( نص+ فيديو ) كلمة السيد عبدالملك الحوثي في الذكرى السنوية للصرخة في وجه المستكبرين 1440هـ
أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبده ورسوله خاتم النبيين.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات: السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛
في آخر خميسٍ من شهر شوال الموافق لـ 17 من شهر يناير 2002م أعلن السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” في محاضرته الشهيرة الصرخة في وجه المستكبرين شعار البراءة وهتاف الحرية المعروف:
الله أكـــــــــــبر
الموت لأمريكـــا
الموت لإسرائيـــل
اللعنة على اليهود
النصــر للإســــلام
ليكون بدايةً لانطلاقة مشروعٍ قرآنيٍ تنويريٍ نهضويٍ شاملٍ ابتدأه بهذه الخطوة العملية المهمة، والظروف التي أعلن فيها هذا الموقف، وانطلق فيها هذا المشروع القرآني الذي يشمل رؤيةً كاملةً تعتمد على القرآن الكريم كمصدرٍ للهداية والنور، الظروف معروفة- آنذاك- ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وفي ظل الهجمة الأمريكية الشاملة على أمتنا الإسلامية، وفي الذروة من الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، والاعتداءات التي تأتي أيضاً على مناطق أخرى من شعوب هذه المنطقة، وبالذات البلدان المحاذية- وبالدرجة الأولى لبنان- المحاذية لفلسطين، في تلك المرحلة كان الجو العام هو جوٌ أطبقت فيه حالة الصمت على كثيرٍ من أبناء الأمة، واتجهت فيه معظم الأنظمة الرسمية في بلداننا العربية والإسلامية للتحالف الصريح والمعلن تحت قيادة أمريكا، والأمريكي كان متجهاً لأن يوظف أحداث الحادي عشر إلى أبعد مدى؛ بهدف السيطرة على هذه الأمة، سيطرةً مباشرةً شاملة، ويتحرك الأمريكي والإسرائيلي- وكلاهما وجهان لعملةٍ واحدة- بمخططات تدميرية رهيبة تستهدفنا كأمةٍ إسلامية، في ظل هذه الظروف أتت هذه الانطلاقة، وأعلن هذا المشروع، وأتت هذه الصرخة التي هي كاسمها صرخةً في وجه المستكبرين، فهي صرخةٌ بالفعل في وجه المستكبرين، وانطلاقاً من وجود تهديدٍ وخطرٍ محققٍ وأكيد علينا كأمةٍ إسلامية، وخطرٌ شاملٌ وكبير تأتي فيه أمريكا بكل ثقلها وطاقاتها وإمكاناتها، ومن حولها الغرب، وتأتي معها إسرائيل أيضاً، والصهيونية العالمية تشتغل في هذا المخطط بكل الأساليب والوسائل، ونحن في الواقع كأمةٍ إسلامية معظم أبنائها لا يمتلكون المنعة والحصانة في وجه هذه الهجمة، أمة تعاني من وضعٍ داخليٍ كارثي بما تعنيه الكلمة، والظروف التي تعيشها على كل المستويات هي ظروف تُطمع أعدائها فيها، وتشجع أعدائها للإقدام على خطوات خطيرة للغاية في استهداف هذه الأمة، وفي الطمع بالسيطرة التامة الشاملة على هذه الأمة: كبشر، كموقع جغرافي… السيطرة على كل المجالات: على المستوى السياسي، والاقتصادي، والثقافي، والفكري، ومسخ هوية هذه الأمة، وتدمير هذه الأمة وتفكيكها وبعثرتها، حتى تصل إلى مستوى الانهيار التام؛ لضمان أن تفقد كل عناصر القوة والمنعة التي يمكن أن تعمل بها أو تستفيد منها في حماية نفسها، وفي العودة إلى حالة الاستقلال، أو كسب الحرية.
فهناك بالفعل هذا الخطر الكبير والشامل، وهذه الوضعية الداخلية المأساوية والكارثية، التي يرى فيها العدو فرصةً يحرص على أن يستغلها، وأيضاً انطلاقاً من مسؤوليتنا كأمةٍ مسلمة في التصدي لهذا الخطر ومواجهة هذا التهديد، باعتبار أن علينا مسؤولية: مسؤولية إنسانية وفطرية، وهي أيضاً مسؤولية دينية بحكم انتمائنا للإسلام، بحكم هويتنا الإسلامية أن نتحرك انطلاقاً من مبادئ هذا الإسلام العظيم، الذي يفرض علينا أن نكفر بالطاغوت، وأن نتحرر من سيطرته، وأن لا نقبل لأحدٍ أن يستعبدنا من دون الله، وأن نكون أحراراً، وتلك القيم العظيمة في هذا الدين، وتلك التشريعات والتوجيهات الإلهية التي تحفظ لنا استقلالنا وتبنينا كأمةٍ مستقلةٍ وعظيمةٍ وقويةٍ ذات منعة، منعة كاملة: منعة أخلاقية، منعة مبدئية، منعة فكرية وثقافية، أمة عزيزة بعزة الإيمان، أمة محصنة من كل حالات وأساليب الاختراق.
انطلاقاً من هذه المسؤولية، وانطلاقاً من هذا الواقع الواضح والمؤكد والذي لا التباس فيه، كان هذا الموقف وأتى هذا المشروع، ومنذ ذلك اليوم وإلى اليوم، وبالرغم من كل الجهود الهائلة المتمثلة بكل أشكال الحروب والاستهداف لإسكات هذا الصوت، والقضاء على هذا المشروع ووأده منذ البداية، إلا أن هذا المشروع نما وتعاظم وقوي وتجذّر؛ لأنه منطلقٌ بالاستناد إلى واقعٍ حقيقي، وبالاستناد أيضاً إلى القرآن الكريم، إلى الحق الذي لا ريب فيه، ثم أتت- منذ ذلك اليوم وإلى اليوم- كل الشواهد التي تشهد لهذا العمل أنه عملٌ صحيح، وأنه توجهٌ صائب، وأنه موقفٌ حق، وأنه موقفٌ ضروريٌ تفرضه المسؤولية، ويتطلبه الواقع، وتفرضه الظروف، وأن الأمة: إما أن تكون في حالة الموقف، وإما أن تكون في حالة اللا موقف، حالة اللا موقف يعني الاستسلام، يعني الخضوع للعدو، يعني أن تُمَّكن الأمة هي عدوها من نفسها، وهذا هو خلاف الحكمة، خلاف الحق، وخلاف المسؤولية، خلاف الفطرة الإنسانية، سيكون موقفاً خاطئاً، وباطلاً، وسيئاً، وممقوتاً عند الله، ويجر على الأمة الوبال والنكال والخسارة الرهيبة التي لا يمكن تفاديها.
طبيعة الاستهداف الأمريكي والإسرائيلي لأمتنا، ومعه تحالفه الواسع، معه كل تلك القوى التي تتبعه، تتآمر معه، تشترك معه، تشتغل معه في مؤامراته على هذه الأمة والاستهداف لهذه الأمة، طبيعة هذا الخطر والتهديد، وهو شامل يشتغل في كل المجالات: يشتغل في المجال السياسي وبشكلٍ واضحٍ ومكشوف وصريح وعلني، بل تروضت هذه الأمة إلى أن تتقبل هذا التدخل في شؤونها السياسية، وكأن الأمريكي، وكأن الإسرائيلي، وكأن الغربي جزءٌ لا يتجزأ ومعنيٌ أساسيٌ بقضاياها بأكثر مما هي معنيه، بمشاكلها بأكثر مما هي معنية، بوضعها وواقعها الداخلي بأكثر مما هي معنية؛ حتى بات البعض من أبناء الأمة قد يتقبل بالأمريكي أن يتدخل في موضوعٍ معين أو قضية معينة، ولا يتقبل بأخيه المسلم، ولا يتقبل بابن جلدته ووطنه، ويقبل من الآخر- وبكل رحابة صدر- أن يأتي، وأن يفرض آراءه، وأن يتدخل بكل أشكال التدخل.
مستوى هذه الهجمة التي أتت لتشمل كل المجالات: على المستوى السياسي، على المستوى الثقافي والفكري، وتسعى أيضاً على المستوى العسكري بفرض قواعد عسكرية ووجود عسكري وتدخلات عسكرية بالقتل والتدمير والاحتلال في مناطق هنا وهناك من ساحتنا العربية، من ساحتنا الإسلامية، التدخل على مستوى العقوبات الاقتصادية… التدخل بكل أشكاله، مستوى هذه الهجمة الشاملة والكبيرة والهائلة لابدَّ في مواجهة هذا التهديد وهذا المستوى من الخطر من مشروعٍ نهضويٍ تعبويٍ شاملٍ وواسع، لا يتجه فقط إلى النخبة لا يقتصر فقط على المساحة السياسية؛ لأن الهجمة من الأعداء هجمةٌ شاملة، وتستهدفنا في كل شيء، وأتت إلى كل مجالات الحياة وميادين الحياة، فنحن بحاجة إلى أن يقابل هذا العدوان وهذا المشروع المعادي بمشروعٍ واسع، وبحالة استنهاض شاملة، وبحالة تعبئة شاملة تأتي إلى كل أبناء الأمة؛ لأن العدو يستهدف كل أبناء الأمة، يسعى للتأثير على كل أبناء الأمة، يسعى للسيطرة على كل أبناء الأمة، له برامجه وأنشطته واهتماماته التي تستهدف كل أبناء الأمة: رجالاً، ونساءً، وأطفالاً، كباراً وصغاراً، من كل الفئات وعلى كل المستويات، ويشتغل ويتحرك ويتسلل من كل النوافذ والأبواب لاختراق كيان هذه الأمة، والتغلغل إلى ساحتها الداخلية، والتأثير في واقعها الداخلي.
ففي مواجهة هذا المستوى من الاستهداف لابدَّ أن يكون هناك مشروعٌ شامل، مشروعٌ استنهاضيٌ، ولابدَّ أن يلحظ هذا المشروع كمشروعٍ شامل لا يتجه فقط إلى النخبة، وإنما يتجه إلى جماهير الأمة وأبناء الأمة بكلها، أن يلحظ التعبئة والتحسيس بالمسؤولية، وأن يلحظ رفع مستوى الوعي لدى أبناء الأمة، الوعي بالعدو، المعرفة بالعدو، المعرفة بمخططات هذا العدو، بأساليب هذا العدو، والمعرفة أيضاً بالأساليب والوسائل الصحيحة للتصدي لمؤامرات هذا العدو في كل المجالات، وإبطال وإفشال كل مخططاته ومؤامراته في كل المجالات أيضاً.
هذه الرؤية من أين تتوفر؟ من أين تتوفر رؤية شاملة، رؤية واسعة، مفاهيم صحيحة، برنامج عمل يؤتي ثماره المطلوبة في تعبئة الأمة، في اكسابها وفي تعبئتها بالطاقة اللازمة لمواجهة هذا المستوى الكبير من التهديد والخطر، ولتزويدها بالرؤية النقية والصحيحة والسليمة تجاه هذا العدو وتجاه مخاطره؟ لا شيء يرقى إلى مستوى القرآن الكريم يحقق للأمة كل هذا: رؤية متكاملة صحيحة واقعية، وكذلك أيضاً طاقة معنوية هائلة ترتقي بالأمة لمستوى مواجهة هذه التحديات وهذه الأخطار، وهكذا كان المشروع القرآني الذي تحرك به السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه”، وشعاره المعروف، وخطوته المشهورة والمعروفة بالدعوة إلى مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، ثم ما يدخل ضمن هذا المشروع من خطوات عملية في كل المجالات، وما يقدمه للأمة لتحصين ساحتها الداخلية من كل حالات الاختراق والاستهداف.
منذ اليوم الأول كان من الواضح أن الأعداء سيبذلون جهداً كبيراً لاختراق كيان الأمة، والتأثير على ساحتها الداخلية، وأن نشاطاً واسعاً بالنسبة لهم يتجه إلى التأثير الفكري والسياسي، والتأثير فيما يتعلق بالولاء في داخل هذه الأمة، وعندما نعود إلى القرآن الكريم فهو سواءً في سورة البقرة، أو في سورة آل عمران، أو في سورة المائدة، أو في سورة النساء… في كثيرٍ من سوره المباركة، يركز عندما يتحدث عن هذا الخطر الذي يمثله أعداء الأمة عليها يركز في مساحةٍ واسعةٍ منه على واقع الأمة من الداخل، وعلى أن أكبر ما يشكل خطورةً على هذه الأمة من أولئك الأعداء هو التأثير على أبناءها في مسألة الولاء والتبعية والتطويع، وأنهم- أي أعداء هذه الأمة أولئك- يسعون إلى السيطرة على هذه الأمة بهذه الطريقة بشكلٍ كبير، عندما يسعون إلى فرض حالة التبعية لهم، والتطويع لأبناء هذه الأمة؛ كي يكونوا مطيعين لهم، والتأثير على أبناء هذه الأمة؛ حتى يتمكنوا من السيطرة على الإنسان، بعد أن يسيطروا على فكره، على ثقافته، على توجهاته، بعد أن يكونوا هم من يصنعون رأيه، من يتحكمون في ولاءاته وعداواته وتوجهاته ومواقفه، وهذا هو أخطر مستوى من التأثير والسيطرة، هو الأسلوب الشيطاني الذي سلكه إبليس، سلكه الشيطان- لعنه الله- منذ البداية في صراعه مع بني آدم وفي عدائه لبني آدم، وأولئك الأعداء هم يسلكون هذا السلوك، مع أنهم لا يألون جهداً في تدمير هذه الأمة حتى على المستوى العسكري، مع أن العداء من جانبهم لهذه الأمة واضحٌ ومعروف، مع أن أسلوبهم في التعامل حتى مع من يواليهم من أبناء هذه الأمة واضحٌ ومعروف بالاحتقار والسخرية والاستهتار والاستخفاف، والتعبير بما يكشف عن أنهم لا يرون فيهم إلا أدوات يستغلونها، أو بقرةً حلوبةً يحلبونها، يحلبون درها، يستغلون إمكاناتها المادية وثرواتها، هم واضحون في ذلك، والأمور واضحه ومكشوفة، ومع ذلك يسارع الكثير من أبناء هذه الأمة والبعض من أبناء هذه الأمة في خطوات واضحة ومكشوفة لتوليهم، ومناصرتهم، والتطبيع معهم، والتحالف معهم، والعداء للأحرار من أبناء هذه الأمة، الذين يصرون على الاستقلال والحرية والكرامة، يتمسكون باستقلال أمتهم واستقلالهم، ويمتنعون عن التبعية لأعداء الأمة.
وهذا الذي يظهر اليوم وبشكلٍ كبير وبشكلٍ واضح أنه لابدَّ من عمل يبني الأمة لتكون بمستوى مواجهة هذه التحديات والأخطار على كل المستويات، ولابدَّ من عمل يحصن الأمة من الداخل من هذا الاختراق الذي يهدف إلى تطويع أبناء الأمة، واستغلالهم، والتحكم في ولاءاتهم، وتوجيههم للعداء لمن يعادي أمريكا وإسرائيل، لمن يناهض الهيمنة الأمريكية والسيطرة الأمريكية، والسياسة الأمريكية التدميرية والعدائية، وله موقف مبدأي وحاسم ضد الكيان والعدو الإسرائيلي، هذه مسألة أثبتت الأحداث والوقائع أنها ضرورية لابدَّ منها، آنذاك كان البعض يناقش ويجادل.
آنذاك كان البعض يناقش ويجادل ويقول: [كل أبناء الأمة يكرهون إسرائيل، وكل أبناء الأمة لهم موقف من إسرائيل]، مع أن المسألة كانت حتى آنذاك واضحة، لكن يوماً بعد يوم اتضح الواقع، وتجلى كيف أن البعض من أبناء الأمة يسعون إلى فرض حالة الولاء والتبعية لأمريكا، وحالة الولاء والتطبيع مع إسرائيل، حتى على أبناء الأمة بشكلٍ عام، اليوم لا يكتفي النظام السعودي، ولا النظام الإماراتي، ولا أتباعهم: آل خليفة في البحرين… أو غيرهم هنا أو هناك في هذا القطر العربي أو ذاك، لا يكتفون بأنهم هم في موقع الخيانة وفي مسار الولاء والتبعية لأمريكا وإسرائيل، وفي هذا التوجه المنحرف والخاطئ، لا يكتفون بذلك، إنما يحاولون أن يفرضوا هذه الحالة من التطبيع والولاء والتبعية لأعداء الأمة أن يفرضوه على بقية أبناء الأمة، ويسعون إلى أن يخضعوا كل الأمة لأعدائها معهم، هم أخضعوا أنفسهم، واتجهوا هذا التوجه الخاطئ والمنحرف، لكنهم لم يكتفوا بذلك، ويحاولون أن يفرضوا ذلك بكل الوسائل والأساليب: بأساليب الترغيب لمن يتمكنون من شراءه بالثمن البخس والتافه، مقابل الخيانة، والبيع للمبادئ والقيم، والتنصل والتفريط في قضايا الأمة الكبرى. أو على مستوى الترهيب ومعاداة من يعادي إسرائيل، من يناهض أمريكا، معاداته بكل وضوح، وتكون هي المشكلة الرئيسية والجوهرية لهم مع غيرهم من أبناء الأمة، مثل ما هو الحال في عدوانهم على بلدنا، على شعبنا اليمني المسلم العزيز، والذي تعتبر المشكلة الرئيسية لهم مع هذا الشعب هو: أن هذا الشعب اختار الموقف المبدئي الذي يفرضه عليه إيمانه، هويته الدينية والإيمانية، انتمائه للإسلام، فطرته، حريته، كرامته، فأراد أن يكون شعباً مستقلاً حراً متمسكاً بقضايا أمته الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية ومقدسات الأمة في فلسطين، ومناصرة الشعب الفلسطيني الذي هو جزءٌ من هذه الأمة، ورفض هذه التبعية وهذا الولاء لأعداء الأمة، هذا الولاء المحرم شرعاً، هذا الولاء الذي يقول الله عنه في القرآن الكريم: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة: من الآية51]، وبالتالي أصحبت هذه مشكلة رئيسية لهم مع هذا الشعب؛ لأن المطلوب من الجميع هو ماذا؟ الخضوع والخنوع والتبعية والاستسلام والطاعة، الطاعة لأمريكا، الطاعة لإسرائيل، الطاعة لمن يطيع أمريكا ويطبع مع إسرائيل.
وأتت الورشة التي أقامها آل خليفة في البحرين قبل أيامٍ قلائل أقاموها كخطوة من خطوات الخيانة الكبرى لهذه الأمة، وهي خطوة- إن شاء الله- فاشلة بإذن الله، ولكنها فاضحة وكاشفة، حصحص الحق وتجلت الحقائق بأكثر من أي زمنٍ مضى، يفترض للبعض من الناس الذين يعيشون الحالة البقرية: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا}[البقرة: من الآية70]، حالة التلبيس على أنفسهم، يفترض بهم اليوم- وأكثر من أي زمنٍ مضى- أن يبصروا هذه الحقائق الواضحة، الجلية جداً، وأولئك يجتمعون عند استاذهم (كوشنر) وهو يقدم لهم ويرسم لهم الخطوات، ذلك الصهيوني اليهودي (كوشنر) يرسم لهم معالم صفقة الخيانة والعار التي بدأوا هم يعملون على تمريرها، يسعون لذلك خدمةً لمن؟ خدمةً لأمريكا، خدمةً لإسرائيل، وخيانةً لأمتهم، وخيانةً للشعب الفلسطيني، وخيانةً للمقدسات، خيانةً للأمة بكلها، خيانةً للمبادئ العظيمة لهذا الإسلام العظيم، بدون حياء، بدون تحرج يجتمعون ويتوجهون في هذه الخطوات، وهذا كله يثبت أنه لابدَّ من عمل في داخل الأمة، عمل يحصنها من الولاء لأمريكا، يحصنها من الولاء لإسرائيل؛ لأن هناك من يشتغل باستمرار في داخل الأمة، لماذا؟ ليصنع في هذه الأمة هذا الولاء، هذا الولاء لأمريكا وهذه التبعية لأمريكا، هذا الولاء لإسرائيل وهذا التطبيع مع إسرائيل، لدرجة أن تقدم مقدسات الأمة، ويضحى بشعوب الأمة، وتقدم أراضي هذه الأمة وبلدان ومناطق هذه الأمة هديةً لأعدائها؛ في مقابل الاسترضاء لأعداء الأمة والتودد إلى أعداء الأمة، وأن يقدم أعداء الأمة على أنهم هم الأصدقاء والأحباء، وأن تكون عملية التعاون معهم وهي الخيانة بذاتها، والتحالف معهم وهو الغدر للأمة والانقلاب على الأمة بعينه- أن تقدم على أنها هي الموقف الصحيح، والاتجاه الصحيح الذي يدفع إليه الناس دفعاً إن بالمال وإلا بالعصا.
في ظل واقعٍ كهذا أولا يظهر جلياً الأهمية القصوى لعمل في داخل الأمة نفسها، لتحصينها من هذا الولاء، لتحصينها من هذه التبعية؟ بلى.
ولذلك عندما أتى هذا المشروع القرآني واتجه بشكلٍ رئيسي لتحصين الأمة من الداخل؛ لأنه انطلق على أساس الاهتداء بالقرآن الكريم، القرآن الذي كلما حدثنا عن أولئك الأعداء رسم لنا خطوات لتحصيننا من الداخل، لسد الثغرات في الداخل، قدم خطوات تعبوية استنهاضية، يعرفنا أن أولئك أعداء، وأن علينا أن نبني أنفسنا لمواجهتهم في كل مجالات الحياة وميادين الحياة، وأن المعركة معهم هي ليست فقط في الميدان العسكري، والميدان العسكري جزءٌ أساسيٌ فيها، ولكنها تمتد إلى كل المجالات.
أولئك يغزونك اليوم، يغزون أمتنا إلى كل منزل، وليس فقط إلى كل دولة أو إلى كل قطر، عبر التأثير الإعلامي، الهجمة الإعلامية التضليلية التي يشغلون فيها الكثير من الأبواق، من أبواقهم في هذه الأمة من المنافقين، والمخادعين، والمضلين، الذين يعملون لمصلحتهم تحت كل العناوين، الأمريكي والإسرائيلي كلاهما يفعِّل في هذه الأمة الخطاب الديني حتى، فيأتي الموعظ ويأتي الخطيب من على منبر المسجد، ويأتي الآخر باسم أنه مُفتٍ، والآخر تحت أي عنوان: لجنة علمائية، هيئة كبار العلماء… تحت كل المسميات وعلى كل المستويات، ويأتي الآخرون في الحقل السياسي، ويأتي الآخرون من البوابة الاقتصادية، لا يدع عنواناً إلا وتحرك من خلاله، ولا يدعوا نافذةً إلا وحاول أن يتسلل من خلالها، ولذلك لابدَّ أن تكون عملية التحصين لهذه الأمة من الداخل عمليةً رئيسية في التصدي لهذه الهجمة الهائلة، التحصين للمناهج الدراسية، التحصين للخطاب الديني، العمل على المستوى الاقتصادي بما يحصِّن وضعنا الاقتصادي من التأثيرات والاختراقات والسياسات التدميرية المضرة بهذه الأمة، المحطمة لهذه الأمة، وعلى المستوى السياسي، على كل المستويات والمجالات.
ولهذا قدم السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” أكثر من مائة محاضرة ودرس، كل مضمونها ومحتواها يتجه إلى كل المجالات التي يركز عليها القرآن الكريم، ويرسم من خلالها منهجاً متكاملاً ورؤيةً شاملة للتصدي لهذا الخطر الذي يمثله علينا أولئك الأعداء في استهدافهم لأمتنا.
كان البعض يقول: [ما قيمة أن تنشروا في أوساط الناس هذه الحالة من التعبئة ضد الخطر الأمريكي والإسرائيلي؟ ليسكت الناس، ليجمدوا، ليقعدوا]، النظرة الخاطئة لدى البعض: أن نتعامل تجاه هذه الهجمة التي أتت على كل المستويات، وفي كل المجالات، وبكل الوسائل والأساليب، أن نتعامل معها بالصمت، وأن يكون موقفنا تجاهها الجمود، أن نكون كالأموات، يعني: أن نترك الفرصة للعدو ليعمل كل ما يشائه بنا، دون أن يكون أمامه أي عوائق، لا ثقافية، ولا فكرية، ولا نفسية، ولا عملية… ولا بأي شكلٍ من الأشكال، يعني: افتحوا الأبواب والنوافذ، وتكتفوا بأيديكم حتى لا تتحرك، واخرصوا وابصموا واسكتوا واجمدوا، ودعوه يفعل ما يشاء ويريد، هل هذا هو منطق الفطرة؟ هل هذا هو منطق الإسلام؟ هل هذه رؤية حكيمة صحيحة؟ بأي تصنيف من مستويات التصنيف لدى البشرية، بالميزان الفطري أو بميزان الدين. لا، لا ذا ولا ذاك، رؤية الجبناء أو الجهلة الغافلين، أو رؤية من هم عملاء وهم يريدون أن تجمد هذه الأمة وأن تسكت، لماذا؟ لتمكِّن عدوها؛ لأنهم يريدون لعدوها أن يتمكن منها، أو رؤية غير حكيمة لدى البعض الآخر: رؤية لا تدرك طبيعة هذا الصراع، مستوى هذه الهجمة، الوسائل والأساليب التي تشتغل عليها، إذا كانت سياسة التطويع وسيلة، إذا كانت حالة فرض الولاء والتأثير بالولاء لليهود والنصارى وسيلة للعمل عليها في داخل هذه الأمة، ألا يستدعي ذلك نشاطاً بين أبناء هذه الأمة أنفسهم لتحصينهم من هذا التولي، من هذا الولاء، من هذه التبعية، من هذه الميول، من هذا التأثر بهذا العدو وأعوانه من أبناء الأمة؟ بلى، كل الشواهد واضحة.
لا شك أننا نحتاج كأمة مسلمة في مواجهة هذه الهجمة إلى الوعي الكبير، الذي يفترض أن يكون مدعوماً في العملية التثقيفية، أن يكون عنواناً رئيسياً في الأنشطة التعليمية، في الأنشطة الإعلامية التي تسعى إلى فضح الأعداء في كل مؤامراتهم ومخططاتهم، وفي كل أنشطتهم التي يتحركون من خلالها للتأثير على أبناء الأمة، ألم يتحركوا في مؤتمر البحرين- مؤتمر آل خليفة في البحرين- تحت العنوان الاقتصادي؟ ألم يجعلوا من الجانب الاقتصادي عنواناً؟ أوليسوا يتحركون تحت كل العناوين؟ أوليسوا يستغلون حتى المجال الرياضي للتطبيع مع إسرائيل، ويستقدمون فرقاً رياضية صهيونية للمشاركة معهم في هذا البلد أو ذاك من بلداننا العربية والإسلامية؟ يعني: أنت أمام عدو يركز على كل المجالات، وأنت تجاه هذه الهجمة بحاجة أن تحضر بقوة في كل المجالات حضور الوعي، حضور المواجهة، الحضور الذي تتصدى فيه في كل ميدان، في كل مجال، لهذا العدو الذي يحاول أن ينفذ، أن يتسلل من هنا أو هناك، حتى من النافذة الرياضية يحاول أن يتسلل، يسعى إلى أن يؤثر حتى على الأطفال في هذه الأمة عبر برامج تلفزيونية هادفة، لها أهداف معينة، لتحدث تأثيرات معينة، لترسخ مفاهيم معينة، للترك تأثيرات معينة حتى في نفوس الأطفال، يستهدف النساء للتأثير عليهن في أشياء كثيرة: لنشر الفساد، لضرب الأسرة المسلمة… يستهدف الشباب بوسائل كثيرة، يشتغل تحت عناوين واسعة، عدو يتحرك بكل طاقاته، بكل إمكاناته، بكل قدراته، وعدو يمتلك الإمكانات، يمتلك الخبرة، يمتلك القدرة على التخطيط، على ابتكار الكثير من الأساليب، الخطر على هذه الأمة هو في التنصل عن المسؤولية، في التفريط، في التجاهل لما يعمله الأعداء، أما اليقظة، أما الوعي، أما التحمل للمسؤولية، أما التحرك الجاد الذي يعتمد على الله “سبحانه وتعالى”، والذي يستند إلى الحق فهو لخير الأمة، لمصلحة الأمة، لعزة الأمة، لكرامة الأمة.
اليوم هناك انقسام كبير في واقع الأمة بين معسكرين واضحين: أحدهما يتجه للولاء والتبعية لأعداء الأمة، ويفتضح أكثر فأكثر يوماً بعد يوم، وأحدهما يتبنى المواقف الصحيحة السليمة المبدئية، التي يفترض أن تتبناها كل الأمة، وهي: الاستقلال، الحرية، الكرامة، التمسك بحقوق هذه الأمة الإسلامية، بحقوق كل شعوبها، بمقدساتها، باستقلالها بكرامتها، بحريتها، بدفع الظلم عنها، ويأتي البعض ليصنف هذا التوجه وكأنه هو التوجه الخاطئ والتوجه الشاذ والتوجه الغريب، ثم يأتي الطرف الذي يتجه اتجاه الولاء والتبعية لأمريكا وإسرائيل فيحاول أن يقدم توصيفات لنفسه وكأنه الذي يرفع لواء العروبة، وكأنه الذي يحمل راية الإسلام، وكأنه المعني حصرياً بالتبني لقضايا الأمة، وكأن الذي يخالفه في توجهه، ولا يسير معه ولا يتبعه في هذا التوجه، هو المتمرد والشاذ عن ما ينبغي أن تكون عليه الأمة.
كل هذه الأحداث خلال كل هذه المراحل وما هو قائمٌ اليوم هو يوضح للجميع أهمية التعامل الجاد والتحمل للمسؤولية، وأن تكون المواقف محسوبةً بحساب المسؤولية أمام الله “سبحانه وتعالى”.
عندما انطلق السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” ليتحرك على أساس القرآن الكريم كمصدر هداية، وعلى أساس أن تضبط المواقف بضابط المبادئ، بضابط المسؤولية الإيمانية، بضابط الهوية الإسلامية؛ لأنه يدرك أننا في مرحلة من أخطر المراحل، وأن هناك من سيروج لحالة التبعية والولاء لأعداء الأمة، والتفريط بقضايا الأمة، والتآمر على أبناء الأمة، وإذا لم تبق المواقف مضبوطة بضابط المبادئ والأخلاق، بضابط القرآن الكريم، بضابط الحق، بضابط الفطرة، فهناك من سيسهل عليه أن يفرط مع نقص الوعي، مع ضعف الإيمان، مع حجم الإغراءات، مع حجم الهجمة التضليلية تحت عناوين تشوش على الكثير.
عندما حركوا العنوان الطائفي من خلال الأدوات التكفيرية، عملوا منه عملية تشويش على البعض، الأمريكي يهمه أن يستغلك تحت أي عنوان، لا يهمه أن يكون العنوان عنواناً طائفياً، عنواناً أو لقباً محسوباً في الساحة الإسلامية، أو مفردة من المفردات التي يتداولها المسلمون ما دامت في خدمته وفي سبيله، ما دامت لتحقيق أهدافه، ولكن الأمور جلية مهما رفعت من عناوين، الأمور جلية، الارتباطات واضحة.
يوم رفعت الأدوات التكفيرية في سوريا عنوان الجهاد، وهي ترتبط بكل وضوح بأدوات أمريكا وعملاء أمريكا، ثم يتضح ارتباطها حتى بإسرائيل، ثم تظهر مشاهد الفيديو ونتنياهوا يزور جرحاهم ويتفقدهم في المستشفيات الإسرائيلية، هذه الارتباطات الواضحة هي تكشف زيف كل تلك العناوين التي يرفعها هذا الطرف أو ذاك الطرف.
عندما رفع النظام السعودي عنوان العروبة في حربه على شعبنا اليمني المسلم العزيز، الأصيل في هويته وانتمائه، والأصيل في مواقفه المبدئية والأخلاقية، فأتى ليرفع عنوان العروبة، وأنه يريد أن يعيد شعبنا إلى حضن العروبة، وأتى أحياناً ليرفع عنواناً طائفياً ويصف شعبنا بالمجوسي، ثم يأتي كل وقتٍ بعنوان، وفي كل مرحلة يرفع عنواناً معيناً، تتضح الأحداث، تكشف الأحداث وتتجلى الحقائق أنها مجرد عناوين للاستهلاك الإعلامي، للتغطية على الأسباب الحقيقية، وأنها أيضاً لخداع البعض من السذج والمغفلين والحمقاء، وأنها أيضاً للتبرير لمن يرغب بأن يكون له عنوان تبريري، حتى لو عرف أنه مجرد عنوان تبريري زائف لا يستند إلى الحقيقة، ليس هذا هو المهم، المهم أن تغطى الخيانة والعمالة والتبعية لأعداء الأمة، وما يترتب عليها من جرائم رهيبة، من مؤامرات فظيعة، من جرائم شنيعة بحق الأمة، أن تغطى بأسماء وعناوين للاستهلاك الإعلامي، عسى أن تغطي شيئاً من السوءة، من القبح، من الشناعة، الخيانة والعمالة.
عندما يجتمع أولئك ليتآمروا على الشعب الفلسطيني، وهو الشعب العزيز المظلوم لعقودٍ من الزمن، والذي يعاني من مظلومية واضحة وكبيرة، وقضيته عادلة لا لبس فيها، باتوا اليوم حتى يشككون في عادلة قضية الشعب الفلسطيني وهي قضية الأمة بكلها، بات إعلاميوهم يتحدثون عن إسرائيل وعن العدو الإسرائيلي بحديثٍ آخر، بخطابٍ آخر، بمديح وثناء، وإشادة وتقدير، ويتحدثون حديثاً سيئاً، ويجهرون بالسوء من القول ضد المجاهدين في فلسطين والشعب الفلسطيني، ضد حركات المقاومة، ويجهرون بالسوء من القول ضد حزب الله الذي وقف أشرف المواقف في مواجهة العدو الإسرائيلي، ورفع رأس الأمة عالياً بتحقيقه الانتصار الإلهي التاريخي الكبير في مواجهة العدو الإسرائيلي، باتوا واضحين في عمالتهم وخيانتهم، ومع ذلك يحاولون أن يوسعوا دائرة الاستقطاب في داخل الأمة، ويشتغلون في سبيل ذلك، ينفقون الأموال الكثيرة، يحركون كل وسائلهم وكل إمكاناتهم، بما في ذلك وسائلهم الإعلامية لخدمة إسرائيل.
ولذلك علينا أن ندرك جيداً قيمة الموقف الحق الذي نحن فيه، وأنه يستحق منا أن نضحي، ويستحق منا أن نبذل الجهد؛ لأننا في الموقف الصحيح والسليم والطبيعي، الموقف الطبيعي بمقتضى الفطرة الإنسانية لدى كل أمم الأرض قاطبة، موقف الاستقلال والحرية والكرامة، موقف التمسك بالحق الثابت والحقوق الثابتة؛ أما أولئك فهم في الموقف الخاطئ والغبي، وكما قلنا: لا يقدر لهم أعداء الأمة ما هم فيه من ولاءٍ وتبعية، هم يسخرون منهم، ترامب بنفسه يتحدث عنهم بالسخرية والاستهزاء، ويصرح بأنهم البقرة الحلوب، ويعبر عنهم كأدوات للاستغلال، مع الاستخفاف بهم والاحتقار لهم، وهذا يكشف ويثبت أن الحب من طرف واحد، كما قال الله في القرآن الكريم: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران: من الآية119]، في الوقت الذي يتوجهون فيه كل هذا التوجه كعملاء وخونة للتطبيع مع إسرائيل، للتبعية لأمريكا، لا الأمريكي يقدر لهم ذلك، ولا الإسرائيلي يقدر لهم ذلك، والكل يرى فيهم العملاء والأدوات الرخيصة، الأدوات التافهة، الأدوات التي لا قيمة لها، لكنه يراها أدوات مفيدة يستغلها، وهكذا قدم لهم ذلك الذي يتولونه ويتجهون معه، ويعادون أبناء الأمة من أجله وبولائهم له، يعتبرهم البقرة الحلوب، هذا كلما حصلوا عليه، ليسوا أكثر من أدوات تستغل، وفي نهاية المطاف تخسر: تخسر في الدنيا، وتخسر في الآخرة، إنه وعيد الله، وإنها الحقائق التي لن تتخلف أبداً، مصير الذين في قلوبهم مرض: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}[المائدة: من الآية52]، مصيرهم المؤكد بتأكيدٍ من الله “سبحانه وتعالى” الخسران والندم، أن يخسروا وأن يندموا؛ أما مصير الثبات على الحق، الموقف الحق، الموقف الصحيح، الموقف السليم، الموقف الذي يستند إلى توجيهات الله، إلى ما يفرضه انتمائنا الديني، انتمائنا للإسلام، هويتنا الإيمانية فهو الموقف الحق الذي عاقبته النصر بوعد الله “سبحانه وتعالى” الذي لا يتخلف.
علينا أن ندرك جيداً قيمة الموقف الذي نحن فيه، أن نتمسك به أكثر فأكثر، أن نعزز ارتباطنا بالموقف الحق، وأن نعتمد على الله “سبحانه وتعالى”، أن نواصل جهودنا في كل المجالات للتصدي لهذه الهجمة التي تسعى إلى الاختراق للداخل في الأمة، وأن نسعى لبناء أنفسنا في كل المجالات في هذا الصراع الذي واحدٌ من أهم الوسائل الأساسية فيه هو البناء للأمة في كل مجالات الحياة، من ضمن ذلك الجانب الاقتصادي، وأن نربي أبناءنا وشبابنا وأمتنا بشكلٍ عام تربية القرآن الكريم على العزة، على الإيمان، على الكرامة، على الحرية، على التحمل للمسؤولية، على حمل الروحية الجهادية بمفهومها القرآني التحرري العظيم، الذي يحرر الأمة من الطاغوت والاستكبار، أن نربي أبناء هذه الأمة على أن يعيشوا حالة الحرية والكرامة وجداناً ومشاعر، وفهماً للمبادئ والقيم، وتمسكاً بها، وثباتاً عليها.
نحن كشعبٍ يمنيٍ مسلمٍ بحمد الله “سبحانه وتعالى” وبتوفيقه نتحرك في هذا المسار، في هذا الاتجاه التحرري، لا نبالي بالآخرين مهما وصّفوا هذا الموقف الذي نحن عليه كموقفٍ مبدئي؛ لأنه موقف الحق، ولا نتحرج من علاقتنا بأبناء أمتنا المسلمين، أن يكون لنا علاقة إيجابية مع الشعب الفلسطيني، مع مقاومته، مع مجاهديه، أن يكون لنا علاقة أخوية إيمانية إسلامية مع من تربط ما بيننا وبينهم رابطة الإسلام من أبناء هذه الأمة في أي قطرٍ أو في أي بلد، مع من يثبتون على هذا الموقف المبدئي، هذا الموقف الصحيح في إيران، أو في لبنان، أو في العراق، أو في سوريا… أو في أي بلدٍ وقطر من أبناء الأمة، لا نتحرج من ذلك، أولئك يحاولون أن يجعلوا من علاقة المسلم بأخيه المسلم ذنباً ووصمة عار؛ أما علاقتهم بأعداء الأمة، وخيانتهم لأبناء الأمة، وتآمرهم على أبناء الأمة، فيقدمونه على أنه هو الذي يمثل العروبة ويمثل الإسلام، وأنه الموقف الصحيح.
لسنا ممن تلتبس عليهم مثل هذه الحقائق وهذه الأمور كشعبٍ يمني، أبناء الأمة- بشكلٍ عام- يدركون هذه المسألة جيداً، الأمة الإسلامية معنية بالحذر من البقاء أو التأثر بكل مساعي التدجين لأبناء الأمة؛ لأن هناك مساران يعملان لصالح العدو في داخل الأمة: المسار الأول: مسار استقطابي للعمالة الواضحة والخيانة المكشوفة، والمسار الآخر: مسار تدجين وتجميد لأبناء الأمة، وكلاهما يعملان لخدمة العدو، وفي كلٍ من المسارين خدمة واضحة محققة للعدو.
علينا أن نعمل في الاتجاه الصحيح، علينا أن نستجيب لله “سبحانه وتعالى” في نداءاته وتوجيهاته الكثيرة في القرآن الكريم، علينا أن نحمل الوعي القرآني تجاه أعدائنا، الوعي الذي نتسلح به فنحصن ساحتنا الداخلية من كل أشكال الاختراق والتأثير في كل مجال من مجالات الحياة، علينا أن نكثف حالة التوعية في أبناء الأمة التي يترافق معه تحرك عملي في كل المجالات.
نكتفي بهذا المقدار، ونؤكد من جديد وقفتنا المبدئية والإيمانية والثابتة مع إخوتنا الفلسطينيين، مع شعب فلسطين، تمسكنا بهذه القضية مع الشعب الفلسطيني، بالمقدسات، بأرض فلسطين، إدانتنا ورفضنا لكل أشكال الخيانة والتطبيع مع العدو الإسرائيلي، وكل أشكال التبعية والولاء لأمريكا وإسرائيل، ونقول من جديد ونهتف من جديد:
الله أكـــــــــــبر
الموت لأمريكـــا
الموت لإسرائيـــل
اللعنة على اليهود
النصــر للإســــلام
سيظل هذا الشعار عنواناً رئيسياً لموقفنا الثابت والمبدئي.
أسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛