الطفلة أميرة الزايدي أيقونة أطفال يقتلهم العدوان بحصاره
|| صحافة محلية || المسيرة نت
يحيى قاسم المدار:
عندما تموت فلذة كبدي أمامي أتألم ولا أقدر أعمل شيء..
ذلك بعض من حديث والد الطفلة أميرة عبدالله الزايدي ذات الثلاثة شهور من أبناء صرواح مأرب، قبيل أسابيع عرضت قناة المسيرة تقريرا صحفيا لحالة الطفلة أميرة، وهي بحضن والدها الذي حاول مرارا كفكفة دموعه حزنا على طفلته التي تعاني من تشوه خلقي في القلب انسداد في الصمام ثلاثي الشرفات عدم تكوين البطين الأيمن، عندها فتحة في الأذينين فتحته بين البطينين تضيق شديد في الصمام الرئوي وتحتاج إلى عملية جراحية عاجلة بحسب الطبيب المختص الذي عرضت عليه الحالة، كما يؤكد الطبيب المختص بأن هذه الحالات تكاثرت كثيرا مع العدوان السعودي الأمريكي على اليمن وهو بسبب الخوف من القصف المتواصل وبانتقال الكرموسومات من الأم إلى الجنين..
هنا يعجز المقال ويضيق الحال ولا سبيل للنجاة لهذه الطفلة، هنا يحاول والدها إسكاتها من بكاء تتألم معه الحجار على زهرة تذبل يوما بعد آخر تلاحق أنفاسها ولا تجد من يساعدها في تطبيب جراح لم تشاهدها، يواصل الوالد حديثه قائلا ما ذنبها ما الذي جنته ماذا فعلت حتى يغلق المطار في وجهها، حتى لا تخرج للعلاج في أي دولة، أليست هذه الطفلة من البشر وتنتمي إلى هذا الكون هل ضاقت الأرض بهذه الطفلة..
حاولت أمها الحديث معنا مرارا وتكرارا وهي تذرف الدموع على تلك الطفلة التي لا ذنب لها سوى أنها من أبناء اليمن المظلوم المحاصر، بعد جهد جهيد تحدثت أمها بعبارات المناشدة وطلب المساعدة ممن يحاصرون الوطن: نطلب منهم أن يفكوا لنا المطار حتى نستطيع نسفرها الخارج لأننا هنا ما قدرنا نفعل لها شيء، ثم تواصل الحديث: (إحنا إذا ما سفرناها الآن… هي لا قدر الله … ستموت…) ثم واصلت الإنكباب عليها والبكاء، نعم ذلك هو جهد الأبوين اللذين عجزا طوال أربعة شهور عن مداواة فلذة كبدهم أميرة، رغم المناشدات منهما..
حاولنا البحث ومساعدة هذه الأسرة في إظهار مظلوميتهم إلى العالم، لكن دون جدوى لم يتفاعل مع تلك الأسرة الكريمة أحد من كل مدعيي الإنسانية وحقوق الطفل والإنسان، ظلت الطفلة أميرة تعاني، تكافح للبقاء، تلتقط أنفاسها، وترجع آهات وجعها، إنه الألم والوجع الذي يعصف بقلبها الصغير، كل ذلك ومعها الأبوان اللذان لا حيلة لهما في إنقاذ حياة طفلتهم أميرة، كل يوم يمر عليها ويزاد معها الوجع والآلام، مر أسبوعان وكأنهما سنين متتالية في حياة هذه الأسرة، وهم يشاهدون الطفلة أميرة تذبل يوما بعد آخر، ولا منقذ لها أو من يسمع لشكوى آلامها وبكاءها الذي يطرق الأسماع التي غشيها الصمم، وفي لحظة الصمت المهيب رغم الصراخ! تأذن الوقت بالرحيل لهذه الطفلة الصغيرة الجميلة دون أن تعرف الحياة وما فيها، ودون أن تعرف المجرم الذي زرع في الوجع والآلام، المجرم الذي قطف حياتها قبل اليناع، ماتت أميرة بل استشهدت في وطن يموت فيه الكثير من أقرانها دون سابق إنذار مع سبق إصرار وترصد، لتبقى شاهدة على آلاف الجرائم التي تركب بحق هذا الوطن..
رحلت الطفلة أميرة عن هذه الحياة ولم ترحل ذكراها وذكرياتها التي زرعتها في النفوس غصة وجرحا لن يندمل مع الزمان..
دفنت جثة الطفلة أميرة بجوار العشرات الذين قضوا بفعل العدوان الأمريكي السعودي في أحد مقابر العاصمة صنعاء، يأتي والدها بعد يوم لزيارة قبرها يتلوا بجوارها ما تيسر من القرآن الكريم، حولنا الاقتراب منه حيث وجدنا ألم الفراق مرتسما على محياه، تنهمر دموعه وتتحشرج الكلمة في حلقه، يحاول كفكفة الدموع والابتسامة إلينا.. لكن دون جدوى فألم الفراق كبير والمصاب عظيم، في ذلك الحين يحمد الله ويشكره على كل حال، متذكرا أوجاع الكثير من اليمنيين، يتذكر صوت أميرة وصراخها لأنه يحسبه أنغاما تطرب مسامعه.. لو عاشت وتمكنت من البقاء، يقول في حديثه إلينا: ذهب إلى مبنى الأمم المتحدة في صنعاء والتقيت بممثلها منسق الشؤون الإنسانية وعرضت عليه حالة الطفلة أميرة، ناشدته بما ادعوه من إنسانية في إنقاذ حياة طفلتي، فرفض كل ما عرضت عليه، لم يتجاوب معنا لم يكلف نفسه حتى بالاتصال أو التواصل، شعرت حينها بأنهم لا يحملون لنا أي مثقال ذرة من إنسانية، رجعت إلى منزلي مكسور الخاطر!! من أولئك البشر الذين يدعون كذبا وزورا بأنهم حماة الإنسانية..
يواصل والدها الحديث: (رجعت إلى البيت وبقيت أتردد على المستشفيات في العاصمة، لكن حالة أميرة تزداد سوء ويزداد معها القهر بعد أن عجزنا عن علاجها، تفاقمت حالتها وضاق صدرها وفجأة توقف تنفسها وقلبها وجسمها الصغير، غادرتنا صغيرة البيت وأميرة الأسرة وبنت اليمن التي فضلت الموت بعزة وكرامة، غادرتنا سريعا إلى بارئها لتشكو إليه ما فعلت بنا السعودية والإمارات وكل من تحالف معهم، خلوها الآن ترقد في قبرها.. ما ذنبها.. ما فعلت بكم..) هنا توقف المشهد وهو ينظر إلى قبر طفلته أميرة، ويجهش بالبكاء.. ويقول: هذه طفلتي.. وكم غيرها من أبناء هذه الوطن قد مات، وغيرهم سيموت بسبب إغلاق مطار صنعاء، بسبب حصارنا بسبب منعنا من حقوقنا إذا بيعتبرونا إناس..)
مثلت أميرة قصة طفلة يمنية سلب روحها حصار جائر وعدوان ظالم على أبناء الشعب اليمني لأكثر من أربع سنوات متواصلة يُقتل اليمنيون وتُباد طفولتهم وتدمر حياتهم بكل ما تحويه، ينفذه تحالف العدوان والإجرام بقيادة أمريكا والسعودية والإمارات ومرتزقة الأرض وشذاذ العالم، عشرات الآلاف قتلوا بفعل الغارات المباشرة على منازلهم ومدارسهم وأسواقهم وبين معايشهم آلاف الأسر أبيدت وتشردت وتيتم بقية أطفالها، أما بغير المباشر فحدث ولا حرج تتحدث وزارة الصحة والسكان عن موت أكثر من خمسة وثلاثين مواطنا يمنيا توفوا نتيجة الأمراض التي قضت عليهم، كان من الممكن إنقاذ حيات الكثيرين منهم لو تمكنوا من الخروج للعلاج في دول أخرى، لكن الحصار وإغلاق المطارات ومنها مطار صنعاء الدولي تسبب في القضاء عليهم ومن الممكن أن يلقى الكثير من اليمنيين المصير ذاته بفعل تفاقم الحالات ونقص الكادر الصحي والعلاجات والآلات الطبية التي ترفض قوى العدوان إدخالها لليمن..
يحيى قاسم المدار