ورشة المنامة وصفقة القرن: محطة من سلسلة التطبيع الخليجي – الاسرائيلي
|| صحافة عربية ودولية || عادل الجبوري
تنشغل مختلف الأوساط والمحافل السياسية العربية والاقليمية والدولية – سواء كانت مؤيدة أو رافضة – هذه الأيام بموضوع الورشة الاقتصادية المزمع عقدها في الخامس والعشرين من شهر حزيران / يونيو الجاري في العاصمة البحرينية المنامة.
سر الاهتمام بذلك الحدث يرتبط من جانب بتوقيت عقده، ومن جانب آخر بطبيعة موضوعه، فضلاً عن هوية الاطراف التي من المقرر ان تشارك فيه، وبالتالي على ضوء ذلك كله، بما يمكن ان يخرج به من نتائج ومعطيات، ومدى امكانية او عدم امكانية انعكاسها على ارض الواقع، وتأثيرها على مسارات الوقائع والاحداث في المنطقة.
وبما ان العنوان الابرز لورشة المنامة الاقتصادية هو “صفقة القرن”، فهذا يعني من دون شك أن عقد الورشة في هذا الوقت بالذات يراد منه بالدرجة الاساس تسويق ذلك المشروع الخطير وفرضه كأمر واقع على من لا يقبل به ويرفضه.
بعبارة أوضح وأفصح، يدرك أصحاب القرار في واشنطن و”تل ابيب” أن تمرير صفقة القرن سيئة الصيت، لا بد أن يتم عبر عدد من العواصم العربية والاقليمية، ولأن العواصم التي طبعت علاقاتها مع “تل ابيب”، وفتحت سفارات اسرائيلية فيها، مثل القاهرة وعمّان، غير مهيأة لاستضافة واحتضان مثل تلك الفعاليات، لأسباب وظروف مختلفة، فإنه من الطبيعي أن يصار الى البحث عن عواصم أخرى، وقد بدت الوجهة الخليجية هي الأنسب والأفضل والأكثر جدوى.
خلال الأعوام القلائل الماضية، انتقلت خطوات التطبيع الخليجية الاسرائيلية من مرحلة السر الى مرحلة العلن، واتسعت وامتدت الى المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية والرياضية، ولم تعد مقتصرة على دوائر أمنية واستخباراتية خاصة، وتحولت من المستويات الدنيا أو المتوسطة الى المستويات العليا، وأمثلة ومصاديق التطبيع الخليجي الاسرائيلي كثيرة وواضحة وصريحة الى أبعد الحدود، وقد تعدت مرحلة الخجل والاستحياء والحرج.
في أواخر شهر تشرين الاول/ اكتوبر من العام الماضي، ترأست وزيرة الثقافة والرياضة الاسرائيلية ميري ريغيف، البعثة الرياضية للمشاركة في بطولة الجودو الدولية في العاصمة الاماراتية ابو ظبي. وقد عزف النشيد الاسرائيلي ورفرف العلم الاسرائيلي هناك بعد فوز أحد اللاعبين الاسرائيليين وحصوله على الميدالية الذهبية، ناهيك عن اداء اغانٍ يهودية من قبل بعض اعضاء الوفد الرياضي .
وقد استغلت الوزيرة الاسرائيلية تلك الزيارة للتجول في الامارات واللقاء بشرائح وفئات ونخب اماراتية، وسط تغطية اعلامية لافتة.
وفي السابع عشر من شهر نيسان/ ابريل الماضي زار وفد من الخارجية الاسرائيلية البحرين، بناء على دعوة رسمية، للمشاركة في مؤتمر ريادة الأعمال الدولي، وفي حينها أكدت وسائل اعلام مختلفة رفض محكمة بحرينية دعوى أقامها عدد من المحامين كانوا قد طالبوا فيها وزارة الداخلية البحرينية بعدم إصدار تأشيرات دخول لأعضاء الوفد الإسرائيلي.
وفي خطوة، بدت مفاجئة للبعض، زار رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في السادس والعشرين من شهر تشرين الاول/اكتوبر سلطنة عمان، والتقى سلطانها قابوس بن سعيد ومسؤولين كباراً آخرين.
وفي الثالث من شهر أيار/ مايو الماضي، وفي خطوة غير مسبوقة، ذكرت الخارجية الاسرائيلية أنه للمرة الأولى سيزور وفد يهودي المملكة العربية السعودية في شهر كانون الثاني / يناير من العام المقبل، بناء على دعوة من رابطة العالم الإسلامي حسبما أعلن أمين عام الرابطة الشيخ السعودي محمد بن عبد الكريم العيسى، للمشاركة في مؤتمر حول المحرقة اليهودية (الهولوكوست)، اذ نقلت الخارجية الاسرائيلية عن العيسى قوله عن تلك القضية “لا يمكن إطلاقا إنكارها ولا التقليل من شأنها، أردنا أن نقول كلمة الحق تجاه هذه الجريمة النازية البشعة، وسنكون ضد أي فكر أو نظرية تنكر هذه الجريمة”.
ولعل المقام يطول بنا كثيرا، اذا أردنا استعراض الكثير من الزيارات المتبادلة بين “تل ابيب” والعواصم الخليجية، والتي كانت المنامة أبرز وأهم وأخطر محطاتها ومحاورها.
لذا ليس غريباً أن نشهد لهاث النظام البحريني للتطبيع مع الكيان الصهيوني، والخضوع للولايات المتحدة الاميركية، واكثر من ذلك استعداده لجعل المنامة واحدة من البوابات التي يمكن ان تفتح على مصراعيها أمام الصهاينة ليحققوا المزيد من الاختراق والتوغل في جسد العالمين العربي والاسلامي.
وتجلى جانب من لهاث نظام المنامة، من خلال اعلان التأييد والدعم للعدوان الاسرائيلي على فلسطين وسوريا ولبنان في مناسبات مختلفة، فذاك وزير الخارجية البحريني خالد بن احمد، يكتب في الحادي عشر من شهر ايار-مايو من العام الماضي، تعليقا على الغارات الاسرائيلية على سوريا، قال فيه، “ان من حق تل أبيب الدفاع عن نفسها، طالما أن إيران أخلت بالوضع القائم في المنطقة واستباحت الدول بقواتها وصواريخها، فإنه يحق لأي دولة في المنطقة ومنها إسرائيل أن تدافع عن نفسها بتدمير مصادر الخطر”، ليرد وزير الاتصالات الإسرائيلي، على ذلك الموقف بقوله، انه “دعم تاريخي لإسرائيل”!.
كل ذلك وغيره، يجري في الوقت الذي تتعرض فيه فئات ونخب عديدة من الشعب البحريني لشتى صنوف التنكيل والاضطهاد والحرمان من الحقوق المدنية، في تناقض يعكس غياب الرؤى الصحيحة، وضياع المسارات الصائبة لدى اصحاب القرار هناك.
ولم يعد خافيا، ان النظام البحريني ومعه أنظمة خليجية اخرى، بات بمثابة حصان طروادة لتمرير الاجندات الاميركية والاسرائيلية، وتكريس مصالح واشنطن و”تل ابيب” في المنطقة، وتسويق مشروع “صفقة القرن” مثالا واحدا، وسواه الكثير من الامثلة، والا كيف لنا ان نفهم ذلك الذوبان والاندفاع نحو “تل ابيب”، والعداء المستحكم للقضية الفلسطينية وكل الأطراف الداعمة والمساندة لها، بدءا من ايران، مرورا بكافة عناوين محور المقاومة، وصولا الى كل من يظهر تعاطفه مع فلسطين وعدائه لاميركا و”اسرائيل”؟ ومن يرد أن يتأكد من ذلك فلينتظر اياما قلائل ليرى من سيحضر ويشارك في ورشة “صفقة القرن” في المنامة، ويصفق لها، ومن سيقاطع ويرفض ويستنكر ويدين.
موقع العهد الاخباري