ أن تنطلِقَ بالاستنادِ إلى مُستوى ما تملِكُه ومَا بيدِك لن تتخذَ هذا القرارَ أبداً لو كانَ هو المعيارُ لقرارِك، لكنّك مِن واقعِ إيمانِك حَسبتَ حسابَ التوكلِ على اللهِ، الثقةِ باللهِ، العَملِ بِما هو رضا لله، وهدفُك الكبيرُ هو الحصولُ على رِضوانِ اللهِ سبحانه وتعالى، وأنّك في سبيلِ الوصولِ إلى هذا الهدفِ حاضِرٌ بأن تَبذُلَ كلَّ شيئٍ وتُضحيَ بكلِّ شيئٍ وتُعانى أيَ مُعاناة، وأن تَعبُرَ كلَّ الأخطارِ مِن أجلِ الوصولِ إلى هذا الهَدفِ، فارقٌ بينَ هذا وذاك، والحديثُ يَطولُ عن هذه المسألةِ، عن الأثرِ التربوي والإيماني للإنسانِ الذي يتجهُ في مَسيرةِ حياتِه لتطبيقِ الدِينِ بشكلٍ مُتكاملٍ، ومِنهُ هذه الجوانبُ الأساسيةُ المُتصِلةُ بالمسؤوليةِ وبينَ إنسانٍ شَطَبَ مَسألةَ المسؤوليةِ بالكاملِ ورَكَّزَ بديلاً عنها على بعضِ المُستحبَّاتِ والمَندوباتِ مع بعضٍ مِن الالتزاماتِ المَحدودة، هذا جانبُ الأثرُ التربويُ والأثرُ الإيماني.

أمّا في ما يتعلقُ بِفَضلِ العَملِ فهذه نعمةٌ عظيمةٌ، الأعمالُ مُتفاضِلَةٌ في الأجْرِ والقُربَةِ عندَ اللهِ سبحانه وتعالى، عندَما تَحدَّثنا بالأمسِ وذَكَرْنا الروايةَ عن الرسولِ صلواتُ اللهِ عليه وعلى آلِه، التي تُقدِّمُ لنا تصوراً عن عظيمِ فَضلِ الجِهادِ في مُقابِلِ الأعمالِ الأخرى “لَنَوْمَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ”، نَومَةٌ، وأنتَ ترْقُد، ترْقدُ في الجَبهةِ رَقدةً خفيفةً قد تكونُ ساعاتٍ مَحدودةً، نومَةً وقد لا تكونُ ساعاتٍ، قد تكونُ ظُروفُ الجَبهةِ لا تسمحُ لكَ حتّى بأن تنامَ لِساعاتٍ وأنتَ في سَبيلِ اللهِ في مَيدانِ العَملِ في سَبيلِ اللهِ والجهادِ في سَبيلِ اللهِ والتضحيةِ في سَبيلِ اللهِ “أَفْضَلُ مِن عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً في أَهْلِكَ”، ستينَ سنةُ هي عُمْرٌ، عُمْرٌ كاملٌ، وإذا كنتَ تتعبدُ للهِ في أهلِك ستينَ سَنةً مَعناهُ أنك تعبدَتَ لعُمْرٍ كاملٍ، وكيفَ هذه العبادة؟، عبادةٌ على نحوٍ عادي، لا، “تَقُومُ لَيْلَكَ لاَ تَفْتُرُ وَتَصُومُ نَهَارَكَ لاَ تَفْطِرُ”، عبادةٌ بشكلٍ مُكثّف، الليلُ كلُهُ عبادةٌ وقيامٌ والنهارُ كلُهُ صيامٌ ولِستينَ سنةً مُتتابِعة، كلُها لا تُساوي نومَةً، نومَةً في سَبيلِ اللهِ، فكيفَ بالموقِف، كيفَ بالتضحيةِ، كيفَ بالأعمالِ والجُهودِ الأخرى في المَيدان، هذا هو الفَضلُ هذا هو الأجرُ يا مَن يُرَكِّزُ على المُستحبَّاتِ والمَندوباتِ ويتركُ الواجباتِ والمسؤولياتِ، لأنَّ أثرَ هذه العبادةِ أثرٌ في واقعِ الحياة أثرٌ عظيمٌ وشامل، تلك العبادةُ الفَرديةُ أثرُها فَرديٌ، تأثيرُها خاصٌ، لكنّ هذه عبادةٌ لها أثرٌ في الواقعِ، إحقاقِ الحقِ، إقامةِ العَدلِ، دفعِ الشرّ، دَفعِ الظُلم، إنقاذِ الناسِ مِن شُرورٍ كبيرةٍ ومخاطرَ رهيبة.

مِن الآثارِ المُهِمَةِ لهذهِ الفريضةِ العظيمةِ أنّها تُمثّلُ ـ كما قلنا بالأمس ـ حِمايةً للأمَّةِ، حِمايةً للأمَّةِ مِن كوارثَ رهيبةٍ جداً، عندَما ندرسُ بَعضاً مِن التجاربِ القائمةِ في الواقعِ المُعاصِرِ وفي التاريخِ المُعاصِرِ، ما حَصَلَ للمسلمين في “البُوسنة”، عشراتُ الآلافِ مِن المُسلمين قُتلوا بِدَمٍ باردٍ، وقتلٍ جَماعي، آلافُ المُسلماتِ تعرَّضنَ للاغتصابِ، اضطهادٌ رهيبٌ جداً، في الأخير عندَما تحرّكوا لِيُجاهدوا كانَ لهذا أهميةٌ كبيرةٌ ومَثَّلَ عامِلاً أساسياً في أن تقفَ بحقِهم تلك المجازرُ الرهيبةُ جداً، وأن يُدفَعَ عنهم ذلك الشرُ الرهيبُ والفظيع، ما يُعانيه مُسلمو “الروهينجا” الآنَ مُعاناةٍ كبيرةً جداً، كيف لو كانوا أمَّةً قويةً مُجاهِدةً تمتلكُ القُدراتِ التي تَحمي نفسَها، هل كانَ سيحدثُ لهم ما حَدَث؟ أن يُقتل مِنهم أكثرُ مِن مائةِ ألفِ مُسلم، أكثرُ مِن مائةِ ألفِ مسلمٍ بدمٍ باردٍ بكلِ بساطةٍ يُقتلون ويُضطهدون ويُستذلّون، وتعرَّضت النساءُ للاغتصاب، كمُ هي التجاربُ الكبيرةُ جداً والكثيرة؟ وكم هي التجاربُ الناجحةُ تجاربُ الجهادِ والتحركِ في سَبيلِ اللهِ؟، كمْ هو الفارقُ بين ما في “غزَّةّ” في فلسطين وما في غيرِ غزَّة؟، كمْ كانَ الأثرُ في التصعيدِ الإسرائيلي الأخيرِ للضرباتِ التي لقّنهُ المجاهدون في فلسطين بها، كان أثراً مُهماً جداً، عاملَ رَدعٍ وإذلالٍ للعدو، وفرضوا عليهِ أن يُوقِفَ تصعيدَه، لماذا؟، لمَّا أصبحَ هناك أمَّةٌ مجاهدةٌ تتحركُ على أساسِ الجهادِ في سَبيلِ اللهِ للتصدي للإسرائيلي، كمْ كانَ أثرُ تجربةِ “حِزبِ اللهِ” في لبنان؟ كمْ وكمْ وكمْ، الفوارقُ بينَ تجاربِ ثقافةِ التدجين وبينَ ثقافةِ التحركِ والجهادِ والعَمل فوارقُ كبيرةٌ جداً وواضحةٌ وجليّةٌ، وفي التاريخِ كذلك، في التاريخِ كذلك تجاربُ كثيرة.

مِن أهمِ أيضاً ما يُستفادُ مِن هذهِ الفريضةِ العظيمةِ أنها تمثّلُ عاملاً نَهضوياً للأمة، الأمَّةُ إذا كانتْ تحرِصُ على أن تكونَ أمةً قويةً، متى تحرِصُ على أن تكونَ أمَّةً قوية؟ إذا كانت أمَّةً مُجاهدةً، إذا كانتْ أمَّةً تنهضُ بهذا الواجبِ وتقومُ بهذه المسؤولية حينها ستحرِصُ على أن تكونَ أمَّةً قويةً لتكونَ أقدرَ في مُواجهةِ أعدائِها، ولذلك يأتي التوجيهُ القرآني {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِن قُوَّةٍ}(الأنفال ـ 60)، في هذا السياقِ في سياقِ الجهادِ، في سياقِ هذه الفريضةِ العظيمةِ والمُهِمَة، والأمَّةُ إذا اتجهتْ لأن تُعِدَّ ما تستطيعُهُ مِن القوةِ، يأتي في ذلك الاهتمامُ بالجانبِ الاقتصادي، كيفَ تكونُ أمَّةً مُنتِجةً، كيفَ تكونُ أمَّةً مُصنِّعَةً، كيفَ تكونُ أمَّةً مُبتكِرَةً، كيفَ تواجهُ مستوى التحدياتِ، فكلُ تحدٍ يستلزمُ قوةً معينةً إمكاناتٍ معينةً قدراتٍ معينة، وهكذا تستمرُ في تطويرِ نفسِها، وفي تطويرِ قدراتِها وفي امتلاكِ كلِ عناصرِ القوة، وستبحثُ عن كلِ عناصرِ القوة، أمَا ثقافةُ التدجينِ فلا يُبنَى عليها إلا الضَعفُ، فليسَ لها مِن نتاج ٍ إلا الضَعف، إلا الخَوَر، إلا الاستكانةَ، إلا الإهمالَ، إلا الضياع، فرقٌ كبيرٌ، الثقافةُ التي تنهضُ بالأمَّةِ تبني الأمَّةَ لتكونَ قويةً في كلِ المجالات، في كلِ المجالات وفي كلِ شؤونِ الحياة، وبينَ ثقافةٍ تُضعفُ الأمَّةَ، تجعلُ مِن الضعفِ ثقافةً، حتى حالةً نفسيةً، حالةً نفسية.

التربيةُ على الجهادِ وعلى النهوضِ بالمسؤوليةِ وعلى مُواجهةِ التحدياتِ والأخطارِ ـ حتى في بِناء النفوسِ ـ تبني النفوسَ لتكونَ نُفوساً قويةً، تبني الناسَ ليكونوا أقوياءَ حتى في نفسياتِهم ومَشاعرِهم، وثقافةُ التدجينِ تُربي على الضَعفِ حتى في النفوسِ لتكونَ نفوساً ضَعيفةً، نفوساً مَهزوزةً، نفوساً يُهينُها الآخرون ويَدوسُها الآخرون ويَسحقُها الآخرون وهي لا تُتقنُ إلا حالةَ الاستسلامِ وحالةَ الإذعانِ وحالةَ الخنوعِ وحالةَ الاستكانةِ التي هي حالةٌ سَلبيةٌ.

فإذن فارقٌ كبيرٌ بينَ ما يُمَثِّلُ عاملاً نَهضوياً يَبني الأمَّة، والآخرون هُم يُركِّزُونَ على هذهِ النقطة، يُدرِكُون إيجابيةَ الصِراعِ لمِن يتعاملُ مَعهُ على أساسِ أن يجعلَ مِنه عاملاً للنهضة، عاملاً للبناء، عاملاً لاكتسابِ القوة، وسلبيتُه فِعلاً لمِن يريدُ أن يكونَ ضعيفاً وأن يَستسلمَ لا يتحرك، هذه حالةٌ رهيبةٌ جداً، تنهارُ شعوبٌ، ويتحولُ أهلُها في الكثيرِ مِنهم إلى لاجئين في دولٍ أخرى، ويَتركون واقعَهم، يتفككون كأمّةٍ، ينهارون انهياراً كاملاً، أمرٌ خطيرٌ وسَلبي، لكن هناك مَن يجعلُ مِنه عاملاً نَهضوياً، في الدولِ الأخرى هم يَفعلون ذلك، الصين، في الثقافةِ الصينيةِ لديهم هناك تَحَدٍ ولديهم عدو، ولديهم طموحٌ في التفوقِ واكتسابِ القوة، عندَ الأمريكيين كذلك، عندَ كلِ القوى الناهضةِ في العالم، لا تنهضُ أمَّةٌ إلا وقد جَعلَتْ مِن التحدي والخطرِ والعدو حافزاً لنهضتِها، إذا شُطِبْ هذا الجانبُ تَضعف تكون أمَّةً باردةً، أمَّةً لا تفكرُ بأن تكونَ قويةً ولا تسعى لأن تكونَ قويةً ولا تهتمُ بأن تكونَ قويةً.

كانَ واجبُنا نحنُ المُسلمينَ أن نكونَ أكثرَ الأممِ اهتماماً باكتسابِ القوةِ في كلِ عناصرِ القوة، على المستوى النفسي والتربوي والاقتصادي والعسكري، وفي كلِ مجالاتِ الحياة قبلَ غيرِنا مِن الأمم، فمَا بالُنا، ما بالُ الآخرين وكأنّهم هُم مَن يكونُ في أهمِ مصادرِ ثقافاتِهم وأفكارِهم عبارةُ {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِن قُوَّةٍ}(الأنفال ـ 60)!؟، كان المفترَضُ بِنا أن نكونَ نحنُ السبّاقين قبلَ غيرِنا، ثمَ كذلك مع كونِهِ عاملاً نهضوياً، عاملاً لاكتسابِ القوة، عاملاً للبناء، هو كذلك عاملٌ مهمٌ ومؤثرٌ كبيرٌ في ما يتعلقُ بالجانبِ الاجتماعي، الأمَّةُ التي تَبني حياتَها بشكلٍ صحيحٍ وسليم، وتوحِّدُ هدفَها، وتتوحدُ عندَها النظرةُ في تشخيصِ العدوِ والصديق، في تشخيصِ مَصدرِ الخطرِ، ثمّ تُسخِّرُ وتُوظِّفُ كلَّ طاقاتِها وإمكاناتِها وقدراتِها لتكونَ أمَّةً تواجهُ ذلك الخطرَ الذي تتفقُ على تشخيصِه كَخطرٍ، هذا سيساعدُها على الوحدةِ، على الإخاءِ، على التلاحمِ في ما بينها، على التماسكِ في ما بينها، على التعاونِ في ما بينها، لأنّها تُحِسُ بخطرٍ مُشترَكٍ، خطرٍ على الجميعِ، وتنظرُ إليه كأولويةٍ في العَملِ على دَفعِه، هذا يساعدُها على أن تكونَ أمَّةً متعاونةً متظافرةَ الجهودِ ومتآخيةً في ما بينها، وعلى العكسِ مِن ذلك، الأمَّةُ إذا فقدتْ هذه النظرةَ لمْ تُصبِحْ أنظارُها مُرّكِزةً إلى عدوٍ هناك يُشكِّلُ خطراً على الجميعِ وتحدياً على الجميع، وهذا يفرِضُ عليها أن تتظافرَ جهودُها للتصدي لذلك الخطر، ولكي تكونَ أيضاً وحدتُها والإخاءُ في ما بينَ مجتمعِها عاملاً مِن عواملِ القوةِ الرئيسية، لأنَنا كلُنا نُؤمِنُ بأنَّ الوحدةَ قوةٌ، أنَّ التجمعَ قوةٌ، أنَّ التآخي قوةٌ، أنَّ تظافرَ الجهودِ قوةٌ، أنَّ التعاونَ قوةٌ، فنرى في هذا عاملاً مِن أهمِ العواملِ الرئيسيةِ للقوةِ التي تساعدُنا في مواجهةِ العدوِ ودَفعِ الخطرِ الذي ننظرُ إليهِ جميعاً كَخطر، إذا فَقَدْنا هذه النظرةَ نكونُ أمَّةً يَسهلُ عليها أن تَختلفَ وأن تتفرقَ وأن تَتشتتَ، لا ترى قضيةً يُؤمِنُ بها الجميعُ تجمعُها وتجتمعُ عليها، ترى نفسَها مُستغنيةً عن بعضِها البعض لأنَها لا تحمِلُ القضيةَ الكبيرةَ والاهتماماتِ الكبيرةَ، ولا حتى التركيزَ على النهوضِ بمسؤولياتٍ كبيرةٍ تتطلبُ التعاونَ، ولا إدراكَ الخطرِ الكبيرِ الذي في سبيلِ دَفعِه لا بدَّ مِن التعاون، فلا شعورَ بمسؤوليةٍ جماعيةٍ، ولا إدراكَ لمخاطرَ شاملةٍ، ولا أيَ حافزٍ يدفعُها إلى الترابطِ في ما بينها، وإدراكِ قيمةِ هذه الأُلفَةِ وهذه الأخوةِ وهذا التعاون، يَسْهُلُ عليها أن تتبعثرَ وتتفرقَ، ثمَ تكونُ ضحية لحالتين، ثقافة التدجين مِن جانبٍ، تشتغلُ شُغلَها في الكثيرِ مِن الناسِ وتؤثرُ فِيهم، فتصنعُ مِنهم أناساً لا يُمكنُ أن يُمَثِّلُوا شيئاً للأمَّةِ لا في دَفعِ شّرِّ ولا في إقامةِ حَقٍ ولا في كذلك مُواجهة التحدي، ناس لا يُعتمَدُ عليهم، لا يُعتمَدُ عليهم، يكونون سلبيين بأكثرَ مِما يكونوا إيجابيين، وفي الآخرين ممن لا تؤثرُ فيهم ثقافةُ التدجين، يُعانون مِن حالةِ الاستنزافِ والاستغلالِ في القضايا الهامشيةِ والقضايا التافهةِ، أو في خِدمةِ العدو، أو الاستغلالِ لهم مِن جانبِ العدو، وهذه قضيةٌ خطيرةٌ أيضاً، فتأتي قبيلةٌ تفتحُ لها حَرباً شرسةً جداً مع قبيلةٍ أخرى، إمّا على قضيةٍ تافهةٍ جداً، مشكلةٌ وتشاجرٌ بينَ شخصٍ مِن هذه القبيلةِ وشخصٍ مِن تلك القبيلة وكانتْ فيه كلمةٌ سَلبيةٌ مِن ذلك على ذلك وهكذا، وأدى إلى صِراعٍ واقتتالٍ، ثمَ سَرَت المُشكلةُ إلى القبيلتين، ثمّ قامَ نِزاعٌ كبيرٌ، ثمَّ تضحياتٌ كبيرةٌ وقَتلى كُثُرٌ وجَرحى كُثُرٌ وأراملُ وأيتام، ومَشاكلُ وتضحياتٌ جسيمةٌ في وسَطِ قضيةٍ تافهةٍ، أو على مَحْجَرٍ يُمكِنُ حلُّهُ إمّا بالحُكمِ والشَرعِ وإمّا بالصُلحِ، أو على أي قضيةٍ تافهة تحصلُ تضحياتٌ كبيرةٌ واستنزافٌ وصراعٌ قد يدومُ لسنوات، وقد يكونُ ضحاياه الكثيرُ مِن الناسِ والدمارِ والخرابِ والكُلفةِ الماليةِ الهائلةِ والغَراماتِ الكبيرةِ، ويحصلُ هذا كثيراَ.

أو استغلالٍ مِن جانبِ الأعداء، يأتون لمِن لا يزالُ فيه رُوحُ الإباءِ والقوةِ والقدرةِ على القِتالِ والتفاعلِ والشجاعةِ ويَستوعبونَه ليقاتلَ في خِدمتِهم، وهذا حَصَلَ كثيراً في تاريخِ الأمَّةِ، الكثيرُ قاتلوا مع البريطانيين أيامَ الاستعمارِ البريطاني، ملايينُ مِن أبناءِ الأمَّة، ملايينُ مِن المُسلمينَ قاتلوا تحتَ الرايةِ البريطانيةِ أيامَ الاستعمارِ البريطاني، ساهموا حتى في السيطرةِ على مَناطقِهم!، حتى في احتلالِ فلسطين يومَ احتلَّها البريطانيُ آنذاك استطاعَ في بعضِ المعاركِ أن يَعتمِدَ على عَرَبٍ، على عَرَبٍ، عندَما واجهَ صُعوباتٍ ومواجهةً أرادَ أن لا يَخسرَ مِن جُنودِه جَنّدَ مِن العَرَبِ حتى مِن البَدْو مَن تقدَّموا واقتحَموا وقَاتَلوا، حتى لا تكونَ خسائرُه في ضُبَّاطِه وجُنودِه وتكونُ مِن العَرَب.

في جنوبِ اليمِن في المُحافظاتِ الجنوبيةِ جَنّدَ الآلافَ وقاتلَ بِهم وجَعلَ مِنهم جَيشاَ لِخِدمَتِهِ وفي مَناطقَ أخرى فَعلَ كذلك، الآخرون فَعلوا ذلك، الفرنسيُ جنّدَ الكثيرَ وقاتلوا مَعهُ حتى في أوروبا، الإيطاليُ جنّدَ الكثيرَ وقاتلوا مَعهُ حتى في ليبيا، وفي المَناطقِ التي سعى لاستعمارِها، وهكذا فعلَ الآخرون.

فنكونُ ـ في واقعِنا ـ إمّا ضحيةً لِثقافةِ التدجينِ التي تُبَّرِدُ الأعصابَ وتُميتُ رُوحَ العِزةِ والإباءِ والكرامةِ، وإمّا ضحايا الاستنزافِ والاستغلالِ في قضايا هامشيةٍ أو في خِدمةِ أعداءِ الأمَّة، بينما هذهِ الفريضةُ العظيمةُ إذا ارتبطنا بها في مَبادئِها وفي قِيمِها وفي ثقافتِها وفي مَا يرتبطُ بِها مِن وعيٍ وتشخيصٍ صحيحٍ وسليمٍ للعدوِ والصديقِ هي ستحفظُنا وتحافظُ علينا مِن الاستنزافِ ومِن الاستغلال.

اليومَ هو الحالُ نفسُه، البعضُ يَقعونَ ضحيةً للتدجين، والبعضُ يُستَغلّونَ ليَتجنَّدُوا مع أعداءِ الأمَّةِ، يَتجنَّدُون تحتَ رايةِ النِظامِ السُعودي والنظامِ الإماراتي، وكلاهما مُجَنَّدٌ بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ مع أمريكا في خدمةِ أمريكا، الارتباطِ المكشوفِ والواضحِ مع أمريكا ومؤامراتِ أمريكا ومُخطَّطاتِ أمريكا، فإذن أيُهما هو الأفضل؟ أن نتحركَ في ما هو خيرٌ لَنا عندَ الله، نُنفذُ استجابةً عمليةً لتوجيهاتِ الله، إحياءً لفريضةٍ مِن فرائضِ الله، فيها العِزةُ والكرامةُ والحريةُ والاستقلالُ، فيها ما يُمَثِّلُ عاملاً لبناءِ واقعِنا ومُؤثِّراً بشكلٍ إيجابيٍ على  المستوى التربوي والإيماني والنفسي والاجتماعي، ما يُعزِّزُ الألفةَ والإخاءَ تحتَ رايةِ اللهِ سبحانه وتعالى وفي سَبيلِه، ما يُطهِّرُ الدوافع، وما يُطهِّرُ أيضاً التوجهاتِ والأهدافَ، يَرسِمُ لكَ أهدافاً عظيمةً، ويُربيكَ على دَوافعَ عَظيمةٍ إيمانيةٍ طَاهرة، ثمَّ التضحيةُ فيهِ تضحيةٌ عظيمةٌ وَمَحسوبةٌ حتى عندَما تُقتَلُ وأنتَ في هذا الطريقِ، فارقٌ كبيرٌ بينَ أنْ تُقتَلَ وأنتَ في سَبيلِ اللهِ حقاً أو أنتَ تعيشُ حالةَ الاستغلالِ لطُغاةٍ ومُجرمينَ وفاسقين أو لقضايا هامشيةٍ وتافهةٍ، فارقٌ كبيرٌ جداً، في سَبيلِ اللهِ أنتَ شهيدٌ، وماذا يقولُ اللهُ عن الشُهداء؟ {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبيلِ اللهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ}(آل عمران ـ 169،170)، حتى عندَما تُضحي بحياتِك هنا وأنتَ في هذا الطريقِ أنتَ لا تخسرُ، أنتَ تنتقلُ فوراً إلى حياةٍ وَعَدَ بِها اللهُ سبحانه وتعالى، حياةٍ وبشكلٍ عاجلٍ تنتقلُ إليها تعيشُ فيها ضيافةً كريمةً عندَ اللهِ سبحانه وتعالى، حيثُ تحظى بضيافتِه إلى يومِ القيامةِ {بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِن خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِن اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنينَ}(آل عمران ـ 169،171)، تَحظى بالشهادةِ في سَبيلِ اللهِ، تنتقلُ مِن هذه الحياةِ التي لا بدَّ أنك ستنتقلُ مِنها على كلِ حال، إنّما استثمرتَ حتى نهايةَ حياتِكَ فيها بالشهادةِ في سَبيلِ اللهِ لتنتقلَ إلى ضِيافةِ الله، تحيا حياةً سعيدةً وبكرامةٍ عظيمةٍ وفي رعايةٍ مِن اللهِ عظيمةٍ إلى يومِ القيامة، ويومُ القيامة الفوزُ العظيمُ بمرافقةِ أولياءِ اللهِ مِن أنبيائِه والصِدّيقينَ والصالحين والشُهداء مِن عبادهِ والدخولِ إلى جنّةِ المأوى، كم هو الفارق؟.

نكتفي بهذا المقدارِ، نسألُ اللهَ سبحانه وتعالى أن يُوفقَنا وإياكم لما يُرضيهِ عنّا، وأن يَرحمَ شهدائَنا الأبرارَ، أن يشفيَ جَرحانا، أن يُفرِّج عن أسْرَانا، وأن ينصرَنا بنصرِه، إنه سميعُ الدعاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه

قد يعجبك ايضا