إيران والسعودية.. والحاجة لويستفاليا إسلامية
|| أخبار عربية ودولية || عبدالملك العجري
لا اريد الدفاع عن ايران ولا عن طموحاتها ..ولا تشغلني عن قضيتي الأساسية (اليمن) قضية أخرى الا بقدر ما لها من علاقة بقضيتي الأم وما لها من صلة بالحرب العدوانية ..و بقدر ما أقصد إلى وضع أسئلة برسم الخفة السياسية التي يتحلى بها سياسيو بعض الدول الخليجية.. هل تعتقدون ان مشكلة أمريكا مع إيران الثورة مزاحمتهم لكم النفوذ في المنطقة وأطماعهم التوسعية لإعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية حد زعمكم ؟
ولنفترض حصول ما تتمنون من سقوط للنظام الإيراني الحالي هل تعتقدون انه سيكون في صالحكم قيام نظام موالٍ للغرب في ايران ؟
لم تكن مشكلة أمريكا ولا بريطانيا ان إيران الشاه لم يكن لها أطماع توسعية فالأخير كان يلعب دور شرطي المنطقة وحينها كان ملوك وامراء الخليج لا يمانعون من الرقص أمام الشاه ولا الانحناء لتقبيل يده .. كان ذلك يتم بمباركة ورعاية أمريكا وبريطانيا.
مشكلتهم مع إيران بدأت بعد إغلاق السفارة الإسرائيلية في طهران واستدارة الوجهة الإيرانية من الغرب إلى الشرق والتزامها السياسي بقضاياه العادلة وعلى راسها قضية فلسطين وعلاقة ذلك بأمن وسلامة إسرائيل .
إيران قادرة على جلبكم مرة أخرى لطهران والرقص أمام مرشدها او رئيسها. يكفي استدارة عكسية صغيرة منها من الشرق إلى الغرب ولن تكون حتى مضطرة لإعادة فتح السفارة الإسرائيلية يكفي أن تقلص من دعمها لحركات المقاومة الفلسطينية وستكون المنقطة حلالا زلالا لنظام الملالي على حدكم .. ترامب قالها صراحة اذا قبلت إيران التفاوض معي ستكون إيران دولة عظمى .
ورغم عدوانية ترامب تجاه إيران إلاّ أن تصريحاته التي يتناول فيها كلاًّ من ايران والسعودية لا تخفي النظرة التبجيلية لإيران العظمي ولا تتحرج من إظهار النظرة الاحتقارية للسعودية وبعض إمارات الخليج الذين لا يملكون أي شيء سوى المال ,والخلفية التي تنطلق منها تصريحات ترامب -بوعي او دون وعي -تتمثل في القناعة المستقرة لدى الأطراف الدولية الفاعلة و المجتمع الدولي بضرورة الاعتراف بإيران دولة فاعلة لا يمكن تجاهل دورها في تحقيق الاستقرار للمنطقة ,وفي المقابل الشكوك الكبيرة في مستقبل بعض الممالك الخليجية وعلى رأسها السعودية وفي الاعتماد عليها كحليف أساسي او وحيد في المنطقة.. حتى تغيير النظام في إيران لم يعد هدفا مطروحا وغاية ما يريدونه التعديل في سلوكها الخارجي ,وبإيماءة واحدة من ايران تستطيع أن تهز الوضع الجيوساسي في المنطقة كما حصل في 2015م في اتفاق لوزان وهذا ما سيحدث إن لم يكن مع ترامب، وكل شيء منه متوقع، فسيحصل مع خلفه
وعلى فرض حصول ما تتمنون من سقوط للنظام الإيراني الحالي هل تعتقدون انه سيكون في صالحكم قيام نظام موالِ للغرب في ايران ؟
اذا كنتم تعتقدون ذلك فانتم لستم اغبياء فقط بل أضل من الحمير فالغرب وامريكا يتمسكون بكم ليس لأنكم خيار جيد بل لأنكم البديل المتوفر بعد خسارة ايران وعلى فرض نجح الغرب في استعادة ايران سيستغنون عن خدماتكم ما داموا حصلوا على خادم اكثر شطارة ولا تنسوا ان إدارة أوباما كانت قد دشنت الاستغناء عن خدماتكم والمفاوضات مع ايران لا زالت جارية واذا كانت حاجة الغرب للنفط في القرن الماضي جعلت منكم حلفاء من الدرجة الثانية بعد ايران الشاه فإن هذه الأهمية التي كانت للنفط في العلاقات الدولية قد تراجعت على نحو كبير .
الغرب يدرك أهمية إيران ولا زال على قناعته بضرورة إدماج ايران والاعتراف بدروها والتخلي عن السعي لإسقاط نظامها ولم تتأثر هذه القناعة بانسحاب ترامب من الاتفاق وإن أعاق تقدمها مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لا يريد إلاّ إعادة التفاوض والتعديل على الاتفاق وليس كما يتصور مهرجو الخليج .صحيح أن سلوك ترامب يعرقل من التقارب الإيراني الغربي ولكنه لا يستطيع منع إعادة استئنافه , والأفضل للعرب ودول الخليج سيما السعودية أن يسبقوا الغرب إلى إيران قبل أن يسبقهم الغرب وإلاّ فإن خسارتهم ستكون فوق ما يقدرون ..
بدلا من المضي خلف التهريج السياسي والبحث عن الأمان والاستقرار من البوابة الإسرائيلية والأمريكية بإمكانكم أن تختصروا الطريق و الذهاب مباشرة الى مصدر القلق لديكم من خلال إبداع ويستفاليا أخرى عربية وإسلامية (معاهدة ويستفاليا 1648م التي انهت حرب الثلاثين عاما في أوروبا) وخلق معادلة جيوسياسية ونظام إقليمي يقوم على احترام السيادة وتوزان القوى وتجنب سياسة العنف والقوة و فرض الهيمنة والطائفية السياسية في العلاقات بين الدول العربية والإسلامية .
إيران أعلنت الشهر الماضي عبر خارجيتها الاستعداد للدخول في معاهدة عدم اعتداء مع دول الخليج وسيكون لو تقبلت السعودية ذلك سيكون خيرا لهما وللمنطقة عموما تحقق الاستقرار وتساعد في إطفاء الحرائق المشتعلة والحروب المدمرة .