أبعادُ الصراع
|| مقالات || وهّاج المقطري
مُخْـطِئٌ جِـــدًّا مَــنْ لا يزالُ ينظُرُ للحرب اليومَ أنها مُجَـــرَّدُ صراعٍ سياسيٍّ بين طرفين، وعليه فإن تموضعَه في صفِّ أيٍّ من الطرفين هو أمرٌ اختياريٌّ طبيعي كطبيعة التوجّـــه السياسيّ!
مُخْـطِئٌ جِـــدًّا مَــنْ يظن هكذا، ذلك أن كُــــلّ الأحداث والحقائق التي ظهرت خلال هذه الحرب قد كشفت حقيقة هذا الصراع وأظهرت بما لا يدع مجالاً للشك أنه صراع وإنْ بدا ظاهرياً سياسواقتصادياً إلَّا أن له أبعاداً جوهرية حضارية وقيمية وأَخْـــلَاقية ووطنية.
تلك الأبعاد لا يمكن بأي حالٍ إقصاؤها من المشهد وهي من ينبغي أن ترسُمَ للجميع خطواتِهم وتحدّدَ مواقفَهم في هذه الحرب!
حضارياً، لقد شاهد الجميعُ كيف سعى الاحتلالُ الإماراتي في المناطق التي سيطر عليها -كسقطرة مثلاً- على تجريف الهُوِيَّة اليمنية بشكل عكس قبح قباحة التوجّـــهِ الاستعماري في ضربِ الهُوِيَّة اليمنية المتجذرة في حضارة الإنْسَـــانية، وهذا الأمرُ عكس البُعدَ الحضاري العميقَ في خلفية هذه الحرب المعلنة على اليمن!
أَخْـــلَاقياً وقيمياً، شاهد الجميعُ كيف أن داعش والقاعدة الإرهابيتين اصطفتا منذ البدايات الأولى للحرب؛ لتقاتلا في صف العدوان، وشاهد الجميع كيف كان أسرى الجيش واللجان يعامَلون من قبل تلك الأطراف، وبالمقابل كيف كان تعامُلُ الجيش واللجان مع أسراهم، في مشهد عكس حقيقةَ الانتماء الأَخْـــلَاقي والقيمي لكلا الطرفين دون أدنى مواربة!
وطنياً، لن يجدَ الناظرُ إلى المشهد على مدى أربعة أعوام ونيف، صعوبةً في رؤية ذلك السقوط الذي سقطته كُــــلّ القوى والأَحْــزَاب والمشايخ والأشخاص الذين التحقوا بصف العدوان وكيف كانت مواقفُهم المخزية أمام كُــــلّ الجرائم التي ارتكبها العدوان بحق الأبرياء، وكيف كان العدوان يستخدمُهم كقفازات لتلك الجرائم ومغاسلَ تغسلُ يديه من آثار جرائمه، في مشهد عكس ذلك السقوط الوطني المدوي لأولئك المرتمين في أحضان العدوان!
لقد ظهر جلياً أن الوطنَ بالنسبة لهؤلاء لم يكن يمثل لهم أيَّةَ قيمة عظيمة إلَّا على قدر انتفاعهم غير المشروع منه؛ ولذلك وجدناهم في ساعات الرخاء ينهبون الوطن حَـــدَّ مشاشة عظمه، وحين تعرض هذا الوطن للاعتداء فرّوا إلى أحضان المعتدي، يؤيدونه في ذلك، فيما اصطف المطحونون المنهوبون سابقاً صفاً واحداً يحمون هذا الوطن الذي لطالما حُرِموا فيه من أبسط حقوقهم!
إنَّ البُعدَ الجوهري الأَخْـــلَاقي والقيمي والحضاري والوطني، إضافةً للأبعاد الأُخْـــرَى المتمثلة بمصالح القوى الإقليمية والدولية قد تجلت ظاهرةً للجميع، وهي بذلك تُسقِطُ أيَّةَ حجة على أي شخص قد يرى في موقفِه من هذه الحرب موقفاً اختيارياً مبنياً على التوجّـــهِ السياسيِّ ليس إلَّا!