“القاعدة وداعش” العنوان الأبرز للتناقض الأمريكي في المنطقة

بقلم / أحمد يحيى الديلمي


عندما نجد انفسنا أمام احداث تبدو غير مفهومة هي اشبه بمفارقات عجيبة فهذا يعني اننا نعيش في مرحلة يعتريها الكثير من المتناقضات ، وهذا ليس بغريب مادام أن “أمريكا التي تعُّد مصدر التناقضات” هي الدولة العظمى التي تتحكم في مجريات تلك الاحداث في هذا المرحلة.
ولا غرابة في القول بأن “أمريكا مصدر التناقضات” فقد جاء ذلك في مقال للكاتب الأمريكي “آرون ديفيد ميلر” نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية اشار فيه بأن التناقضات والرياء جزء أصيل من مواصفات كل دولة عظمى “ويقصد بالدولة العظمى هنا أمريكا ” ، وتمنى “ميلر” في مقالة لو أن كل إدارة أمريكية سواء أكانت جمهورية أم ديمقراطية “تعني ما تقول وتقول ما تعني” ، فيما اشار الكاتب الفرنسي “توكفيل” في نقده للنموذج الأمريكي للديمقراطية الى أن “التناقض أمر مزمن في تاريخ الشخصية الأمريكية”، كما ووصف “سيرجيو ليون” أمريكا بأنها خليط عجيب من التناقضات تحيا معاً في نفس واحدة ومجتمع واحد.
وما يعزز القول بذلك هي السياسات الأمريكية المتُبعة في الشرق الاوسط التي تعكس حقيقة التناقض في التعامل الأمريكي بالمنطقة ومحاولة الجمع بين التناقضات ، وإلا فكيف يمكن تفسير الكثير من الاحداث الحاصلة في منطقة الشرق الاوسط والتي كشفت مزيج من التناقضات والمفارقات العجية ، فتارةً تتزعم أمريكا نشر الفوضى في سوريا وتدميرها بحجة تحرير الشعب السوري من الرئيس “الشرعي” الأسد ، وتارةً أخرى تتزعم أمريكا عبر تحالف عربي مقيت شن عدوان غاشم لتدمير اليمن بحجة إعادة الرئيس “اللاشرعي، المستقيل والمنتهية ولايته” هادي ! ليكتمل مزيج التناقضات تلك بتشكيل تحالف دولي والادعاء بمحاربة القاعدة وداعش في سوريا والعراق وفي نفس الوقت يتم تقديم الدعم السخي للقاعدة وداعش في اليمن ، فهل هناك تناقضاً أقبح من هذا التناقص!
لقد بات واضحاً أن امريكا تعمل على هندسة المتناقضات ببراعة في مسعى لتنفيذ مشاريعها ومخططاتها في المنطقة والا كيف يمكن تفسير ما ذُكر انفاً ، وما تدّعيه أمريكا من حرية للشعوب وحماية أمنهم ، في حين تشنّ من أجل ذلك حروباً عليهم وتدمر بلدانهم ، لتكون القاعدة وداعش نتيجة طبيعية لبراعة السياسة الخارجية الأمريكية في القدرة على صناعة اداة تستخدمها كذريعة لتنفيذ مشاريعها ومخططاتها للهيمنة على المنطقة وتضخيمها إعلامياً وتنسج حولها الأساطير ثم تزعم انها تريد التخلص منها وانها تمثل تهديد على المنطقة .

وبذلك تعد “القاعدة وداعش” العنوان الابرز للتناقض الأمريكي في مسعى لتحقيق هدف رئيس لأمريكا هو تنفيذ مشروع الشرق الاوسط الجديد و«الفوضى الخلاقة»، تلك العبارة الاستدراكية التي صرحت بها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة “كوندوليزا رايس” لتصبح اداة “داعش” إحدى أهم الأدوات لتفسير حقيقة مجريات الأحداث ورؤية اليد الأميركية الخفية عبر تلك الاداة لتنفيذ ذلك المشروع واستخدامها في إسقاط الأنظمة التي تقاوم الهيمنة الأمريكية وإشاعة الفوضى في المنطقة والعالم تمكيناً لهيمنتها ونصرة للمشروع الإسرائيلي الحقيقي الرامي إلى السيطرة على المنطقة والعالم.

دون ادنى شك فقد بات واضحاً أن ما يسمى بالقاعدة واخواتها داعش وجبهة النصرة هي صناعة أمريكية بامتياز باعتراف وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون في كتابها “خيارات صعبة”، بأن الإدارة الأمريكية هي من قامت بتأسيس تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وما يطلق عليه “داعش”؛ بهدف تقسيم منطقة الشرق الأوسط.
وشهد شاهد من اهلها أن ما يسمى بتنظيم القاعدة وداعش هو صنيعة أمريكية ، فها هو الجنرال الأمريكي المتقاعد “ويسلي كلارك”، القائد الأعلى لحلف شمال الأطلسي في المدة بين 1997 – 2000 قد كشف أن أمريكا وحلفاءها هم الذين أنشأوا تنظيمي القاعدة داعش ، كما وصف العميل السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية “إدوارد سنودن” في مقابلة خاصة مع صحيفة “Dagens Nyheter” السويدية ” تنظيم “داعش” بـ”صناعة السياسة الأمريكية”.

وأكد الضابط في الاستخبارات البريطانية في جهاز مكافحة الإرهاب “تشارلز شويبردج”، أن وكالة المخابرات الأمريكية سي آي ايه CIA والاستخبارات البريطانية دفعتا دولاً خليجية لتمويل وتسليح تنظيمات مسلحة في مقدمتها تنظيمي القاعدة وداعش ، ليتوافق هذا مع ما أشار اليه الكاتب الأمريكي “ستيفن ليندمان” في مقال نشره موقع غلوبال ريسيرتش الكندي عن أدلة كثيرة كشفت عن قيام وكالة الاستخبارات الأمريكية سي آي ايه CIA والقوات الخاصة الأمريكية بتدريب الجماعات التكفيرية بما فيها تنظيم “داعش” على استخدام الأسلحة الكيميائية بينها غاز الخردل والسارين وربما تزويدهم بعناصر سامة من أجل استخدامها في سوريا ، فيما لا تزال الجماعات التكفيرية في سوريا تتلقى الدعم الأمريكي، وفق ما أعلنت به القيادة المركزية للقوات المسلحة الأمريكية 22 سبتمبر الماضي عبور نحو 70 مقاتلا دربتهم أمريكا من تركيا إلى الأراضي السورية.

ومن جانب آخر يظُهر المزيد من هندسة التناقضات الأميركية الذي تبين بوضوح من خلال العمل على تغيير أسماء تلك الجماعات التكفيرية بين الفينة والأخرى التي تمولها وتدعمها أمريكا ، ، فمن كانوا بالأمس القريب يسمون “بالقاعدة” هاهم اليوم بمسميات جديدة “داعش وجبهة النصرة” على الرغم من أن الفكر العامل “الفكر التكفيري” وكذلك الأداء الاجرامي لدى اولئك هو واحد ، بما يكشف حقيقة التناقض الأمريكي والقيام بالتلاعب بالأسماء والمصطلحات للهروب أصلاً من مطابقة هذه المصطلحات والمسميات مع الواقع فبعدما تآكل تنظيم القاعدة و”أسامة بن لادن” واختفائه عن الأضواء، بدأت أمريكيا في صناعة أساطير جديدة للحفاظ على سياستها الخارجية، حيث جبهة النصرة ثم داعش، و”أبو بكر البغدادي”،

قد يعجبك ايضا