السرّ الذي لم يكشف في اليمن والمفاجآت التي ستقلب المعادلة
|| صحافة عربية ودولية || الميادين
300 هدف سعودي وإماراتي أضافها الجيش اليمني إلى بنك الأهداف للمرحلة المقبلة. مرحلة بدأت تباشيرها مع تطورات عسكرية وتصعيد يمني دفع السعودية إلى الصراخ رغم أننا ما زلنا في بداية القائمة. فما الذي سيحدث عندما نصل إلى الرقم 100؟ وعندما يكشف اليمنيون عن مفاجآت جديدة وأكثر إيلاماً؟
توعّد الجيش اليمني بأن يحمل المستقبل جديداً نوعياً على مستوى المواجهة مع التحالف السعودي الإماراتي. حصل ذلك خلال شهر مارس آذار المنصرم مع دخول العدوان عامه الخامس. المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع أعلن عن أكثر من 300 هدف عسكري. كان يمكن أن نحيل هذا الوعيد إلى بروباغندا عسكرية لو لم تحمل التطورات اللاحقة مفاجآت نوعية. مفاجآت مردّها إلى نوعية الأسلحة المستخدمة ودقة إصابتها، إضافة إلى تكتيكات عسكرية مبتكرة في إطار استراتيجية ردع العدوان.
تكفي مقارنة بسيطة للدلالة على جانب من هذه الحرب غير المتوازية بين طرفين. أحدهما يمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة الحديثة واعتمادات مالية مفتوحة على خطوط إنتاج الأسلحة من الغرب، وطرف محاصر تم تدمير طائراته ومراكزه العسكرية وجزء كبير من مقدراته خلال الأسابيع الأولى من حرب وعد ولي عهد السعودية أنها ستكون خاطفة.
نحو 250 ألف غارة جوية ونصف مليون صاروخ، حصيلة العدوان على اليمن حتى منتصف آذار مارس الفائت. نتيجة أحصاها الجيش اليمني وأعلن عنها المتحدث باسمه وهو ينوّه إلى أن عدد الطلعات الجوية التي نفذها التحالف السعودي الإماراتي خلال أربع سنوات تجاوز عدد الطلعات الجوية في الحرب العالمية الثانية. بالمقابل يقول رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة العميد المتقاعد هشام جابر إن عدد الصواريخ البالستية التي أطلقها اليمنيون على السعودية لم يتجاوز 150 صاروخاً.
صراخ السعودية علا على ضوء الإصابات والضربات التي تلقتها في المدة الأخيرة. حصل ذلك ولما نصل بعد إلى العدد 200 في إطار العد التنازلي ضمن قائمة الأهداف الـ300، فكيف سيكون الحال لو اقتربنا من الهدف رقم 100؟ وما ستكون تبعات ذلك على الحرب وعلى دول التحالف نفسها؟
الأهداف الـ300 ومرحلة عض الأصابع
ربما من المفيد اختصار بعض التطورات التي حفلت بها الأسابيع الأخيرة في السعودية. استهداف محطتي ضخ للنفط قرب الرياض وبالأمس محطة إنتاج كهرباء، إخراج مطاري أبها وجيزان عن الخدمة، الإصابات الدقيقة والمدى البعيد للأهداف، ظهور صاروخ كروز كسلاح نوعي يستخدم للمرة الثانية خلال شهر. يضاف إليه ترسانة من الطائرات المسيّرة العصيّة على أنظمة الدفاع الجوية السعودية باهظة الثمن، إثبات القدرة على الهجوم واحتلال مواقع عسكرية متى قرّرت القيادة العسكرية اليمنية ذلك، هذا عدا عمّا قد يكون في جعبة اليمن من مفاجآت وأسلحة لم تستخدم بعد.
يقول هشام جابر الخبير العسكري والاستراتيجي ورئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات إن قائمة الأهداف الـ300 التي أعلن عنها الجيش اليمني ستحرج السعودية حتماً في حال تنفيذها، وهي ستشكّل ضغطاً عسكرياً قد يضطر السعودية إلى الرضوخ والقبول بشروط اليمن كما فعلت عندما قبلت على مضض باتفاق استوكهولم.
هذه الأهداف الاستراتيجية ذات الطبيعة الحيوية تدلّ على مرحلة جديدة من التصعيد. مرحلة بدأت فعلاً مع انتقال الأطراف اليمنية من الصمود إلى المبادرة والهجوم. ستكون هذه المرحلة بحسب جابر محرجة للسعودية والإمارات وأكثر إيلاماً من المراحل السابقة.
جماعة “أنصار الله” والجيش اليمني أرسيا بهذا المعنى معادلة جديدة بدأت تترجم في ميادين القتال، لكن ما هي ترجمتها السياسية وهل يمكن أن تتكلل بإنهاء الحرب؟
يجيب جابر أنه بعد أربع سنوات ونيّف على الحرب العبثية لم تتمكن السعودية من تحقيق أي شيء. ويضيف “على العكس من ذلك طوّر المقاتلون اليمنيون وسائل ردع عمادها الصواريخ البالستية الدقيقة والطائرات المسيّرة التي أثبتت خلال الفترة الأخيرة فعاليتها في تحقيق معادلة الردع”.
ويشير إلى أن المعادلة الجديدة ستجبر السعودية والإمارات على إعادة التفكير، لا سيما وأن المطلب اليمني غايته فك الحصار عن مطار صنعاء وعن ميناء الحديدة وإيقاف الغارات الجوية على اليمن. أما الجلوس على طاولة الحوار وإنهاء الحرب فما زلنا، بحسب جابر، بعيدين جداً عن هذا الاحتمال. لماذا؟
لأن الأطراف اليمنية المقاومة للحرب تريد السلام بينما قوات التحالف السعودي تريد منها الاستسلام. عدا عن ذلك قرار وقف الحرب ليس بيد السعودية وحدها. يرى جابر أن هذا الأمر يتوقف إلى حد كبير على أميركا التي ليست لديها مصلحة اليوم هي وإسرائيل بإيقاف الحرب. “السعودية غطست في الوحول اليمنية وهي تستنزف وقد اعتقدت في بداية الحرب أنها قادرة على حسمها خلال أسابيع كما أوهمها وخدعها الأميركيون وغيرهم”.
السرّ الذي لم يكشف
الضغط على دول التحالف وإحراجها يتطلب قبل كل شيء أن تكون في حوزة اليمنيين كميات كافية من صواريخ كروز، الذي أصاب إحداها مطار أبها بدقة قبل مدة، كما يحتاج إلى ما يكفي من الطائرات المسيّرة. فما الذي يثبت وجود هذه الأسلحة؟
يجيب جابر: “أعتقد أنهم يملكون أعدادا كافية من الصواريخ الذكية ككروز وغيره وهم يتابعون أيضاً إنتاج هذه الصواريخ إضافة إلى الطائرات المسيرة”. هذه الطائرات بحسب قوله خفيفة ورخيصة الثمن ولا تحتاج دعماً لوجستياً كبيراً. تتكوّن هذه الطائرات من ثلاثة أجزاء: الجزء الأول عبارة عن الجسم المكوّن من المعدن ويمكن توفيره، والجزء الثاني هو الحمولة المتفجرة، أما الجزء المهم فهو الثالث والذي يمثّل الأجهزة الإلكترونية المتطورة ونظام الملاحة.
هامش الخطأ في هذه الأسلحة لا تتعدى 10 أمتار، الأمر الذي حيّر المتابعين والخبراء العسكريين بحسب ما يرى جابر، “فاليمن محاصر بحيث يتعذّر تهريب هكذا صواريخ”.
ماذا عن إيران ودورها المحتمل في ذلك؟ يقول جابر إن إيران لم تنكر دعمها السياسي ومساعدتها لليمن، لكن الخبراء ينفون وجود أي ضابط إيراني داخل الأراضي اليمنية، ولو حصل ذلك لكانت “قامت الدنيا ولم تقعد”، وهنا مكمن السرّ.
ويتابع: “نظرياً يمكن تهريب هذه القطع من أي بلد وتركيبها بواسطة أيد يمنية، لكنّ حصاراً شديداً يطبق على اليمن، وأنا أعترف أن الأدمغة اليمنية مجتهدة”.
ما خطورة التصعيد اليمني في سياق التوتر الإقليمي؟
يعتبر جابر إنه لا يمكن فصل التصعيد اليمني عن التوتر الاقليمي، لكن ما يحصل في اليمن لا يجري بالضرورة بإيعاز من إيران، “فأنصار الله يحاربون منذ أربع سنوات، وتحالفهم مع إيران لا يعني أنهم ينفذون أجندة إيرانية لأن لديهم مطالبهم على أرض اليمن وهم يسعون إلى إجبار الفريق الآخر على فك الحصار ووقف الغارات الجوية، لكن في الوقت نفسه لا يمكننا فصل ما يجري في اليمن عن الأحداث في المنطقة”.
ويخلص جابر إلى أن أميركا مستفيدة من هذه الحرب لكنها لن تحارب بدلاً من السعودية. سوف تستمر بتقديم الدعم العسكري وسوف تستمر السعودية في شراء الأسلحة والذخائر في حربها.