بين زمن الاجتياح وزمن الانتصار: “اسرائيل” أوهن من بيت العنكبوت

|| صحافة عربية ودولية || موقع العهد

سبعة وثلاثون عاماً تاريخ كثير من الذكريات، تاريخ يحمل في طياته صفحات ذل حوّلها رجال ضحوا بأنفسهم إلى صفحات عز. تاريخ طوى بين دفتيه لغة الهزيمة، لترسي المقاومة عبره، بعبق الشهادة، لغة عز وانتصار فتحت صفحاتها من جديد ولن تغلق. سنوات مرت ـ لم تكن عابرة ـ في تاريخ بلد أريد له الضعف، فقلب أبناؤه في المقاومة المعادلات وأصبح بسنوات قليلة، يدك عروش الطغاة ويهاب منه الأعداء. سنوات مرت منذ 1982 حيث الاجتياح الذي قلب لبنان رأساً على عقب، أمنياً وسياسياً، حيث كان يخطط له أن يصبح أداة طيعة في الأجندة الأميركية الإسرائيلية، لكن ولدت من رحم الظلم مقاومة أرست فيه معادلات القوة، معادلات باتت اليوم قادرة على تهديد أميركا وردع “إسرائيل” وامتلاك صواريخ دقيقة تطال كل ناحية في “تل ابيب”.

في عابر الأيام، قررت حكومة العدو برئاسة مناحيم بيغن آنذاك ووزير حربه أرئيل شارون تنفيذ خطة لعملية عسكرية واسعة في لبنان، ودار الحديث خلال جلسة الحكومة الإسرائيلية التي عقدت بتاريخ 5 حزيران/ يونيو 1982 عن حزام أمني يمتد حوالي 40 كيلومتراً من الجنوب اللبناني لحماية شمال الكيان.

وفي العودة إلى ذاكرة الايام، وضعت “إسرائيل” خطة الحرب مسبقاً واصطنعت مبرراً لشن هجومها على الأراضي اللبنانية وهو محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، فقامت بشن عملياتها العسكرية على ستة محاور داخل الأراضي اللبنانية، ففي صباح يوم 6 حزيران/يونيو 1982 بدأت الدبابات الإسرائيلية بالتقدم داخل الأراضي اللبنانية وبعد 5 أيام تمكن الجيش الصهيوني من بسط سيطرته على أكثر من ثلث الأراضي اللبنانية في الجنوب والجبل حتى تخوم العاصمة بيروت بينما بقيت مناطق الشمال والبقاع خارج سيطرة العدو.

وعلى إثر هذا الاجتياح جرت اتصالات واسعة بين بيروت والقاهرة ودمشق والرياض لوقف الاجتياح ووضع حد للأعمال العسكرية الإسرائيلية. لم تفلح هذه الجهود بل استمرت المعارك، ونشط العدوان الإسرائيلي بعد أن اتسع وشمل مناطق عدة حتى صيدا والسعديات والنبطية وحاصبيا والبقاع الغربي جواً وبحراً. وفي 14 حزيران/ يونيو دخل الجيش الإسرائيلي القسم الشرقي من العاصمة اللبنانية بيروت الذي كان تحت سيطرة ميليشيات القوات اللبنانية المتعاونة مع “إسرائيل” بقيادة بشير الجميل، وبدأ الطوق يشتد حول القسم الغربي من العاصمة، وبعد القصف الإسرائيلي المتواصل لبيروت الغربية وسقوط عشرات آلاف الجرحى من المواطنين، ضيقت إسرائيل الحصار على بيروت وقصفت الضاحية الجنوبية.

وجدت “إسرائيل” نفسها في موقع القوة، بغطاء دولي ودون رادع محلي، فسعت لتحقيق أهداف سياسية عدة، وأمام انعدام المقاومة الفعلية للاجتياح بدلت “إسرائيل” أهدافها التي كانت في المرحلة الأولى تقتصر على إبعاد منظمة التحرير الفلسطينية مسافة 40 كلم عن فلسطين المحتلة وأصبحت الأهداف أكثر اتساعاً إذ شملت:

ـ انسحاب الجيش السوري من لبنان

ـ تدمير القوات المسلحة التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية وطردها من لبنان

ـ إقامة حكومة لبنانية مؤيدة لـ”إسرائيل”

ـ توقيع اتفاقية سلام بين “إسرائيل” ولبنان

وكادت “إسرائيل” تحقق أهدافها.. ولكن ارتكاب مذابح صبرا وشاتيلا إثر مقتل الرئيس بشير الجميل شكل بداية الخسارة الإسرائيلية في الحرب. خرجت “إٍسرائيل” من بيروت على اثر الوساطات، إلا أنها لم تخرج من لبنان، فاستوطنت الجنوب إلى أن بدأت عمليات المقاومة تنهال ضدها، وبدأ النزال يأخذ وجهاً آخر منذ عام 1982 مروراً بحرب تموز 1993 وعملية عناقيد الغضب، والتصدي البطولي في عدوان نيسان/ أبريل 1996 وصولاً إلى الانتصار الكبير الذي أذل “إسرائيل” عام 2000.

لقد تكفلت المقاومة  عبر 18 عاماً بإدخالها معادلة جديدةً للحرب ضد الكيان الصهيوني قدرت على أن تذل “إٍسرائيل” وتخرجها من لبنان مقهورة مهزومة، لينطلق بعد ذلك زمن الانتصارات الذي لن يتوقف كما وعد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله. زمن بدأ مذذاك يتجلى، فاسرائيل هذه أوهن من بيت العنكبوت، وقد شكل الانتصار الذي حققته المقاومة في حرب تموز 2006، خير دليل على ذلك، فانهزمت “اسرائيل” وأهين جيشها، وتحول من جيش لا يقهر إلى اضحوكة سخر منها رجال المقاومة، ومعها تحول لبنان من معادلة الضعف إلى معادلة القوة، بعد أن غير هؤلاء الأبطال مقولة قوة لبنان في ضعفه إلى قوة لبنان في مقاومته.

لم ينته الأمر هنا، بل وصلنا إلى زمن تهدد فيه هذه المقاومة واشنطن، ويحذر أمينه العام الإدارة الأميركية، من إمكانية تصنيع الصواريخ الذكية، التي باتت في أيد المقاومين ويمكن أن تقلب المعادلات في المنطقة، وحيث للمقاومة قدرات بشرية وتكنولوجية قادرة على تصنيعها، لتؤكد مرةً جديدة أن “إسرائيل” أصبحت بين زمنين أوهن من بيت العنكبوت.

 

قد يعجبك ايضا