نص المحاضرة الرمضانية السادسة والعشرون لقائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي
موقع أنصار الله – صنعاء– 28 رمضان 1440هـ
أَعُوذُ بِاللّهِ مِن الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمِن الرَّحِيمِ
الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَلِكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عَبْدُه ورَسُــوْلُه خاتمُ النَبيّين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وباركت على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارض اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المُنتجبين، وعن سائرِ عِبادِك الصالحين.
أيها الأخوةُ والأخواتُ السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه
وتقبَلَ اللهُ مِنّا ومِنكم الصِيامَ والقيامَ وصالِحَ الأعمال، اللهم اهدنا وتقبَّلْ مِنّا إنكَ أنتَ السميعُ العليم، وتُبْ علينا إنكَ أنتَ التوابُ الرحيم.
بدايةً نتوجهُ إلى اللهِ سُبحانَه وتعالى بالحَمدِ وبالشُكرِ على توفيقِه لشعبِنا المُسلِمِ العزيزِ بالخروجِ الكبيرِ والمشرِّف في مُناسبة يومِ القُدسِ العالمي، لقد كانَ الحضورُ الكبيرُ لشعبِنا العزيزِ في هذه المُناسبة المُهِمةِ حضوراً مُميزاً، ونستطيعُ القولَ أنَّ شعبَنا في الصَدارةِ في مَدى اهتمامِه بهذه المُناسبةِ وحُضورِه الكبيرِ فيها على مُستوى الوطنِ العربي والوَاقِع العربي بكلِه، وغَيرُ غريبٍ على شعبِنا هذا التفاعلُ مع القضايا الكبرى، القضايا الإيمانية، القضايا المصيرية، القضايا التي ينبغي أن نُحدِّدَ فيها مَوقِفَنا بالاستنادِ إلى إيماننا، ومِن وَاقِعِ انتمائِنا الإيماني الأصيلِ كشعبٍ يمِني، وفي هذه المرحلةِ يَظْهِرُ أهميةُ هذا المَوقِفِ بالاعتبارِ الدِيني وباعتبارِ الوَاقِع، نحنُ في مرحلةٍ يتآمرُ فيها أعداءُ الإسلام، وأتتْ ما تُسمَى بـ “صفقةِ ترامب” المعتوهِ والكافرِ والمُستكبِر، الذي يَسعى لتصفيةِ القضيةِ الفلسطينيةِ بالتعاونِ معَ بَعضِ أعوانِه وأنصارِه مِن العربِ والصَهاينة، فكان المَوقِفُ بالأمسِ مَوقِفاً مُهِماً، ومَوقِفاً يعبِّرُ عن الإيمان، البراءةِ مِن الأعداء، مِن مؤامراتِهم، مِن مُخططاتِهم، والتمسكِ بالحق، والثباتِ على المَوقِفِ الصحيح، ومُناصرةِ شعبِنا المظلومِ الشعبَ الفلسطيني الذي هو جزءٌ مِن هذهِ الأمَّة، وأيضاً التمسكِ بالمقدساتِ والقضيةِ كقضيةٍ بكلِ أبعادِها وجَوانبِها، هذا توفيقٌ عظيمٌ مِن اللهِ سُبحانَه وتعالى.
نحنُ نسألُ اللهُ سُبحانَه وتعالى أن يكتبَ أجْرَ كلَ المُشاركين في هذهِ المُناسبةِ الذين خَرَجوا رغمَ الظمأِ والصيامِ والعُدوان، والظروفِ الصعبةِ على المُستوى الاقتصادي، وأيضاً الخروجِ في مُحافظةِ “الحُديدة” بالرغمِ مِن الحَرِّ الشديدِ وارتفاعِ درجةِ الحرارةِ بشكلٍ كبير، إنْ شاءَ اللهُ في الأعوامِ القادمةِ ستكونُ المُناسبةُ فيما يخصُ محافظةَ “الحُديدة”مساءً في الليلِ إنْ شاءَ اللهُ، مراعاةً لظروفِ الناسِ هناك، نظراً للمُعاناةِ مِن ارتفاعِ درجةِ الحرارة.
موضوعُ المُحاضرةِ اليومَ هو مَوضوعٌ مُهِمٌ جداً، وله علاقةٌ بالصِراعِ مع اليَهُودِ الصَهاينة، ومع إسرائيل، ومع أعداءِ الأمَّة.
مِن المَساراتِ التي بدأَ العَمَلُ عليها للتطبيعِ معَ إسرائيل المَسارُ الذي يتحركُ تحتَ العُنوانِ الدِيني، وتحتَ عُنوانِ أنَّ اليَهُوديةَ – كما يَزعمُ أولئك الذين يتحركون تحتَ هذا العُنوان – أنَّ اليَهُوديةَ دِينٌ سَماويٌ شأنُها شأنَ الإسلام، وأنَّ المُنتمين إليها هُم مُنتمون إلى دِينٍ سَماويٍ إلى دِينِ اللهِ سُبحانَه وتعالى، وأنَّ هذا يُمثِّلُ قاسَمَاً مُشترَكاً، وعاملاً للتقاربِ والتداخلِ والتعاون، وبالتالي بدأَ العَمَلُ مِن جانبِ السعودي ومِن جانبِ الإماراتي مُنذُ فترةٍ والشغلُ تحتَ هذا الغطاء، ليَجْعَلَوا مِنه أيضاً نافذةً مِن نَوافذِ التطبيعِ والولاءِ لإسرائيل، وللأسفِ الشديدِ يقعُ في هذا الاشتباهِ آخرون مِن غَيرِ العُمَلاء، مِن غَيرِ المُوالين لليَهُود والذين يعَمَلون على التطبيعِ معَ إسرائيل، حتّى مِن الآخرين، ينتشرُ هذا الاشتباهُ والمفهومُ الخاطئُ في الوسَطِ الأكاديمي في عَالمِنا العربي والإسلامي، ولدى الوسطِ العُلمائي، لدى كثيرٍ مِن العُلَماءِ مِن عُلَماءِ الدِينِ على نحوِ الاشتباهِ والخطأ.
نحنُ سنحرِصُ – بالعودةِ إلى القرآنِ الكريم – على تَبيينِ الحقيقةِ في هذا الشأن، نحنُ مِن خِلالِ التأملِ في الآياتِ القرآنيةِ المُبَارَكةِ نَرى بوضوحٍ أنَّ العُنوانَ الأساسيَ لدِينِ اللهِ سُبحانَه وتعالى ولرسالتِه معَ أنَبيائِه السابقين كانَ هو الإسلامُ، وسيتجلّى لنا مِن خِلالِ النصوصِ القرآنيةِ أنَّ اليَهُوديةَ ليستْ اسماً للرسالةِ الإلهيةِ إلى مُوسى، وإنما هي عُنوانٌ طائفيٌ لخطِ الانحرافِ والتحريفِ الذي انحرفَ عن رِسالةِ الله إلى نَبيّه مُوسى عليهِ السلامُ،
وسيتجلّى لنا أنَّ العُنوانَ الرئيسي المُعلَنَ الواضحَ الذي تحرّكَ بهِ الأنَبياءُ كعُنوانٍ لرِسالةِ اللهِ ولدِينِ اللهِ الحقِ في كلِ المراحلِ التاريخيةِ بِما في ذلك مرحلةُ نَبيّ اللهِ مُوسى عليهِ السلامُ كانَ هو الإسلامُ، وليست تلك العناوينُ الأخرى ومِن ضِمنها عُنوانُ اليَهُودية.
أولاً، يَقولُ اللهُ سُبحانَه وتعالى في كتابِهِ الكريم {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}(آل عمران ـ الآية 19)، فهو يؤكِّدُ {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}، هو العُنوانُ الأساسُ للدِينِ الإلهي في كلِ عَصرٍ مِن العُصورِ الماضية، وفي هذا العصرِ، والذين اختلفوا مِن أهلِ الكتابِ أدَّى بِهمُ اختلافُهم بسببِ البَغي إلى الانحرافِ عن هذا العُنوانِ كعُنوان، وعنه كأساسٍ للتسليمِ للهِ سُبحانَه وتعالى الذي يؤدِّي إلى الثباتِ والاستقامةِ على طريقِ الحقِ، وسببُ هذا هو البغيُ فيما بينهم.
يَقولُ اللهُ سُبحانَه وتعالى أيضاً في القرآنِ الكريمِ {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(آل عمران ـ الآية 85)، وهذه الآيةُ تُبين أنَّ العناوينَ الأخرى كاليَهُوديةِ ونحوِها لا تُعبِّرُ عن دِينٍ سَماويٍ يُمكِنُ للإنسانِ أن يَدِينَ بَه ثمّ يكونُ فائزاً ومُفلحاً ومَقبولاً، ولذلك يؤكِّدُ القرآنُ الكريمُ {فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}، أيُ عُنوانٍ آخر تتحرّكُ بهِ وتنطلقُ على أساسِهِ مِن الأديانِ الأخرى فلنْ يكونَ مَقبولاً مِنك.
ثم على مُستوى حَركةِ الأنَبياءِ والرُسُلِ عليهم السلامُ نجدُ هذا العُنوانَ هو العُنوانُ الرئيسيُ الذي هو الإسلامُ، عِندَما نعودُ إلى القرآنِ الكريمِ وابتداءً مِن نَبيّ اللهِ نُوحٍ عليهِ السلامُ، نَبيُّ اللهِ نوحٌ هو مِن الأنَبياءِ الأوائِل، مِن أوائلِ الأنَبياء، بل الخلافُ بينَ المُفَسِّرِينَ مَا بينَ نُوحٍ وإدريسَ أيهُما النَبيُّ الأولُ ما بعدَ الفترةِ مِن بَعدِ نَبيّ اللهِ آدمَ عليهِ السلامُ بحسبِ ما قصَّ اللهُ علينا مِن القصصِ عن الرُسُلِ والأنَبياء، أيْ بحسبِ الرُسُلِ والأنَبياءِ الذين قصَّ اللهُ أسمائَهم وقصصاً مِن سِيرتِهم في القرآنِ الكريمِ، فنَبيُّ اللهِ نوحٌ هو مِن أوائلِ الأنَبياء، ومِن حقبةٍ زَمَنيةٍ مُتقدِّمة، وهو مِن أولي العَزْمِ مِن الرُسُل.
يَقولُ اللهُ سُبحانَه وتعالى بشأنِ نَبيّهِ نوحٍ عليهِ السلامُ {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ * فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ}(يونس ـ 71:73) إلى آخِرِ الآياتِ المُبَارَكة، فنجدُ كيفَ كانَ عُنوانُ الإسلامِ هو العُنوانُ البارزُ في دعوةِ نَبيّ اللهِ نوحٍ عليهِ السلامُ، كما أمَرَ اللهُ نَبيّهُ عبدَهُ رَسولَه مُحمدَاً صلواتُ اللهِ عليهِ وعلى آلهِ أن يكونَ أولَ المُسلِمينَ في رسالتِه، وفي بعثته بالرِسالةِ ودِينِه الحق، هذا الأمرُ لنوحٍ عليهِ السلامُ {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.
أيضاً فيما يتعلقُ بنَبيّ اللهِ إبراهيمَ عليهِ السلامُ وهو أيضاً مِن الأنَبياءِ المتقدِّمين، والأنَبياءِ البارِزين، ومِن أولي العَزْمِ مِن الرُسُل، واللهُ سُبحانَه وتعالى في آياتٍ مُتعددة تتعلقُ بنَبيّ اللهِ إبراهيمَ قدَّمَ هذا العُنوانَ كعُنوانٍ بارِزٍ وأساسي، يَقولُ اللهُ جلَّ شأنُه {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا}(آل عمران ـ الآية 67)، لأنَّ اليَهُودَ قالوا إنه يَهُودي، والنصارى قالوا عنه بأنه نصراني، {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُوديًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا}، فماذا كان؟ وما هو العُنوانُ الذي كانَ ينتمي إليه؟ يَقولُ اللهُ سُبحانَه وتعالى {وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا}، لاحِظوا كيفَ كانَ هذا العُنوانُ هو العُنوانُ الرئيسيُ والبارزُ في انتماءِ نَبيّ اللهِ إبراهيمَ عليهِ السلامُ، إبراهيمُ كانَ ماذا؟ {حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، فكانَ عُنوانُ الإسلامِ هو العُنوانُ الأساسيُ في انتماءِ نَبيّ اللهِ إبراهيمَ عليهِ السلامُ.
في آيةٍ أخرى قالَ اللهُ جلَّ شأنُه {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ} أيْ لإبراهيمَ عليهِ السلامُ {أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ *
وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ}(البقرة ـ 131،132)،نَبيُّ اللهِ إبراهيمَ عليهِ السلامُ وصَّى بَنِيهِ بهذا الانتماء، بهذا الدِين، بهذا العُنوانِ عُنواناً ومَضموناً ومُنطلَقاً وأساساً للدِينِ الإلهي الذي ينتمون إليه، وهذا واضحٌ حتّى فيما يتعلقُ بنَبيّ الله إسماعيلَ عليهِ السلامُ في قصةِ إبراهيمَ وإسماعيلَ وهُما يَبنيان الكعبةَ المُشرَّفة، قالَ اللهُ سُبحانَه وتعالى في دعائِهِما {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ}(البقرة ـ مِن الآية 128)، هنا أيضاً يَقولُ اللهُ سُبحانَه وتعالى {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ}، فاللهُ سُبحانَه وتعالى يُؤكِّدُ أنَّ إبراهيمَ وصَّى بَنِيهِ بهذا، كذلك يَقولُ اللهُ جلَّ شأنُه {وَيَعْقُوبُ}، ويعقوبُ هو والِدُ بَني إسرائيلَ الذي ينتسبونَ إليه، نَبيُّ اللهِ يعقوبٌ عليهِ السلامُ كانَ هذا العُنوانُ الذي هو الإسلامُ هو الأساسيُ الذي أكَّدَ على أبنائِه بِه، والتزَمُوا لَهُ بِه، والتزَمُوا لَهُ بِه، وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ} ماذا؟ مُتَيهْوِدُونَ أو عُنوانٌ آخر؟ {فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، تجدُ هذا العُنوانَ الأساسيَ للدِينِ الإلهي وللرِسالةِ الإلهية {فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(البقرة ـ 132،133)، فتجدُ أنَّ العُنوانَ الأساسَ كانَ هو الإسلامُ بكلِ وضوح، أيضاً هذا بالنسبةِ لنَبيّ اللهِ يعقوبٍ وأولادِه، ويعقوبُ هو الذي ينتسبُ إليه بَنو إسرائيل، فكانَ العُنوانُ الذي ورَّثَهُ حتّى لذُريتِه هو الإسلامُ، والتزَمُوا لَهُ بِه.
مُوسى عليهِ السلامُ وهو نَبيُّ اللهِ ورَسولُه إلى بَني إسرائيلَ، كان عُنوانُ الإسلامِ حاضِراً في دعوتِه، وعُنواناً أساسياً لرسالتِه أيضاً، واللهُ سُبحانَه وتعالى يَذكرُ لنا ذلكَ في القرآنِ الكريمِ، قالَ اللهُ جلَّ شأنُه {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ}(يونس ـ الآية 84)، مُوسى عليهِ السلامُ الذي ينتسبُ إلى ديانتِه ورسالتِه اليَهُودُ هو يُقدِّمُ عُنوانَ الإسلامِ كعُنوانٍ أساسي {فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا} أيْ على اللهِ سُبحانَه وتعالى، {إِنْ كُنْتُمْ} ماذا؟ لمْ يقلْ إن كُنتم يَهُوداً أساسيين، أو يَهُوداً صادقين، قال {إِنْ كُنْتُمْ مُسلِمينَ}، وكان هذا واضحاً في حركةِ مُوسى بالرِسالةِ وتبليغِه لرسالةِ الله، وكعُنوانٍ بارزٍ في دعوتِه إلى اللهِ سُبحانَه وتعالى، لدرجةِ أنَّ فرعونَ نفسَه عِندَما أهلكَهُ اللهُ بالغَرَقِ في اللحظاتِ التي عذَّبَهُ اللهُ فيها وأهلَكَهُ – لحظاتِ الهَلاك – حاولَ أن يُنقِذَ نفسَهُ بالرجوعِ إلى اللهِ سُبحانَه وتعالى والإيمانِ باللهِ في تلكَ اللحظاتِ الأخيرةِ، ونَقَلَ اللهُ سُبحانَه وتعالى قولَ فرعون، يَقولُ اللهُ جلَّ شأنُه {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ} أيْ فرعون {آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(يونس ـ الآية 90)، لاحِظوا كيفَ كانَ اعترافُه بهذا، لأنَّهُ عَرَفَ ـ مِن خِلالِ نَبيّ الله مُوسى ودعوتِه وتبليغِه للرِسالةِ الإلهيةِ ـ أنَّ عُنوانَ الإسلامِ هو عُنوانُ الدِينِ الإلهي، وأنَّ الانتماءَ إليهِ هو بِهذا الاسم {وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} طبعاً لمْ يَنفعْهُ هذا فرعون، لأنَّهُ كانَ في لحظاتِ الهَلاك، اللحظاتِ الأخيرةِ قالَ لهُ اللهُ {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}(يونس ـ الآية 91)، لم يَنفعْهُ بهذا، إنّما نَجَّى اللهُ بَدنَهُ بعدَ المَوتِ والهَلاكِ ليكونَ عِبرةً لمِن بَقيَ مِن شعبِه وأمتِه.
أيضاً نَبيّ اللهِ لُوطٌ عليهِ السلامُ، نَبيُّ اللهِ لُوطٌ وهو مُعاصِرٌ لنَبيّ اللهِ إبراهيمَ عليهِ السلامُ، يَقولُ اللهُ سُبحانَه وتعالى عن قِصةِ نَجاتِه نجاةِ نَبيّ اللهِ وأسرتِه، وقد نجَّاهُ اللهُ ونجَّا أسرتَه معَهُ ما عدا زوجتَه، يَقولُ اللهُ جلَّ شأنُه عن القريةِ قريةِ قومِ لُوط {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(الذاريات ـ الآية 36)، {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا} أيْ في قريةِ نَبيّ الله لوط {غَير بَيْتٍ مِن الْمُسلِمينَ} أيْ كلُ أهلِ القريةِ كانوا مُجرمين، ومُنحرفين، وعُصاة، وعَمَّهُم الهلاكُ والعذابُ، بيتٌ واحدٌ، بيتٌ واحدٌ كانَ مُتمسِّكاً بالرِسالةِ الإلهية،
فماذا كانَ العُنوان؟ الإسلامُ {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.
أيضاً في قصةِ نَبيّ اللهِ سليمانَ عليهِ السلامُ، ونَبيُّ اللهِ سليمان مُتأخِرٌ عن زَمَنِ نَبيّ اللهِ مُوسى عليهِ السلامُ، وقد مَكَّنَهُ اللهُ تمكيناً عظيماً، وآتاهُ مُلكاً لا ينبغي لأحدٍ مِن بَعدِه، في القرآنِ الكريمِ في سُورةِ “النمل” يَحكي اللهُ سُبحانَه وتعالى ويَذكُرُ لنا ويَقصُ لنا قصةَ نَبيّ اللهِ سليمانَ عليهِ السلامُ مع مَلكةِ سبأٍ في اليمِن، عِندَما أخبرَهُ “الهُدهدُ” ونقلَ إليهِ مَا عَرَفَهُ عن مَلكةِ سبأٍ وقومِها مِن العِبادةِ للشَمسِ مِن دُونِ الله، فبدأَ نَبيُّ اللهِ سليمانُ عليهِ السلامُ – وهو مِن أنَبيّاءِ بَني إسرائيلَ – بدأ بالاهتمامِ بالموضوعِ وأرسَلَ كِتاباً إلى مَلكةِ سبأ يَدعوها وقومَها فيهِ لماذا؟ سيتضحُ لنا، {قَالَتْ} أيْ مَلِكةُ سبأ، يَحكي اللهُ ويذكرُ لنا ماذا قالت {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ} جَمَعَتْ كِبَارَ دَولتِها ومُستشاريها ووزرائِها {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي}(النمل ـ 29:31) ماذا؟ مُتَيَهْوِدِين؟ {وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}، فالعُنوانُ الذي دَعاها بهِ وإليهِ نَبيُّ اللهِ سليمانُ هي وقومَها كانَ هو ماذا؟ الإسلامُ، وللأسفِ الشديدِ يأتي البَعضُ مِن الكُتَّابِ والمُثقَفين الأغبياءِ جِداً ليَقولَ إنَّ اليَهُوديةَ دَخَلَتْ إلى اليمَنَ مِن زَمَنِ نَبيّ اللهِ سُليمان، وإنّه دَعا اليمَنيين إلى اليَهُوديةَ ودَخَلَوا في اليَهُوديةِ في عَصْرِهِ عليهِ السلامُ، وهذا افتراءٌ وبُهْتَان، لمْ يكُن العُنوانُ الذي دَعا إليه نَبيُّ اللهِ سليمانُ هو اليَهُوديةُ أبداً، {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}(النمل ـ الآية 31).
أيضاً قالَ عليهِ السلامُ نَبيُّ اللهِ سليمانُ لرجالِ دولتِه وكِبَارِ دولتِه ومُستشاريه ووزرائِه، {قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} أيْ عرش مَلكةِ سبأ {قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}(النمل ـ الآية 38)، الإسلامُ كان هو العُنوان البارز.
أيضاً في قِصةِ مَلكةِ سبأ ـ التي كانت ذكيةً واتخذتْ قَرَاراً صحيحاً وسليماً ـ {قِيلَ لَهَا ادَخَلَي الصَّرْحَ} لما وَصَلَتْ إلى نَبيّ اللهِ سليمانَ بعدَ أنْ سافرَتْ إليهِ مع البَعضِ مِن كِبَارِ دولتِها وأصحابِها {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(النمل ـ الآية 44)، فلاحِظوا كانَ عُنوانُ الدخولِ في الدِينِ الإلهي مع سُليمانَ عليهِ السلامُ ماذا؟ الإسلامُ، {وَأَسْلَمْتُ} قالت {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، لم تقل تيَهْوَدُتُ مع سليمانَ للهِ ربِّ العالمين، لا، أو تَهَودّتُ، قالتْ {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
وهكذا أيضاً وُصولاً إلى نَبيّ اللهِ عِيسى عليهِ السلامُ وهو آخِرُ الأنَبياء مِن بَني إسرائيلَ، فكيفَ كانَ العُنوانُ في دعوةِ نَبيّ اللهِ عيسى عليهِ السلامُ ورِسالةِ الله التي تحرَّكَ بِها، يَقولُ اللهُ جلَّ شأنُهُ في قِصةِ نَبيّ اللهِ عيسى عليهِ السلامُ {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ} أيْ في بَني إسرائيلَ {قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}(آل عمران ـ الآية 52)، نجدُ كيفَ كانَ عُنوانُ الإسلامِ هو العُنوانُ الحاضرُ حتّى في داخلِ بَني إسرائيلَ في حركةِ أنَبيائِهم، في زَمَنِ مُوسى، في زَمَنِ سليمان، حتّى في الأخيرِ في زَمَنِ عيسى عليهِ السلامُ، وهكذا، ولا يزالُ هناك آياتٌ أخرى، نحنُ لمْ نَستقصِ الآياتِ القرآنيةَ فيما يتعلقُ بهذا الموضوع، ومعَ ذلكَ وقع البَعضُ مِن العُلَماء، البَعضُ مِن الأكاديميين، في الوسَطِ الجامعي، في المناهجِ الدراسية، في كثيرٍ مِن الكُتب، في كثيرٍ مِن الأبحاثِ والدِراسات، حتّى في الفتاوى، سَمِعنا في بَعضٍ مِن القنوات الفضائية والبَعضَ يسألُ بَعضَ العُلَماءِ عن شِعارِ “الحوثيين” الذي فيهِ “اللعنةُ على اليَهُود” فيَقول هذا لا يجوز “اللعنة على اليَهُود” لا ينبغي ذلك، فقط لا بأسَ أن نقول “الموت لإسرائيل”، لماذا؟ لأنَّ اليَهُوديةَ – في فَهْمِه – هي عُنوانٌ للدِينِ الإلهي، وأتباعَها همُ المُتَّبِعُون لذلك الدِينِ الإلهي، وللرِسالةِ الإلهية، وللشريعةِ الإلهيةِ إلى مُوسى عليهِ السلامُ، فوقعَ في الاشتباهِ، وتَوهّمَ أنَّ اسمَ اليَهُودِ يشملُ المُتَّبِعينَ للرِسالةِ الإلهيةِ إلى مُوسى،
ِما في ذلك أنَبيّاء وبِما في ذلك مُؤمِنون صالحون، فاعتبرَ هذا الكلامَ سيعُمّ كلَ الذين يَنطبِقُ عليهم ذلك العُنوان، والذين ـ بنظرِهِ ـ يَنطبِقُ عليهِم ذلكَ العُنوانُ مِنهم أنَبيّاء بَني إسرائيلَ ومِنهم المُؤمِنون مِن بَني إسرائيلَ في العُصورِ الماضيةِ ما قبلَ خاتمِ الأنَبياءِ رسولِ اللهِ محمدٍ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ وعلى آلِه، وهذا هو اشتباه.
وَجَدْنا أنَّ العُنوانَ الرئيسيَ هو الإسلامُ للرِسالةِ الإلهية وللدِين الإلهي، ونجدُ أيضاً في القرآنِ الكريمِ أنَّ عُنوانَ اليَهُود يأتي للتعبيرِ عن خَطِّ الانحرافِ والتحريف، وليسَ اسماً للمُتَّبِعين الصَادقين للرِسالةِ الإلهية إلى مُوسى.
اللهُ سُبحانَه وتعالى يَقولُ في القرآنِ الكريمِ {وَقَالَتِ الْيَهُود} هنا الحديثُ عن عُنوانِ اليَهُودية واليَهُود {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا}(المائدة ـ مِن الآية 64)، لو كانَ اسمُ اليَهُودِ اسماً لكلِ أتباعِ الرِسالةِ الإلهيةِ إلى مُوسى لَمَا صحَّ أنْ يَنسِبَ اللهُ إليهم هذه المقولةَ على هذهِ النِسبَةِ العامَة {وَقَالَتِ الْيَهُود}، لقال مثلاً “وقالَ بَعضُ اليَهُود”، حتّى يُميّزَ الأنَبياءَ ويُميّزَ المُؤمِنين الصادقينَ في العُصورِ الماضيةِ ما قبلَ خاتمِ الأنَبياءِ رسولِ اللهِ محمدٍ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ وعلى آلِه، لكن النسبةَ أتتْ عامةً، لماذا؟ لأنَ اسمَ اليَهُودِ هو اسمٌ طائفي، وهو اسمٌ لخطِّ الانحرافِ، للذين اتجهوا على خطِّ الانحرافِ والتحريفِ مِن المُنتسبين لرِسالةِ الله مُوسى، ولا يشمل لا أنَبياءَ بَني إسرائيلَ ولا المُؤمِنين مِنهم، ولهذا لَعَنَهُم اللهُ هنا، {وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا}، الذين يَقولُون “لماذا تقولون اللعنة على اليَهُود”.
يَقولُ اللهُ في القرآنِ الكريمِ أيضاً {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ}(المائدة ـ مِن الآية 82)، اليَهُودُ رقمُ واحدٍ في العِداء للذين آمَنوا، وأَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً بين كلِ الأعداء، الأعداءُ كُثُرٌ للذين آمَنوا، لكنَّ الأشدَّ عداوةً ورقمَ واحدٍ في هذه العداوةِ هُم اليَهُودُ، بَعدَهُم مَن؟ {وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}، فنَسَبَ العِداءَ وأشدَّ العِداءِ للذين آمَنوا نَسَبَهُ هنا إلى مَن؟ إلى اليَهُود، لو كانَ اسمُ اليَهُودِ يشملُ أنَبياءَ بَني إسرائيلَ، أو المُؤمِنين مِن بَني إسرائيلَ، لَمَا كانت النسبةُ عامةً، لمَا قالَ {الْيَهُود}، لقالَ بَعضاً مِن اليَهُود، أو جزءاً مِن اليَهُود، أو نحوَ ذلك.
يَقولُ اللهُ سُبحانَه وتعالى في القرآنِ الكريمِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}(المائدة ـ مِن الآية 51)، لو كانَ اليَهُودُ اسماً لكلِ أتباعِ الرِسالةِ الإلهيةِ إلى مُوسى، ويدَخَلُ ضِمنَ هذا الاسمِ أنَبيّاءٌ ومُؤمِنون لما كانَ هذا التعبيرُ القرآني {لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ}، لقالَ بَعضُ اليَهُودِ مَثلاً، أو كافري اليَهُود، أو عبارةً مُشابِهة، ليُخرِجَ مَن يَجبُ التولي لَهُم مِن الأنَبياءِ والمؤمِنين.
يَقولُ اللهُ سُبحانَه وتعالى أيضاً في القرآنِ الكريمِ {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}، طيّب، إذا كانت مِلَّتُهم دِيناً سماوياً فلماذا هناك مُشكِلَة؟، المُتحرّون يَقولُون “للنَسْخ”، لأجلِ النَسْخ، لكن ماذا يَقولُ القرآنُ بعدَ ذلك؟ {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}(البقرة ـ الآية 120)، فالذي لَديهِم هو أهواءٌ، انحرافاتٌ ناشئةٌ عن هَوى أنفسِهم، بَرْمَجُوا الدِينَ أو الرِسالةَ الإلهيةَ بِما يتناسبُ مع أهوائِهم، وحَرَّفوا، وغَيروا، وبدَّلوا، ومَسخوا الرِسالةَ الإلهيةَ وقدَّموا لها أنماطاً وأشكالاً مُختلفةً في كثيرٍ مِن الأمور المُهِمة، فلذلك جاءَ هذا الوعيدُ والتحذيرُ والتهديدُ {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ} وهو هنا يحكي عن مِلَّتِهم، سمَّاها أهواء {بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِن الْعِلْمِ مَا لَكَ مِن اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}.
فإذن لا يَصِحُ أبداً تسميةُ اليَهُوديةِ بالدِينِ السَماوي، ليست دِيناً سَماوياً، الرِسالةُ الإلهيةُ والدِينُ الإلهيُ الحقُّ اسمُهُ وعُنوانُهُ الصحيحُ والأساسُ في كلِ عَصْرٍ في كلِ عَهْدٍ مِن عُهودِ الأنَبياءِ عليهمُ السلامُ الإسلامُ، اليَهُوديةُ عُنوانٌ طائفيٌ لخطِّ الانحرافِ والتحريفِ، واليَهُودُ هُم أولئك الذين سَاروا على خَطِّ الانحرافِ والتحريف، ولذلكَ كلُ مَن يُحاولُ أن يَجْعَلَ مِن هذا الموضوعِ ذريعةً وغِطاءً لمدِّ جُسورِ الوَلاءِ والتطبيعِ لليَهُودِ والصَهاينةِ الإسرائيليين فهو يَفتري على اللهِ الكَذِبَ، وهو يَخدعُ الناسَ، لأنَّهُ يُحاولُ أن يَجْعَلَ مِن العُنوانِ الدِيني مَطيةً لهُ وذريعةً ووسيلةً يتوصلُ بِها إلى مَحظورٍ مِن أكبرِ المَحظوراتِ، وذَنبٍ مِن أعظمِ الذُنوب، ومَعصيةٍ مِن أكبرِ المَعاصي، وهي الولاءُ لليَهُود، واللهُ سُبحانَه وتعالى قالَ {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، خروجٌ عن مَنهجِ الإسلامِ وعن الأمَّةِ الإسلامية، وانضمامٌ إلى صَفِّ الأعداءِ، وتحرُّكٌ بما يَخدِمُهُم.
وطبعاً، للإسلامِ فيما يتعلقُ بالمَوقِفِ العَسكري والقِتالي والقَتلِ والقِتال، للإسلامِ في ذلكَ مَنهجُهُ وشريعتُهُ في التفريقِ بينَ مَنْ هو خاضِعٌ للدولةِ الإسلاميةِ ويَدفعُ الجِزيَةَ، ويَخضعُ للقوانينِ الإسلاميةِ ولأحكامِ الشَرْعِ الإسلامي الخاصةِ بوضعِ المُعاهِدِين ومَن يُطلَقُ عليهم “أهلُ الذِمَّة”، ومَنْ هو مُعادٍ كإسرائيل، أو يتحرّكُ ضِدَّ الأمَّةِ الإسلامية، هذا عُنوانٌ آخر، هذا عُنوانٌ آخر.
فعلى كلٍ أرَدْنَا أن نقدِّمَ هذا التوضيحَ، لأنَّ فيهِ مُشكلتين:
المُشكِلَةُ الأولى: أنَّ الذين يتحركون ليَجْعَلَوا مِنه غطاءً كعُنوانٍ دِيني للتطبيعِ معَ إسرائيلَ يَستغلّونَه.
والمُشكِلَةُ الثانية: أنَّ البَعضَ يَقعونَ في الاشتباهِ ثمّ يُمثِّلُ بالنسبةِ لَهُم مُشكِلَةً، ولهذا يَنتقدوننا في شِعارِنا شعارِ “اللعنة على اليَهُود”.
طبعاً، يبقى الكثيرُ مِن الكلامِ، مثلَ ما حَكاهُ اللهُ عَنهم مِن انحرافاتٍ كبيرةٍ جداً في عقائدِهم نحوَ اللهِ سُبحانَه وتعالى، في مَوقِفِهم مِن مَلائكةِ اللهِ ومِن “جِبريل وميكال”، فيما يتعلقُ بمَوقِفِهم مِن الأنَبياءِ وتَولِّيهم لِقتلَةِ الأنَبياء، لدرجةِ أنَّ اللهَ خَاطبَ اليَهُودَ المُعاصرينَ للنَبيّ بقولِهِ {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ}(البقرة ـ مِن الآية 91)، لماذا على الرغم من أنّهم لمْ يُدركوا الأنَبياء مِن قبلُ؟ لأنّهم كانوا يُوالون قَتلَةَ الأنَبياءِ مِن أسلافِهم، كانوا على نهجِهم وخَطِّهم ويتولونهم، وفي القرآنِ الكريمِ أيضاً دعوةٌ صريحةٌ وواضحةٌ لَهُم إلى الإيمانِ برسُولِ الله محمدٍ صلواتُ اللهِ عليهِ وعلى آلهِ، ولَعَنَهُم القرآنُ على كُفرِهِم برسولِ اللهِ وبالقرآنِ وهُم يعرفونه كما يعرفون أبنائَهم، فلا تَصِحُّ النظرةُ إليهم على أنّهم على دِينٍ سَماويٍ بِما هُم عليهِ مِن انحرافٍ وتحريفٍ رهيبٍ جداً، أنّهم على دِينٍ سَماوي كما الإسلام، وبالتالي تأتي هذه المُقارَنةُ بين أتباعِ الدياناتِ السَماويةِ، لا تَصِحُّ هذه المُقارنةُ أبداً.
طبعاً، في مَوقِفِ الإسلام في الحربِ والسِلمِ، ومَوقِفِ الإسلامِ في القتلِ والقِتالِ هناك فَرقٌ بينَ المُسالِمِ والمُعادي، وكما قلنا سابقاً الخاضعِ لدولةِ الإسلام، في الماضي كانَ هناك يَهُودٌ حتّى عندَنا في اليمِن خاضعون للدولةِ الإسلاميةِ ولشريعةِ الإسلامِ ولأمْرِ الإسلام، ويدفعونَ الجِزيةَ وهم خاضِعونَ على ما هُم عليهِ مِن دُونِ أي أنشطةٍ عَدائية للتخريبِ في الداخلِ الإسلامي، كشرطٍ أساسيٍ أيْ للعَهْدِ بينَهم وبينَ المُسلِمين.
إنْ شاءَ اللهُ تكونُ الصورةُ مُكتَمِلَةَ الوضوح، ونتمنَّى أيضاً في الوسَطِ الجامعي والأكاديمي أن تكونَ الصورةُ واضحةً مِن خِلالِ النصوصِ القرآنيةِ هذه.
نسألُ اللهَ سبحانه وتعالى أن يوفقَنا وإياكم لما يُرضيه عَنا، وأن يرحمَ شهدائَنا الأبرارَ، وأن يشفيَ جَرحانا، وأن يُفرِّج عَن أسْرَانا، وأن ينَصْرنا بنَصْره، إنهُ سميعُ الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه